الأستاذ المحامي الداعية علي صدر الدين البيانوني

الأستاذ المحامي الداعية علي صدر الدين البيانوني:

المراقب العام السادس للإخوان المسلمين في سورية

( 1938م- معاصر)

clip_image002_7e945.jpg

تمهيد:

هو الأستاذ الداعية (علي صدر الدين البيانوني) سياسي، ومحام سوري، عاش أربعة عقود بالمنفى، وقاد جماعة الإخوان المسلمين السورية أربعة عشر عاماً، وكان في طليعة مؤيدي الثورة السورية على نظام بشار الأسد عام 2011م ..

وتعود الأسرة في أصولها إلى قرية (بيانون) التي تبعد 12 كم عن مدينة حلب يقيم سكانها على تلَّة ذات ارتفاع بسيط، ويحكى أنّ هذه القرية اكتسبت اسمها من كلمة بيت النون، والتي تعني بيت السمك، فقد كانت تحتضن بحيرة كبيرة في أوّل القرية، وقد جفت من حوالي مئة عام أو أكثر، وقد تحولت إلى أتربة بعد ذلك .

هذه القرية شهدت أحداث الثمانينات حيث تم تطويقها بأكثر من عشرين دبابة، مع أنّ عدد سكانها في ذلك الحين لا يصل إلى 2000 نسمة، واقتحمها الجيش، وأذاقوا أهلها الأمرّين، وقد تمركز الجيش عندها، وذهب قسم منهم إلى عندان، وتل رفعت، وحيان، وقد تسرّبت معلومات عن ضباط من الجيش الذي جاء حينها أنّ كل من أتى مع تلك الحملة وضع لنفسه الحسبان أنّ نسبة النجاة لا تتجاوز 10% ، والسبب لا يعلمه أهل القرية .

وفي تلك الأحداث تم اعتقال محمد بشير التيت وابنه، وسبب ذلك أنّ رجل استجار به بالليل، فاستضافه بتلك الليلة، وكان ذلك الرجل من الإخوان المسلمين، وبعد أن علم أحد أذناب النظام بذلك قام بالإخبار عنه، فتمّ اعتقاله مع ابنه حتى هذه اللحظة.

وعندما لم يجد النظام أي مقاومة من أهالي القرية انسحب منها، وحفظها الله في ذلك الحين من الدمار.

ومنذ ذلك الحين أصبحت قرية بيانون من المغضوب عليهم من قبل النظام، فقد شهدت كل القرى التي حولها التطوّر كتزفيت الطرقات، وتمديد المياه، والصرف الصحي إلا قرية بيانون....

وتواترت حملات الدهم والاعتقال على هذه القرية الصامدة منذ الثمانينات إلى سنة 2000م أي عندما توفى حافظ الأسد، وفي عهد الأسد الابن لم يتغيّر الوضع كثيراً  إلا أن مجلس البلدية في القرية قام ببعض الإصلاحات وذلك في عام 2002 ــ  حيث حفر الصرف الصحي، وقاموا بتزفيت طريق القرية، ولكن كان دعم النظام للقرية بالمصطلح العامي ــ بالقطّارة ــ

وفي عام 2008 شهدت هذه القرية حركة بيع وشراء للعقارات بشكل كبير، فخجل النظام حينها، وضمها للخريطة لأول مرة في تاريخه.

كل ذلك الضغط سبب انفجار أهلها على النظام في أول فرصة سنحت لهم فمع تفجر الثورة ب 15\آذار\ 2011م شارك في مظاهرة جامع الكبير 17\آذار أحد أفرادها،   وتابع أبناؤها المشاركة في مظاهرات كل من: بستان الباشا، وباب الحديد، والهلك، والجامعات، والسكري، والجميلية، وشارع النيل، ودوار شيحان، وسيف الدولة... وغيرها كثير، ورغم فشلهم مع أحرار عندان، وحيان، ورتيان، ومنغ، وتل رفعت، وإعزاز، ومارع في إشعال حلب، والسبب الرئيسي كان كثرة الأمن والشبيحة والبلطجية،.. وعندما تحولت الثورة السلمية إلى مسلحة بتخطيط من النظام كان لبيانون دور في الجهاد ضد نظام فاقد للشرعية، فقدموا قوافل الشهداء، وواجهوا الظلم، وما زالوا ...

وتعود أسرة علي صدر الدين البيانوني إلى قرية بيانون، وقد برز من هذه العائلة المباركة العديد من العلماء والفقهاء والدعاة، نذكر منهم: الشيخ عيسى البيانوني، والشيخ أحمد عز الدين البيانوني، والأستاذ علي صدر الدين البيانوني، والشيخ العالم محمد غياث أبو النصر البيانوني، والدكتور محمد عبد الله أبو الفتح البيانوني، وبقية العائلة الكريمة أبو المجد، وأبو اليسر، .. ومن أبناء عمومتهم د. عبد المجيد البيانوني ..وغيرهم كثير.

clip_image003_6dd10.jpg 

1-الشيخ الشاعر عيسى البيانوني.. صوفي انتفض ضد الفرنسيين بسوريا:

اشتهر عيسى البيانوني بالقدرة على حل المشكلات العلمية الغامضة، وقد كرّس جهده للإصلاح بين الناس، وخلّف كتباً ورسائل تناولت تهذيب النفوس والتحلي بالفضائل.. وهو جدّ الأستاذ علي صدر الدين البيانوني ...

المولد، والنشأة:

ولد الشيخ عيسى بن حسن بن بكري البيانوني عام 1873 في قرية بيانون شمال غرب مدينة حلب السورية لأسرة عرفت بالتدين والعلم.

الدراسة، والتكوين:

طلب العلم الشرعي في حلب، ودرس على أخيه الشيخ حمادة البيانوني وشيوخ آخرين. وبعد أن حفظ القرآن الكريم، وأتقن الخطّ العربي، ودرس مبادئ النحو والصرف التحق بالمدرسة العثمانية، فدرس فيها التفسير والمنطق وعلم التوحيد.

ثم درس الحديث وعلم المعاني والبيان وتردد على حلقة الشيخ بدر الدين الحسني البيباني تحت قبة النسر في جامع بني أميّة بدمشق.

الوظائف، والمسؤوليات:

تولى تدريس العلوم الدينية والشرعية ببلدة المعرة، ثم تقلد الخطابة بالمدرسة العثمانية في حلب ودرس بالمدرسة الخسروية الشرعية.

التجربة العلمية والسياسية:

اشتهر الشيخ عيسى البيانوني بالقدرة على حل المشكلات الغامضة وبجزالة الأسلوب وحسن الجواب، وعُرف بالاهتمام بالإصلاح بين الناس، وكان قوي التأثير بوَعْظه وإرشاده.

وقد اتجه إلى الطرق الصوفية، فأخذ معارف الطرق القادرية والرفاعية والرشيدية، ثم النقشبندية. ويقول أقرانه إنه لو لم ينصرف إلى الاشتغال بالتصوف لكان من الفقهاء المبرزين.

وعندما دخل الفرنسيون إلى سوريا عام 1920 بادر الشيخ عيسى بالدعوة إلى الجهاد فطاف بالقرى والمدن يحرض السوريين على التصدي للاحتلال.

وقد نجح في جمع كثير من المتطوعين الذين قدموا حلب يحملون بنادقهم متحمسين لدعم الثورة السورية على الفرنسيين بعد أن اندلعت في دمشق.

لكن ما يعرف بحكومة حلب حالت دون التحاق هؤلاء المتطوعين بصفوف الثورة. وقد وُشي بالشيخ عيسى إلى الفرنسيين، لكن الجنرال غورو أجاب الوشاة بقوله: إن هذا الشيخ يشكر على عمله؛ لأنه أحب أن يدافع عن وطنه.

المؤلفات:

ألّف الشيخ عيسى كتباً في العبادات، وتهذيب النفوس، وتحليها بالفضائل والمحبة النبوية، ومن مصنفاته: كنز الهبات في الصلاة على سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم،  مواد العقل السليم في متابعة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. تحذير الإنسان من آفات القلب واللسان. أكواب الرحيق في آداب الطريق. أربعون حديثاً في المحبة النبوية.

إعلام الإنسان بأحكام الصيام. وله ديوان شعر بعنوان "فتح المجيب في مدح الحبيب".

الوفاة:

توفي الشيخ عيسى البيانوني عام 1943 بالمدينة المنورة، وصُلي عليه بالمسجد النبوي الشريف، ودفن بالبقيع..)

clip_image005_71c88.jpg

2-العالم الرباني أحمد عز الدين الصيّاد البيانوني:

هو مربٍّ وأديب سوري خدم التعليم ثلاثين عاماً، ووظّف الشعر في الدعوة، وقد مارس نشاطه أثناء التضييق على العمل الإسلامي، وعمل على تعزيز الجبهة الداخلية بعد هزيمة 1967.

المولد، والنشأة:

ولد أحمد عز الدين بن عيسى البيانوني في مدينة حلب عام 1913، لأسرة علم وتدين، وقد كان والده من خلفاء الشيخ محمد أبي النصر خلف النقشبندي الحمصي.

الدراسة، والتكوين:

تلقى أحمد عز الدين البيانوني تعليمه الابتدائي والإعدادي في حلب، ثم التحق بدار المعلمين، وتخرج فيها. وتقول المصادر إنه كان يتقن اللغة الفرنسية، ويجيد الرسم والخط.

درس العلوم الدينيّة واللغويّة على والده وعلماء حلب، وصحب مشايخ كباراً أمثال الفقيه عبد الله خير الله، والعلاّمة محمد بن إبراهيم السلقيني، وشيخ القرّاء نجيب خيّاطة، والفقيه الحنفي مصطفى مزراب.

الوظائف، والمسؤوليات:

عمل الشيخ أحمد عز الدين البيانوني في قطاع التعليم ثلاثين عاماً، ما بين عامي 1932 و1968، وأسس، وترأس جماعة الهدى الإسلامية في حلب.

