الشاعر الإسلامي محمد أمين أبو بكر : حياته وشعره

(1950م – معاصر )

clip_image002_b2ab3.jpg

هو الشاعر الإسلامي المعاصر محمد أمين أبو بكر ، الذي عاش حياة الغربة عن الوطن، والشوق والحنين إليه، وكتب شعراً جيداً ، ولكنه بقي بعيداً عن الأضواء ووسائل الإعلام فلم يشتهر، وبالتالي كان موقف النقاد من شعره سلبياً، فلم يحظ بالدراسة، ولم يحتل مكانه اللائق في دنيا الشعر الذي هو ديوان العرب.

ولادته ونشأته :

        ولد الأستاذ الشاعر (محمد أمين أبو بكر) في دمشق، عاصمة سورية، عام 1950م ..، ونشأ في أسرة مسلمة ملتزمة .

دراسته ومراحل حياته  :

          ودرس فيها المرحلة الابتدائية، والإعدادية، حتى نال الشهادة الثانوية.

 ثم حصل على شهادة ( ليسانس ) في اللغة العربية من جامعة بيروت العربية في لبنان .

 أعماله والوظائف التي تولاها:

         عمل الأستاذ الشاعر (محمد أمين أبو بكر) معلماً بالمرحلة الابتدائية في مدارس سورية بضع سنوات .

        ثم انتقل ليعمل مدرساً بالمرحلة المتوسطة في سورية .

        ثم غادر سورية إلى الحجاز، فتعاقد منذ عام 1982 م للعمل في وزارة المعارف في السعودية . وما يزال يعمل مدرساً في مدارس الدمام .

كما عمل باحثاً أدبياً في نادي المنطقة الشرقية الأدبي في السعودية .

يكتب الأستاذ محمد أمين أبو بكر الشعر، والمقالة النقدية والصحفية .

       نشر عدداً من المقطوعات والقصائد الشعرية في المجلات العربية والإسلامية، مثل: الفيصل، والعربية، والقافلة، والجندي المسلم، والوعي الإسلامي .

وهو عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية ...

    ويعيش الآن في سكن قريب من نادي المنطقة الشرقية الأدبي - الدمام ص ب 8438 المملكة العربية السعودية.

شعر محمد أمين أبو بكر : دراسة موضوعية، وفنية :

clip_image003_8d864.jpg

           للشاعر محمد أمين أبو بكر شعر كثير، ولكن أغلبه غير منشور، تناول فيه الموضوعات الإسلامية والتاريخية، ولم ينس تصوير واقع أمته المؤلم، فكان له مساهمات في تصوير ثورات الربيع العربي في تونس، ثم مصر، وسورية ..

-      فرعون تونس :

          هبّ الشعب التونسي المسلم جميعه لمواجهة فرعون تونس (زين العابدين بن علي )، ورفعوا شعارهم :

إذا الشعب يوماً أراد الحياة       فلابد أن يستجيب القدر

         فما هي إلا برهة وجيزة لا تزيد على شهر حتى هرب الطاغية، فكتب الشاعر الإسلامي محمد أمين أبو بكر قصيدة نشرها تحت عنوان ( فرعون تونس ) يقول فيها مصرعاً :

كـم شـاد فـيـها اليوم من أمجاد                 بـيـد  الـبـطـولة جحفل الآساد

هـزّ الـزئـير زئير أبطال الحمى               فـي  الـكـون كل قلاع الاستعباد

         وأشاد بتضحيات الشهداء، فقال :

لـم يـبـق في جنباتها الخضراء                    شـبـر لـم يـعـطره دم الأجواد

هـا هـم مـلايين أقضَّوا في حما                 هـا مـضـجـع الـذباح والجلاد

حملوا  الدماء على الأكف وزمجروا            فـي وجـه كـل أبـالـس أوغاد

فـانـظر  بأعماق القبور على ثرا               هـا  فـرحـة الآبـاء والأجـداد

         لقد كانت تونس هي فاتحة الخير على هذه الأمة فدم الشهداء المبارك فيها ألهب مشاعر المظلومين في سائر الأقطار العربية :

يـا  تـونس الخضراء علمت الدنا            فـيـمـا فـعـلـت صنائع القواد  

فـي  الـقيروان وتونس وصفاقس            فـي  كـل رابـيـة هناك ووادي

  هـذا  دم الـشـهـداء ألهب ثورة            تـجـتـاح كـل شـوامخ الأطواد      

فـانـظر  لرايات البطولة رفرفت              فـي الـقـفـر والأغوار والأنجاد  

هـذي  بـطـاحـك أصبحت فينا           لإعـداد الأشـاوس قـبـلة الوراد

         لقد زلزلت ثورات الربيع العربي عروش الظالمين حيث هرب بن علي في الآفاق يبحث عن مأوى، وسجن حسني مبارك، وقتل القذافي، ثم لحق به الرئيس علي عبد الله صالح :

زلـزلـتِ  عرش الظلمِ والظلمات          والـطـغـيان والطاغوت والإفساد

وتصدعت في المشرقين على الثرى        مـن عـاصـف الإبراق والإرعاد

أبـراج قـلـعـة كـل ذئب غادر                عـشـق  الـدمـاء وخـائنٍ قواد

وحـدتِ  أمـة يـعرب خلف انتفا          ضـتـك الـتـي يحلو بها إنشادي

كم هز صوت بنيك في ساح الرجو    لـة  فـي الزمان عروش الاستبداد

وكـأن كـل غـضـنفر في ساحة            الـهـيـجا  هنالك طارق بن زياد

كـتـبـوا على كبد السماء قصائداً                مـزدانـة بـضـيـائـك الـوقاد

        لقد قادت تلك الجحافل ثورة عارمة علّمت الطغاة : كيف يحترمون شعبوبهم؟ !! (فالشعب يريد إسقاط النظام )، وإذا أراد الشعب يوماً فإن الله يستجيب له:

هـذي جـحافلهم على الساحات ها      درة وقـد قـدحـت لـهـيب زناد

عـلـمـت كل طغاة هذا الكون أن           الـشـعـب لـلـطغيان بالمرصاد

فـأقـامـت الدنيا لك الأعراس من           شـطـآن شـنـقـيـطٍ إلى بغداد

هـا هـم بـنـوك مـعاهد فُتِحتَ         لـتـحطيم القيود والسور والأصفاد

أفـلا تـرى أن الـحـديـد تذيبه               عـبـر  الـزمـان مطارق الحداد

    وسوف يخلد التاريخ هذا الدور الرائد لتونس الخضراء، وسوف يبقى ذكرها يتردد على ألسنة الأحرار في كل زمان ومكان :

شـمـخت  بثورتك الأبية في العوا      لـم  فـوق هـامات النجوم بلادي

سـيـظـل  ذكـرك لـوحة فتانة                  تـخـتـال  بـيـن أباطح ووهاد

إنـا نـزف إلـيـك ألـف تـحية                 مـن  كـل شـهـم رائـح أوغاد

ونـسـوق  للشوس الأباة على ثرا             ك الـيـوم كـل مـحـبـة ووداد

هـا هـم مـنارات تضيء لنا درو             ب بـطـلـولـة ورجـولة وجهاد

        ويفضح الشاعر جرائم الطغاة والمتألهين في أرضنا وبلادنا الإسلامية، فيقول:

صـبـت  لـهـيباً ذاب في طياته            وجـحـيـمـه  فرعون ذو الأوتاد

كـم ذا شـقـيـت بـقـاتل متأله               نـسـبـوه  مـن سـفه إلى العباد

كـم قـدم الـشـعبَ الأبيِّ فريسة            لـلـسـوط  والـسـجان والأقياد

فـي ربـع قـرن لـم يخطَّ يراعه             فـيـنـا  سـوى جبلٍ من الأحقاد

كـم مـارس التنكيل بالأطهار وال         أبــرار  والأحـرار والأسـيـاد

كم  ذا تزاحمت الخطوب وأضرمت     دومـاً  لـهـيـب نوازل وعوادي

         وأشاد بالبطولات الجماعية لأبناء شعبنا، فقال :

لـكـن أسـدك بددوا حجب الدجى        حـتـى رأيـنـا بـســـــــــــــــــــــــــــــمة الأعياد

ضاقت  على الطاغوت أرجاء الدنا      وغـدا  الصحاب بها جموع أعادي

الـذعـر يـصـعقه بطائرة الهرو               ب  دجـى ومـا مـدت إليه أيادي

نـمـرود أيـقن أنه باق ليفتك في           ربـــــــــــــــــــــــــاهـا الـخـضـر فتك أعادي

لـيـصب  من إجرامه المشهود ما          يـا  قـوم يستعصي على التعدادي

          لقد تمسك الحكام العرب بالكراسي وراحوا يحولونها إلى ميراث لذؤبان القبيلة فحافظ أسد ورث ابنه بشار مقاليد الحكم، ومبارك سعى لتوريث جمال، وعلي عبد الله الصالح أعطى أعلى المناصب لابنه أحمد، ومعمر القذافي راح يلمّع صورة سيف الإسلام، لقد حوّل هؤلاء الطغاة البلاد إلى مزرعة لهم ولأعوانهم :

وكـأنـهـا إرث لـذؤبـان القبيلة                بـعـده  ومـزارع     ونـواد

الآن إنـي قـد فـهـمـت، يقولها               والـنـار  تـوقـد أيـمـا إيـقاد

بـمـذلـة  ومـهـانـة وتصاغر             شـمـتـت  به فيها شعوب الضاد

الـكـون أدرك أنه مع قرع مطرقة           الـحـسـاب غـدا عـلـى ميعاد

        وعندما هدرت أصوات الجماهير كالرعود ولّى فرعون هارباً، هائماً على وجهه يبحث عن ملجأ:

فـاجـتـاحـه إعصار موج هادر       مـن  زحـف شعب ضاق بالأنكاد

وغـدت ألـوف ذئـابـه وكـلابه         كـثـمـود  إذ شهدوا العذاب وعاد

كـالـفأر  زين الهاربين، قد اختفى     لـم  تـنـجـه صيحات الاستنجاد

الـذعـر يـأكـل قلبه لم تغن عنه            مــئـات  آلاف مـن الأجـنـاد

كـلـت يـداه بـطرق أبواب الدنا           لـيـلاً وقـبـل أرجـلاً وأيـادي

إذ أوصــدت أبـواب نـيـرون              وقـيـصـر  دونـه وفراعن أنداد

        وسوف تبقى تونس خالدة في سجلات التاريخ العربي لأنها كانت رمز البطولة والتضحية والفداء، وأعطت الناس درساً يصعب نسيانه :

سـتـظـل أمـة يـعـرب فـي             الـمـشـرقين  مدى الزمان تنادي

يـا قـوم هـذي تـونـس سـفر          الـبـطولة والإباء ولحن الاستشهاد

كـم كـان يخشى أن يكون أسيرهم       لـيـذوق بـيـن تـأرق وسـهاد

مـا ذاقـه الأحرار من ضنك على      أيـديـه  مـزق أصـلب الأجساد

هـذي بـيـوت الله لـم يعبأ بحر           مـتـهـا وألـبـسـها ثياب حداد

فـتـمـزقت مما دهاها في الورى         بـعـد الـقـلـوب طهورة الأكباد 

         ويبعث الشاعر محمد أمين أبو بكر الشخصيات التاريخية المجيدة من أمثال (عقبة بن نافع)؛ ليشهدوا منجزات الأبناء والأحفاد، فالأمة ما زالت تنجب الأبطال، وتقدم قوافل الشهداء من النساء والرجال :

سـيـظـل في سمع الزمان حكاية         تُـروى فـظـائـعـها مدى الآباد

يـا ليت عقبة عاد من جوف الثرى   لـيـرى  صـنـيع أسوده الأحفاد

قـم يـا غـضـنفر كي ترى بين        الـقنابل  والرصاص نجابة الأولاد

هـل  يعلم الطغيان في دنيا الورى   أن الـظـبـى سـلت من الأغماد

ومضى (زين العابدين بن علي) في مزابل التاريخ تلاحقه لعنة الأجيال .

