الشيخ محمد منير لطفي - العالم الداعية المربي

clip_image002_36f33.jpg

الشيخ محمد منير لطفي

1912ـ 1979

اسمه ونسبه: محمد منير بن الشيخ محمد حسن بن أحمد بن عبد القادر بن مصطفى .... بن عبد اللطيف الذي تحولت إلى لطفي ...

ولادته: ولد في مدينة حماة السورية عام 1912 م.

والده الشيخ حسن لطفي ـ رحمه الله ـ إمام مسجد المسعود بحماة، وصاحب المكتبة العلمية بشارع المرابط. كان الشيخ محمد منير ووالده شافعيين، وعمه الشيخ سعيد لطفي الفقيه الحنفي.

تنتسب العائلة إلى عرب أبو خميس(من منطقة الجزيرة السورية).

نشأته ودراسته: درس في حماة أيامه الأولى , ثم التحق بدار المعلمين بدمشق، وتخرج في عام 1929 م، وتميَّز بتفوقه باللغتين العربية والفرنسية.

من أساتذته: الأستاذ محمد سليمان البارد، والأستاذ خالد المنجد.

من شيوخه: الشيخ محمود عبد الرحمن الشقفه، والشيخ محمود العثمان، والشيخ محمد توفيق الشيرازي الصباغ، والشيخ زاكي الدندشي رحمهم الله أجمعين.

أعماله: بدأ حياته العملية معلما في السلمية عام 1930 م، واشتغل معه الشيخ علي الطنطاوي والأستاذ عز الدين عرواني، وكان مدير المدرسة الأستاذ باكير أورفلي.

نقل إلى حماة عام 1933 م، وعلّـم في مدرسة الإخاء في حي الحاضر، ثم في مدرسة التطبيقات، ثم في مدرسة نور الدين الشهيد، ثم ندب كمشرف عام على المدارس التابعة لجمعية البر الإسلامية، والتي كان يشرف عليها الشيخ سعيد النعسان مفتي حماة،، ثم درّس العربية والدين في المحمدية الشرعية الإعدادية.

في عام 1954 أصبح مديرا لمدرسة الرشيد، وتنقل مديرا في عدة مدارس منها مدرسة صلاح الدين الأيوبي، وكان آخرها مدرسة(ذي قار) في حي المرابط التي أحيل منها على المعاش.

الإمامة والخطابة: إضافة لعمله في التربية والتعليم قام بالإمامة والخطابة والوعظ في عدة مساجد في حماة، ومن هذه المساجد: جامع المسعود وجامع الأحدب وجامع طوسون بيك(ترسم بك) وجامع الدلوك، وآخرها جامع أبو عبيده بن الجراح الذي بقي فيه حتى توفاه الله تعالى إلى رحمته في 24/2/1979 م

كما أمضى مدَّة من الزمن خطيبا في جامع النصر في حي(عين اللوزة) جنوبي حماة.

النشاط العام: كان الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ كأيِّ أحد من من علماء حماة يعيش مع الشعب، ويسعى جاهدا في خدمة دينه بشتى الوسائل والسبل، وهكذا عرفنا عامة علمائنا في البلد، فقلما تجد فيهم العالم المنزوي الذي يعيش بعيدا عن أمته وبلدته، من أجل ذلك شارك في أكثر الجمعيات الإسلامية التي نشأت في حماة من أجل خدمة الدين، فكان أول المسجلين في جمعية العلماء منذ عام 1954 م، واستمر بها حتى وفاته ـ رحمه الله ـ مواظبا على اجتماعاتها.

جمعية العلماء: وهنا نذكر أن جمعية العلماء بحماة كانت المنتدى الذي يلتقي به علماء البلد، ويتذاكرون مصالحه، ومن خلالها يقومون بمطالبة المسئولين والحكام بالإصلاحات التي يحتاجها البلد، ويقومون بإحياء المناسبات الإسلامية، حتى أن احتفالات الجمعية كانت تلقى قبولا من الجماهير أكثر من احتفالات دائرة الأوقاف الرسمية،.

ومن الشخصيات ذات الأثر الكبير في مسيرة الجمعية الشيخ محمد الحامد رحمه الله، والشيخ محمد توفيق الشيرازي الصباغ رئيس الجمعية، والشيخ محمد علي المراد والشيخ عبد الله الحلاق أمين سر الجمعية، والشيخ منير الحوراني، والشيخ سعيد العبد الله، وآخرون لا تحضرني أسماؤهم رحمهم الله أجمعين

جمعية النهضة الإسلامية: شارك ـ رحمه الله ـ بهمَّة ونشاط واندفاع في جمعية (النهضة الإسلامية) التي تأسست في حماة عام 1951 م تقريبا، وكان غرضها الخدمات الاجتماعية، فكانت تقوم بجمع الزكوات والصدقات وتوزيعها كأرقى جمعية خيرية لها جداولها التي تحتوي أسماء الأسر الفقيرة التي تتقاضى راتبا شهريا من الجمعية.