التجربة الدعوية:

تميزت التجربة الدعوية للبيانوني بأنها عايشت هزيمة 1967م، وتزامنت مع مرحلة التضييق على العمل الإسلامي في سوريا.

اتخذ جامع أبي ذر في حي الجبيلة بمدينة حلب مركزا لنشاطه الدعوي، ومنه اشتق اسم جماعته "جماعة أبي ذر"، حيث ركز على التربية الإسلامية واهتم بالتنشئة، ونظم الشعر الذي يخدم الدعوة والتربية.

رأى أن من الضروري تكوين جماعة إسلاميّة مستقلّة تخدم الأهداف التربويّة والإصلاحيّة التي يسعى إلى تحقيقها.

وبعد مغادرته قطاع التعليم، أعلن البيانوني تفرّغه "لتربية المريدين على منهاج أهل السنّة والجماعة"، وعرفت جماعته لاحقاً باسم "جماعة الهدى الإسلاميّة"، ونشط في توزيع الرسائل والمصنفات الدينية بالمجان في مختلف المدن السورية.

وإلى جانب نشاطه الدعوي، عمل على الحد من تفاقم الآثار النفسية والاجتماعية لهزيمة 1967، فنشط في تعزيز صمود الجبهة الداخليّة ورفع معنويّات المواطنين.

يرى البيانوني أن ما حلّ بسوريا بعد سقوط الجولان بيد إسرائيل كان نتيجة خلل في التربية على مستوى الأفراد والجماعات، وبسبب البعد عن تعاليم الدين ومخالفة أوامر الله.

المؤلفات:

خلّف البيانوني مصنفات دعوية وفقهية، من بينها: "شؤم المعصية وبركة التقوى"، و"الدعوة إلى الإسلام وأركانها"، و"من محاسن الإسلام"، و"مجموعة العبادات على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان". وقدم خلاصة تجربته في كتابه "منهاج التربية الصالحة".

شارك في كتابة المناهج الشرعيّة التعليميّة، وألّف بالاشتراك مع الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة ستّة كتب مدرسيّة للمرحلة الثانويّة.

وقد حرص على صياغة أفكاره وتقديمها بلغة بسيطة عصريّة، كما وظف شعره في خدمة الدعوة واعتنى بعرض محاسن الإسلام ومزاياه.

طغى التعلق بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم على الإنتاج الشعري للبيانوني، ونظم مدائح كثيرة في حبه، إلى جانب الشوق لمكة المكرمة، والمدينة المنورة.

الوفاة:

توفي الشيخ أحمد عز الدين البيانوني عام 1975 في حلب، عن عمر ناهز 62 عاماً..)

clip_image007_3968e.jpg

3- الأستاذ المحامي الداعية علي صدر الدين البيانوني:

هو المراقب العام السادس لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، ينحدر من هذه الأسرة المباركة، وسوف نعرض محطات من سيرته العلمية، والعملية، والدعوية، والحركية.. وسوف نتبين مواقفه ومنجزاته، وندرس أشعاره ..

1 – الولادة، والنشأة:

ولد الأستاذ المحامي الداعية (أبو أنس) علي صدر الدين البيانوني، ونشأ في كنف والده الشيخ أحمد عز الدين البيانوني الذي كان من علماء حلب ودعاتها، وأما جدّه الشيخ الفقيه (عيسى البيانوني)، فقد كان من الرعيل الأول في تخريج العلماء، وكان عالماً وشاعراً، وقد غلبت عليه محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم-، ومعظم شعره في المحبة النبوية.

وأما والدته فهي السيدة الفاضلة (عريفة بنت عبد العزيز الدباس).

وتشير سجلات الأحوال المدنية إلى أن الأستاذ علي صدر الدين قد ولد بتاريخ الحادي عشر من كانون الثاني في العام 1937 الميلادي، إلا أن هذا التاريخ هو - في الحقيقة - تاريخ ولادة أخيه الأكبر، الذي كان يحمل نفس الاسم، وتوفّيَ قُبَيْل ولادته، فبقي مسجّلاً على اسمه، كما يشير والده - رحمه الله- في مذكّراته، ويشير أيضاً إلى أن (علي صدر الدين الثاني) ولدَ يومَ الخميس السابع عشر من جمادى الأولى في العام 1357 الهجري، الموافق للرابع عشر من تموز في العام 1938 الميلادي، في منزل جدّه الشيخ عيسى البيانوني -رحمه الله-، الكائن في جامع أبي ذرّ، في حيّ الجبيلة، في مدينة حلب.

وكان علي صدر الدين هو الولدَ الثاني في الأسرة، بعد شقيقته الكبرى بشرى أم الفضل (أم صفوح) زوجة الشيخ محمد الحجار رحمهما الله، والتي كانت تكبره بثلاث سنوات، وللأستاذ علي صدر الدين غيرها خمسة إخوة، وست أخوات، هم حسب ترتيب تاريخ ميلادهم: محمد عبد الله أبو الفتح، ومحمد مطيع أبو المجد، وفاطمة الزهراء، ومحمد غياث أبو النصر، وألوف أم السناء، وخديجة أم الهدى، ومحمد موفّق أبو اليسر، وعائشة أم النّهى، ومحمد سهل أبو اليمن، ومسرّة أم البشر.. وهؤلاء جميعاً من والدته الحاجة عريفة الدبّاس - رحمها الله-، ثم له أخت صغرى هي: (هبة الرحمن) من زوجة أبيه الثانية السيدة وهيبة الشيخة (أم نصر)، التي ولدت بعد وفاته - رحمه الله - بشهور في العام 1976 الميلادي.

نشأ علي صدر الدين مع إخوته وأخواته في كنف والديه - رحمهما الله-، في جوّ عائليّ إسلاميّ ملتزم، حيث كان والده الشيخ أحمد عز الدين البيانوني، وأكبرُ أخواله عادل الدباس -رحمهما الله-، من مؤسّسي جمعية دار الأرقم، التي كانت هي نواة جماعة الإخوان المسلمين في مدينة حلب.

وكان والده - رحمه الله- يعمل – كما أوضحنا سابقاً - في مجال التعليم، ويحمل شهادة أهلية التعليم من دار المعلمين في حلب، وكان يولي اهتماماً كبيراً لتعليم أولاده مختلف العلوم منذ طفولتهم المبكّرة، متدرّجاً فيها حسب أعمارهم، وقد جاء في مذكّراته أن ولده علي صدر الدين أنهى تلاوة القرآن الكريم عندما كان عمره خمس سنوات. وكان الوالد يشرح لهم  معانيَ الآيات التي يقرءونها ويطلب منهم إعراب بعض الكلمات والجمل، بما يتناسب مع أعمارهم، مما كان له أثرٌ كبير في رسوخ آيات القرآن الكريم، وكثيرٍ من معانيها في الذاكرة منذ الصغر، وفي التمكّن من اللغة العربية وقواعدها.. وعندما كان يبلغ أحدُ الأولاد السابعة من عمره، يبدأ بالمواظبة على الصلوات في أوقاتها، مستوعباً جميع أحكامها.. كلّ ذلك بأسلوب تربويّ شيّق، يجعلهم يتقبّلون ما يتلقّونه، ويؤدّنه بمنتهى الرغبة والسعادة.. ولقد سنّ بعد ذلك، الاحتفالَ بمناسبة بلوغ الطفل السابعة من عمره، وبدء مواظبته على الصلاة، ويدعو لهذا الاحتفال أقران الطفل من الأقارب والأصدقاء.. وذلك تشجيعاً للأطفال، وتحبيباً لهم بالصلاة والمحافظة عليها.

ولقد كان والداه رحمهما الله في سلوكهما وتعاملهما مع الأبناء ومع الآخرين، داخل البيت وخارجَه، وفي علاقة كلّ منهما بالآخر، وفي تربيتهما لهم.. أنموذجاً عملياً وقدوةً حسنةً، غرسا في نفوسهم حبّ الخير، وحبّ الله، وحبّ رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وطاعتهما، وتعلم الأبناء منهما الكثير من خلال أحوالهم قبل أقوالهم. ولا ينسى الأخ أبو أنس كيف أنهم عندما كانوا يستيقظون للصلاة في فصل الشتاء، يجدون الماء الساخن جاهزاً للوضوء، تخفيفاً وتيسيراً..

أما الأسرة الكبيرة، فكانت تشمل الجدّ الشيخ عيسى البيانوني الذي توفّيَ رحمه الله بتاريخ 25 كانون الأول 1943 الميلادي، في المدينة المنورة، خلال رحلة الحجّ، ودفن في مقبرة البقيع، ثم لحقت به بعد سنوات زوجته نفيسة عقيل (أم محمد شافع), وأما جدّة علي صدر الدين لأبيه فلا يعرفها؛ لأنها توفيت قبل ولادته.

وأما عن الأعمام إخوة الوالد، فهم: عبد اللطيف، ومحمد بشير، ومحمد شافع. وعمّاته هنّ: نوريّة، وأمينة، وفاطمة، ولطفية التي لا يعرفها لأنها توفّيت من قبل.

وأما جدّه لأمه فهو عبد العزيز الدباس، وجدته فاطمة الدباس، وأخواله: عادل، ونذير، ومحمد، وفؤاد، وأحمد، وصالح. وخالته الوحيدة هي (حميدة) زوجة عبد الوهاب سراج الدين.

ولا ينسى الأستاذ أبو أنس  كم كانت الفرحة كبيرة عند الزيارات المتبادلة مع هؤلاء الأقارب والأرحام.

