الشاعر الداعية يوسف محيي الدين أبو هلالة: حياته، وشعره.

clip_image001_5799f.jpg

(1948م- معاصر)

ما زال الشعر العربي الذي نبع من صحارى العرب هو الشعر الأكثر أصالة والأشد حيوية والأقدر على الإمتاع، رغم ما أحاطه دعاة الجديد من دعاوى زائفة واتهامات معظمها باطلة، وما زلنا نسمع، ونقرأ لدعاة الجديد ما يسمونه شعراً، وهو في غالبيته هراء وغثاء، حشوه المعميات والأساطير، وهذه يلجأ إليها دائماً دعاة الكهانة والسحر يخدعون بها الرعاع والتافهين الذين يلجؤون إليهم بدلاً من اللجوء إلى العزيمة والجد والكفاح، فإذا ما سئلوا عن هذه الهرطقات التي يلفظونها كان جوابهم بأن هذا لا يفهمه غيرهم، ولا يدرك كنهه سواهم !

وقد أظلنا زمان قرأنا ما يكتبه أدعياء الشعر الحديث في الصحف السيارة، ثم سمعناه من الإذاعات المسموعة والمرئية، وليت لأمر انتهى عند هذا وذاك بل أخذنا نرى  هذا الشعر المزعوم في كراسات تضم وريقات صغرت، وتناهت في الصغر، حتى كدت لا تدري كيف تمسك بها! ثم وصلت بهم الجرأة، وقد مُدّ لهم في الحبل، أن يدعوا أن ما طبعوه ديواناً! سقى الله أياماً كان ديوان الشعر فيها ديواناً، وعطر الله زماناً كان الشعر فيه يحتاج إلى قارئ حباه الله تذوقاً وحساً وشعوراً.

ونضر الله أياماً كانت فيه صحارنا نبع الشعر العربي الأصيل.

من واحدة من صحارانا الحبيبة، من صحراء الأردن، ومن قصبتها التاريخية العريقة، معان التي شهدت الجيش الإسلامي الأول الذي انطلق من مدينة الرسول -عليه السلام- لحرب الروم وتأديبهم في ثلاثة آلاف من الصحابة، نجوم الهدى وأعلام الجهاد، فنزلوا معان ليلتين، يتشاورون في أمر الحشود التي اجتمعت لهم في مؤتة، والتي أربت على مائة ألف في أقل التقديرات، فقرروا أن ينازلوا حشود الروم بإيمانهم لا بعددهم.

وفازت (معان) بهذا الشرف المضاعف، شرف اجتماع ثلاثة آلاف من الصحابة فوق ترابها، وشرف تشاورهم على أرضها، وشرف اتخاذهم للقرار فيها.

ولقد حبت هذه الصحراء الخالدة الشاعر (يوسف أبو هلالة) حب الشعر، وألهمته سبكه ونظمه.

ويشاء الله لهذا الفتى أن يزداد صلابة ورجولة، فالتحق بدورة تدريبية في الجيش الأردني، وبالرغم من قصر هذه الفترة إلا أن تأثيرها عليه كان كبيراً ! .

وما إن خرج الشاعر من دورة الجيش حتى حلت النكبة الكبرى، وضاعت القدس وبلاد عزيزة أخرى، فتنادى المخلصون من دعاة الإسلام إلى نجدة فلسطين، وكان الشاعر يوسف أبو هلالة واحداً منهم.

مولده، ونشأته:

على مدارج صحراء مدينة "مَعان" الموحية بالمجد المؤثل في جنوب الأردن، ولد يوسف محي الدين علي أبو هلالة في الخامس عشر من كانون الثاني عام 1948م، لأسرة متواضعة، يكنى بأبي مصعب، ويلقب بأبي هلالة، يقول في مدينته: { من الطويل }

معانُ العُلا كَمْ في هَواكِ أُعاني؟... بُعادُكِ أدْمَى مُهْجَتي وبَراني

ذَرعْتُ قُرى الدُّنيا رياضاً مُنِيفَةً... وجنَّاتِ حُسنٍ باهرٍ ومَغانِ

فَلمْ تَلْتَفِتْ إلاَّ إليكِ نَواظِري... ولم يتعلَّقْ في سواكِ جِناني

دراسته، ومراحل تعليمه:

تفتحت زهرة طفولة أبي هلالة في مدينة "معان"، حيث نشأ، وترعرع في ربوعها، وعند بلوغه السادسة من عمره أرسله والداه إلى مدرسة المدينة ليلتحق بقافلة العلم، فدرس المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، وعند إكماله للمرحلة الثانوية قوي عوده واشتدّت صلابته، فالتحق بدورة تدريبية في الجيش الأردني تعرف بـ "خدمة العلم"، وكان لهذه الفترة القصيرة تأثيرها الكبير عليه فيما بعد.