شباب محمد: في الأربعينيات كان في مدينة حماة جمعية دينية اسمها(شباب محمد) وفي حلب كان(دار الأرقم)، ومن أهم رجالها الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري، وفي حمص الشيخ مصطفى السباعي وله جماعته، وفي دمشق كان الشيخ محمد المبارك وله جمعية رحمهم الله تعالى، وعندما رجع الشيخ مصطفى السباعي والشيخ محمد الحامد من مصر اجتمعا مع عدد من العلماء الغيورين للوصول إلى صيغة للعمل الإسلامي المشترك بين المدن السورية، وفعلا وصلوا إلى صيغة لتشكيل جمعية إسلامية، لكنهم توقفوا عند اختيار اسم لها، فاقترح الشيخ محمد الحامد رحمه الله تعالى اسم(الإخوان المسلمون)، لتكون فرعا من جمعية الإخوان المسلمون في مصر فوافق الجميع، ورشّح الشيخ محمد الحامد أخاه الدكتور السباعي رحمه الله تعالى كأول مراقب عام للإخوان المسلمين في سورية، وكان ذلك، وفي هذه المرحلة كان الشيخ منير رحمه الله أحد رجالها ممَّا زاد الصلة بينه وبين الشيخ محمد الحامد رحمه الله.

استمراره على حضور مجالس العلم: لم تشغل الشيخ رحمه الله أعماله الكثيرة وأسرته الكبيرة. عن طلب العلم، فقد كان رحمه الله تعالى يتمنى أن يلقى الله تعالى وهو يطلب العلم، وقد كان ذلك فلم ينقطع عن مجالس جامع العليليات أو جامع الشيخ علوان الذي أعيد تشييده بعد عدوان ١٩٨٢ وسمته الحكومة جامع المحبة، وهو الجامع الرسمي للحكومة، وفيه مقر جمعية العلماء التي كان يجتمع فيها وينتسب إليها كبار علماء حماه ومنهم الشيخ محمد منير لطفي والحامد والحلاق والمراد وغيرهم. وكان الشيخ منير يحتسب حضوره دعوة إلى الله وتعاونا مع إخوانه العلماء على البر والتقوى وطلبا للعلم، لكن للشيخ رحمه الله مجالس أخرى حافظ عليها كمجلس الشيخ الفقيه الحنفي زاكي الدندشي في الجامع الجديد فى السوق الطويل، وكذا مجلس في مسجد المرابط من الضحى في كل صباح مع ثلة كريمة من إخوانه.

وكان له حلقة مع عدد من إخوانه أئمة المساجد كذلك في جامع المرابط من الضحى في كل صباح.

لباس العلماء: ارتدى رحمه الله زِيِّ العلماء(العمامة والطربوش) منذ عام 1941 م بعد وفاة والده الشيخ حسن لطفي رحمه الله.تعالى

أقرانه من العلماء:إذا ذكر الشيخ منير لطفي رحمه الله تعالى فلا بد أن يذكر معه الشيخ محمد الحامد والشيخ عبد الله الحلاق، بل إ ن الشيخ الحامد كان يحتفظ له بمكان كريم عبر عنه يوما بقوله:(ليتني كنت شعرة في جسد الشيخ منير لطفي) وشهد له بالصلاح والتقى والصبر، وقد رئي الشيخان في عدد من الرؤى الصالحة بعد وفاتهما مما يبشر بمستقر لهما كريم في ضيافة الرحمن.

حدثني من صحب الشيخ سعيد حوى رحمه الله في سجنه وبعد خروجه أنه قال له بعد وفاة الشيخ محمد الحامد رحمه الله:(بقي الشيخ منير لطفي من الثلة الباقية من الصالحين في بلدنا)

عبادته: كان رحمه الله محبا صادقا، تشهد له همته العالية في عبادته، فلا يعرف عنه التكاسل عن صلاة الجماعة خلال خمس وأربعين سنة متواصلة، كما كان رحمه الله مداوما على صيام النافلة، ويصل رحمه ولا ينتظر منهم مثل ذلك.

كان رحمه الله يرى خدمة أهله قربة إلى الله تعالى لذلك كان مصرا على حمل الخضار إلى أهله مع كبر السن، ولا يدع ذلك لأولاده إلا قليلاً.