2 – الدراسة، ومراحل التعليم:

نظراً لأن علي صدر الدين البيانوني مسجل على اسم أخيه، لذا فهو أكبر من عمره الحقيقي بسنة ونصف السنة، فقد دخل المدرسة الابتدائية مبكّراً، وكان أصغر طلاّب صفّه في المدرسة (الحمدانية) الابتدائية، ، وكان مدير المدرسة الحمدانية آنذاك الأستاذ عبد اللطيف المنصوري، وكان أبرز أساتذته فيها: حمدي الدلاّل، وحمزة الجوخدار، ونعمان النابلسي. ونالَ علي صدر الدين شهادة الدراسة الابتدائية في عام 1949، كما نال شهادة الدراسة الإعدادية (الكفاءة) من ثانوية إبراهيم هنانو، في عام 1954، ثم حصل على شهادة الدراسة الثانوية العامة (البكالوريا) الفرع الأدبي - قسم الاجتماعيات في عام 1957

وكان - بفضل الله - متفوّقاً في دراسته، متقدماً على أقرانه، ولاسيما في ميادين الدين واللغة والأدب، وكان ينافس، على الدرجة الأولى في مختلف الصفوف والمراحل.

التحق علي صدر الدين البيانوني بجامعة دمشق في عام 1958، طالباً في كلية الآداب، ثم تحوّل إلى كلية الحقوق في دمشق، في عام 1960، وتخرّج فيها عام 1963. وقد نهل العلم على أيدي أساتذتها، وكان من أبرز أساتذته في كلية الآداب: الأستاذ سعيد الأفغاني، وفي كلية الحقوق: الدكتور مصطفى السباعي، والأستاذ العلاّمة مصطفى الزرقا، والدكتور محمد الفاضل، والدكتور رزق الله الأنطاكي، والدكتور معروف الدواليبي، والدكتور أحمد السمان..

3 – الزواج، والأسرة:

تزوج (علي صدر الدين) مبكراً بتوجيهٍ وتشجيعٍ من والده، في عام 1954، وهو في السادسة عشرة، من السيدة الفاضلة خديجة بنت الحاج جميل الخراط، وهذا اقتضى أن يدخل الحياة العملية مبكراً أيضاً، فخضعَ لدورة في علم المحاسبة التجارية، ليشتغل بعد ذلك محاسباً ليكفيَ نفسه وأسرته، ولا يثقل على والده الذي كان محدود الدخل.

وقد رزقه الله من زوجته أم أنس سبعاً من البنين، هم: أنس، وأيمن، وأحمد عز الدين، ومحمد شمس الدين، ومجاهد. وابنتين هما: ميمونة زوجة المهندس الشهيد عبد الإله البعلبكي، رحمه الله، الذي استشهد في سجون الظلمة في دمشق، ثم تزوجَتْ بعد استشهاده من الدكتور أحمد الكوفحي في الأردن.

والثانية: ميسون زوجة المهندس الدكتور صالح بن الأستاذ محمد المبارك -رحمه الله-.

وقد بلغ عدد أحفاده وأحفاد أولاده، حتى هذا التاريخ (103) حفيداً وحفيدة، أسأل الله عز وجل أن يجعلهم وآباءهم وأمهاتهم وذرّياتهم قرّة أعين له ولآبائهم وأمهاتهم.

4 - الخدمة العسكرية:

التحق علي صدر الدين البيانوني بالخدمة العسكرية الإلزامية بتاريخ  3 كانون الثاني 1959 برتبة طالب ضابط  في كلية الضباط الاحتياط، وتخرّج منها برتبة مرشّح، في نهاية عام 1959، عمل بعدها مدرّباً في مدرسة الصنائع الجوية، حتى منتصف آذار 1961، ورقّي لرتبة (ملازم) في أول عام 1961. وكانت خدمته الالزامية خلال عهد الوحدة بين مصر وسورية التي تمّت في 22 شباط 1958، ثم انفصمت بتاريخ 28 أيلول 1962

ثم استدعي البيانوني بعد ذلك للخدمة الاحتياطية عدة مرات، كان آخرها  في عام 1967، حيث شهدَ حرب عام 1967، وانسحاب الجيش السوري فيها من هضبة الجولان، بدون قتال، بناء على أوامر وزير الدفاع في حينها حافظ أسد ( بائع الجولان).

5 - الحياة العملية:

بدأت حياته العملية محاسباً في شركة (محمد عبد اللطيف خواتمي وشركاه) بعد زواجه مباشرة في عام 1954، ثم مدرّساً للغة العربية في المدارس الخاصة في حلب في عام 1957، ثم التحق بالخدمة العسكرية في عام 1959، وعاد بعدها في عام 1961 إلى تدريس اللغة العربية في المدارس الخاصة، ثم تمّ تعيينه موظفاً إدارياً في (مؤسسة الكهرباء والنقل بحلب) في عام 1962، شغلَ فيها وظيفة رئيس مكتب الدراسات، ثم رئيساً لدائرة الشئون الذاتية، ثم رئيساً لدائرة القضايا القانونية، وذلك حتى استقالته من المؤسسة في مطلع عام 1978، حيث انتسب إلى نقابة المحامين، والتحقَ بمهنة المحاماة، وبقي يزاولها حتى تاريخ خروجه الاضطراري من سورية بسبب الملاحقة الأمنية، في شهر نيسان 1979.

6 - الالتحاق بجماعة الإخوان المسلمين:

انتظم الأخ علي صدر الدين البيانوني في جماعة الإخوان المسلمين عام 1954، بموافقة وتشجيع من والده - رحمه الله-، وكان من أفراد أسرته الأولى الإخوة: غسان البنقسلي، وسهيل البنقسلي، ومحمد فاضل درويش، ومحمد أسعد الطويل، وكان من أوائل موجّهي الأسرة الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة، صديق الوالد الحميم، وهو الذي كان له أكبر الأثر في تربيتهم وتوجيههم.

تدرّج البيانوني في الجماعة من أخ منتسب، إلى أخ عامل، إلى موجّه أسرة ثانوية، إلى موجّه أسرة جامعية، ثم صار مسؤولاً عن الإخوان في جامعة حلب، ثم عضواً في إدارة مركز حلب، وبعدها أصبح عضواً في المكتب التنفيذي، وعضواً في مجلس الشورى، ثم نائباً للمراقب العام الأستاذ عدنان سعد الدين بعد خروجه من السجن في عام 1977، وكان الأستاذ عدنان يقيم خارج سورية، بنما كان البيانوني يتولى مسؤولية العمل في الداخل.

ومن الإخوة الذين عمل معهم في الجماعة، أو تعرّفَ عليهم، قبل خروجه من سورية، واستفاد منهم، وتركوا في نفسه أطيب الأثر، الإخوة الأساتذة: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ عبد الله علوان، والقاضي الشيخ عبد الوهاب ألتونجي، والمحامي عبد القادر السبسبي، وعمر بهاء الدين الأميري، والدكتور فوزي حمد، وعبد القادر خطيب، والقاضي محمد كلزية، وأمين يكن، وأحمد حلمي خوجة، ومحمد علي الهاشمي، وعادل الهاشمي،  وصبحي غنام، وصبري غنام، ومحمد الحسناوي، ومحمد أديب الجاجة، وعبد الله الطنطاوي، ومحمد السيد، والمهندس رياض جعمور، وطبيب الأسنان أبو أسامة عبّادي، وعادل كنعان، وحسان الصفدي، والشيخ محمد فاروق البطل، والمهندس محمد عادل فارس، ومحمد عنجريني، ومصطفى عنجريني، وإبراهيم جلال، والأخت الفاضلة الأستاذة أمينة الشيخة، وغيرهم كثير.

7 - فترة السجن:

وفي 16 آذار 1975 اعتقل علي صدر الدين البيانوني مع مجموعة من الإخوة من مختلف المحافظات السورية، من قبل شعبة الأمن السياسي، بسبب انكشاف انتمائهم للجماعة، وعاشَ معهم أكثر من سنتين في سجن (الشيخ حسن) في حي الميدان في دمشق، حيث قضى السنة الأولى في زنزانات انفرادية، لا يتجاوز طولها المترين، وعرضها المتر ونصف المتر، وفي السنة الثانية انتقل إلى زنزانات جماعية، مع الإخوان أحياناً، ومع سجناء سياسيين آخرين أحياناً أخرى. وقد تعلّم البيانوني من هؤلاء الإخوة الكثير، واستفاد من صحبتهم خلال فترة السجن، وما زال يحتفظ لهم في نفسه بحبّ عميق، ومكانة خاصة.   يذكر من هؤلاء الإخوة: حسان ترجمان، وطه الفرج، وأحمد نيساني، وعبد الغني زينو، وعلاء الدين عجان، وعبد الكريم الشلبي، وعبد الستار قطان.. وآخرين لم تحضرني أسماؤهم الآن.

ورغم المعاناة الشديدة خلال فترة السجن، ومن مختلف أنواع التعذيب، خلال الأشهر الأولى، وبين الحين والآخر.. فقد كان معظم الإخوة على قدر كبير من الصلابة، ثابتين صابرين محتسبين، وعاشوا معاً أجواءً روحية أخوية صافية، لم تكن تخلو من الشعر والفكاهة والمرح، ومن العلم والتعلّم، مما خفف عنهم كثيراً من آلام هذه المعاناة.

ويذكر البيانوني أنه في حوار فكريّ سياسيّ في السجن، مع رئيس فرع الأمن السياسي بدمشق، المقدّم أمين العلي، بعد فترة التحقيق والتعذيب، خلال سهرة طويلة امتدّت إلى ما بعد منتصف الليل، قال له البيانوني: إنكم بعد التحقيق معنا - وكنا حينئذٍ ستة عشر معتقلاً - وبعد أن اطلعتم على منشورات الجماعة ومنهجها، هل وجدتم في أنشطتنا ومنشوراتنا، ما يخلّ بأمن البلد؟. فأجابني: لا لم نجد ما يخلّ، لكنكم أنتم باعتدالكم، ووسطيّتكم، وسِلميّتكم، وانفتاحكم على المجتمع.. أخطر علينا من أولئك المتطرّفين الذين يحملون السلاح.