ففي عام 1967م خاضت الجيوش العربية حرباً مع بني صهيون في أرض فلسطين، وإثر هزيمتهم أمام اليهود دخل القدس الشريف في قبضة الاحتلال وأصبحت خاضعة لسيطرتهم، فتنادى المخلصون من دعاة الإسلام إلى الجهاد، فقامت "جماعة الإخوان المسلمون" بتنظيم أنفسهم في شكل كتائب جهادية شرقي نهر الأردن عرفت بـ"معسكرات الشيوخ". كان شأن يوسف أبو هلالة شأن كل مسلم غيور على حرمات الله، فما انتهت إلى سمعه دعوة الجهاد حتى كان من أوائل من سارعوا إلى تلبيتها.

شارك أبو هلالة هذه الثلة المؤمنة شرف الدفاع عن المقدسات الإسلامية جنبا إلى جنب مع القائد الشهيد عبدالله عزامـ رحمه الله ـ فخاض معهم معارك أقضّت مضاجع الغاصبين وحرمتهم رقدة الآمنين، يقول في ذلك: { من الكامل }

مَنْ فجَّرَ "البنا" اليقينَ بروحهمْ       واليأسُ مُسْودُ الجبين قطوبُ

ما بيننا عهْدُ الإخاء ومبدأٌ               مِنْ ديننا فيه تشعُّ طيوبُ

ومعاركٌ كالعاصفاتِ لها على            دَرْبِ الفداءِ زمازمٌ وهبوبُ

و "قواعد الإخوان" لَمّا أذّنَتْ. بكفــــــــــــاحها والجرْحُ -بَعْدُ- رغيبُ

لم يفتقدنا البذلُ في ساحاتها            ومجال عُذْر الخالفين رحيبُ

كُنّا الزلازلَ رَجْفها لا ينتهي          حتى تفيق من السُّبات شعوبُ

نتقحّمُ الصّعبَ الأشدَّ من الذّرى         وبنا تضيق مرابعٌ وسهوبُ

وشاء الله أن يحيط جهاد هذه الطائفة بظروف توقفه، فانصرف المجاهدون من ساحة الجهاد إلى أعمالهم وقلوبهم مطوية على نية العودة إليه عندما يقدر الله ويشاء. وانطلق أبو هلالة في ميدان الحياة، واختار لنفسه العمل في ميدان الدعوة إلى الله، فعمل في وزارة الأوقاف الأردنية مرشدا، وبعد سنتين رغبت نفسه في إتمام دراساته العليا، فارتحل إلى الحجاز حيث "المدينة المنورة" فالتحق بالجامعة الإسلامية فيها، واختار ميدان الدعوة أيضا، فالتحق بكلية الدعوة وأصول الدين ليحصل على العالية بتقدير ممتاز عام 1976م، ثم الماجستير بتقدير ممتاز عام 1980م، ثم نال درجة الدكتوراه في الدعوة مع مرتبة الشرف الأولى عام1982م، حيث كان عنوان بحثه "الإعلام المعاصر وأثره على الدعوة الإسلامية".

موهبته الشعرية:

صحراء معان الخالدة حَبَتْ يوسف أبو هلالة حب الشعر، وألهمته سبكه ونظمه وقد كان معجبا بالتراث الشعري الذي خلفه فحول الشعراء كالمتنبي والبحتري وأبي تمام، وقد بدأت موهبته الشعرية تتكشّف عن برعمها في المرحلة الإعدادية، فكان يكتب ما يأتيه من أبيات دون تردد، ويحتفظ بها، بل ويرددها مهما كان ضعفها ومهما هبط مستواها، كهذه الأبيات التي وجهها لطلاب فصله الكسالى: { من المجتث }

نَصِيحَتي للكُسالى... بأنْ يَزوروا "جمالا"

فإنِّه بحرُ علمٍ... يَموجُ عَذْباً زُلالا

من كان في العلمِ جَحْشاً... على الحميرِ تعالى

أما أول قصيدة نشرها كانت بعنوان "مصرع الفضيلة" كتبها موضوعاً في درس الإنشاء معنونة بـ"فتاة بائسة قسا عليها المجتمع" بعث بها إلى جريدة "الشهاب" اللبنانية، وهي قصيدة خيالية مطلعها: { من الرمل }

كلُّ شيءٍ كان يبدو صامتاً... وقد أوغلَ في الليلِ السُكونْ

سَاعةُ البيتِ التي أَعْدَدْتُها...     لقيامي حينما الفَجْرُ يحينْ

قدْ بَدتْ في حُزنِها مُطْرِقَةً... فوقَ رأسي مثلَ مَهْمومٍ حَزينْ

وتنتهي بـقوله:

لم تكدْ تُكْمِلُ لي قصَّتها... وإذا بالموتِ يُغْشِيها السُّكونْ

لفظتْ أنفاسها في عِزَّةٍ...     فهنيئاً في جِنَان الخالِدينْ

وواصلت قريحة الشاعر درَّ الشعر، فعُلِمَ شاعراً في مدينته، ثم كان في تطوعه للجهاد في فلسطين أن أتاح له فرصة التواصل مع قيادات العمل الاسلامي والعاملين في هذا الميدان، فكانت أشعاره محل تقدير الشيخ عبدالله عزام -رحمه الله- وسببا في محبته له، أشعار مثلت محنة الشاعر مع رفاق الدرب، وليست مجرد ترف فكري أو فيض مشاعر نازفة، وكان في توجهه إلى الجزيرة العربية لمواصلة مسيرته التعليمية أن أتاح له لقاء نخبة من الشعراء والنقاد الإسلامين الذين أثنوا على جزالة شعره وجمال أدبياته، وأتاح له التواصل مع شباب الصحوة الإسلامية في الخليج العربي، فكانت لشهرته في الوسط الإسلامي أن حدت بعض المنشدين إلى إنشاد مقطوعات شعرية من قصائده سيما الحماسية الجهادية، ذلك اللون الأحمر من طيف شاعريته التي وهبتنا ثمانية دواوين شعرية ما بين مطبوع ومخطوط غير القصائد التي لم تجمع في شكل ديوان حتى الآن.

زوجته، وأولاده:

تزوج يوسف أبو هلالة من ابنة عمه ورزق منها بأطفاله، فالذكور ثلاثة أولاد وهم: ( مصعب، ومحمد، وبدر)، وأما الإناث فثمانية بنات، وهن: (مي، وحسناء، ولينا، وميمونة، ونسيبة، وسمية، وسكينة، وغيداء).

وقد تغنى بأبنائه البالغ عددهم أحد عشر ولدا وبنتا وبأمهم في قصيدة تنطلق من مدينة معان لحظة الفراق، إذ يقول: { من الكامل }

ليتَ الأحبّةَ في معان دَرَوا... حينَ افترقنا ما بنا فعلوا

ثم يخصص للأم المؤنسة وملاذ الأمن أبياتا تبدأ بقوله:

يا أُمَّ أولادي ومؤْنستي... وملاذَ أمْني إنْ طغَى الوجَلُ

مُدِّي حِبالَكِ فالغريقُ أنا... وأنا بكِ المستغْرِقُ الثَمِلُ

روحي بطيبِ عبيرك امتلأتْ... ولغير عِطْرك ما بها نُزُلُ

أنا يا ابنةَ العمِّ اكتويتُ أسىً... وبنارِ شَوْقي تُضْرَم الشُّعلُ

والشاعر وهو في غربته حيث ترك أهله بمعان، تثور في نفسه مشاعر الحنين والشوق إليهم فيرسم لوحة إبداعية تتجلى فيها حركات أولاده وسكناتهم في حياتهم اليومية، فحبهم طغى على وجدانه وملأ عليه خياله:

إنْ تنطفئ زُهرُ النجومِ فلي...    بعيونهم عَنْ نورها بَدَلُ

وإذا الرّياضُ قستْ حرارتُها... وغدتْ بنار القيظِ تشتعلُ

مثلتهم في خاطري فإذا... دُنيايَ رَوْضٌ بالنّدى خَضِلُ

ويفرد لكل واحد منهم بيتا أو بيتين، فهذه "مي" تأتي والدها بواجباتها المزخرفة بنجوم التفوق، وتلك "حسناء" تساعد أمها برعاية أصغر الأولاد "بدرا"، يقول:

لا " ميُّ " جاءتني بواجبها...    بنُجومهِ الحمْراء ِتحتَفلُ

كلاّ ولا " حسناءُ " حاملةٌ... " بدْراً " تميلُ به وتَعْتدلُ

وهذه الطفلة "لينا" أبت إلا الصراخ دون سبب، فأرقت مضجع والديها:

وبكاءُ " لينا " دونما سَببٍ... ودموعُها كالغيْثِ تَنْهمِلُ

إنْ نِمْتُ جارتْ في الصُّراخِ على... نومي وجورُ الطِّفْلِ يُحتَملُ

وتلك "غيداء" المهملة عند فقدها لدميتها، تأتي والدها منفعلة تكيل سيل الاتهامات لإخوتها بأنهم سرقوها:

" غيداءُ " أينَ ؟ وأينَ لُعبتُها؟... تَشْكو إذا ضاعَتْ وتَنْفَعِلُ

وتقولُ إخواني لها سَرَقوا... وكلامُها مِنْ طَبْعِهِ العسَلُ

وتلك "ميمونة" قرة عين والدها، رزينة السلوك، دمثة المعشر، سمتها الاستحياء والخجـل:

أينَ التي عَيْني برؤْيَتِها...          بالنِّورِ والاشْراقِ تَكْتَحِلُ؟

" ميمونةُ " الأخلاقِ طيّبةُ الـ... أعراقِ زانَ سُلوكها الخَجَلُ

وذاك مصعب يرمق أخاه محمداً شزراً، ويبتسم، كلما احتال حيلة يتخذها ذريعة لإشباع نزوته في الغياب عن المدرسة:

" ومحمّدٌ " يَطْوي دَفاتِرهُ...           ولكيْ يغيبَ تُدَبّجُ الحِيَلُ

وعيونُ " مصعب " وهي ترمقه... شزَراً وحبلُ الضَّحك مُتصلُ

وتلك "نسيبة" ليس لإخوتها في دهائها وفطنتها حيلة، فيشكونها لوالدهم فتمتثل أمره، وتنزل على حكمه:

" ونسيبةٌ " في المكْر واحدةٌ... ما للصّغارِ بمكْرها قِبَلُ

إمّا أتوني في مُظاهرةٍ...       يشكونَ أزْجرُها فتمتثِلُ

أما "سكينة" فهي ذات همة عالية، رفيقها الكتاب في اعتزالها شغب إخوتها، تأنس إلى العلم وتجد في طلبه دون ملل:

" وسُكينةٌ " في رُكن حُجْرتـِها... بكتابها تخْلو وتنْعَزِلُ

تبغى قِطـافَ العِـلْمِ لا رَهَـقٌ... أزْرى بهمّتِها ولا كَسَلُ

أما "سمية" فدأبها عندما تنهمك والدتها في تدبير شؤون البيت، التواري عن الأنظار خشية طلب المساعدة منها عند الحاجة:

" وسميّةٌ " يا دارُ خِفَّتها... أينَ اخْفت والجدُّ والعملُ ؟

لعيونها الدُّنيا مُزخْرَفةٌ...       ولمبْغِضيها الدَّاءُ والعِلَلُ

هذه الأشعار التي تكتنز بذكر الأهل والبنين عند يوسف أبو هلالة، تنم عن عاطفة قوية صادقة، وعن صفاء فطرته وبساطة طبيعته، التي انعكست على مضمون شعره عندما يحتفل بالمسائل الاجتماعية، وعلى شكله عندما يخلو هذا الشعر من التعقيد والغرابة والغموض.

مسيرته العلمية:

تدرج (يوسف أبو هلالة) في مجال التعليم الأكاديمي، وحصل على درجة أستاذ مشار ك عام (1991م)، وقد عمل أستاذاً مساعداً بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في كلية أصول الدين من عام (1983 وحتى 1992م). ثم عمل أستاذاً مشاركاً بقسم الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض من عام (1992 وحتى 1994م). ثم أستاذاً مساعداً بكلية الشريعة بجامعة قطر من عام (1995 وحتى 1998م). ثم محاضراً متفرغاً في جامعة مؤتة - فرع معان ثم أستاذاً مشاركاً من عام (1998 وحتى 2000م).

ثم صار أستاذاً مشاركاً وعميداً لكلية العلوم التربوية في جامعة الحسين بن طلال "بمعان" من عام (2000 وحتى2003م)، ثم مساعداً لرئيس جامعة الحسين بن طلال عام (2003م).

وأبو هلالة عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وكان عضو مجلس أمناء جامعة الإسراء الأهلية بعمَّان لعام (2002-2003م).

وكان عضو لجنة دراسات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في محافظة معان المنبثقة عن وزارة التخطيط (2003م).

نشاطاته:

شارك يوسف أبو هلالة في كثير من المحافل الأدبية والأمسيات الشعرية في المدينة المنورة والرياض وقطر والأردن، منها:

-الأسبوع الثقافي الذي أقامته جامعة الملك عبد العزيز عام (1974م).

- ومهرجان الجنادرية لعام (1993م).

- ومهرجان مؤتة الذي أقامته النقابات المهنية عامي (1999-2001م).

كما نشر بعض المقالات والقصائد في مجلة "الفيصل"، و"الدعوة السعودية"، و"المجتمع الكويتية"، والشرق القطرية"، وغيرها.

انتاجه ومؤلفاته وأراء الأدباء فيه:

مسيرة يوسف أبو هلالة التي قضاها بين منابر المؤسسات التعليمية زخرت بإنتاج مؤلفات عدة في مجال الدعوة والإعلام، والمساهمة في بحوث نشرت في بعض المجلات المتخصصة التي تصدرها مراكز البحث الأكاديمي في غير بلد عربي، والإنتاج الأدبي.

