رحيل المناضل اللواء زياد الصوراني "أبو طارق"

clip_image002_c89f7.jpg

كم يعز علينا أن نودع واحداً من خيرة الرجال، ونتذكر صفاته ومناقبه وشمائله الحميدة، فقد كان المرحوم المناضل زياد الصوراني يتحلى بأخلاق فاضلة كثيرة، ومزايا حميدة، فقد شب مشبعاً بالروح الوطنية، ومغرماً بحب وطنه الكبير، حيث عاش حياته، بطولها وعرضها، في سبيل الكرامة والمبدأ، نقف اليوم، في محطات البذل والتضحية، أمام سيرة وطنية عطرة لشخصية فلسطينية تميز تاريخها بالصدق والجدية والمثابرة.

كان - رحمه الله - من المؤمنين أن البقاء في هذه الأرض للأصلح والأنفع، فمن العسير حقاً أن تكون الكلمات أداة لتعطيه حقه، وتنبئ عن النبضات الإنسانية التي كان يحملها في فؤاده.

فاللواء زياد عطا الصوراني، وكنيته (أبو طارق) ولد في مدينة غزة في 19 أيار/ مايو 1947، وهو من أسرة غزية معروفة بتاريخها الوطني، وأنهى دراسته الثانوية العامة في مدرسة فلسطين عام 1967، وأثناء دراسته الثانوية تعرف على (الأستاذ جمال عايش) الذي كان وراء انضمامه لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).

وبعد حرب عام 1967 نشط المناضل زياد الصوراني في العمل التنظيمي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكلف مع مجموعته بالبحث عن الشباب المتميز وطنياً لتنظيمهم للتصدي للاحتلال الإسرائيلي، وقد نجحت الخلايا الأولى في القيام بالعديد من المهام النضالية، وعملوا على جمع ونقل السلاح للمناضلين في مدينة خليل الرحمن.. ومع تزايد عمليات الملاحقة من قبل الاحتلال الإسرائيلي لقيادات التنظيم وإفراده؛ اضطر البعض منهم إلى مغادرة قطاع غزة إلى عمان؛ مما زاد على من بقي في غزة عبء العمل ومسؤولياته، وكان زياد الصوراني واحداً منهم.

في فجر يوم 30 يناير 1968 تعرض للاعتقال مع 11 مناضلاً منهم (عبد اللطيف عبيد، عمران سنونو، مالك الصوراني، الشهيد ماهر البورنو، علي أبو الكأس.. وآخرين)، وتعرض في أقبية التحقيق مع رفاقه لأقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وعاش تجربة مريرة في سجن غزة المركزي، وعندما قدم للمحاكمة وكانت حينئذ علنية حيث سُمح لمراسلي الصحف المحلية والأجنبية نقل وقائعها، حيث حاول الإدعاء الإسرائيلي خداع الرأي العام بالحديث عن معاملة انسانية للمعتقلين، وأن هذه المجموعة كانت في سجون أشبه بفنادق، وأنهم عوملوا معاملة حسنة غير أن آثار التعذيب التي كانت على أجسادهم قد فضحت ودحضت هذه الإدعاءات وكان للمناضل زياد الصوراني الفضل في كشف ذلك بتشجيع من المحامي القدير (فايز أبو رحمه) مما دفع بالإدعاء الإسرائيلي المطالبة بإضافة تهمة جديدة لقائمة الاتهام، وهي التشهير والاساءة لسمعة السجون والمعتقلات الإسرائيلية, وديمقراطية الاحتلال المزعومة، وأخيراً أصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية المكونة من ثلاثة قضاة حكمها الجائر بسجنه مدة ثلاثة أعوام مع غرامة مالية قدرها (4000 دولار) إلى أن منَّ الله عليه بالفرج في 9 شباط عام 1969. ليفاجأ بقيام سلطات الاحتلال بفصله من وظيفته في دائرة العدلية (المحاكم)، وبدأت المضايقات الإسرائيلية تطارده إلى أن رُحل قسراً إلى عمان في مارس 1970، وبالرغم من مرارة الرحيل عن الوطن إلا أنه وجد في عمان مبتغاه، فالتحق بصفوف الثورة الفلسطينية، وقُدر له أن يعيش أحداث أيلول المؤلمة، وعانى ما عاناه المناضلون في عمان إلى أن رحل مع رفاقه إلى سوريا, ولم يلبث فيه طويلاً، إذ رشح في أول بعثة دراسية من قبل مكتب البعثات في منظمة التحرير الفلسطينية لإكمال دراسته في الجزائر, التي وصلها يوم 4 نوفمبر عام 1970، ووجد فيها وطناً ثانياً حقيقة وليس مجازاً حيث نال الفلسطينيون قسطاً وافراً من الدفء والرعاية من شعب الجزائر وقيادته, وقد جسد هذا الموقف الرئيس الجزائري الراحل (الهواري بو مدين) حين قال مقولته الشهيرة في إحدي القمم العربية: (أنا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة). وحصل المناضل زياد الصوراني على شهادة البكالوريوس في الفيزياء من جامعة الجزائر عام 1975. ونشط أثناء دراسته في العمل التنظيمي والنقابي، حيث ساهم في تأسيس أول فرع للاتحاد العام لطلبة فلسطين – فرع وهران، ثم انتخب عضواً في الهيئة الادارية للاتحاد – فرع الجزائر عام 1973، وشارك في جميع المؤتمرات الفلسطينية المنعقدة في الجزائر، وفي المجالس الوطنية الفلسطينية المتتالية كعضو مراقب.