وبهذه المناسبة، يذكر البيانوني أنه - رغم تذوّقه للشعر ومحبّته له - لم ينظم قبل السجن إلاّ محاولات شعرية محدودة، ولكن المعاناة والأجواء الروحية الصافية التي خيّمت على السجن.. دفعته إلى نظم كثير من القصائد، لم يسلم منها سوى ثماني قصائد، أمكن تهريبها إلى خارج السجن، وعناوين هذه القصائد هي: (جواب، ونداء القدر، وإخوة السجن، وأمّاه، وحديث النفس، ومدرسة السجن، ووردة القلب، وأبتاه)، وقد نشرها بعد ذلك تحت عنوان (من ذكريات الماضي)...وسوف نقف عليها مفصلاً بإذن الله .

8 - بعد الخروج من السجن:

clip_image009_de6ce.jpg

وخرج علي صدر الدين البيانوني من السجن في السابع من نيسان 1977، وكان مطلوباً منه مراجعة فرع مخابرات أمن الدولة كل أسبوع، لتحذيره من الاتصال بالتنظيم، وليتأكدوا من عدم عودته إليه. إلاّ أن المراجعات كانت، في معظم الأحيان، شكلية روتينية.

وبعد الإفراج عنه بعدة شهور، استدعاه الأخ المراقب العام - حينئذٍ - الأستاذ عدنان سعد الدين (أبو عامر)، ليبلغه أنه بناءً على قرار مجلس الشورى، تم اختياره عضواً في المكتب التنفيذي للجماعة، نائباً للمراقب العام، فحاولَ الاعتذار عن ذلك بسبب وضعه الأمني ومراجعاته الأسبوعية لفرع المخابرات، لكنه أصرّ عليه، واعتبره تكليفاً تنظيمياً، فامتثل.   وكان الأستاذ أبو عامر يقيم في الإمارات العربية المتحدة، ويقوم بزيارات لسورية خلال العطلة الصيفية، وكان البيانوني يتولّى إدارة أعمال الجماعة في الداخل.

ولعلّ أبرز إنجازات الجماعة خلال هذه المرحلة، اعتماد خطة عمل واضحة للجماعة، ومتابعة تنفيذ خطة العمل الدعوي المسجدي التي كانت معتمدة قبل اعتقاله في عام 1975، والتي كانت آثارها واضحة في إقبال الشباب على المساجد، والمشاركة في الأنشطة والاحتفالات بالمناسبات الدينية المختلفة، في معظم المساجد، في مختلف المدن السورية، قبل أن تندلع أحداث الثمانينيات، التي أدّت إلى الصدام المباشر مع النظام في عام 1979

9 - أحداث الثمانينيات والصدام مع النظام السوري:

منذ منتصف السبعينيات، كانت تحدث عمليات اغتيال دقيقة وغامضة، لبعض مسئولي الأمن والمخابرات، بين الحين والآخر، لم تكن تترك أثراً، ولم يكن يُعرَفُ من يقوم بها أو يقف وراءها. وقد اطلع البيانوني على تقرير سرّي في أواخر عام 1978، مرفوع من قِبَل مخابرات أمن الدولة في حلب، إلى الإدارة العامة للمخابرات بدمشق، عن طريق أحد المتعاونين، يشير إلى دقة هذه العمليات، وعدم معرفة الأجهزة الأمنية من يقوم بها، أو من يقف وراءها. ويشير التقرير إلى أن منفذي هذه العمليات، يتمتّعون بخبرة واسعة، وتدريبٍ عالٍ، ولا يتركون أيّ أثر. وكانت التخمينات والاحتمالات التي تضمّنها التقرير، تشير إلى حزب البعث العراقي، أو إلى حزب الكتائب اللبناني، وتستبعد قيام الإسلاميين بها.

ولكن يبدو أنه بعد ذلك، ومن خلال التحقيق مع بعض المعتقلين في مدينة حماة، تبين وجود علاقة لهذه الاغتيالات، ببعض الأفراد المتأثرين بفكر الشيخ مروان حديد رحمه الله، ممن أطلقوا على أنفسهم فيما بعد (الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين)، ونفذوا عملية مدرسة المدفعية في شهر حزيران 1979

ومع أن منفذي العملية، تركوا بياناً باسم الطليعة، وكانوا معروفين وملاحقين من قبل أجهزة الأمن، ومع أن الجماعة أصدرت بياناً في ذلك الحين نفت أيّ علاقة لها بالعملية، وأكّدت أن مثل هذه الأعمال تتعارض مع منهجها السلمي الذي تتمسّك به.. إلاّ أن السلطات السورية وجدتها فرصة - على ما يبدو - لتوجيه الاتهام للجماعة، وملاحقة قياداتها وأفرادها، وتوجيه ضربة قاسية لها، فأعلنت الحرب عليها في بيان وزير الداخلية عدنان دباغ، الذي حمّل الجماعة المسئولية عن العملية، وعن عمليات الاغتيال الأخرى، وتوعّد بملاحقة أبناء الجماعة، وتصفيتهم في الداخل والخارج، وبدأت بالفعل عمليات الملاحقة والتصفيات وتمشيط المدن.. وتوسعت دائرة الملاحقات، حيث شملت جميع قيادات الجماعة، والآلاف من أفرادها، وكانت الأنباء الخارجة من السجون، تتحدّث عن عمليات تعذيب، وتصفيات جسدية، تتمّ داخل السجون، كما نُفّذ حكمُ الإعدام بمجموعة من الإخوان كانوا معتقلين من قبل، ولا علاقة لهم بهذه العمليات. ووجدت الجماعة نفسها في أتون حربٍ معلنة، لم يكن من خيار أمامها، إلاّ  خوضَها، والدفاعَ عن نفسها، فاتخذت بعد ذلك في شهر أيلول 1997، قراراً بالمواجهة دفاعاً عن النفس، استفتح القرار بالآية الكريمة: (أُذِن للذين يُقاتَلون بأنهم ظُلِموا، وإنّ الله على نصرهم لقدير..)، رغم أن الجماعة لم تكن تملك أيّ خططٍ أو استعداداتٍ أو قدراتٍ عملية، لدخول مثل هذه المواجهة.

وكانت ملاحقة أبناء الجماعة، قد بدأت منذ أوائل عام 1979، قبل حادثة مدرسة المدفعية بحوالي ستة شهور، وقبل تفجّر الأحداث في سورية. وكان البيانوني في زيارة لفرنسا، للمشاركة في مؤتمر إسلامي دعوي، عندما دوهم بيته في مدينة حلب، في شهر نيسان 1979، في محاولة لاعتقاله، فاعتقلوا ولده أيمن الذي كان طالباً في المرحلة الثانوية، وصهره زوج ابنته الكبرى، المهندس عبد الإله البعلبكي الذي كان قادماً إلى حلب في مهمة رسمية، لمؤسّسة الكهرباء، فاعتقلوهما رهينةً عنه، ثم أعدموا صهره فيما بعد، وأفرج عن ابنه نتيجة مساعي بعض الأصدقاء، فقرر حينها البقاء في فرنسا، بناءً على طلب الإخوة، ثم انتقل منها إلى الأردن، وبدأت رحلة الهجرة والغربة منذ ذلك الحين.

10 - موقف الجماعة الثابت من حمل السلاح:

لا بدّ من الإشارة هنا، إلى تأكيد موقف الجماعة الثابت، الرافض لحمل السلاح في مواجهة الحكومات، ولنهج الشيخ مروان حديد، وموقفها من الأفراد المتأثّرين به، ومن عملية مدرسة المدفعية.. وتمسّكها بالعمل الدعوي، والنهج السلمي، وحرصها عليه، فقد كانت الجماعة تحاور الأفراد المتأثّرين بهذا النهج، فإذا أصرّوا على مواقفهم، كانت تفصلهم من الجماعة، كما فعلتْ مع الأخ عدنان عقلة وآخرين.. بينما كان النظام يحاول بشتّى الأساليب، الزجّ بالجماعة في أتون المعركة التي أعلنها. ولم يكن قرار المواجهة التي اتخذته الجماعة في أيلول 1979 إلاّ دفاعاً عن النفس، وبعد أن وجدت الجماعة نفسها في أتون المعركة التي شنّها النظام عليها بشكلٍ رسميّ ومعلن.

11 - العودة إلى الداخل للتفاهم مع مجموعة الطليعة:

بعد أن اتخذت الجماعة قرارها بالمواجهة دفاعاً عن النفس، كان الواقع الميدانيّ في الداخل متشابكاً ومرتبكاً، ورغم احتدام العمليات التي كان ينفذها بعض الشباب من الإخوان ومن الطليعة، إلاّ أن الوضع في الداخل كان يتّسم بالفوضى والانفعال.. وبينما كان النظام يعمل بتخطيط، وقيادة مركزية، وقدرات عالية.. كان واقع الشباب المتوزّعين على مجموعات، في المخابئ، لا يدار من قيادة مركزية، ولا يمتلكون استراتيجية تصون الدماء، وتنظم الجهود، وتتقدّم نحو تحقيق الأهداف..

وكانت قيادة الجماعة قد استقرت في الخارج . بينما توزعت القيادات الميدانية في الداخل، دون تنسيق أو تعاون بين شباب الطليعة ومجموعات الإخوان.. فكان لا بدّ من صيغ عملية، للتنسيق بين قيادة الجماعة، وبين القوى الميدانية، وخاصة قيادة الطليعة، وعلى رأسها الأخَوان هشام جنباز في حماه، وعدنان عقلة في حلب.

ولم يكن ذلك ممكناً عن طريق المراسلة. فعرض المراقب العام الأستاذ عدنان سعد الدين على البيانوني، النزول إلى الداخل، من أجل ذلك.

