الأخ الداعية عبد الرحمن علي الجودر (أبو أحمد)

المستشار عبد الله العقيل

 (1344 – 1410 هـ / 1924 – 1989م)

مولده ونشأته

هو الأخ الحبيب صاحب القلب الطيب، والخلق الدمث، والعمل الهادئ، الشاب الصالح الذي نشأ في طاعة الله، وتربى في حجر الإسلام، ونهل من معارفه، وتخلق بأخلاقه وُلد في البحرين سنة (1344هـ / 1924م) وتلقى تعليمه الابتدائي فيها ثم رحل إلى مصر، وكان أول طالب بحريني يلتقي الإمامَ الشهيد حسن البنا بمصر حين ذهابه للدراسة في الكلية الصناعية عام 1944م، وقد تأثر بالإمام البنا وبتلامذته وأعجب بمنهجه وأسلوبه في الدعوة إلى الله فانخرط في سلك العاملين من الإخوان المسلمين بأرض الكنانة.

صفاته وأخلاقه

عاد بعد تخرجه يحمل فكرة الإخوان المسلمين إلى البحرين ينشرها في أوساط الشباب، ويخاطب الجماهير بها، ويربي طلبة المدارس عليها باعتبارها الحركة الإسلامية الرشيدة في هذا العصر، الملتزمة بمنهج الإسلام المستقى من كتاب الله وسنَّة رسوله (صلى الله عليه وسلم) وما أجمع عليه سلف الأمة، وكان عمله في المدارس مدرِّسًا ومديرًا يتيح له التحرك بالدعوة إلى الله في أوساط المدرسين والطلبة وأولياء أمورهم، وكانت سيرته العملية وأخلاقه الفاضلة مما يحببه إلى الناس ويقربهم منه فيتقبلون نصحه وإرشاده ويتأثرون بأفكاره الإسلامية الرشيدة، وكان داعيةً مخلصًا في دعوته، سمحًا في معاملته يألف ويُؤلف، ويسعى في قضاء حوائج الناس وحل مشكلاتهم وتقديم العون المستطاع لمن يحتاج إلى العون، وينشر الكتاب الإسلامي ويتعهد الطلاب والناشئة بالتربية الإسلامية.

قالوا عنه

يقول عنه الأستاذ عبد الله أبو عزة في كتابه (مع الحركة الإسلامية في الدول العربية):

«كان الأخ عبد الرحمن الجودر هو الأنشط والأكثر دأبًا في العمل والدعوة رغم كثرة المسؤوليات. كان ناظر مدرسة ابتدائية في قرية (عراد)، بينما كان بيته وسكنه في مدينة (المحرق)، وكان من مظاهر نشاطه الفائق الجهد الذي صار يبذله في تجميع الإخوان للالتقاء، فكان يستعير سيارة يقودها ويجمع إخوانه بعد صلاة العشاء من بيوتهم المتناثرة في أربعٍ من مدن البحرين وقراها، فإذا انتهى لقاؤهم أعاد كلاً إلى بيته، وقليلاً ما كان يتركهم يعودون بأنفسهم» انتهى.

دور المدرسين المصريين

وكان للمدرسين المصريين من الإخوان المسلمين الذين عملوا بالبحرين دورهم الأساس في نشر فكرة الإخوان المسلمين ومبادئهم، فقد تجاوب الناس معهم لما رأوا فيهم من الإخلاص في تدريس أبنائهم والحرص على مصلحتهم، ولما كانوا يتمتعون به من أخلاق فاضلة ومعاملة طيبة فضلاً عن الوعي السياسي الناضج لما يحيط بالإسلام والمسلمين من أخطار نتيجة الاستعمار وأعوانه من المبشرين النصارى الذين كان لهم دور نشط مبكر في منطقة الخليج منذ زار البحرين (القس زويمر) المبشر الأمريكي المشهور عام 1905م وأرسى قواعد التبشير في المنطقة وبخاصة البحرين من خلال المدارس والمستشفيات والخدمات الاجتماعية في ظل الحماية البريطانية التي كانت تبسط نفوذها على البحرين ودول الخليج.

