التجربة السياسية للحركة الإسلامية في سورية: الشيخ العالم عبد الوهاب سكر أنموذجاً

(1316 - 1406هـ ) / (1898 – 1986م )

clip_image002_d0526.jpg

يعد الشيخ العالم عبد الوهاب بن محمد سعيد بن عبد اللطيف بن محمد بن عبد الله بن سعيد الطائي الملقب (سكر)، البابي، ثم الحلبي الحنفي، أحد أبرز العلماء في ريف حلب الشرقي، جمع بين العلم والعمل، فكان فقيهاً، ومؤرخاً، وداعية، واستطاع أن يكون في حياته العامة سياسياً  جريء القول يقول الحق، ولا يخشى في الله لومة لائم، فهو مجاهد قد عرف أن السياسة هي جمع مصالح الدين والدنيا، ورعاية مصالح العباد والبلاد، فترشح للبرلمان فكان عضواً في الهيئة التأسيسية التي شغل مصطفى السباعي منصب النائب لرئيسها، فأسهم الشيخ عبد الوهاب سكر مع إخوانه العلماء في صياغة دستور إسلامي ما زال السوريون يرضون بأحكامه رغم تبدل الأحوال وتقلب الظروف منذ عام 1950 وإلى يومنا هذا .

       والحديث عن التجربة السياسية للشيخ عبد الوهاب سكر في هذه المقالة جاء مقتضباً لأن الذين ترجموا له لم يهتموا بهذا الجانب ..بقدر ما كان اهتمامهم منصباً على علم الشيخ وفقهه ومؤلفاته، ..

ولادته ونشأته:

          ولد الشيخ عبد الوهاب سكر في مدينة الباب، التابعة لمحافظة حلب، عام 1316ه/ 1898م، و انتقل والده إلى الدار الآخرة ، ولمَّا يبلغ الرابعة من عمره، فكفله عمه الحاج مصطفى، ورعاه، وأحسن إليه، وقدمه على أولاده.

دراسته ومراحل تعليمه :

        ولما بلغ الفتى عبد الوهاب سكر السادسة من عمره دفع به عمه إلى المدرسة الرشيدية، المدرسة الرسمية الوحيدة في مدينة الباب، يومئذ فتلقى فيها مبادئ علوم اللغة العربية واللغة التركية، والحساب، وعلوم الطبيعة، بالإضافة إلى العلوم الشرعية، وكان من أشهر أساتذته في هذه المدرسة الأستاذ الشيخ محمد رضا الأيوبي، وأتم الشيخ تعليمة في هذه المدرسة، وتخرج فيها، ثم انصرف بعدها إلى شيخه الشيخ مصطفى أبو زلام، ولزم دروسه في الفقه والتفسير، والحديث في مدرسته الشرعية في مدينة الباب، ولمس الشيخ من تلميذه النجيب فطنة وذكاء ورغبة في تحصيل العلوم الشرعية، فصحبه إلى مدينة حلب، وقدَّمه إلى لجنة القبول في المدرسة الخسروية، وكانت مؤلفة من كبار العلماء في مدينة حلب، وكان من جملة أعضائها: الشيخ أحمد الكردي ، الذي أعجب بذكاء الفتى وسداد إجاباته، فقال للشيخ مصطفى أبو زلام: لا خوف على تلميذك فهو ابني منذ اليوم، واختار له صحبة تماثله في الذكاء والرغبة في طلب العلم، وهما الشيخ محمد النبهان، والشيخ معروف الدواليبي، وأعطاهم غرفة في المدرسة الخسروية، وعكف الشيخ مع رفيقيه فيها يتابعون دروسهم، ويقرؤون مع بعضهم الكتب العلمية.