وعلى الرغم من المخاطر التي كانت محدقة بالمشهد السوري وبنقاط العبور، فقد توجّه - متخفّياً - إلى الداخل، بناءً على قرار من قيادة الجماعة، في مطلع العام 1980، والتقى بالأخ عدنان عقلة، وببعض القيادات حوله، وبقي معه في بيتٍ واحد حوالي شهرين، دون أن يصل معه إلى اتفاق، حيثُ كان يصرّ على أن تكون قيادة العمل للطليعة، وأن تكون الجماعة تابعة لها، فنصحه بعض الشباب حوله من الحريصين على التفاهم مع الجماعة (يذكر منهم الأخ الشهيد مصطفى قصار) بالتوجّه إلى حماة، والالتقاء بالأخ هشام جنباز الذي كان المسؤول الأول عن الطليعة، والتفاهم معه، باعتباره راغباً في ذلك. فتوجّه البيانوني إلى حماة، والتقى الأخ هشام، فوجده - فعلاً - حريصاً على التفاهم وتوحيد العمل، ولم يجد صعوبة في الوصول معه إلى صيغة اتفاق واضحة، تحقّق التنسيق الكامل والتعاون، وتحدّد دور كل طرف في المعركة. وعندما عاد إلى حلب، وأطلع عدنان عقلة على الاتفاق، لم يُبدِ ارتياحاً، وأصرّ على موقفه، مما دعا هشام جنباز، بعد ذلك، للتراجع عن الاتفاق. فعاد البيانوني إلى الأردن، بعد أن قضى في سورية حوالي ثلاثة أشهر.

12 - توحّد الجماعة مع جناح الأستاذ عصام العطار والطليعة:

في أوائل السبعينيات، حصل انشقاق في الجماعة، بسبب الخلاف حول ضرورة وجود المراقب العام للجماعة داخل سورية، بينما كان الأستاذ عصام العطار يقيم في ألمانيا، فتدخّل بعض الإخوان من غير السوريين، وأجروا انتخابات عامة تحت إشرافهم، فاز فيها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، بينما لم يقبل جناح الأستاذ عصام بنتائجها، مما أدّى إلى انقسام الجماعة إلى فريقين: أحدهما يقوده الأستاذ عصام العطار المقيم في ألمانيا، وعُرف باسم جناح دمشق، حيث كان يتركّز معظم أتباعه، والآخر على رأسه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وبعده الأستاذ عدنان سعد الدين، وعُرف باسم جناح حلب، حيث كان يتركّز معظم أتباعه، بينما توزّع الإخوان في المدن الأخرى بين الطرفين بنسبٍ متفاوتة.

كما أن عدم الوصول إلى تفاهم واتفاق مع الطليعة - كما أشار البيانوني من قبل قليل، أدّى إلى استمرار كل فريق في العمل مستقلاً.

وكان واضحاً خلال عام 1980 أن المنحنى البياني للثورة لم يكن صاعداً، وأن الموقف الدولي ليس مشجعاً، وأن حملات البطش والتنكيل والقتل والاعتقال أضعفت مسارات الثورة، وأضعفت دور مؤيديها. واضطرت العديد من قادة الطليعة على الأرض، إلى مغادرة مواقعهم عبر المعابر الحدودية المتاحة، والالتحاق بدول الجوار..

ولما كانت ظروف المعركة التي تخوضها الأطراف الثلاثة مع النظام، تستدعي التنسيق والتعاون، فقد نجحت مساعي بعض الإخوان من مختلف الأطراف، وفي مقدّمتهم الشيخ منير الغضبان -رحمه الله-، في الوصول إلى اتفاق في شهر آذار 1981، وحّد الأطراف الثلاثة في جماعة واحدة، بقيادة المراقب العام الدكتور حسن هويدي (من فريق الأستاذ عصام العطار)،   وشكلت قيادة واحدة ضمّت أربعة ممثلين عن كل طرف. وبالمناسبة فقد تمت محاولة اغتيال الأخ الأستاذ عصام العطار في ألمانيا، في نفس الأسبوع الذي تمّ فيه توقيع الاتفاق، واستشهدت في المحاولة زوجته الأخت الفاضلة بنان الطنطاوي رحمها الله.

وقد أقرّ مجلس شورى الجماعة هذا الاتفاق بالإجماع، لكن عدنان عقلة لم يلبث أن انشقّ عن الجماعة، ثم تمّ استدراجه من قبل أجهزة الأمن إلى الداخل السوري، حيث اعتقل مع حوالي سبعين من شباب الطليعة، ثم أعدموا، واستشهدوا جميعاً، رحمهم الله.

13 – أحداث حماة الكبرى 1982م:

في أواخر عام 1981، وبداية عام 1982، ازداد الضغط والحصار على المقاتلين في مدينة حماة، ووصلت رسالة من المسؤول عنهم إلى القيادة، تشير إلى صعوبة الوضع، وأنه ليس أمامهم إلاّ المواجهة، والدخول في معركة حاسمة مع قوات النظام. فكان جواب القيادة أن وضع المدن الأخرى لا يسمح بالمشاركة في مثل هذه المعركة، وأن عليهم الانسحاب من مواقعهم، وعدم الدخول في معركة مكشوفة، وأنّ بإمكان الملاحقين والمطلوبين التسلّل والخروج من المدينة، ومغادرة البلاد مؤقتاً، ريثما يعاد ترتيب الأوضاع. لكن عدنان عقلة كان قد دخل إلى حماة، قبل شهر واحد، ووعدهم بالدعم والإمداد، وعلم الإخوان أنه أرسل إليهم عبر الإذاعة إشارة تؤكد جاهزيته لمساندتهم.

ومع بداية شهر شباط 1982، بدأت الأخبار تأتي من حماة من خلال المسافرين، تصف المعارك والقصف الشديد على المدينة، والفظائع التي ترتكبها قوات النظام. وأعلنت الجماعة النفير العام، وبدأ الإخوان يتوافدون إلى المعسكر في بغداد، استعداداً للتدخّل لإنقاذ المدينة، إذا أتيحت الفرصة، لكن بعض العقلاء في الجماعة، تدخّلوا لوقف هذه العملية التي كان محكوماً عليها بالفشل، والتسبب في مقتل المتدخّلين، دون جدوى. وعاد الإخوان المتجمّعين في المعسكر، إلى أقطارهم التي قدموا منها.

لقد تسبّب القرار المرتجل في استنفار الإخوان، وتجميعهم في المعسكر، للتدخّل لإنقاذ مدينة حماة، في ظروفٍ لا تسمح بمثل هذا التدخّل، بل كان سيؤدّي - لو تمّ - إلى نتائج كارثية، ثم إيقاف عملية التدخّل.. لقد تسبّب كلّ ذلك بخيبة أملٍ كبيرة، وكان له انعكاسات سلبية على الصف الداخلي، امتدّت آثارها لعدّة سنوات، انتهت بانقسام الجماعة في عام 1986، ولا سيما بعد أن تبيّن أن قوات النظام قامت بتدمير معظم أحياء المدينة، وقتل عشرات الآلاف من سكانها، وارتكاب أفظع الجرائم بحق سكان المدينة، وتهجير عشرات الآلاف منهم.. دون أن تتمكن الجماعة من تقديم أيّ مساعدة لوقف هذه المجزرة، أو التخفيف من معاناة سكان المدينة..

14 - التحالف الوطني لتحرير سورية:

كانت جماعة الإخوان المسلمين تدرك أنها لا يمكن أن تنفرد بقيادة الثورة، وأنه لا بدّ من التوافق على هيئة وطنية جامعة لكل قوى المعارضة السورية، تعبّر عن تطلّعات الشعب السوري بكلّ شرائحه ومكوّناته.

وكانت العراق والأردن تشكلان حزاماً عربياً مؤيداً لثورة الشعب السوري، وقد اجتمع فيهما نخبة من القيادات الوطنية السورية، من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، المهجّرة بفعل الملاحقات والتصفيات ومختلف وسائل القمع الأسدي..

وقد شهدت الأشهر الأخيرة من عام 1981، والأشهر الأولى من عام 1982، لقاءات سياسية، وحوارات بين شخصيات معارضة إسلامية ويسارية وقومية وبعثية.. انتهت إلى الاتفاق على إعلان تشكيل (التحالف الوطني لتحرير سورية) في شهر آذار 1982، وتمّ التوافق على ميثاق وطني له، وتحوّل إلى مؤسّسة وطنية. وقد دعمت الحكومة العراقية تشكيل هذا التحالف، الذي كان مقرّه بغداد. وقام بعقد مؤتمرات وأنشطة سياسية وإعلامية في بعض الدول الأوروبية، وكانت الجماعة طرفاً وطنياً فاعلاً ومؤثّراً فيه. كما كان أول تحالف تلتقي فيه هذه القوى السياسية المختلفة، وشكّل تجربة وطنية ناجحة.

كان من هذه القوى التي شكّلت التحالف: حزب البعث العربي الاشتراكي (جناح القيادة القومية)، وعلى رأسهم الأستاذ شبلي العيسمي الذي اختطفه نظام بشار الأسد من لبنان، مع بداية الثورة السورية الحالية، ومن ورائه الأستاذ ميشيل عفلق، مؤسّس حزب البعث، والرئيس الأسبق أمين الحافظ الذي دخل التحالف كشخصية مستقلة، وأكرم الحوراني عن الحزب العربي الاشتراكي، واللواء محمد الجراح وزير الداخلية السوري الأسبق، من الاتحاد الاشتراكي.. وغيرهم.

15 - المفاوضات مع النظام:

مع بدايات الصراع مع النظام السوري، كان النظام يرسل بين الحين والآخر، بشكل مباشر أو غير مباشر، دعوات للتفاوض مع الجماعة، لكنها - في معظمها - لم تكن تتّسم بالجدّية، ولم تؤدِّ إلى مفاوضات مباشرة إلاّ في عام 1984، وعام 1987، في ألمانيا.

أما مفاوضات عام 1984 فقد شارك فيها عن الجماعة: الدكتور حسن الهويدي (المراقب العام)، والشيخ منير الغضبان، والمهندس محمد رياض شقفة، (عضوا القيادة). وعن النظام: اللواء علي دوبا (مدير المخابرات العسكرية)، والعميد حسن خليل، والعقيد هشام اختيار (مساعدا مدير المخابرات). وكانت المطالب التي عرضها وفد الجماعة، في هذه المفاوضات، هي:

1 - إلغاء القانون رقم (49) لعلم 1980، الذي يحكم بالإعدام على مجرّد الانتماء للجماعة.