ففي مجال الدعوة حيث فلك تخصصه الأكاديمي، قدم عدة مؤلفات وهي "الشعر والدعوة في عصر النبي عليه السلام"، و"الاستعانة بغير المسلمين في دعوة سيد المرسلين" و"تعامل المسلمين مع غيرهم في مجتمع الدعوة"، و"حق التأليف في الدعوة الإسلامية" (2002)، و"فن الخطابة" (2002) التي تعتبر أبرز وسائل الدعوة ومن ركائزها الأساسية.

ولأن أبا هلالة يدرك ما للإعلام من خطورة بالغة الأهمية في توجيه العقول وصياغتها بتغير المفاهيم وتحريف القيم تبعاً لمن يسيطر عليه، فقد خط أكثر من مؤلف عرّف خلالها الإعلام وبداياته ووظيفته، ووقف طويلا أمام محطتي الإعلام الغربي والصهيوني ومن ذلك: "الإعلام في ديار الإسلام بداية ورسالة" (1408هـ)، و"الإعلام الغربي المعاصر وأثره في الأمة الإسلامية" (1987)، و"الإعلام اليهودي المعاصر وأثره في الأمة الإسلامية" (1987)، و"الإعلام المعاصر وأثره في الدعوة الإسلامية" وهي رسالة دكتوراه أجيزت عام (1982) تحدثت عن "الإعلام-نشأته-أساليبه-وسائله- ما يؤثر فيه".

ويوسف أبو هلالة لم يأل جهداً في أن يكون على صلة وثيقة بمراكز البحث العلمي المتخصصة، في أكثر من جامعة عبر العالم العربي، والمساهمة في دراسات مشتركة مع بعض الأكاديميين المتخصصين. ففي "مجلة أبحاث اليرموك" التابعة لجامعة اليرموك في الأردن قدم دراسة حول "التقية في الدعوة الإسلامية" ثم طبعت كتاباً عام (2002)، وفي "مجلة مؤتة للبحوث والدراسات" التابعة لجامعة مؤتة في الأردن قدم دراسة حول "المرونة في الدعوة الإسلامية"، و"الوصايا النبوية: مجالاتها، شموليتها، واقعيتها"، أما "مجلة التربية والتعليم" في كلية التربية بجامعة الموصل في العراق، فقدم فيها دراسة حول "عصمة أنبياء بني إسرائيل بين القرآن والتوراة" ثم طبعت كتاباً عام (2006)، وفي "مجلة الزرقاء" التي تصدر عن جامعة الزرقاء الأهلية في الأردن، قدم دراسة مشتركة مع السيد كريم قاسم حول "تقييم كفاءة مواقع الأنترنت الإسلامية في دعم القضية الفلسطينية من وجهة نظر الطلبة"، وفي "مجلة بحوث ودراسات في الدعوة والإعلام" الصادرة عن كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالسعودية، قدم دراسة حول "التدرج بين التشريع والفطرة" والتي طبعت لاحقاً في كتاب.

الإنتاج الأدبي:

ليوسف أبي هلالة ثمانية دواوين شعرية، خمسة طبعت، ونشرت، وهي:

1-"قراءة في معركة أحد"

2- و"قصائد في زمن القهر"

3- و"دموع الوفاء".

4- و"ألوان"

5- و"اللهب المقدس".

فيما أُعدَّت ثلاثة للطباعة، ولم تنشر إلى الآن، وهي:

6-"الزلزلة"

7- و"خطوط على الرمال".

8- و"الوعد الحق".

جاء إصدار دواوين أبي هلالة الشعرية متأخراً، وذلك (من عجزه عن نشرها لإحجام دور النشر عن ذلك بسبب مضامينها)، فأبو هلالة (قد نزه شعره عن أن يكون سلعة رخيصة في سوق النخاسة، لأنه يصرّ على أن يكون شعره صادقاً  كالطير محلقا ً كالنسر لدى القمم المنيفة الشامخة)، إذ يقول: { من الكامل }

شِعْري الذي نزّهته عن أنْ يُرى...في سوقِ من كسدوا بضاعة تاجرِ

أنغامهُ ما استيقظتْ إلاَّ على...         أصداءِ ملحمةٍ وعزف بواترِ

يجتازُ آفاقَ الوجودِ مُردداً...              بأعز لحْنٍ في المسامعِ سائرِ

آليتُ عمْري أنْ يُحلّقَ صادِحاً...       إلاَّ لدى القِمَمِ المنيفةِ طائِري

مما أدى بدار الضياء التي يديرها الأستاذ أحمد الجدع إلى رعاية مخطوطه الشعري بعد الاطلاع عليها وإخراجها على هيئة دواوين شعرية، بعد أن كانت بعض القصائد منشورة في طيات بعض الصحف والمجلات، وهذه الدواوين هي:

1- ديوان "معركة أحد":

قصيدة ملحمية اتخذت من الدال قافية لها، بلغت عدد أبياتها 213بيتا، تأخذ شكل لوحات فنية، (فالشاعر يقسم قصيدته إلى زوايا أو موضوعات ويرتبها ترتيبا موضوعيا يضم كل قسم عنوانا يوحي بموضوعه)، واختيار الشاعر لمعركة أحد من بين المعارك الإسلامية الأخرى يعود إلى أن هذه (المعركة مليئة بمواقف العظة والعبرة؟، وفيها عرف المسلمون طعم النصر قبل الهزيمة، وكان النصر مبنيا على أسس وناتجا عن أسباب، وكانت الهزيمة أيضا ناتجة عن أسباب. وفي المعركة مواقف حاسمة وخطيرة وفيها استشهد عدد من كبار المسلمين وفيها دروس قرآنية كثيرة وآداب إسلامية عظيمة.. فهي بكل ذلك جديرة بأن تلفت النظر وتدعو إلى الدراسة والتأمل)، يقول في مطلعها: {من البسيط}

جَيْشٌ مِنَ الشِّركِ لا يُحْصَى له عَدَدُ... فِيهِ الغُثَاءُ مِنَ الأنهارِ والزَّبَدُ

يَضُمُّ شَّر وُجوهٍ مِنْ بَشَاعَتِها...      لو استطاعَ لغطَّى وجْهَهُ أحدُ

قريش إذْ هدّمَ الجبّارُ هيْبَتَهَا... وجُرْحَها ما استطاعتْ لَمَّهُ الضُمُدُ

بَنَتْ على قارعاتِ الحُزنِ خَيْمَتها... ثم انثنَتْ بِطِلابِ الثأرِ تجتهدُ

فهذه القصيدة ميدان (نسمع فيه قعقعة السيوف، في صراع بين الحق والباطل جسدته القصيدة أمامنا شعراً قوياً مؤثراً)، وملحمة سطرت البطولات الإسلامية في حادثة كادت تقلب الموازين لولا رعاية الله لرسوله الكريم وصحابته.

2- ديوان "دموع الوفاء":

ديوان شعري يضم أربع عشرة قصيدة و(الوفاء هو السمة البارزة في هذا الديوان بل هو الإطار الذي يزين جميع قصائده، فأول الوفاء وآثره لدى الشاعر الوفاء للشهداء شهداء العقيدة، الذين عرفهم الشاعر فأحبهم وأجلَّهم في حياتهم، وبكاهم أشد البكاء عندما نالوا شرف الشهادة )، وعلى رأس أولئك الذين رثاهم وأشاد بجهادهم الشهيد عبد الله عزام، يقول:{ من الطويل }

أَتَرْحَلُ ؟ لا الأحبابُ مِنْ فَيْضِكَ ارْتَوْت... وَلَمْ يُرْوَ مِنْ عَذْب الأحاديثِ مَعْشَرُ

تَمَهلْ قليلاً فالمعارِكُ ما انتهتْ...                    وريحُ المعالي في الميادينِ تَزْأَرُ

(ويمتد به الوفاء إلى أهله، فيرثي فقيدهم ويعدد مناقبهم، وعلى رأس من رثاهم من أهله أبوه وأخوه، وابن عمه، وقد جاد في رثائهم وأحسن)، (وله مع العلماء وقفات، أشاد بعلمهم ومواقفهم، وعدد مناقبهم من أمثال: الشيخ القرضاوي، والشيخ أكرم ضاء العمري، والشيخ عدنان زرزور)، ويقف إلى جانب أصدقائه في أفارحهم وأتراحهم، فيفرح لهم ويحزن من أجلهم، ويتأثر بذلك، ويبادر إلى التلطف في تخفيف مآسيهم ومواساتهم فيما يتعرضون له من نكبات وفواجع وكأن المصاب لا يعدو شخص الشاعر.

3- ديوان "اللهب المقدس":

ديوان شعري يضم سبع عشرة قصيدة، وهو ( "لهب" مشتعل يكتوي به من لا يؤمن بالخط الإسلامي للشعر.. وهو لهذا "مقدس" فكل من سلك طريق الإسلام قُدّست أشعاره ومن لم يفعل ذلك من أين يأتيه التقديس)، هذا كله لخصه الشاعر في خمسة أبيات جعلها عنوانا لديوانه، إذ يقول:{ من الكامل }