شيوخه في الخسروية :

         وفي هذه المدرسة قرأ علوم التلاوة والتجويد، والقراءات على شيخه الشيخ أحمد بن حامد التيجي المدني، وأخذ علوم التفسير على العلامة الشيخ أحمد الشمّاع، وأخذ الفقه الحنفي أصوله وفروعه، وعلم النحو على العلامة الشيخ أحمد عسّاف الكردي، وأخذ علم الحديث الشريف على محدِّث عصره الشيخ محمد نجيب سراج الدين، كما درس علم الفرائض على فرائضي حلب الشيخ عبد الله المعطي، وقرأ طرفاً من علوم اللغة العربية والفقه على الشيخ محمد أسعد العبجي، ولم يقتصر الشيخ على شيوخه في المدرسة الخسروية، بل راح يحضر حلقات الشيوخ في المساجد والمدارس الشرعية الأخرى، حيث كان يحضر حلقات شيخه الشيخ عيسى البيانوني، والشيخ إبراهيم السلقيني، والشيخ محمد راغب الطباخ وغيرهم.

         وإذا كان الشيخ قد أفاد من شيوخه هؤلاء فلقد كان لشيخه أحمد الكردي الأثر الأعظم في تكوينه الفكري والثقافي، وكان كثير الذكر له والثناء عليه.

          وبعد أن أتم الشيخ تحصيله في المدرسة الخسروية، عاد إلى بلده الباب؛ ليتابع تحصيله على شيخه الشيخ مصطفى أبو زلام، ثم اتفق مع زميله الشيخ محمد النبهان، على السفر إلى مصر، رغبة في الاستزادة من العلوم الشرعية التي أحبها، وجاور الرجلان في الأزهر الشريف، يأخذان العلم على شيوخه أمثال :

-الشيخ محمد بخيت المطيعي، والشيخ يوسف الدجوي، والشيخ عبد الجواد المنصوري، والشيخ سلامة العزامي، والشيخ الدرماني السوداني، وغيرهم، ثم تخرج في الأزهر، وحصل على الشهادة العالمية للغرباء سنة 1333هـ ـ 1925م.

         وعاد إلى بلده، وهو يحمل بين جوانحه علماً غزيراً، يؤمن بأن هذا العلم قربة يتقرب به إلى الله لا باباً من أبواب الرزق، يتكسب به، لذا رفض كل عروض الوظائف التي عرضت عليه، وأصرَّ على العمل في التجارة، واتخذ لنفسه دكان عطار في بلدة الباب بجانب جامع البدوي الذي كان يلقي فيه دروساً يومية.

          وفي هذه المرحلة من حياته، التقى الشيخ صالح أبو زبيبة، وأخذ عنه الطريقة الرفاعية، ثم التقى شيخه الشيخ محمد أبي النصر خلف الحمصي، وأخذ عنه الطريقة النقشبندية، ونصحه شيخه الشيخ صالح بأن يترك العمل، ويتفرغ للعلم والدعوة إلى الله، فيطيع أمره، ويقيم في مسجده منصرفاً للعبادة وإرشاد الناس وتعليمهم، من خلال دروسه المتواصلة فيه، وذاع صيته في المنطقة، وغدا مرجع العلماء وطلاب العلم و القضاة يستفتونه في كل مسألة لا يجدون لها حلاً.

         وفي عام 1944م، جاءه شيخه الشيخ أحمد الكردي، وطلب منه الخروج من عزلته، وبمساعدة شيخه الشيخ صالح أبو زبيبة استطاعا إقناعه بذلك، والنزول إلى مدينة حلب، ليستفيد منه طلاب العلم والناس عامة هناك، كما استطاع شيخه الشيخ أحمد الكردي أن يستصدر أمراً بتعيينه مدرساً دينياً في مدينة حلب، من المفتي العام للجمهورية السورية.

         وهكذا نهض الشيخ من جديد للدعوة إلى الله في مدينة حلب، وعلى عادته في البعد عن طلب الشهرة، اختار حياً شعبياً هو حي الكلاسة، واتخذ من جامع الرحيمية فيه مكاناً لإرشاد الناس وتوعيتهم، فكانت له دروس في هذا المسجد عصر كل يوم جمعة، والتفَّ الناس في هذا الحي حول شيخهم الذي أخلصهم النصح، واستطاع أن ينتشل الكثير منهم من جهله أو انصرافه إلى الدعوات الضالة التي كانت تنتشر آنذاك.