2 - الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.

3 - العفو عن جميع الملاحقين.

4 - التعويض على جميع المتضررين.

5 - إعادة المسرحين إلى وظائفهم.

6 - تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات، دون النظر إلى انتماءاتهم.

ومقابل ذلك الوعد بوقف العمليات من قبل الجماعة.

أما العرض الذي قدّمه وفد النظام فهو:

1 - عودة أفراد التنظيم المهاجرين إلى سورية.

2 - عودة الأوضاع التي كانت قائمة قبل المواجهة المسلحة.

3 – استمرار العمل بالقانون رقم (49) لعام 1980، ولا يزول إلا بزوال أسبابه.

4 - المعتقلون الذين حملوا السلاح منهم لابدّ من معاقبتهم.

ووصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، وانتهت دون الوصول إلى اتفاق.

أما مفاوضات عام 1987، فقد جرت بعد الانقسام الذي وقع في الجماعة، عام 1986، على خلفية الموقف من التفاوض، حيث طالب فريق من الإخوة، وعلى رأسهم عدنان سعد الدين، بإغلاق باب التفاوض نهائياً، بينما رأى الفريق الأخر وعلى رأسهم الدكتور حسن هويدي، إبقاء باب التفاوض مفتوحاً، تنظر فيه الجماعة عندما يُعرَض عليها، وفق المعطَيات الراهنة.

وقد تمت هذه المفاوضات على مرحلتين: الأولى في شهر تموز 1987، والثانية في شهر تشرين الأول 1987، وقد شارك فيها عن الجماعة: كا من الدكتور حسن الهويدي، وعلي صدر الدين البيانوني (نائبا المراقب العام)، وزهير سالم، ومحمد الحسناوي (عضوا القيادة). وشارك عن النظام: كل من اللواء علي دوبا (مدير المخابرات العسكرية)، والعميد حسن خليل، والعقيد هشام اختيار (مساعدا مدير المخابرات). وكانت المطالب التي عرضها وفد الجماعة، في مذكرته الأولى:

1 - حرية العمل الإسلامي.

2 - الإفراج عن جميع المعتقلين من جميع الفئات.

3 - العفو عن الملاحقين من جميع الفئات.

4 - التعويض عن المتضررين.

5 - إلغاء القانون رقم 49) لعام 1980

6 - إجراء مصالحة وطنية على أساس احترام قيم الإسلام وشعائره، والحريات العامة، والمساواة بين المواطنين.

بينما تضمنت مذكرة وفد السلطة الأولى:

1 - الإعلان عن خطأ الجماعة في قرار حمل السلاح، وفي مواجهة مشكلة كان من الممكن إيجاد حلول أخرى لها.

2 - الإعلان عن مصالحة وطنية، على أساس احترام القوانين في الدولة، وفي حدود الحريات المعلنة بالدستور والقوانين النافذة.

3 - إصدار بيان من الجماعة، يحدد الموقف من عناصر الإخوان المسلمين وغيرهم، الذين يعملون ضد الوطن والمواطنين، من وراء الحدود.

وبعد تبادل المذكرات، وإجراء بعض التعديلات عليها من قبل كل طرف، تم الاتفاق على معظم النقاط المطروحة من قبل الجانبين، وبقيت بعض التحفّظات على بعض النقاط، سيرجع فيها وفد الحكومة إلى رئيس الجمهورية.

- وفي بداية الجولة الثانية التي تمت في تشرين الأول 1987، أكّد رئيس وفد الحكومة أن رئيس الجمهورية موافق على مطالب الجماعة، ما دامت النية الحسنة متوفرة، وبعد لقاء بين رئيسي الوفدين تم الاتفاق على ضرورة وضع برنامج تنفيذي متدرّج للبنود المتفق عليها، وفعلاً قدّم وفد الجماعة برنامجاً تنفيذياً لاتفاق المصالحة، مستنداً إلى النتائج التي تم التوصل إليها. وبعد مناقشة هذا البرنامج مع وفد الحكومة، تمت الموافقة عليه بشكل مبدئي، وانحصر الخلاف فيمن يبدأ الخطوة الأولى، كما أكّد ذلك بخطّ يده، العميد حسن خليل، وأكّد أن الدولة هي التي ستبدأ الخطوة الأولى، لأنها هي التي تملك اتخاذ مثل هذه الخطوات..

- وفي الجلسة الختامية التي كان يُتوقع أن تتم فيها اللمسات الأخيرة للاتفاق وإقراره، فوجئنا بجوّ جديد ينسف كلّ ما اتفق عليه، ويصرّ وفد الحكومة على أن تكون الخطوة الأولى من قبل الجماعة، فتعلن موقفاً مسبقاً بصيغة محددة، دون أن يلتزم وفد الحكومة ببرنامج محدد، وعبثاً حاولنا العودة بالمفاوضات إلى أجوائها السابقة، وإلى النقاط المتفق عليها، لتحديد نقاط الاختلاف والتحفظات لمعالجتها، إلا أن وفد الحكومة بقي مصرّاً على موقفه الجديد المفاجئ، ولم يتزحزحْ عنه، مما أوصل المفاوضات إلى طريقٍ مسدود، وجعلنا نتشكك في جدية الموضوع أصلاً، منذ بدايته.

16 - إنهاء انقسام عام 1986، وعودة اللحمة إلى صف الجماعة:

كما أشار البيانوني قبل قليل، فقد انقسمت الجماعة في عام 1986، إلى فريقين، على خلفية الموقف من التفاوض، بين إغلاق باب التفاوض نهائياً، وبين إبقاء الباب مفتوحاً تنظر فيه الجماعة حين يُعرَضُ عليها، وتدخّل بعض الإخوة غير السوريين، وأجروا انتخابات تحت إشرافهم، فاز فيها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، على منافسه الأستاذ عدنان سعد الدين، الذي رفض نتيجة الانتخابات، بحجّة أن الإخوة المشرفين عليها لم يحتسبوا الأوراق البيضاء.

لكن بعد مضيّ أكثر من أربع سنوات على الانقسام، وجد الإخوة أنه من الناحية العملية لم يكن هناك خلاف حقيقيّ بين الفريقين، فلا الذين أبقَوْا بابَ التفاوض مفتوحاً، وصلوا من خلاله إلى حلّ سياسيّ مع النظام، ولا الذين أغلقوا هذا الباب حقّقوا شيئاً من موقفهم.

لذلك تحرّك بعض الإخوة من الفريقين، لإنهاء الانقسام، ولم يجدوا صعوبة في الوصول إلى صيغة تعيد اللحمة إلى الجماعة، بقيادة الدكتور حسن هويدي، وافق عليها مجلس الشورى لكلّ فريق، وتم تشكيل قيادة واحدة، في عام 1991، وكان علي صدر الدين البيانوني أحد أعضائها، نائباً للمراقب العام، وعملتْ هذه القيادة على إزالة آثار الانقسام، وتوحيد المكاتب والأجهزة، ونجحت في ذلك خلال فترة وجيزة.

17 - تولّي مسؤولية المراقب العام للجماعة:

لم يكمل علي صدر الدين البيانوني الفترة المحدّدة له في قيادة الجماعة مع الدكتور حسن هويدي، فاعتذر لفضيلته، واستقال من القيادة بعد أقل من سنة على تشكيلها.  واتفقَ مع الأخوين حسان الصفدي (أبو رامز)، وإبراهيم المشوخي ( أبو عبد الله ) صاحب (دار المنار للنشر والتوزيع في الزرقاء)، على افتتاح مكتبة وفرع لدار المنار في عمان، تولّى مع الأخ أبي رامز إدارتها. واستمرّت هذه الشركة حتى مغادرة البيانوني عمان إلى بريطانيا في شهر حزيران 2000م .

وفي مطلع عام 1996 استدعاه فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، إلى تركية، وكان معه أخَوان قدِما معه من الرياض، ليبلّغه رجاءه وتوصيته له بأن يقبل تولّي مسئولية الجماعة، بعد انتهاء ولاية الدكتور حسن هويدي، إذا طلب منه الإخوة، وأن لا يعتذر عن ذلك. فشرح لفضيلته وجهة نظره، وأنه لا يستطيع تحمّل هذه المسئولية، إذا لم تكن لدى الجماعة رؤية واضحة، متفق عليها للمرحلة القادمة، فطلب منه أن يكتب رؤيته ويعرضها عليه.

في اليوم التالي عرض علي صدر الدين على فضيلته ثلاث صفحات كتبها خلال الليل، تتضمن خطوطاً عامة وعناوين لرؤيته للمرحلة القادمة، فنالت موافقته، ولكن البيانوني طلب أن تكون الرؤية متفقاً عليها من قبل دائرة واسعة من الإخوان، فاتفقوا على عرضها على الإخوة في السعودية، وفي الأردن، والتحاور معهم حولها. فحمل فضيلته معه نسخة منها إلى الرياض، وحمل البيانوني معه نسخة إلى عمان. ثم أرسل له الشيخ أبو غدة مع أحد الإخوة أن الإخوان في السعودية موافقون عليها. كما أن البيانوني عرض نسخته على المجلس الاستشاري للإخوة في الأردن، المؤلف من جميع المحافظات السورية، وتمت مناقشتها، مع ورقتين أخريين، إحداهما مقدّمة من الإخوة في محافظة حماه، والأخرى من الإخوة في محافظة إدلب. واتفق الجميع على إعادة صياغة الورقة المقدمة من البيانوني، مستفيداً من هاتين الورقتين، لتشكّلَ فيما بعد ما أطلق عليه (وثيقة النهوض بالجماعة)، التي اعتمدها مجلس الشورى بعد انتخابه مراقباً عاماً للجماعة، في شهر تموز 1996، وقد تمّ على أساسها وضع الخطة العامة للجماعة، للمرحلة الأولى من ولايته، بين عامَيْ (1996 - 2002)، كان النظام الأساسي - قبل تعديله - يحدّد مدة ولاية المراقب العام بخمس سنوات، وكان ينبغي أن تنتهي ولايته الأولى  في تموز 2001، لكن مجلس الشورى لم يتمكن من الاجتماع في تلك السنة، فاستمرّت ولايته حتى تموز 2002، وكان مصرّاً على عدم تجديدها فترة أخرى، لكنّ إلحاح الإخوة في مجلس الشورى، دفع البيانوني إلى النزول عند رغبتهم وقبول العهدة الثانية التي تنتهي بعد أربع سنوات في عام 2006، حسب النظام الأساسي المعدّل.