ولقد كان لهذا العمل المبارك والجهاد الدؤوب من الأخ الجودر وإخوانه: جاسم الشيخ، عيسى الخليفة، جلال المير، وعبد الله جميل - الدور الأساس في توعية الشباب المسلم لينهض بدوره في الحياة.. أي عبادة الله على بصيرة والتصدي لأعداء الإسلام الذين يكيدون للإسلام والمسلمين ويبذلون جهودهم لإخراج المسلمين من دينهم وصرفهم عن طريق الحق والخير والهدى والرشاد.

حكمته في مواجهة الفتن

ولقد مرَّت بالبحرين عواصف هُوْجٌ من الأفكار القومية والناصرية والعلمانية واليسارية فوقع في بؤرتها من وقع وسقط في حمأتها من سقط، وعافى الله أبناء الإسلام في البحرين من تلامذة الجودر وإخوانه، فصمدوا كالطود الشامخ أمام هذه الأعاصير الهوج، والقواصم المدمرة التي اجتاحت العالم العربي كله ومنه دول الخليج، وكانت البحرين في مقدمة من تعرض للفتن والاضطرابات والنزاع والمشاحنات، وعمل بعض المفسدين من دعاة الشرق والغرب على حد سواء على استدراج الإخوان المسلمين إلى أتون هذه الفتنة الخاسرة، ولكن الله سلم بفضل الحكمة والسداد اللذين تحلى بهما الإخوان في البحرين، وعلى رأسهم الأخ العامل المجاهد عبد الرحمن الجودر، وظلوا على منهجهم التربوي وأسلوبهم الدعوي والتزامهم الخلقي؛ مما أفسد خطط تلامذة الاستعمار وسماسرة السياسة وأصحاب المطامع والشهوات من دعاة الهدم والتخريب الذين أرادوا إغراق البلاد في بحر من الفوضى والاضطراب والتدمير والتخريب وهلاك الحرث والنسل.

واستمر الإخوان المسلمون في البحرين ينشرون دعوة الإسلام، ويربون الشباب عليها ويسلكون كل الوسائل المشروعة لبذل النصح والإرشاد والتقويم والإصلاح، ويقيمون المشاريع النافعة للأمة من المساجد والمدارس والمكتبات والأندية التي هي محاضن للجيل المسلم ومجال خصب لتعميق معنى الأخوة الإسلامية بينهم دون النظر إلى الجنس أو العرق أو اللون أو اللغة، لأن رابطة العقيدة هي أقوى الروابط كلها فهي تجمع المسلمين على كلمة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» فيعيش المسلمون في بقاع الأرض كلها أمة واحدة، ربها واحد، وكتابها واحد، ونبيها واحد، وقبلتها واحدة، فهي كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

معرفتي به

ولقد شَرُفْتُ بالتعرف إليه بعد تخرجي في الأزهر أوائل الخمسينيات، كما سعدنا باللقاء به في أماكن شتى في البحرين وبلاد الشام والعراق والسعودية، وزارنا مرات ومرات في الكويت بمكتبة المنار وجمعية الإصلاح، وديوانية الجمعة، وجمعية النجاة، وكنت في كل لقاء أزداد حبًا لهذا الرجل وإعجابًا بأخلاقه وعمله الصامت، وجهاده الدؤوب، وبساطته وتواضعه وحسن حديثه، وطريقته في الدعوة الفردية والجماعية، ومعايشته لمشكلات الناس، وبذل الجهد الحثيث لإصلاح ذات البين، والمشي في حاجات المسلمين وقضائها، والنصح لأولي الأمر بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة للمخالف في الرأي بالأسلوب الحكيم والمنهج السديد وضرب الأمثلة، وتقديم الإرشاد المصحوب بالدليل لإقناع المخالف، وكانت خطبه ومواعظه ودروسه ومحاضراته في المساجد والمدارس والأندية والمؤتمرات تمثل المنهج الإسلامي الأصيل المستقى من الكتاب والسُّنَّة وما أجمع عليه سلف الأمة.

إصلاح ذات البين

ولست أنسى له مواقفه في إصلاح ذات البين بين المجاهدين الأفغان، فقد كان مع إخوانه من البلدان العربية والإسلامية يسلكون كل السبل لجمع الكلمة وتوحيد القلوب لقادة المجاهدين الذين - كانوا على جلالة قدرهم في الجهاد ومضاء عزيمتهم في الجلاد وصبرهم في القتال - تنقصهم اليقظة لمكائد الأعداء ومعرفة الدخيل من الأصيل في تلك الحرب الضروس.