         وهكذا أحبَّه الناس، وكثُر تلاميذه في هذا الحي، وسار الشيخ بهم على نهج حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكان تلاميذه هم أبناؤه صغاراً وإخوانه وأصحابه كباراً، وأعمامه شيوخاً، يعامل الجميع بحب وتواضع جم، يرفض زيادة التعظيم، والقيام له، ويندِّد أشدَّ التنديد بالذين يتباهون بسير الناس خلفهم وتعظيمهم، وقد كان كثيراً ما يُردِّد هذا القول: « متى مال قلب السالك إلى حب الجاه والشهرة انقطع عن الطريق»، ثم يستشهد بقول إبراهيم بن الأدهم: « ما صدق من أحب الشهرة».

التجربة السياسية :

         جاء انقلاب حسني الزعيم ( 1894- 1949م ) يوم 30 آذار 1949 المدعوم من المخابرات الأمريكية وبإدارة ميجر ميد – رجل التنفيذ – وفي اليوم التالي للانقلاب أمضى الميجر ميد ساعات عديدة مع حسني الزعيم، وهو يحدد له أسماء أولئك الذين يجدر أن يكونوا في مناصب دبلوماسية، ومن يجدر أن يكون سفيراً في لندن، وقام حسني الزعيم بإقفال الحدود، وتعطيل الصحافة، وملاحقة أركان العهد السابق، وبذل العهود بأن يكون الحاكم الجديد في خدمة الشعب .

         واحتلت الفرق العسكرية البرلمان، فاجتمع النواب في فندق (أوريان بالاس )، فصوّت أكثر من /70 / نائباً لصالح الوضع الجديد، ثم قرر المجلس تشكيل لجنة ضمت فارس خوري، وعادل أرسلان، ومصطفى برمدا للتباحث مع حسني الزعيم والخروج من المأزق بحل دستوري، ولما فشل اللقاء أصدر الزعيم في 2 / 4 / 1949م مرسوماً بحل البرلمان، ومرسوماً نصب نفسه رئيساً للدولة، وحصر السلطتين التشريعية والتنفيذية في يده .

         لقد منع حسني الزعيم الحريات وكم الأفواه، وألغى حجاب المرأة، وكما ألغى الوقف الذري، ثم خطا خطوة واسعة في طريق فصل الدين عن الدولة، ثم كشف القناع عن سياسته الخارجية، فوافق على الاتفاقية مع شركة ( التابلاين ) الأمريكية، ثم وعد الأمريكان بالقيام بخطوة إيجابية تجاه إسرائيل، ورحب بحلف عسكري شرق أوسطي، وجاهر بصداقته للفرنسيين، واستخدم أموال الأوقاف في تقوية الجيش ، ورفع الضرائب، وضم جهاز الدرك إلى الجيش وليس الداخلية، وشكل وزارة شغل فيها منصب الداخلية والدفاع، وألغى مجلة الأحكام العدلية وسجن رشدي الكيخيا وفيضي الأتاسي السجن ، وعطل الدستور، وألغى القانون الإسلامي، وصادر أموال الوقف، وطبق القانون المدني ..فانقلب عليه الجيش بقيادة سامي الحناوي الذي شكل محكمة برئاسته وحكم عليه بالإعدام في 14 / 8 / 1949م .

         ثم جاءت انتخابات 15 / 10 /  عام 1949 م، التي كانت حدثاً هاماً في مسيرة الإخوان المسلمين السياسية حيث دخلوا بقائمة عن مدينة دمشق، وقد حملت القائمة اسم الجبهة الاشتراكية الإسلامية، وضمت عدداً من المرشحين الذين جاؤوا من عدة مدن سورية: د. مصطفى السباعي من مدينة حمص، ومحمد المبارك (دمشق )، والدكتور الطبيب عارف الطرقجي الذي حضر من حلب ليدرس في كلية الطب، والسيد صبحي العمري، وسعيد حيدر، والطبيب جورج شلهوب، الذي أعطى ترشيحه صيتاً حسناً للجماعة، وأظهرها بمظهر الاعتدال، وعدم الطائفية والتعصب ..