وقبيل انتهاء هذه الولاية الثانية، اتفق مع الإخوة على اختيار النائب الأول للمراقب العام، الدكتور محمد حكمت وليد، مراقباً عاماً جديداً. ووجّه إلى الإخوان رسالة وداع، تم توزيعها على أبناء الجماعة، ولكن أبا أنس فوجئ قبيل اجتماع مجلس الشورى، باعتذار الأخ الدكتور محمد وليد لأسبابٍ خاصة به، فواجه إصراراً جديداً في مجلس الشورى على إعادة انتخابه لولاية ثالثة، ولم يكن هناك مناصٌ من القبول، حتى لا يحدث فراغ (دستوري)، فاشترطَ - للموافقة - تعديل النظام الأساسي، بحيث لا يمكن تجديد انتخاب المراقب العام أكثر من مرة واحدة، حتى لا يواجه مثل هذا الموقف بعد أربع سنوات، وقد تمّ هذا التعديل. وعند انتهاء الفترة الثالثة في عام 2010، سلّم علي صدر الدين البيانوني الأمانة للأخ المهندس الداعية محمد رياض شقفة، الذي تم انتخابه من قبل مجلس الشورى.

18 - أهم منجزات الجماعة خلال فترة مسئولية البيانوني التي امتدّت أربعة عشر عاماً:

وهي - كما يقول - منجزات فريق العمل الذي كان يعمل معه، وليست منجزاته الشخصية، إذ لم يكن قادراً على إنجازها لولا الجوّ الأخويّ الذي غمره به إخوانه، ولولا تعاونهم، وأنه مدين لهذا الفريق الذي كان يتجدّدُ في بداية كل مرحلة، بكل ما تحقق بفضل الله:

أ - تعزيز وحدة الجماعة وترسيخها، والتخلص من رواسب الفرقة والانقسام، وتأكيد معاني الأخوّة والمحبة بين الإخوان، وطيّ صفحة الخلافات، والتواصل مع الإخوة أبناء الصف، من خلال (رسائل المراقب العام) التي كان يوجّهها للإخوان بين حين وآخر، والتي بلغ عددها حوالي ثلاثين رسالة.

ب - وضع خطة عامة للجماعة، في بداية كلّ مرحلة، تتضمن أهدافاً محدّدة واضحة، تُشتقّ منها خطط فرعية، وبرامج عمل تنفيذية، ومهمّات قابلة للقياس والمتابعة والمحاسبة.

ج - توسيع دائرة الشورى في الجماعة، وتشكيل (مجالس أهل الرأي) في المراكز، بالإضافة إلى اللجان والمجالس الاستشارية للمكاتب والمراكز.

د - تطوير عمل المرأة وجهاز الأخوات، وإشراك الأخوات في مجالس أهل الرأي، والقيادة ومجلس الشورى، ومكاتب الجماعة..

هـ - تطوير خطاب الجماعة السياسي والإعلامي، والانتقال به من (خطاب الحرب) الذي كان سائداً في المراحل السابقة، خلال المواجهات مع النظام، إلى خطاب سياسي وإعلامي متطوّرين، ومنفتحين على القوى الوطنية الأخرى، وعلى الدول والحكومات..

و - التواصل مع الأحزاب السياسية السورية والعربية والأوروبية، والحكومات.. والحوار معها حول القضية السورية والقضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك.

ز - المشاركة في تحالفات سورية مع قوى المعارضة الوطنية الأخرى، مثل: مؤتمر الميثاق الوطني بتاريخ 25/8/2002، إعلان دمشق بتاريخ 16/10/2005، جبهة الخلاص بتاريخ 17/3/2006.

ح - إصدار مجموعة من الوثائق السياسية للجماعة، حول بعض القضايا الوطنية، وتحديد مواقف الجماعة منها، مثل: ميثاق الشرف الوطني بتاريخ 3/5/2001، والمشروع السياسي لسورية المستقبل (رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية) بتاريخ 17/12/2004، ورؤية الجماعة للقضية الكردية بتاريخ 17/5/2005، ورؤية الجماعة للتكوين المجتمعي السوري والمسألة الطائفية بتاريخ 19/3/2006

19 - بعد تسليمه أمانة المسؤولية في عام 2010م:

وبعد تسليمه أمانة المسؤولية للأخ المهندس محمد رياض الشقفة في شهر أيلول 2010، وضع البيانوني نفسه تحت تصرّفه، وبقي قريباً من إخوانه يشارك بما يُطلَب منه. ولما  كان النظام الأساسي للجماعة، يمنح العضوية الحكمية في مجلس الشورى للمراقبين العامين السابقين، فقد كانَ - وما زال - يمارس مسئوليته عضواً في مجلس الشورى، منذ ذلك الحين.

ومع انطلاقة الثورة السورية المباركة في شهر آذار 2011، كان شأنه شأنَ كلّ السوريين الأحرار، في تأييد الثورة السلمية، ودعمها ومساندتها. وكان قد أيقن من خلال سنوات طويلة من المراس السياسي، أن النظام السوري بتركيبته الحالية، غير قابل للإصلاح، بل هو أصلاً لا يملك أي توجّه نحو الإصلاح، لأن الإصلاح الحقيقي يعني سقوط منظومتَيْ الاستبداد والفساد، اللتين يقوم عليهما.

ويذكر علي صدر الدين أنه في بداية عام 2011، بعد أن شعر بشيء من الفراغ، همّ بكتابة مذكراته عن العمل في الجماعة، ليضع أمام إخوانه، وخاصةً الأجيال الشابّة، خلاصة هذه التجربة، بكلّ نجاحاتها وإخفاقاتها، وإنجازاتها وأخطائها، لتقويمها والاستفادة منها، وبدأ بتجميع الوثائق والمستندات وفرزها وتصنيفها، تمهيداً لكتابة هذه المذكّرات.. إلاّ أنه وبعد انطلاقة الثورة السورية المباركة، وجدَ أن واجب الوقت أصبح هو التفرّغ لدعم هذه الثورة السلمية، بكلّ جهدٍ ممكن، واستفراغ كل الجهود والإمكانات، لمساندتها حتى تحقيق أهدافها في الحرية والكرامة..

ولا يخفي البيانوني هواجسه في بداية الثورة، أنه كان مشفقاً على الثورة والثوار، ومتحفّظاً في حديثه عنها أمام وسائل الإعلام، لأنه كان يدركُ مدى بطش النظام، واستعدادَه لتدمير سورية فوق رءوس أبنائها، في سبيل بقائه متسلطاً على رقابهم، ولم يكن متأكّداً في الوقت نفسه، من مدى قدرة الشعب السوري على الثبات والصمود، وتقديم التضحيات.. إلاّ أنه بعد انتشار الثورة في كلّ المحافظات والمدن والبلدات، وبعد ظهور البطولات الرائعة من الثوار، والتضحيات الكبيرة، من الشباب والشيوخ والنساء والأطفال.. لم يعدْ أمامه، وأمامَ كلّ مواطن حرّ، إلا بذل الغالي والنفيس لنصرة أهلنا الثائرين، وتقديم العون الممكن لهم بكلّ أشكاله، عملاً بقوله تعالى: وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة.. وكانَ يحضّ إخوانه على ذلك في كلّ مناسبة أو لقاء. وكان يعمل منذ انطلاقة الثورة، على مشروع التسديد والمقاربة والتحشيد والتجميع، في إطار وطنيّ جامع، ويشجّع الجميع على ذلك.

وفي تلك الفترة، بعد انطلاق الثورة، دعاه فضيلة الأخ المراقب العام، مع مجموعة من الإخوة، للالتحاق بقيادة الجماعة، لتوسيع دائرتها، استجابة لمتطلّبات دعم الثورة، فاستجاب البيانوني للدعوة، ولبّى النداء، وأخذ موقعه في القيادة، وكان حينها النائبَ الأول للمراقب العام، مسئولاً عن الدائرة السياسية.

وعندما اتخذت قيادة الجماعة قراراً عهدت فيه إلى الإخوة في كل محافظة بدعم الثورة في محافظتهم، سارعَ البيانوني مع إخوانه في محافظة حلب، إلى دعوة الناشطين في المحافظة، من الإخوان وغيرهم، لتشكيل (اللجنة المركزية لدعم الثورة في محافظة حلب)، فاختاره الإخوة رئيساً لها، وقام بما يستطيع في تقديم الدعم والعون والمساندة، بكل أشكالها، إلى فصائل الثورة في المحافظة، دون تمييز بين فصيل وآخر، ودخلَ مع مجموعة من الإخوة إلى الداخل السوريّ عدة مرات، وتجوّلَ في المدينة والريف، والتقى بأعدادٍ كبيرة من الثوار والضباط والمقاتلين والمدنيّين، يشدّ من أزرهم، ويؤكّد على دعمهم. ولا يخفي أبو أنس أنه كان يعود من كلّ جولة، بمعنوياتٍ عالية، وتفاؤل كبير، لما يجدُه عند أهلنا من صمود وثباب، واستعداد كبير لبذل الغالي والنفيس، وتقديم التضحيات.