مصر ثورة العصر :

       وقبل أن تنتهي ثورة تونس، اندلعت ثورة مصر، فأطاحت بفرعون مصر (حسني مبارك ) في ثلاثة أسابيع، فبارك الشاعر (محمد أمين أبو بكر) تلك الثورة العظيمة، فقال :

رجـعـت لـلشعر استجدي به الغضبا               واسـتـثـيـر بـه الأعـجام والعربا

إن الـقـصيد سحاب الأرض يمطرها               نـوراً ونـاراً تـصـب الجمر واللهبا

مـن أيـن أبـدأ والأبـصار شاخصة              فـي عـالـم يـشهد التدجيل والكذبا

أواه  كـم جـعـل الـطـغـيان أمتنا                      بـيـن الـعـوالـم مـن إجرامه ذنبا

هـا  قـد غدا وجهه المشؤوم واأسفي               لـكـل  نـائـبـة فـي عصرنا سببا

           بدأ الشاعر قصيدته الرائعة بالتصريع على عادة القدماء (الغضبا – والعربا )، وهو يعطي النص موسيقا عذبة وجرساً وإيقاعاً محبباً إلى النفوس، ويبين الشاعر أنه لجأ إلى الشعر لكي يثير مشاعر الغضب ضد فراعنة العصر في مصر، الذين حولوها من ( أم الدنيا ) إلى ذنب وعميل للشرق والغرب :

لـكـنـمـا  الـفجر في ليلاء محنتنا                 تـنـفـس  الـيـوم في الآفاق مقتربا

كـنـانـة الله جـلّ الله صـانـعـها                    قـم يـا أخـي وقـبـل رأسها التربا

هـذي الـبطولات في التحرير فجرها        زحـف الأشـاوس والأبـطال محتسبا

يـا  مـن رآهـا يطوف اليوم جحفلها         فـي  سـدرة الـمـنتهى إذ للعلا وثبا

بـنـو  الـكنانة في الهيجاء كم زأروا        زأر  الأسـود، وطـالت شوسها السحبا

شـعـب بـثـورته البيضاء صاغ لنا                لـحـنـاً  يـهز الجبال الشم والهضبا

قـومـوا  نـحـييه كل الكون يبصره              طـوداً  مـن المجد في ميدانها انتصبا

           لقد فجر شباب ميدان التحرير فجر الثورة، واستبسلوا في مواجهة جيش فرعون وقاوموا الدبابات بصدورهم العزلاء، فاستحقوا التحية من جميع الأحرار في العالم، ويتابع الشاعر وصف ثورة مصر، وأشاد بالبطولات الجماعية، فقال :

فـي سـاحـة النصر والأهوال شاهدة       زحـف يـدك قـلاع البغي إن غضبا

يـحـط فـي قـمـم الـعلياء مرتدياً                 ثـوب  الـبـطـولـة في أيامنا قشبا

يـا مـن رآهم تضيء الكون ثورتهم         فـي سـحـقها القهر والإذلال والنوبا

هـذي  انـتـفـاضتهم والكون يرقبها           آمـالـهـا  عـانـقت في أفقنا القطبا

تـحت  القنابل في التحرير كم صنعوا         مـفـاخـراً تـذهـل الأعوام والحقبا

         لقد صمد شباب التحرير العزل تحت قصف القنابل وفي معركة الجمل، ثم واجهوا البلطجية بكل شجاعة، وصاغوا المعجزات :

أز  الـرصـاص فـلـم تأبه جموعهم             ولـم يـحـرك بـطـفـل بينهم هدبا

هـذي الـكـنـانة كم في ساحها بطل          هـزّ الـطـوغـيـت دوماً أينما ذهبا

هـا هـم أسودك صاغوا ألف معجزة     دم الـشـهـادة فـي أسـفارها انسكبا

دوت حـنـاجـرهـم في الأفق هادرة           هـتـافـهـا  أنـعش الجولان والنقبا

الله أكـبـر هـذي ثـورة عـزفـت           لـحـنـا  يـؤجج في آسادها الغضبا

        لقد هزت هتافات الأحرار في مصر مشاعر المسلمين في كلّ مكان :

شـبـابـها  الغض صاغوا فجر أمتنا                ونـصـرهـا الـيوم من راياتهم وقبا

كـالـيـاسـمـين شذاهم في مرابعها                يـعـيـي  الـكـتابة والكتاب والأدبا

كـم قـابـلوا النار بالأزهار واعتكفوا       تـحت الرصاص وردوا الجحفل اللجبا

بـالـعلم  والحب في ساحاتها انتفضوا              وذلـلـوا  بـعـبـير الورد ما صعبا

صدوا الرصاص بباقات الزهور ضحى     فـأصبحوا  في الدنا أعلى الورى رتبا

سـل جـيـشها البطل المغوار إن لها                 حـقـاً  عـلـيـه أراه الـيوم مرتقبا

آسـاد  جـحـفـلـه صاغوا ملاحمها               يـوم الـعـبور وردوا فيه ما اغتصبا

           أولئك الأبطال في أم الدنيا لن يهابوا الطغاة الذين لوثوا أرض مصر بالدماء، فكانوا كالبغال الجرباء حيث هجم البلاطجة على المتظاهرين السلميين، وراحوا يقطعونهم بالسيوف :