          أما حلب فكان لها شأن آخر حيث تم ترشيح معروف الدواليبي، وعمر بهاء الأميري كمرشح مستقل، فنحج معروف الدواليبي باسم حزب الشعب، ودعم من الإخوان الذين لم تنقطع صلته بهم وتعاونه معهم،  فحقق الإخوان وأنصارهم في الجبهة الاشتراكية الإسلامية فوزاً ساحقاً ، وأخفق الحوراني، وبكداش في تلك الانتخابات .

          وأما الشيخ عبد الفتاح سكر – رحمه الله تعالى – فقد طلب منه إخوانه، وأهل بلدته أن يرشح نفسه ليمثلهم في عضوية المجلس التأسيسي، ورشح الشيخ نفسه، وأصدر بياناً يشرح فيه أهدافه التي يروم تحقيقها في هذا المجلس، وهي تدل على علمه ووعيه وإدراكه لمصلحة الناس، وقد كان للشيخ في هذا المجلس مواقف مشرفة في الدفاع عن الدين والقيم والأخلاق.

          وشكل نواب الجبهة الإسلامية تكتلاً مهماً بعد أن انضم إليهم عدد من النواب أمثال : عبد الحميد الطباع مرشح الجمعية الغراء، وعبد السلام حيدر، والشيخ عبد الوهاب سكر مرشح منطقة الباب التابعة لمحافظة حلب، بالإضافة إلى تعاون الدواليبي معهم، والدكتور جورج شلهوب، والمحامي قسطنطين منسّى، ليكون العدد كما جاء في جريدة الليموند الفرنسية في ( 29 / 1/ 1950م ): قد بلغ عدد نواب الجبهة عشرة نواب .

        وكان نواب الجبهة من العلماء الكبار، ومن قادة الفكر ورجال السياسة، وهذا يجعل تأثيرهم في المجلس يفوق عددهم، قياساً على الأعضاء الآخرين من العشائر والأحزاب والمستقلين، وبالإضافة إلى قوة الجبهة العددية والنوعية، فإنها طرحت برنامجاً شاملاً، كان عدتها في حياتها النيابية، وفي برامجها السياسية .

         وكانت مهمة ذلك المجلس المشاركة في وضع الدستور، فساهم الشيخ عبد الوهاب سكر مع إخوانه في صبغ الدستور بالصبغة الإسلامية، فالفقه مصدر التشريع، والإسلام دين رئيس الدولة ..

وهذه هي مواده ومفرداته :

أ‌-                في السياسة الخارجية :

-العمل من أجل تقوية الروابط بين الدول العربية في شتى المجالات، وإزالة العقبات فيما بينها، والتي تحول دون تحقيق الوحدة المطلوبة، وإن أي تقوية لتكتلات عربية هي مصلحة الأمة العربية إذا كانت لا تخضع لتأثير السياسة الامبريالية وسيطرة أعوانها في صفوف قادة ورؤساء الدول العربية .

-تعديل ميثاق جامعة الدول العربية بحيث تتحول إلى أداة قوية لتكون قائدة للأمة العربية، وليست أداة لبسط نفوذ أولئك الذين يتسلمون مناصب في داخلها .

-حل المشكلة الفلسطينية من خلال إخراج القوة الكامنة في نفوس العرب والمسلمين إلى النور، واستخدام جميع إمكانات الشعب من أجل تحرير الأرض المقدسة من مخالب الصهاينة وإزاحة القادة السياسيين الذين هزموا في معركة عام 1948م .

-تقوية التعاون بين الدول الإسلامية في المجالات الثقافية والاقتصادية وغيرها .