ويذكر البيانوني أنه عندما عقد مع مجموعة من القوى الوطنية، (المؤتمر الوطني لدعم الثورة) في بروكسل في بلجيكا، بتاريخ 3 حزيران 2011، وقبيل إلقائه كلمته في المؤتمر، وصلته اتصالات هاتفية عديدة من سورية، وعندما ردَّ عليها كان على الهاتف هناك أخ صديق من سورية، يبلغه بأنه مدعوّ لزيارة سورية، والاجتماع مع رئيس الجمهورية مباشرة، للبحث في أوضاع البلد، وأنهم سينقلونه مباشرة من المطار إلى القصر الجمهوري، فأجاب مستغرباً: وهل يجتمع الرئيس مع المجرمين؟. أنا في نظر القانون مجرمٌ، ومحكومٌ عليه بالإعدام، بموجب القانون رقم (49) لعام 1980، فقال لي لقد صدر قانون بالعفو منذ أيام، قلت: ولكن القانون نصّ على يعفى عن الجرائم المرتكبة قبل 30 أيار 2011، ونحن الآن في 3 من حزيران، وأنا ما زلت مصرّاً على انتمائي للجماعة، وما زلت مجرما في نظر القانون، فسألني هل تريد أن أجيبهم بأنك تشترط إلغاء هذا القانون ؟. قلت: فات أوان مثل هذا الشرط، بعد أن تم إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، ودُمّرت الأبنية على ساكنيها، واستشهد الآلاف من المدنيين. أطالب الآن بوقف عمليات القتل، وسحب الجيش من الشوارع، ومحاكمة المجرمين الذين قتلوا الأبرياء من المدنيين.. وعندئذ أفكّرُ في تلبية الدعوة. وقلت: لو كان بشار الأسد يريد حلاًّ حقيقياً، لوجد الطريق إليه واضحاً. وانتهت المكالمة.

وخلال وجود البيانوني في القيادة، مسئولاً عن الدائرة السياسية، شارك مع إخوانه في إصدار وثيقة (عهد وميثاق) التي تقدمت بها الجماعة، إلى المجتمع السوري، وكلّ القوى الوطنية بتاريخ 25/3/2012

وعندما بدأت مشاورات تشكيل (الإئتلاف الوطني للثورة وقوى المعارضة) في عام 2012، دُعِيَ البيانوني للمشاركة في هذه المشاورات، كشخصية وطنية مستقلة، وبعد تشاور وحوار، مع المراقب العام والإخوة في القيادة، شارك في تأسيس هذا الائتلاف، بتاريخ 4/11/2012، وكان عضواً في الهيئة السياسية فيه. ولكن بعد أقلّ من سنتين، شعرَ بعدم الجدوى من الاستمرار في هذا الائتلاف، للأسباب التي أشار إليها في كتاب الاستقالة التالي:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الإخوة الكرام في الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

فقد كنت حريصاً منذ أن شاركت في تأسيس الائتلاف الوطني، أن يبقى هذا الائتلافُ معبّراً عن الثورة السورية ومبادئها، ساعياً إلى تحقيق أهدافها، بعيداً عن الرؤى الشخصية، والصراعات الفئوية، والأجندات الحزبية، والتدخّلات الخارجية.. وكنت أحاولُ أن أؤدّيَ دور في خدمة الثورة ومبادئها وأهدافها، متعاوناً مع نخبة وطنية طيبة، ما زلتُ أحملُ لها كلّ عرفان وتقدير.

ورغم أن الائتلافَ خلالَ مسيرته، والمحطّات التي مرّ بها، تعرّض  لمحاولاتٍ كثيرة لحرفه عن مهامّه الأساسية، في تمثيل الثورة وخدمة مشروعها، كما تعرّض لضغوطٍ كثيرة حاول من خلالها البعضُ أن يمليَ عليه إراداتٍ  خارجية، لحرفه عن خطه الوطني الثوريّ.. إلاّ أنني كنت أشعرُ أنه بالتعاون مع النخبة الطيبة من منتسبيه، يمكننا أن نشكّلَ سدّا في وجه تلك المحاولات، وهذا ما كان يدفعني إلى المثابرة والمواظبة، حرصاً على متابعة العمل لخدمة الثورة من خلال موقع انتُدِبْتُ له، على أمل أن يتعاون كلّ المخلصين والشرفاء، على إعادته إلى مساره الوطنيّ الذي أراده له مؤسّسوه.

إلا أنه في الآونة الأخيرة، بدأتُ أشعرُ أن الطوفانَ أصبح أقوى من السدّ، وأن النزعة الشخصية والقرارات الفردية غير المدروسة، بدأت تطغى، بعيداً عن روح ثورتنا وتطلّعات شعبنا، وأصبحنا في كلّ يوم نفاجَأ بموقف، أو نسمع تصريحاً، ثم لا يلبثُ أن يتمّ سحبه أو تصحيحه أو التنصّل منه.

ولقد فوجئتُ كما فوجئ كثيرٌ غيري - بأن الائتلاف ممثّلاً برئيسه، يوجّهُ رسالة تهنئة للثورة المضادّة في مصر الشقيقة، ويبارك للانقلابيّين نجاحَهم في الانقضاض على ثورة الشعب المصريّ، التي كانت إحدى الثورات الملهِمة لثورة الشعب السوري.

هذه التهنئة لا تختلف كثيراً - في نظري - عن تهنئة المجرم بشار الأسد بفوزه المزعوم في انتخابات الدم المزيّفة في سورية، وتُخرجُ الائتلافَ عن نهجه الثوريّ الوطني الذي اختطّه له المؤسّسون.

إن استشعاري لثقل الأمانة، وجسامة المسئولية أمام الله أولاً، ثم أمام شعبنا في سورية الجريحة ثانياً، يضطرني إلى تقديم استقالتي من الائتلاف الوطني، الذي لم يعد - في رأيي - يعبّر عن آمال شعبنا وتطلّعاته، في تحقيق أهداف ثورته المجيدة. متمنّياً لكم جميعاً الخير والتوفيق لما فيه خير شعبنا وأمتنا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لندن في العاشر من حزيران 2014                    علي صدر الدين البيانوني

رئيس مجلس الشورى:

وفي عام 2014  انتخبه إخوانه في مجلس الشورى، رئيساً للمجلس، واستمرَّ في هذا الموقع إلى حين انتهاء دورة المجلس في عام 2018 . وكان خلال هذه السنوات يسعى إلى تفعيل دور مجلس الشورى، من خلال تفعيل مكتب المجلس.

وما زال الأخ الحبيب (علي صدر الدين البيانوني) يعيش هموم الجماعة والشعب السوري، ويبذل جهده وطاقته في تقديم المشورة والعون والمساندة،. ويشارك في كل ما يدعى إليه من جهود إيجابية وبناءة.

وأخيراً.. يدعو الأستاذ البيانوني أبناء شعبنا السوريّ الحر الأبي؛ قائلاً:

إن ثورة أهلنا في سورية، كانت ثورة الضرورة، وأننا جميعاً لم نخرجْ أشَراً ولا بطراً، وأننا لا نريد علوّاً في الأرض ولا فساداً. وأنّ وطنية الثورة لا تتعارضُ مع إسلاميتها، كما أن إسلامية الثورة لا تتعارض مع وطنيتها.. وأريد أن أؤكّدَ أن التوحّد والتوافق، لا يعني التطابق في كل شيء، فالهمّ الكبيرُ يجمعُنا، والهدفُ الكبيرُ يوحّدنا، ودولة العدل والحرية والمساواة ينبغي أن تظلّلنا..

لقد كشفت هذه الثورة المباركة، أهمية أرض الشام، وشعب الشام، وحجم المؤامرة الدولية على الشام؛ وانكشافُ كلّ هذا لا ينبغي أن يورثنا ضعفاً ولا يأساً ولا قنوطاً، بل يجب أن يزيدنا أملاً وعملاً وتوكّلاً على الله وإعداداً وإحكاماً، وثقةً بوعد الله لعباده الصالحين.

أسأل الله الرحمة لشهدائنا الأبرار، والفرج للأسرى، والمعتقلين، والمفقودين، والنازحين والمهجّرين، والشفاء للجرحى والمصابين، وأسأل الله أن يعينهم، ويحفظهم، ويرعاهم.

وأدعو السوريين كلّ السوريين، للتعاون والتكافل والتناصر، ومساعدة الضعيف وحمل الكلّ من الثكالى والأرامل واليتامى والمساكين.. وأدعو الله سبحانه وتعالى أن ينصرنا بجميل وعده (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)

وفي الختام:

يسجّل الأستاذ البيانوني اعتزازه بجماعة الإخوان المسلمين، التي انتسب إليها، بتشجيعٍ من والده - رحمه الله-، ونشأ في ظلالها، منذ نعومة أظفاره، وعاش فيها مع إخوة أحبة كرام، أكثر من خمسة وستين عاماً، هي معظم سنوات عمره المبارك التي تجاوزت الثمانين.. وشهد إنجازاتها ونجاحاتها، كما شهدَ تعثّراتها وإخفاقاتها، وعاصر مِحَنَها وابتلاءاتها.. فلم يزده ذلك إلاّ اقتناعاً بسلامة منهجها وصحة طريقها، وثباتاً على نهجها ومبادئها، وحباً بقادتها وأبنائها، الذين أحبهم في الله، وأحبّوه.

ونسأل الله عز وجل أن يثبّتنا وإياه على الحق، حتى نلقاه، وهو راضٍ عنا.

وأن يجمعنا في مستقرّ رحمته، تحت ظلّ عرشه، يومَ لا ظلّ إلاّ ظلّه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

مصادر الترجمة:

1- رسائل من الأستاذ علي صدر الدين البيانوني آخرها بتاريخ 28 / 6 / 2019م

2- الموسوعة التاريخية الرسمية للإخوان المسلمين .

3- رابطة أدباء الشام – يشرف عليه الأديب عبد الله الطنطاوي.

4- موقع إخوان سورية .

5- صفحة علي صدر الدين البيانوني على الفيس بوك .

[2] - المصدر: الجزيرة - مواقع إلكترونية.

وسوم: العدد 837