فـلـن  يـلـوّث مـاضـيه الأبي دم                  يـثـيـر  فـي مصرنا الآلام والرهبا

الـمـجـرمـون  على ساحات عزتها                 كـانـوا بـغـالاً تـعاني كلها الجربا

الـبـلـطـجـيـون والإجرام ديدنهم                   تـدافـعـوا  إذ رأوا آسـادهـا هربا

لـكـنـمـا وقـعـوا في أسر ثورتها                مـثـل  الأرانـب فاسمع عنهم العجبا

كـم اسـتـطـاب بها الباغي جريمته          جـهـراً وكـم سـلب الأموال أو نهبا

جـحـافـل الـنـصر يا أبطال أمتنا             تـصـوغ  مـجـداً بهيّ اللون مرتقبا

في مصر في ثورة العصر التي دحرت       طـاغـوتـها  فغدا في الجحر محتجبا

         لقد عاش حسني مبارك وزمرته وأولاده على نهب خيرات مصر وتلذذوا بالجرائم فجاءت ثورة مصر المباركة لتدحر ذلك الطغيان وتزيل آثار العدوان :

ثـار الـبـواسل مثل الليث إن غضبا       فـي  وجـه فرعونها والموت إن طلبا

هـا هـم بـنـو مصر أبطال عمالقة         يـصـافـحون  النجوم الزهر والشهبا

شـدوا الـعـزائـم فـالطغيان منهمك         يـكـدس  الـمـال والألماس والذهبا

شـدوا  الـعـزائم فالطاغوت مرتحل         إلـى الـجـحيم وعرش المجرم انقلبا

مـا كـنـت يـا مـصر أم الدنا زمنا           بـل  كـنـت أمـاً لها رغم العدا وأبا

الله  أكـبـر هـذا نـصـر أمـتـنا              عـلـى  الطواغيت في أبراجها اقتربا

يـا لـيـت عـمـراً يعود اليوم ثائبة            يـقـود  فـي سـاحـها أبناءه النجبا

يـزهـو  يـصـفـق للأبطال منتشياَ           إذ حـقـقـوا فـي دياجي أمتي الأربا

فـهـل  رأيـتـم ضياء النصر منبثقاً               نـوراً يـبـدد مـن لـيـلائنا الحجبا

-     ربيــــــع الحــــــب :

           ثم جاءت الثورة السورية المباركة لتقتلع أوتاد الفساد والظلم والاستبداد، فكان الشعب على موعد مع ثورة الكرامة التي بدأت سلمية في 15 آذار عام 2011م، فحياها الشاعر محمد أمين أبو بكر، فقال :

-     فيحاءُ هذا ربيعُ الحب فاقتربي        وأَطفئي في فؤادي ثورةَ اللَّهَبِ

-     تنقلي في دمائي واسكني مُقلي     واستنبتي في زماني أخضر العشب

-     يا بسمة تنجلي والأرض غاضبة       بالفل يسأل عن ناء ومغترب

-     حفرت اسمك في قلبي وطرت به    بين الطباق وفوق البرق والشهب

-     أرنو إليه فيُنسيني اللقاء به              كلَّ النوائب والآلام والنصب

-     في كل رمقة عين دار في خلدي    ما دارمن ذكريات الحب والطرب

-     هل تذكرين رياض الأمس عامرة    بالحب يعبث فوق العشب والحبب

-     هل تذكرين غراما كان يجمعنا          بين الحدائق والأنهار والهضب

-     في كل زفرة آه يا معذبتي             أرى بوجهك بركانا من الغضب

          لقد عاد بالشاعر محمد أمين أبو بكر شريط الذكريات الجميلة في ربوع دمشق الفيحاء حيث كان ينعم بالأمن والإيمان والسعادة والهناء حتى فرض على الكرسي طاغية الشام الذي قلب لشعبه ظهر المجن وسام البلاد والعباد خسفاً وقتلاً وتدميراً :

-     أتيت فيحاء طيرا هام أزمنة         في البر والبحر بين الموج والسحب

-     أتيت أبحث عن ماض به عِبَرٌ             بين الورود وبين التين والعنب

-     فهل نعود كما كنا وكان لنا        فوق الصخور وحول الماء من شغب?

-     فيحاء هل ترجع الأحلام باسمة      في قصة من ضمير العشق لم تغب

-     وهل يعود الهوى حيا بأعيننا        من بعد ما غاض في طاحونة النوب

-     لا تعتبي بعد هذا اليوم وابتسمي      فيحاء إن أبحرت عيناي عن رغب

-     في بحر مقلتك الخضراء واعتصمت     بين اللجين وبين الماس والذهب

لقد أشرب قلب الشاعر حب وطنه واشتاق إليها كما يشتاق التراب إلى حبات المطر، فقال :

-     إذا شربتك شُربَ الأرض ظامئة      طلائع القطر بعد القحْل والجَدب

-     عل ابتسامتك الغراء تسعدني          بعد الشدائد والأهوال والكذب

-     حملت في غمرة الأسفار أمتعة           من النوازل والأخطار والكرب

-     مُدِّي ذراعك. طولُ البعد أرَّقني        حتى أنام وأنسى شدة الوصب

        وكتب الشاعر محمد أمين أبو بكر قصيدة أخرى في فضح طغاة الشام وتصوير جرائمهم، ولكن الشعب بقي متفائلاً يرتقب الصباح رغم حلكة الظلام، وانتشار الظلم، والجهل والفساد والاستعباد، يقول في مستهلها :