-إيجاد روابط سياسية مع الدول الكبرى تستند إلى قاعدة من التكافؤ، على أن تشكل المحافظة على مصلحة البلاد وسيادتها وضمان استقلالها القاعدة لأي تعاون بين الطرفين .

ب- في السياسة الداخلية :

-حماية السياسة الداخلية من أي تدخل أجنبي ، والمحافظة على النظام الجمهوري، مع المحافظة على التوازن بين السلطات ضمن حدود الدستور .

-على الدستور الجديد أن يتناسب مع شخصية الأمة، ويحقق آمالها في المحافظة عليها من خلال قوانين تجاري العصر وتطوراته ، حيث تضمن الحريات العامة، وتضرب على أيدي الذين يتلاعبون بحقوق الشعب وآماله واستقلاله وأمواله .

- نزاهة الحكومة وإقامتها على أسس دستورية تحول دون النزعة إلى التحكم، ويعترف بها بتمثيل الشعب من خلال البرلمان الذي يتم انتخابه من قبل الشعب في انتخابات حرة نزيهة ، فالشعب مصدر السلطات ، وأعلى السلطات في تنفيذ سياسة الدولة وأمورها .

-إصلاح الإدارة الحكومية ، وتنظيفها من الرشاوي والمحسوبيات ، والتقليل من البيروقراطية من خلال تسريح الفاسدين ، والاقتصاد في الميزانية وتحقيق العدالة ورعاية مصالح العامة .

-تقوية الجيش معنوياً من خلال تقوية معتقداته الدينية وأخلاقه ومادياً بتقوية أسلحته واستعداده وإقامة مصانع للأسلحة وتطبيق الخدمة الإجبارية ...

ج-في إصلاح جهاز التربية والتعليم والنظام الاجتماعي :

        -من الضروري إقامة سياسة للإصلاح الداخلي على أسس : النظر إلى الحقائق وليس إلى المظاهر، والبدء بالضروري قبل الكمالي ، ويجب أن يشمل الإصلاح جميع أبناء الوطن دون تمييز بين أهالي المدن والقرى، أو الغنى والفقر، ومراعاة صحة الفقراء قبل احتياجات الأغنياء .

- حماية العقائد من الإلحاد ، واستلهام نظام الدولة وقوانينها من تشريعنا الإسلامي وإرثنا العربي ، ونشر الروحانية والإباء والشجاعة في نفوس الأمة والمحافظة على أخلاقها من الميوعة ، وتوجيه النشرات الإذاعية والسينمائية والصحافية نحو هذا الهدف .

-توحيد المناهج في المدارس الحكومية والمؤسسات الخاصة الأجنبية حسب قاعدتين : الإيمان بالله والتمسك بالأخلاق والفضيلة لتتحول المؤسسات التعليمية إلى أدوات سليمة لإنشاء جيل يفهم رسالة وطنه، ويفتخر بآدابه ويحقق مصلحة البلاد، حاملاً علامات التقدم والرجولة .

- على الدولة والشعب الأخذ بقانون التقشف الذي يحول دون الإسراف والتبذير وينمي أموال الدولة المخصصة للتسلح والتعليم والضمانات الاجتماعية وبرامج الإصلاح الضرورية .

- إيجاد سياسة مالية واقتصادية للدولة تعتمد على نمو الثروات الوطنية، وتحسين وسائل الإنتاج ، وفتح الأسواق العالمية للمنتجات المحلية، وتنظيم الاستيراد والتصدير بحيث تتم حماية أموال الدولة ، وعدم استيراد المواد الكمالية، وتخفيض الضرائب على الشعب .

-توزيع أراضي الدولة على صغار المزارعين وخريجي المعاهد الزراعية ، وتحديد الملكية ، وتحقيق العدالة الاجتماعية .

- حماية حقوق العمال بضمان مصالحهم ، وزيادة إنتاجهم وتحقيق التضامن بين العمال وأرباب العمل .