حاول أحد أبنائه أن يساهم في مصروف البيت بعد أن أصبح موظفا فمنعه من ذلك وقال له:(إذا درّت نياقك فاحتلبها) رحمه الله تعالى.

جهاده: شارك في مواقف جمعية العلماء العديدة في مطالبة الحكام بالخير والعدل ورفع الظلم، ومنها وفد الجمعية في عام 1964 م من أجل فك القيد عن حماة وأبنائها المعتقلين.

كتب في صحيفة الفداء الحموية عموداً دائما في رمضان عن الصيام وفضائله لسنوات عديدة.

وضع تقويم أوقات الصلاة: تبنَّى مع غيره من العلماء وضع تقويم لأوقات الصلاة في حماة وطبعه مع مكتبة الغزالي باسم(تقويم الغزالي) وكان يكتب خلف ورقة التقويم الحكم والأشعار والوصايا المفيدة، واستمرَّ في ذلك إلى وفاته رحمه الله.

مؤلفاته: يعتبر الشيخ منير من الأوائل الذين فضحوا الرأسمالية والاشتراكية حيث كتب رسالة بعنوان(موقف الإسلام من الاشتراكية والرأسمالية والإقطاعية)، ورسالة عن الشيوعية عنوانها:(حقائق عن الشيوعية)، وله رسالة(مرشد الحاج) رسالة جيب تعلم الحج بشكل عملي، وله كذلك كتاب مخطوط لم يطبع بعنوان(التوفيق بين العقل والدين).

شعره: وكان أحيانا يقرض الشعر، وله عدة قصائد متفرقة جمعها في دفتر خاص فُقد في فترة أحداث حماه 1982 حيث كان الناس يخفون أشياءهم الثمينة ويفقدونها بسبب حرصهم عليها. ومنها بيت كان يردده النقشبندي حيث كان مع الشيخ في الحرم المكي فقال له الشيخ منير:

لله مجلسنا في جيرة الحرم نشاهد الكعبة الغراء من أمم

ومنها هذه الأبيات بعثها لشقيقه أيام كان طالباً وقد تأخر الجواب عليه فقال:

ذا تجاف أم توان أم خطــوب أشغلتكم يا شقيقي عن جوابي

أم ترى قد ضاق وقت الخــل إذ ما أراد أن يجود بالكتاب

لست أدري أي عذر يا شقيقــي قد تفيد حين توجيه العتاب

قد وعدت بالجواب منذ شهـــر بعد شهر من تلقيك خطابي

هل تراني سوف أقضي كل عمري في انتظار سوف يدعو لارتياب

فلتعجل بجواب أو فإنــــــي قد أرى في ذا قطيعة من حبابي

لست ترضاها كمثلي دون شــك فانف ريبي بجواب كالشهاب

مسرع يرمي شياطين أراهـــا من شكوك قد عرتني بالتهاب

لست أرضى أي عذر بعد هذا الـ ـيوم إن لم أحظ منك بالجواب

منير لطفي – 25/4/1932

امتحانه وصبره: كان رحمه الله صابرا على البلاء ولا يخشى في الله لومة لائم حيث تعرض لعدد من المحن منها:

أقصي من بلده إلى الشمال من الجزيرة، وذلك في أيام وزارة ميشيل عفلق للتربية في الخمسينات غير أنه لم يلتزم بالنقل إلى هناك.

وكان أقصى ما ابتلي به أيام الوحدة بين سورية ومصر أيام حكم جمال عبد الناصر الإقالة من كافة أعماله في المسجد وإدارة المدرسة، وذلك لموقفه الشهير يوم استوردت الحكومة السورية اللحم المثلج من الصين الشيوعية، وطلب من العلماء أن يتعرضوا لهذا الموضوع، فلم يسمع في حماة يومئذ صوت عالم ينكر ذلك ويحرم أكل اللحوم المستوردة من الصين إلا الشيخين المرحومين الشيخ محمد الحامد والشيخ منير لطفي، أما الشيخ الحامد فلم يُتعرض له وقد كان شيخ حماة بلا منازع، وتهيَّبت الحكومة أن تمسَّه بأي أذى، أما الشيخ منير فقد كان سهل المنال لديهم، فأقصي من كافة أعماله، ومعنى ذلك أن يدخل بيته خالي الوفاض فلا طعام لولده، ولا لبن لرضيعه، حيث إنه لم يكن صاحب ادخار ولا يملك شيئا.فصبر وتحمل حتى فرج الله عليه، وهنا نذكر بالوفاء إخوانه الذين لم ينسوه ومنهم الشيخ محمد الحامد الذي كان يقسم له من راتبه ويلفه بخرقة ويلقيها له في بيته،(حيث إنه رفض رحمه الله تعالى أن يأخذ من إخوانه شيئا)

رعايته لأسرته: وكان لأسرته خير راع وخير أب وفي قول لأحد أبنائه:(لم نعلم بأننا من طبقة فقيرة إلا بعد وفاته)، لأنه كان قليل الدراهم واسع البركة، لا يقصر في حق زوجته ولا ولده ولا رحمه، وكان لإخوته أباً بعد وفاة أبيهم الشيخ حسن رحمه الله يرعاهم، لذلك لم يملك طيلة حياته بيتاً يسكنه، بل مسكنه طيلة حياته بالإيجار.