ربوع الشام ترتقب الصباحا               وترتشق الصوارم والرماحا

عرينُ أميةٍ للذئب أضحى               وللثعبان بستاناً مباحا

ويقسم كل سرحانٍ وأفعى          بأن يهب المروءة والسماحا

وأن قدومه ما كان إلا            ليغسل من أعادينا البطاحا

إن هؤلاء الحكام خدعوا شعوبهم بالشعارات البراقة، وزعموا أنهم سوف يعيدون سيرة خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي، ولكنهم حين وصلوا إلى الكراسي افتضح أمرهم، فصاروا فراعنة العصر :

ويصبح خالد اليرموك فينا          وفي بوابة الأقصى صلاحا

وما أن يضمن الكرسيّ حتى       ترى فرعون والنمرود لاحا

إذا فتحت جموعُ الشعب فاها     أعدّ لها المشانق والسفاحا

سليط الناب مقدامٌ هصورٌ       أمامَ الشعب يشبعه نطاحا

يشيد من جماجمه قصوراً           وينسج من أصابعه وشاحا

ويجعل سادة الدنيا عبيداً         يصنّع من عظامهم السلاحا

ليدفع عنه داهيةَ الدواهي            ويمتلك الأسنةَ والصفاحا

وإن هبّت رياحُ الحرب يوماً      على الجبهات سلّم واستراحا

      يكون الحاكم العربي بطلاً على شعبه فإذا حدثت معركة مع أعداء الأمة يولي الدبر ويهرب من النزال، ويوجه الشاعر خطابه لكل حاكم ظالم، فيقول :

أقولُ لكلّ جبارٍ عنيدٍ              أراق على روابينا الطلاحا

ومزّق عصبة الأطهار فينا                 وكلّ مجرم فينا أباحا

لقد أصبح نيرون الذي أحرق روما، وصار رمزاً للطغيان قدوة لهؤلاء الطواغيت، فلم يعتبروا من مصيره وكيف لاحقته لعنة الله والتاريخ والأجيال  :

زمانُ القهر يا نيرون ولّى       وهذا الكون قد عشق الصباحا

فخبيء في حقائبك الغوالي         ولفّ بها القلائد والوشاحا

وخبيء كل مال الشعب فيها  فمالُ الشعب أضحى مستباحا

      ويتفاءل الشاعر بنهاية الطغيان وإشراق فجر الحرية، فيقول :

حطامك بعد أيام ٍ سيغدو        مداس القوم غدواً أو رواحا

ولو طاولت بالأفق الدراري          فإن الليل يا سفاح راحا

وبعد هنيهة تمضي سريعاً          تلقى عرشك المشؤوم طاحا

ففي الزعماء أطهار تساموا     وفي الزعماء من ولدوا سفاحا

أسطول الحرية أمواج الغضب :

        حاولت تركيا حكومة وشعباً أن تفكّ الحصار عن غزة الصامدة، فقادت المنظمات الإنسانية فيها حملة لإغاثة أهل غزة شارك فيها العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية من الشرق والغرب، ولكنهم فوجئوا بالهجوم الإسرائيلي وقتل العديد من رواد الحملة منهم تسعة أتراك، فوجه الشاعر (محمد أمين أبو بكر) قصيدته إلى أبطال أسطول الحرية الذين      سطروا  بدمائهم أروع ملاحم البطولة والتضحية والفداء. فكتب  الشاعر الإسلامي المعاصر ( محمد أمين أبو بكر) من سورية، يبين فيها موقفه من مجزرة أسطول الحرية، حيث يقول :

مـا لـلـبـحـار يُغشِّي موجها الغضبُ      فـي حــــــــلـكـة الليل والآفاق تضطرب

كـم مـركـبٍ حـمـل الأحـلام باسمة       إلـى ذرا الـمـجـد في الأسحار يُرتقَبُ

ألـقَـوا شـراع المنى في اليمِّ وارتحلوا          بـيـن الأعـاصير والأمواجُ تصطخب

يـســـــــــــــــــــــــــــابـق الـريـحَ والآمـالُ تـتبعه         تـحـت الـصـواعق والأهوالُ تنسكب

الـحـب عــــــــــــــــــــــدتـه والـبـذل سـلـعته           وأكـرم الـخـلـق هـم أبـناؤه النجب

رهـط الأشـاوس مـا أثـنى عزائمهم           ذاك الـحـصـارُ بـبـحرٍ مَوْجُهُ لهَبُ

فضح جريمة الصهاينة :

          وعند الفجر هجم الصهاينة على أسطول الحرية، وعاثوا فساداً في حمى السفينة، واعتقلوا وقتلوا، هذه الجريمة النكراء هيجت مشاعر الأمم ضد الصهاينة :

عـنـد الـصـلاة صلاة الفجر أمطرهم            نـارَ الـجـرائـم غـدراً جحفلٌ خرِبُ

صـب الـبـلاء عـلـيهم في صــــــــــــــــــــــلاتهِمُ       صـبـاً لـكل صنوف الموت يصطحب

عـاث الـذئـاب فـساداً في حمى سفنٍ         يـغـتـالها القصف والترويع والصخب

الـبـحـر زمـجـر فجراً مـــــــــــــن جرائمهم       فـاسـتـصرخت أمتي في أفقها السحب

هـا هــــــــــــــــــــــــم أفـاعـي نـتـنـــــــــياهو يؤزهمُ          كـيـد الـشـيـاطين والإجرام والكذب

حـب الـجــــــــــــــــــــريـمة يجري في عروقهم         مـجـرى الـدمـاء ومـنهم تنبع النّوب

كـم يـتـموا من رضيع في حمى وطنهـم           مـن دمـاء بـنيه الدهر كم شربوا

          وليست هذه أول ولا آخر جريمة ترتكبها إسرائيل، فكم من رضيع قد يتموه، وسل فلسطين تخبرك فيها أنهار الدماء، لقد قتلوا الشيخ الكبير، والنساء، والأطفال، كما قتلوا الأمل في عيون الشباب، واعتدوا على أزهار فلسطين الجميلة:

سـل فـي فـلـسطين أنهار الدماء دجى      عـلـى الـسـفـوح أمام الخلق تنتحب تـبـكـي  فـجـائـعَـهـا دوماً مــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــآذنُنا              بـيـن الـعـوالـمِ والـمحرابُ والقُبَبُ صَبُّوا الرصاص على الأزهار في صلف  ضـجـت  لـه أنـجـمُ الآفاقِ والشُهُبُ فـاهـتـزت  الأرض وارتجت جوانبها       واسـتـفـحـلـت حولها الآلام والكرب والـخـافـقـان على أطرافها اضطربا            لـمـا تـزلـزلـت الأجـبال والهضب أزاهـر  الـسـلـم فـي أيامنا احترقت        مـن  غـدرهـم وغـذاء الطفل يستلب وكـل  نـبـتـة حـب مـن مـكائدهم        فـي كـل سـانـحة في الكون تُغْتَصَبُ هـذي فـلـسطين جرح القلب في وطن      أقَـضَّ  مـضـجـعـه التقتيل والحَرَبُ لا  بـد مـن جـعـلـهـا للمعتدي جدثاً                  تـروي حـكـايـتـه الأغـوار والنقب

        لقد وحّد هذا الحادث الجلل الأمة حيث امتزج الدم العربي بالدم التركي فوق أسطول الحرية :

أسـطـول حـريـة حـمـراء وحَّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــدنا          فـي  الـتضحيات وآساد الحمى غضبوا مـا هـيـج الشعرَ عبر الدهر من حدثٍ         كـمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا يـهـيـجـه فـي أمتي الغضبُ

        ويربط الشاعر بين ماضي تركيا المجيد بحاضرها السعيد، فها هو السلطان محمد الفاتح، يقود سفينة الحرية التي كان (رجب طيب أردوغان) ربانها وملاحها : مـحـمـد الـفـاتـح الـمـقدام قاد به               يـا  قـــــــــــــــــــــــــــــومُ بـارجـــــــــــــــــــــــةً ربَّـانُـهـا رَجَبُ سـفـيـنـة  الله أجـراهـا بـقـــــــــــــــــــــــدرته              فـي  الـعـاصـفات وهذا الكون يلتهب

        لقد عجز الشعر عن تصوير سيرة أسطول الحرية، حيث فرحت به البلدان، وغنت له دمشق وحلب ...: أسـطـول  حـريـة حمراء قد عجزت           عـن سـرد سـيـرته الأشعار والخطب غـنَّـت  دمـشـق له يا صاح في فرح          وزغـردت  حـولـه فـي بـهجة حلب الله  أكـبـر كـم فـي ركـبـه بــــــــــــــــطلٌ            فـي كـل نـائـبـة تـعــــــــــــــــلو به الرتب طَـودٌ  تـعـانـقـه الأمـواج شــــــــــــــــــــــامخةً             رايـاتـه فـــــــوق هـام الـنـجم تنتصب أبـطـالـه  الأسـد فـي الـهيجاء إنَّهم             أمٌّ لــكــل بـطــــــــــــــولات الـدنـا وَأَبُ

         لقد كان على ظهر تلك السفينة ثلة من الأبطال الصناديد، فيهم العربي والتركي، ويشيد بالأمجاد التي سطرها أحفاد العثمانيين، فيقول : الـعـربُ  والـتـرُّكُ فـي تاريخ أمتنا           أســـــــــــــــــــــدٌ أُبـاةٌ إلـى إسـلامـنـا انـتسبوا يـداهُ عـيـنـاهُ إن نـابـتــــــــــــــــــــــــــه نـائـبةٌ         بـيـن  الأنـام هُـمُ والـســـــــــــمر والقضب صـحـائـف الـعـز والأمجاد سطرها         أحـفـاد  عـثـمـان كم هم للعلا سبب

         لقد كان العثمانيون أبطالاً في الحروب، قلعوا الأعداء من جذورهم، وصنعوا المعجزات، ودامت إمبراطوريتهم خمسة قرون، جثا خلالها الأعادي أمام سلطانهم : كـم  مـزقـوا الـجحفل الهدار واقتلعوا          جــــــــــــذور  كـل عــــــــــــــــــــــــــــدو أيـنـمـا وثـبوا أبـطـالـهـم شـيدوا في الكون معجزة        تـاريـخ أمـجـادهـا ضاقت به الكتب جــثــا  الأعـادي أذلاءً أمـــــــــــــــــــــــــــامَـهُـمُ              يـوم الـكـريـهـة لـم تحمــــــــــــــــلهم الركب نـور تـألَّـق فـي الأكـوان مــــــــــــا صنعوا                وقـمـة  الـفـخـر في العلياء ما كتبوا

         ويتوجه الشاعر بالمديح إلى الزعيم رجب طيب أردوغان الذي سطّر المفاخر، وأجبر الصهاينة على الركوع حيث طرد السفير الإسرائيلي، واستدعى سفير تركيا في فلسطين المحتلة، مما جعل اليهود يقومون بالاعتذار ودفع الفدية والتعويض على أهالي الشهداء:

سـطـرت يـا أردغِـانُ الـيوم مفخرةً      يـا قـلَّـمـا شـهـدت أمـثالها الحقب فـهـل يـودع كـهـف الـنومِ في شمم                 بـيـن الـخـلائـق في أيامنا العربُ؟!