-الاهتمام بالقرى وطرقاتها ، وتزويدها بالكهرباء وإمدادات المياه وبناء المساجد والمدارس والمكتبات والمراكز الصحية والطبية .

-رفع مستوى المرأة وحماية أخلاقها وقيمها ، والعناية بتربيتها فيما يجعلها أماً جيدة ومربية جيل ممتازة .

-تأميم الشركات الأجنبية المرخص بها، لتصبح ملكاً للدولة .

-تأسيس مؤسسة الزكاة لمحافحة الفقر والجهل والمرض، لرفع مستوى العائلات الفقيرة، ولتحقيق مخططات البناء التي تفيد الفقراء وتأسيس إدارات اجتماعية لللاجئين والعجزة والضعفاء والأيتام .

العودة إلى التدريس ونشر التعليم :

        وما إن أنهى الشيخ مهمته في المجلس النيابي، ونزل إلى حلب، حتى أقبل مدراء المدارس يطلبون منه إلقاء دروسه في مدارسهم، ونزولاً عند رغبة شيخه أحمد الكردي، أخذ يلقي دروساً في الأخلاق والحديث والفقه والسيرة النبوية وأعلام الإسلام في المدرسة الخسروية ـ الثانوية الشرعية ـ وفي مدرسة الشعبانية، كما كانت له دروس في التربية الإسلامية في التجهيز الأولى للبنين ثانوية المأمون ، والتجهيز الأولى للبنات ثانوية معاوية، وفي دار المعلمين، ودار المعلمات، وظل الشيخ على دروسه إلى قبيل وفاته.

          ورأى فيه المسؤولون في مديرية الأوقاف الحكمة والكياسة في سياسته الناس عامة وطلاب العلم خاصَّة، فراحوا يكلفونه بإدارة المدارس الشرعية وبخاصة في أوقات الاضطرابات والأزمات والفتن، وكان الشيخ بحكمته وحزمه، يقود المدرسة إلى شاطئ الأمان والسلامة، ثم يعود لما نذر له نفسه من الدعوة إلى الله ونشر العلم، لذا كثر طلابه وتلامذته وقلما تجد الآن في حلب طالب علم أو عالماً أو مثقفاً إلا والشيخ أستاذه ومعلمه فطلابه في دار المعلمين والتجهيز الأولى أكثر من أن يحصيهم العدُّ، أما طلابه من طَلَبة العلم الشرعي فكثيرون جداً، إذ أمضى الشيخ زهاء أربعين عاماً وهو يُدرّس في المدارس الشرعية، نذكر بعض طلابه الذين نبغوا أو أصبح لهم مكانة علمية أو اجتماعية أو سياسية منهم :

- الأستاذ أحمد مهدي الخضر، والشيخ طاهر خير الله، والدكتور ناظم النسيمي، والشيخ بكري البس، والشيخ عبد الحسيب العلبي، وثابت كيالي، والشيخ محمد بدر الدين أبو صالح، والدكتور بكري الشيخ أمين، والشيخ الدكتور إبراهيم السلقيني، والشيخ محمد نبيه سالم، والشيخ الدكتور محمود عكام، والشيخ محمد مجاهد شعبان، والشيخ أحمد بنان، والدكتور عبد السلام الراغب، والشيخ أحمد ناصر الحوت، ومحمد عدنان كاتبي .. وغيرهم كثير.

مؤلفاته:

         ومع انشغال الشيخ بالدعوة وسياسة أمور الناس، فقد ترك عدداً من المؤلفات تدل على سَعَة علمه ونهجه في الدعوة إلى الله، طبع بعضها، وما زال بعضها مخطوطاً، لدى ابنه الشيخ محمد سكر، فمن كتبه المطبوعة:

1 ـ التذكار بموجز من سيرة النبي المختار ـ مطبوع بمطبعة الاستقامة ـ .