إِمَّا رَأيْتَ قَصائدي انْتَحَرَتْ... وعَلى المهانةِ لَمْ تُطِقْ صَبْرا

فَالشِّعْرُ مَوْطنُهُ بأُمَّتِنَا...         قبْلَ السُّجونِ دَوائرُ الإجْرَا

غُلّتْ ، وَمَا مِنْ أُذْنِها سُحِبَتْ ،... لِتُبجِّلَ الطّغْيانَ والعُهرا

إِنْ يَسْحَقوا أزْهارَ قافِيَتِي...       وصادَروا أنْفاسَها الحَرَّى

فصِناعَةُ الأزْهارِ قَدْ وأدَتْ...   في عَصْرِنا ، الرَّيْحانَ والزَّهْرَا

(وفي استعراض عناوين القصائد التي يضمها الديوان برهاناً جديداً على ما  ذُهب إليه فهو يتحدث عن انتفاضة الأقصى، وذكر القضية، ويوم الشهداء، والنصر والدعوة وإلى آخر ما يضمه الديوان من عناوين تنبيك عن اهتمامات الشعر وارتباطاته العاطفية بالأمة والجهاد والمجاهدين) فيقرع بسياط لهيبه قلوب الغافلين وينثر رصاصات أشعاره في احتفالات المجاهدين لتصيب في مقتل من كان ديندنه الخيانة.

4- ديوان "الوعد الحق":

ديوان شعري يضم سبع عشرة قصيدة، فمنذ غياب مظلة الخلافة الإسلامية عن الأمة، وهي تعيش في حلك الدياجي، وباتت نهبا مطواعا، ومغنما سائغا لأعدائها، استفحل في قلبها داء صهيون، وتكالبت قوى العالم على غرس بذرة الشيطان في جوفها، فتلك (الضجة الإعلامية حول المجاعة في أثيوبيا لم يكن القصد منها إلا تغطية تهجير يهود الفلاشا إلى فسلطين)، وليبق الكيان اليهودي سوسا ينخر في أحشائها فتحولت ("قانا" إلى شظايا مسعورة، ودماء منثورة، وأشلاء ممزقة متفحمة عبر دعوة تلمودية إلى حفل شواء من لحوم المسلمين)، وحيث معالم الخذلان والخور تأتي (زيارة رئيس وزراء اليهود لدول الخليج واستقباله الحافل بها)، واحتفالا بذلك أقامت رجوم السفك والتدمير في فلسطين (وليمة عربدة جديدة بحفر نفق تحت المسجد الأقصى المبارك)، مفتتحة احتفالها بـ (المجزرة البشعة التي ارتكبها اليهود في المسجد الإبراهيمي في "الخليل" التي لم تكن سوى امتداد لجرائمهم المتتالية ضد المسلمين). وتلك خيبة أمل جديدة (توقيع الاتفاق اليهودي الفلسطيني في "أسلو" على تهويد فلسطين)، في حين يُعقد مؤتمر (ليطارد خطوات المجاهدين التي انتظرتها طويلا بوابات الأقصى ودروب "يافا" و"حيفا" لتنحر وحش اليهود الرابض بسيف الفداء والانتصار) واهتمام الأمة مع كل كذلك لا يتجاوز التافه الحقير، فـ: { من مجزوء الخفيف }

ألف مليون أصبحتْ... كغُثاءٍ بشطِّ يَمْ

ومصلَّى رَسُولها...     بيدِ اللِّصِ يُقْتَسَمْ

وفي إصرار المؤمن تأبى نفس أبي هلالة الركود في ذل العيش الذي ابتلي به المسلمون، وفي استشعار لعظيم الأمانة التي ألقيت على عاتقه الإسلامي، يعلو صوته الصادح في وجه من سها في نعماء سباته، واطمأن إلى عجزه وجبنه، يجلّي المصاب لمن عميت بصيرته، وينفح عن وجهه غبش الرؤية، ليكشف له عن الدور الآتي في فصول هذه المسرحية:{مجزوء الخفيف }

أنا أقسمتُ بالذي      خلقَ الكونَ مِنْ عَدَمْ

وكسا ثوبَ عِزَّةٍ        كلَّ من بالهُدى اعتصَمْ

ورمى مُدْمِنَ الظّلا         لِ بسَوطٍ مِنَ النقمْ

إنْ قنعنا بسخفِنا               وركنَّا إلى النِعَمْ

فخُطا الخصمِ ماضيا     تٌ من القُدسِ للحرمْ

عندها يندمُ الجمعُ              ولا ينفعُ النَّدمْ

فهذه القصائد سيف حق، تأبى الخداع والزيف، والجهاد بكل شجاعة ومروءة هو طريق النصر الذي وعد الله عباده، فمن أراد أن يتطهر من خطيئته ويتبرأ من نكوصه فليهرع إلى سيف الحق الذي ما فتئ يذود عن حمى المقدسات الإسلامية حيث الوعد بالنصر آت لا محالة:{ من البسيط }