آلام وآمال :

        وينطلق المسلم في هذه الحياة بين أمل وألم بين رغبة وهبة بين العسر واليسر فعليه أن يوطن نفسه أن أحواله لن تدوم على حالة واحدة من الشدة والرخاء، ويعد لكل حالة لبوساً فها هو (محمد أمين أبو بكر) يكتب مخاطباً هؤلاء وأولئك، فيقول :

الأرض ناحت والخطـوب جســــام           لكننـــــا بيـــــن الأنـــــــام نيـــام 

فـي محنة بسطت سحائب بؤســها       بكت العــراق لهولــها والشــــام 

أنناـــم والآفــــاق ترعـــد حولـــنا           والريح تعصف والضياع طعــــام 

والعقل يصرخ والضمائر تشتكــي         والموت فـــي جــل العيـون ينــام 

في حقبة من عمرنا أضحـــى بها       يخشى الضياء ويعشق الإظـــــلام 

أَوَ ما كفــــى نومــاً يغــــال حياتنا       وتموت فــي ظلمــاته الأحـــــــلام 

البعــد عــن شمــس الهداية مــأتم       دفنت مفاخـــرنا بــه الأقـــــــــزام 

         ويتساءل الشاعر الإسلامي عن سبب عمى العقول، وترك طريق الهداية، فالإسلام هو الحلّ، وهو طريق الصدارة والمجد :

لمَ لا تعود إلى الضياء عقولنا        ويضيء كل دروبنا الإسلام

لمَ لا يعود إلى الصدارة ركبنا         يمضي وتخفق فوقه الأعلامُ

لنقيـــم أبـراج الإبــــــــاء بهمــــة          فــــي ركبهـــا تتهــلل الأعـــــــوام 

فالمجد في سـاح البطـــولة صنعة      لا الغيد تصنعــــه ولا الأوهــــــــام 

والظلــم يلتهــــــم الأنـــــام بنــابه        ويضج فيهــــا من لظـــاه ضــــرام 

       لقد كثرت النوازل والمحن على شعبنا من النيل إلى الفرات، ولقد صورها الشاعر بريشة الفنان المرهف الإحساس، فقال :

ها قـــد علـــت بيــن الديار نوازل       يهــــتز منها الـــــترب والآكـــــــام 

النيل يــــزأر والفـــرات مـضــرَّج        وضــــفاف كابل لفـــها الإجــــــرام 

والليل يعـــوي والزوابع لا تعـــي      والقدس فــــي وضـــح النهار تسام 

مــن قاتل عشق الجــريمة بعدمــا      سخــــرت به وبجنــــده الأقــــــوام 

هبــوا إلــــى العليـــاء إن تراثـــنا        فــــي كـــــل أرض سيــــــد وإمــام 

فإذا استقام على الهداية ركبنا      يخضر فوق هضابنا الإقدام

وترف أغصان السعادة فوقنا      وتزول من أصقاعنا الأسقام

استلهام التاريخ الإسلامي :

كتب (محمد أمين أبو بكر) قصيدة يسترجع فيها التاريخ الإسلامي المجيد حيث جاء عنوانها بصيغة الأمر ( ارجع إلى التاريخ )، والأمر يفيد الوجوب عند الأصوليين:

قرآننا فخر العقول وتاجها            جعل الكفيف على الزمان يبصرا

جعل الرعاة كواكبا لا تختفي              صاغوا الضياء ومزقوا الديجورا

بالعلم بالأخلاق بالمثل العلا              جابوا رحاب الخافقين نسورا

        إن رسالة القرآن العظيم حوّلت الرعاة إلى دعاة حضارة أنارت بها الدنيا، وأشرقت الأرض بنور ربها، فالعلم والأخلاق يوصل الأمم إلى قمة المجد والعلياء، بالإضافة إلى عقيدة التوحيد التي نأمل أن تعيد الدنيا إلى رحمة الإسلام وهداية القرآن:

فلنجعل التوحيد نبراسا لنا                   لتعود أشباح الغياهب نورا

ونرد تاريخ الهداية شامخا                      ونعود بين النيرات صقورا

نأتي إلى الدنيا برحمة أمسنا                     ونعيد تاريخ الحنان منيرا

في طاعة الرحمن أطياب الشذا            تحيي القلوب وتجبر المكسورا

نجني السعادة هاهنا في ظلها                  ونمدّ منها للنعيم جسورا

        ويوم تمسكت الأمة بنور القرآن فتح أشبالها أرجاء الدنيا ودوخوا بلاد الشرق والغرب ونشروا الهداية بين أركان الدنيا الأربع :

وبشرعة القرآن صاغ هدايتنا                صلد الجنادل دوحة ونميرا

أشبالنا فيما مضى ركبوا العلا              وأضاء نورهم البلاد دهورا

كانوا يرون الفخر في نشر الهدى        ويرون في درب العطاء سرورا

من أشبعوا كل البطاح بطولة            من بددا حجب الظلام عصورا

داسوا جباه الكفر، وانسابوا هدى       يحمي الضعيف ويلجم المغرورا

        لقد كانت دولة الإسلام الخالدة تحمي الضعيف، وتنصر المظلوم، وتعين على نوائب الدهر، وتساعد المحرومين :

وعلا بناء الحق حين تسابقوا          فغدت صروح الكافرين (سديرا)

من هذه الصحراء ثار لهبينا               يصلي طغاة الخافقين سعيرا

منها جنود الحق ساروا حجفلاً         حمل الكتاب إلى الورى دستورا

واليوم آهات تقض مضاجعي           جعلت فؤادي بالأسى مسجورا

قلبي ينادي من جحيم أوراها                 بين الأنام مقرحا مفطورا

يامن عشقت العيش في ظلم الهوى            ورتعت في حناتها مخمورا

ارجع إلى التاريخ واسأل غوره            عن فاتح جعل الضلال حسيرا

فبمحمد الثقفي في سن الصبا               يوم اللقا ملأ الخلود سطورا

فسلوا رفاة المجد في شرق الدنيا         كيف انتصى فبها الحسام هصورا

وجنى رؤوس الكفر في ساح الوغى      فتراقص الصخر الأصم صبورا

واليوم دمع الكون يشكو بعدنا             والكفر قهقه تائها مسعورا

وحراب من وطنوا بخيل جدودنا              نالت رؤوسا بيننا ونحورا

وعلوج شرقي الدنيا أو غربها              جعلوا دماء المسلمين نذورا

       ولا خلاص للأمة المسلمة من علوج الشرق والغرب إلا باستعادة تاريخ الأجداد البطولي، وبعث الشخصيات التاريخية من أمثال: طارق بن زياد، وصلاح الدين الأيوبي، وخالد بن الوليد ..وتلك الثلة الطاهرة من الأبطال العظام :