التقى المناضل زياد الصوراني العديد من المناضلين أمثال: خليل الوزير (أبو جهاد)، صبحي أبو كرش (أبو المنذر), وأحمد وافي (أبو خليل)، وربيع عياد (أبو جمال)، وآخرين، وكلف بمهام عضو لجنة إقليم الجزائر بحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، كما عمل معلماً للمرحلة الثانوية، واستمر على ذلك حتى عام 1994، حين استدعى إلى تونس مع نخبة من الكوادر الحركية الفتحاوية، حيث كلف مع نفر من هؤلاء الكوادر، لتشكيل نواة لجهاز التوجيه السياسي والمعنوي في داخل الوطن.

بعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية إلى أرض الوطن - طبقاً لاتفاقية أوسلو – عاد المناضل زياد الصوراني إلى غزة على أمل تحقيق أحلامه وآماله في مستقبل واعد يسوده الوئام والسلام، وأصدر الرئيس ياسر عرفات قراراً بتعيينه عقيداً في التوجيه السياسي والوطني في شباط 1995، ثم عميداً في شباط 2003، وكلف بمهام عدة منها: مفوض سياسي عام للأجهزة الأمنية، فمفوض سياسي عام للشرطة والأمن الداخلي، ثم عضو في المجلس الأعلى لهيئة التوجيه السياسي والوطني، واستمر على ذلك إلى أن أحيل للتقاعد عام 2008. وكان له رأي واضح فيما يجري على أرض غزة عقب أحداث حزيران 2007، حيث لا يخفي ألمه وامتعاضه من انقسام الوطن الواحد الذي يرى فيه هدية مجانية تقدم للعدو الإسرائيلي، وكان أمله كبير في استعادة وحدة الصف والأرض، كما كان – رحمه الله - من المدافعين عن منظمة التحرير الفلسطينية، كأبرز منجز وطني فلسطيني، فروح النضال ظلت سارية وسائدة في وجدانه وضميره، ومارس هوايته في القراءة والمطالعة والتعليق على الأحداث السياسية، إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى ظهر يوم الخميس 26 نيسان/ أبريل 2018م الموافق 10 شعبان 1439 ه.

clip_image004_98728.jpg

وسوم: العدد 770