2 ـ أعلام الإسلام، ترجم فيه لخمسة وعشرين علماً ممن كان له المركز السامي في التوجيه وبعث الجيل إلى أفضل الحالات ومقاومة الظلم والاستبداد والصبر على المكاره، وكان أحد مقررات المرحلة الإعدادية في الثانوية الشرعية.

3 ـ التهذيب في الفقه الحنفي جزآن ( طبع في مطبعة الأصيل بحلب).

4ـ مذكرات السيرة النبوية ( مطبوع ).

أما كتبه المخطوطة ومجاميعه، فكثيرة نذكر منها:

1 ـ تحفة المحبين في الصلاة على سيد الأولين ولآخرين صلى الله عليه وسلم.

2 ـ كتاب في الحديث النبوي الشريف جمع فيه ما ينوف على ستين حديثاً مع شرحها والتعليق عليها.

3 ـ الدرر الدينية التوجيهية لطلاب دار المعلمين الابتدائية.

4ـ كتاب الأخلاق، وقد جعله مجالساً، تناول في كل مجلس باباً من أبواب الشريعة، أو خلفاً من أخلاقها.

5 ـ كتاب البيانات، وقد قسمه المؤلف إلى أبحاث، وسمى كل بحث فيه بياناً جاء البيان الأول في التحذير من موالاة الكفار، والبيان الثاني في صفات المؤمنين وهكذا.

6 ـ كتاب الحديقة من كل روض زهرة، جمع فيه مؤلفه ما اختاره أثناء مطالعاته في كتب الأدب من أشعار وحكم وقصص ونكت بلاغية ونحويه.

           كما ترك الشيخ الكثير من المجاميع والأوراق والتعليقات والحواشي على الكتب التي كان يطالعها بالإضافة إلى مجموعة من الأشرطة المسجلة لدروسه في جامع الرحيمية.

أخلاقه وأوصافه:

         كان الشيخ عبد الوهاب سكر – رحمه الله – عفيفاً، طيب القلب، عظيم النفس، عالي الهمة، متواضع، محب لطلابه وإخوانه، كثير العبادة، والذكر وقراءة القرآن، عظيم الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مبتعد عن الشهرة والصيت، يكره المناصب الدنيوية ويبتعد عنها ما أمكنه.

       جميل الوجه، واضح القسمات، عظيم اللحية، منوَّر الشيبة، ربعة بين الرجال إلى الطول أقرب، يحب الاعتناء بملبسه، ويزين رأسه بعمامة بيضاء لفت بإحكام فوق طربوشه الأحمر.

        وكان -رحمه الله- يميل إلى الوسطية والاعتدال، ويكره التطرف والتنطع، لطيف المعشر، طيب القلب، محبوباً من جميع الناس على اختلاف مشاربهم ، ومن يقرأ كتابه أعلام الإسلام يجده يحاول إرضاء جميع الأطراف من صوفية وسلفية وأشاعرة ...وغيرهم ..فقد كتب عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والأفغاني، ومحمد عبده.. كما كتب عن بدر الدين الحسني وأعلام التصوف في العصر الحديث .

وفاته :

        بقي الشيخ على نهجه في الدعوة، وأخلاقه الحسنة إلى أن وافته المنية صباح يوم السبت، في السادس والعشرين من ذي الحجة، سنة 1406هـ، الموافق للثلاثين من آب عام 1986م، مخلفاً مدينة حلب وحي الكلاسة، فيها خاصَّة، وكذلك مدينة الباب في مأتم حقيقي، وشيَّعته المدينة التي أحبته بموكب جليل يليق بعلمائها، حضره عدد كبير من علماء حلب وطلبة العلم فيها وجمهور غفير من عامة الناس، وصُلي عليه في الجامع الأموي الكبير، وأمَّ الناس في الصلاة عليه أخوه وصديقه الشيخ محمد أديب حسون، وألقيت في المسجد كلمات التأبين المؤثرة، وكان من جملة المتحدثين في مجالس التأبين عدد من إخوانه وطلابه منهم مدير أوقاف حلب السابق الشيخ الدكتور محمد صهيب الشامي، ومفتي حلب سابقاً، الشيخ الدكتور أحمد حسُّون، والشيخ الدكتور محمود عكام، والشيخ محمد بلال، والأستاذ محمد عدنان كاتبي، وغيرهم، ودفن في مقبرة السفيري، وقد كتب على أحد ألواح قبره هذين البيتين:

يا رب إني جئت أطلب رحمة     متشفعاً بمحمد خير الورى

رحم الله الشيخ عبد الوهاب سكر، وأسكنه فسيح جناته

أصداء الرحيل :

تحت عنوان : الشيخ عبد الوهاب سكر رحمه الله:

 كتب د. محمود عكام مقالة في سلسلة (رجال عرفتهم وغادرونا )- الكلمة / 25 /- نشرها في  11 أيار2017م يقول فيها :

( هو الشيخُ الأنيس الَّلطيف السُّكَّر عبد الوهاب سكر

أمام باب الإدارة الغربية في الخسروية شيخٌ وقورٌ أنيق، وسألتُ نفسي وأنا أراه مَن هذا الجليل ! أريدُ أن أتعرَّف عليه لأنني سأكون طالباً في هذه الثانوية بعد شهر تقريباً، نعم لقد بدا حرصي على معرفة هذا الشيخ على وجهي، فأجابني أحدهم: إنه الشيخ عبد الوهاب سكر. وتابعت إشباع الفضول بالتساؤل وطرح الأسئلة: هل يُدرِّس هذا الشيخ طلاب الصف الأول الإعدادي ؟ فأجاب: "من الممكن" فَرِحتُ ورُحتُ أنتظر الافتتاح، وبدأ العام الدراسي ليدخل علينا الأستاذ الشيخ نفسه عبد الوهاب سكر، ويدرّسنا مادة درسيَّة تُدعى "أعلام الإسلام" والكتاب المدرَّس من تأليفه، فيا فرحتي اشتدِّي.

أنيقٌ في لباسه، أنيقٌ في كلامه، أنيقٌ في مِشيته، أنيقٌ في عبادته، أنيقٌ في سلامه، يحبُّ العلم وطلبه وتدريسه ومذاكرته، فهو مَن كان يكرِّر على مسامعنا:

فأدِمْ للعلم مذاكرةً ... فحياةُ العلم مذاكرته

زرتُه في بيته مرات، وفي كل مرة كنت المستفيدَ المنتفع، وأتابع سِمَة الأناقة لأقول: أنيقٌ في تواضعه، أنيقٌ في خدمة ضيفه، سبحان من أعطاه ومنحه فجعله موهوباً مرتَّباً محبوباً، كان يَعِظ الناس في المسجد، ويتنافس حالُه وقالُه في التأثير في الناس نفعاً وخيراً.

        أيها الشيخ الجليل: طِبتَ حَيَّاً ومَيتاً، وجُزيتَ عنِّي وعن زملائي طلبة العلم أفضل الجزاء وأحسنه وأجزَلَه، لم نقدِّرك حقَّ قدرك في حياتك، فها نحن أولاء في ليلة الظَّلام نفتقد السُّكَّر البدر، ستبقى معْلَمَ هداية على طريق النور الذي افتتحه سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم واستمرَّ يرعاه بورثة له أمثالك، فالحمد لله والشكر لله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ورَّاثه الذين هم مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء.

المراجع والمصادر:

1- علماء من حلب في القرن الرابع عشر ص408ـ416ـ محمد عدنان كاتبي - بتصرف يسير.

2- رابطة العلماء السوريين – يشرف عليها الشيخ مجد مكي .

3- رابطة أدباء الشام .  محمود عكام – وسوم : العدد 719

4- موقع أحباب الشيخ عبد الوهاب سكر .

5- الإخوان المسلمون في سورية: ما قبل التأسيس حتى عام 1954م: عدنان سعد الدين: 1/ 286- 292.

وسوم: العدد 765