إيقاظ أولاده إلى صلاة الفجر ديدنه وشغله اليومي، وكان يحب الشباب في المسجد ويحبونه، ويكرم الصبيان ويترفق بهم ويتحبَّب إليهم في مسجده ويدافع عنهم.

محبته لله ورسوله شغله الشاغل ووجدانه النابض، وموعد أيام الحج حيث يودع الحجيج ويستقبلهم، وله في ذلك بعض الشعر، منه قصيدة مطلعها:

خذا خليلي لدى الحساب أمانا بمديح المختار فهو رجانا

حجه: حجَّ مرات عديدة زادت عن عشر ة – والله أعلم – كان آخرها عام 1978 م

أخلاقه: كان عفَّ اللسان واليد صلبا حازما يعطي الموقف حقه من الحزم واللين. 

ذكره أحد الإخوة المعلمين الذين اشتغلوا معه وهو مدير لمدرسة ذي قار فقال:(يرحم الله الشيخ منير، لقد عرفنا فضله بعد فوات الأوان حينما جاء جيل المدراء الجدد الذين لا يحفظون مالا ولا ذمة).

ولا زال رحمه الله تعالى يعبر بخيالي وهو يحمل السلاح متطوعا في المقاومة الشعبية.

صلته بالشيخ محمود الشقفة: كانت صلته بالشيخ محمود عبد الرحمن الشقفة العارف بالله صلة خاصة فكان لا يفارق مجلسه يوم الجمعة أو غيره.

هواياته: كان يهوى الطبيعة والبساتين أيام الشباب فكان يخرج مع إخوانه في رحلاته فيعطر مجالسه بأنسه، ويسجلون له الكثير من المداعبات اللطيفة في(حمام الشيخ عيسى) للمياه الكبريتية الحارة، واسأل الأستاذ عدنان السمان – رحمه الله – يعطيك الكثير من أخباره هنالك. 

مشاركاته الاجتماعية: لم يكن يقصر في حق المسلم يعود المرضى ويهنئ من حصل عنده ما يسر ويمشي في حاجة الملهوف

وقوفه عند حدود الله: وكان وقافا عند حدود الله فقد طُلب منه إخلاء البيت الذي يسكنه بالأجرة(والقانون لا يمكن المالك من ذلك أبدا) فقال رحمه الله: والله لأخرجن عند الموعد ولو أن أقيم مع أغراضي في الطريق حتى ييسر الله لي بيتا أسكنه ولا أخلف موعدا.

clip_image004_19541.jpg

إقامته للسنة الشريفة: أعلن أهله بسرعة وفاته , ودفنوه بعد ساعات قليلة من وفاته يوم السبت 24 / 2 / 1979 م، وكان رأي علماء حماة أن يؤخر لليوم التالي ليعلم الناس ويحضر العلماء من المدن الأخرى، لكن رفض أهله تطبيقا للسنة التي كان حريصا على إقامتها في حياته، وفوجئنا في صلاة العصر بجموع من الناس غفيرة، وعند وصول الجنازة إلى جامع المسعود كان مكتظا بالناس وهم ينتظرون الجنازة بخلاف المشيِّعين، وصلى عليه الشيخ محمود الشقفة وخلفه إخوته العلماء وجموع من الشعب.

إبراء ذمته: وقام أهله بزيارة التجار الدين كان من عادته رحمه الله التعامل معهم بالدَّين، فكانت المفاجأة بأنه قبل وفاته بأيام مرَّ بهم وحاسبهم(على خلاف عادته قبل نهاية الشهر) وكأنه كان يحس بأنه يودع الدنيا.

أولاده: خلف سبعة من الأبناء الذكور وثلاثا من الإناث، توفي منهم في حياته ولده مطيع في حادث انهيار فرن، سجل الشيخ رحمه الله خلال ذلك الحادث صفحات من الصبر أدهشت المعزين.

وفاته : توفي يوم السبت 24/2/1979م عن سبعة وستين عاماً رحمه الله تعالى وأثابه رضاه وبارك في ذريته ونفع بآثاره.

وسوم: العدد 772