لضياء اندلس يزمجر طارق                وصلاح قد ملأ الشآم زئيرا

فمتى نرد إلى الحياة  ضياءنا                 ونرد روض الخالدين نصيرا

ومتى نحاكي خالدا في زحفه                  نحو العوالم فاتحا منصورا

ومتى نعيد طارقا يوم اعتلى              موج البحار إلى الجهاد عبورا

فمتى تستعيد الأمة سيرة ذلك السلف الصالح؛ ليعود إليها عزها ورفعتها ومجدها.

-ودمعـــــتْ عـــــين الهــــــلال :

         وكتب الشاعر محمد أمين أبو بكر قصيدة يصور فيها الجراح التي أثخنت جسد  الأمة، فقال :

-     أتسأل في دياجير الليالي               عن الأبطالِ فينا والرجالِ?

-     عن التكبير في بر وبحر                وفي الآفاق فوق ذُرا الجبال

-     أتسألنا ضراغم ذات بأس              تزمجر في الطعان وفي النزال

          ويطلب من القارئ أن يتمهل لأن الموازين عندنا قد تبدلت وتغيرت، فالأبطال قد ماتوا، وأصبحت البيوت مثل المقابر لا تنجب سوى الأموات والجبناء، وعاد عنترة رقيقاً، وعاد الأبطال من معاركهم المظفرة يدعون إلى الجهل والغدر :

-     رويدك إن كل الأسد ماتوا                وآلوا في الحياة إلى زوال

-     رويدك فالبيوت هنا قبور                   وفي جنباتها سوء المآل

-     رويدك عاد عنترة رقيقاً                    جهولاً بالغرام وبالجمال

-     ومِنْ ذي قار (هاني) جاء يدعو        إلى جبن, وغدر, واحتيال

          ويخاطب الهلال الذي راح يرمز لعزة المسلمين، فيقول :

-     وعمن في العوالم والبرايا                ستسأل بعد ذلك يا هلالي

-     جراحك ولولت في كل أرض             يرج صراخُها شم الجبال

-     تفتش عن فتى ما زال حرا                   يجنّبها ملايين النصال

-     تلفَّتَ منك وجه مكفهرّ                 مدمى في دياجير الليالي

-     ونادى يا أباة الضيم إني                 وحيد بين أنياب الصلال

-     ذئاب الحقد تعوي في دروبي                 تهدد بالنوازل والوبال

-     وقلبي في شعاب الأرض جرح             تنازعه الصوارم والعوالي

-     أصارع كل يوم ألف زحف           حقود فيه آلاف (الصلال)

       لقد أثخن جسد الأمة بالجراح، ويشخص الشاعر تلك الجراح فهي تولول، وترجّ الأرض رجاً، وتبحث عن فتى يضمد تلك الجراح النازفة، ويكرر الشاعر ( أنياب الصلال، وآلاف الصلال ) وهذا من عيوب القافية، ويمضي الشاعر في وصفه، فيقول :

-     تصب على نهير من دماء             يضيق بوصف ما فيه مقالي

-     تقوم على الدماء به أيادٍ                  لعقبة أو قتيبة أو بلال

-     وحولي تشبع الأعداء بشراً                وتقفز بهجة فوق الجبال

-     تردد ما تشاء من الأغاني              وتعزف كل ألحان الوصال

-     وها هي في قلاع المجد تلهو             وتضرم حولنا نار القتال

-     يداعبها رذاذ الماء صيفاً              وتحضنها الزنابق في الضلال

-     وتعبث بالجداول والسواقي             هنالك في بساتين الدلال

-     يمشط شعرها منا قطيع                 يضحّي دونها يوم النزال

-     تسوق جموعه في كل يوم                 إذا شاءت يميناً بالنعال

وبعد :

        لقد امتاز شعر محمد أمين أبو بكر بوضوح الأفكار والمعاني وجزالة الألفاظ والنزعة الواقعية في الأسلوب والتصوير الفني ، فجاء شعره محلقاً في الخيال، بعيداً عن الإسفاف ، جاداً في الطرح ، إسلامياً ملتزماً، محارباً للظلم، مؤيداً لثورة الشعوب المسلمة،  ونرجو من الله أن يهيئ لنا مزيداً من شعر شاعرنا المحبوب محمد أمين أبو بكر، كما نرجوه سبحانه أن يمنحنا مزيداً من البركة في الوقت والصحة؛ لنعود إلى ذلك الشعر الرائع بالتحليل، والدراسة، والتنقيب عن كنوزه ودرره .. وندعو الشاعر إلى المزيد من التألق والإبداع، وإلى تكثيف الجهود في النشر والتأليف وصقل التجربة الشعرية الإبداعية ...حتى يغدو بإذن الواحد الأحد عملاقاً من عمالقة الشعر الإسلامي المعاصر ..وما ذلك على الله بعزيز .

المراجع :

1-   من الشعر الإسلامي الحديث،  رابطة الأدب الإسلامي العالمية – دار البشير : 371 .

2-   معجم البابطين : 4 / 300 .

3-نقلاً عن مجلة البيان – العدد : 14

وسوم: العدد 782