كما كان الأخ الجودر عضوًا برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة من خلال مجلسها التأسيسي والمجلس الأعلى العالمي للمساجد، وقد شارك في تأسيس الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، وهو من مؤسسي نادي الإصلاح ومكتبة الثقافة بالبحرين.

كما كان كثير الرحلات والأسفار للبلاد العربية والإسلامية للالتقاء بإخوانه الدعاة العاملين في الحقل الإسلامي والمشاركة في كل ما من شأنه مصلحة الإسلام والمسلمين.

ولقد امتحنه الله فكان نعم العبد الصابر على البلاء في بدنه وماله، وظلّ على وفائه لدعوته ومحبته لإخوانه يكثر الدعاء لمشايخه وأساتذته الذين كان لهم الفضل - بعد الله - في دلالته على طريق الدعوة الإسلامية والسير في ركاب حركة الإخوان المسلمين.. كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة التي تعمل جاهدة لنشر الإسلام وإبلاغ دعوته للناس كافة في مشارق الأرض ومغاربها متحملة كل المغارم في سبيل الله وابتغاء مرضاته متصدية للمستعمرين وأعوانهم وأذنابهم من الصهاينة والشيوعيين والعلمانيين، مرخصة الغالي والنفيس للذود عن حياض الإسلام والتصدي للطغاة والبغاة أينما كانوا وحيثما وجدوا.

لقد صمد الإخوان المسلمون أمام كل الدعوات الباطلة والمؤامرات الكبرى التي تريد تقطيع الوطن الإسلامي واحتلاله فجاهدوا اليهود في فلسطين عام 1948م وجاهدوا الإنجليز في قناة السويس عام 1951م واستشهد منهم المئات هنا وهناك، كما انتصبوا كالطود الأشم أمام الطاغوت الفرعوني الذي جاء به الغرب لحرب الإسلام وضرب الحركة الإسلامية المتنامية بمصر فما لانت لهم قناة ولا وهن لهم موقف بل صبروا ورابطوا وقدموا التضحيات الجسام في الزنازين وعلى أعواد المشانق وبذلوا مهجهم وأرواحهم في سبيل الله فما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا ولم يقدموا التنازلات ولا استسلموا للمغريات، بل ثبتوا بتثبيت الله وصبروا بتصبير الله فكانت العاقبة خيرًا، فقد لقي الله من اختارهم شهداء وبقي منهم من لا يزال يحمل أمانة الدعوة إلى الله ويهتف بالله غاية، وبالإسلام دينًا، وبالقرآن دستورًا، وبالرسول قائدًا، وبالجهاد سبيلاً، وبالشهادة أمنية، ومن هؤلاء الأخ الداعية عبد الرحمن الجودر ولا نزكيه على الله، لكن نحسبه كذلك والله حسيبه.

وفاته

لقد غادر دنيانا الفانية إلى الآخرة، حيث رحمة الله التي وسعت كل شيء، وكان ذلك يوم 26/4/1410هـ الموافق 24/1/1989م) وهو اليوم نفسه الذي استشهد فيه البطل القائد عبد الله عزام... رحمهما الله رحمة واسعة.

رثاؤه

وقد نعته الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية على لسان رئيسها الشيخ يوسف جاسم الحجي بقولها: «افتقدت الهيئة أحد الشخصيات الإسلامية البارزة، ممن عمل في حقل الدعوة الإسلامية ردحًا من الزمن وساهم بجهده ووقته لدعم أعمال الخير والبر. وكان إمامًا وخطيبًا وداعية؛ كما كان نائب رئيس جمعية الإصلاح بالبحرين، بالإضافة إلى أنه أحد الأعضاء المؤسسين للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية التي شارك في العديد من اجتماعاتها وأنشطتها ذلكم هو الشيخ عبد الرحمن علي الجودر من البحرين الشقيق ونسأل الله العلي القدير أن يرحمه رحمة واسعة ويتقبله عنده قبولاً حسنًا، وينزله منازل الشهداء والصالحين».

كما نعته جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت على لسان رئيسها الشيخ عبد الله علي المطوع وأشادت بتاريخه وسيرته ومواقفه.

رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وبارك في ذريته وثبت تلامذته وإخوانه على دين الحق ودعوة الصدق.

وسوم: العدد 860