وما كفرنا بوعْدِ النّصرِ يا وطني         إذا الأرقاءُ من إصرارنا سَخِروا

رُكنُ الجهادِ حيال النَّهرِ قامَ لهُ         رُكنٌ فحُجوا لهُ يا قومُ واعتمروا

هو السَّبيلُ فيا فُرْسَاننا انْطلَقوا       هوَ الطّريقُ فيا منْ فرَّطوا انْتَحِروا

5- ديوان "خطوط على الرمال":

ديوان شعري يضم أربع عشرة قصيدة، يرسم الشاعر في طياته بعض الخطوط التأملية على شاطئ واقع الأمة الإسلامية، التي باتت حالها مقلوبة رأساً على عقب، وأصبح فيها الحليم حيرانا:{ من الخفيف }

أوقِدوا النَّارَ فالحَدِيثُ طويلُ         والدُّجى حالكُ السوادِ ثقيلُ

في عيوني شوكٌ وفي القلبِ شوكٌ    وعن الشوكِ خُطوَتي لا تميلُ

كلُّ دُنيا للمسلمينَ جِراحٌ                راعِفَاتٌ وحَسْرَةٌ وعويلُ

فمكمن (الغرابة في تعامل العالم مع قضايا المسلمين، وغفلة المسلمين عن واقعهم وما يدبر الأعداء لهم)، ليغدو اقتفاء أثر الأنبياء تطرفا، ونصرة القرآن المجيد أصولية ضالة عن نهج العمالة الغربية، التي تحطمت عليها صخرة القيم والأخلاق، فأصبحت المومسة رمز العفة والطهارة:{ من المتقارب }

إذا كان نصرُ الكتابِ المجيدِ        أُصولية "فظّة" غاويهْ

وأنَّ التطرفَ يعني المسير       على منهجِ الدَّعوةِ الهادِيَهْ

وأنَّ العمالةَ للكافرينَ            وتَقْديسِهمْ حِنْكَةٌ واعيهْ

وإهداءَ مسرى الرَّسولِ الكريمِ      لشرِّ الورى منَّةٌ سامِيَهْ

وأنَّ العَفيفَةَ رَمْزُ الجمودِ          وصاحبةَ العصمةِ الزانيهْ

فنحنُ التَّطرفُ يا مجرمونَ          ونحنُ الأصوليةُ الداميهْ

وإن كان ولاة أمر المسلمين قد خلدوا في هذا العصر إلى ركن قوي من بلاد الغرب، وأصبحوا حملاً ثقيلاً ذا وطأة على النفس الإسلامي، فإن الشاعر يلتمس لهم طريق النصح والتذكير التي لا تخلو في تضاعيفها من التهديد، فآية الله في خلقه الزوال، ومحالة الدوام، وأن العاقبة لمن ينصر دين الله: { من مجزوء الوافر }

لكلِّ حكومةٍ أجلٌ ودولابُ القَضَا يَجْري

ولنْ تفنى وإنْ طالَ     المدى زَمْجَرةُ الثَأْرِ

وإنِّي خَلفَ صَمْتِ الموْجِ ألمحُ ثورةَ البحرِ

وإلى أولئك الدعاة الذين التزموا النهج الإسلامي، ولهجت ألسنتهم بقول الحق فغدوا مرقة على النهج المستقيم، وطعما لنهْم السجون، تحت غطاء من (أولئك الذين غدت ألسنتهم عن قول الحق معقودة، وآذانهم عن استغاثة الشعوب مسدودة، فلم يصدروا الفتاوي إلا بتفسيق المجاهدين، ونصرة المفسدين، ففتواهم خبر لا يصحُّ له سند، وسيئة لم يتقبلها أحد)، يقول:{ من مجزوء الكامل }

هذا زمانُكِ يا جيادَ اللهِ لا زمنُ الحميرْ

رُغمَ السُّجونِ ورغمَ ما أرْخَى المضَلِّلُ من سُتورْ

سيظلُّ منْهَجُكُمْ بدُنيا الإفْكِ فيَّاضَ العَبيرْ

ونظلُّ نَسْتَهْدى بكوكبِ ذلك الفِكْرِ المُنيرْ

ونظلُّ من شُرفاتهِ الشَّمَّاءِ نرتقِبُ النفيرْ

يَهِبُ الشُّعوبَ حُقوقَها ويُحاسِبُ اللصَّ الحقيرْ

في السِّجنِ إنْ غِبْتُمْ فأنتُمْ ضَمائِرُنا الحُضورْ

لم يسجُنوكمْ، إنما حَفَرُوا لِحُكْمِهم القُبورْ

6- ديوان "الزلزلة":

ديوان شعري بلغ عدد قصائده تسعا وعشرين قصيدة، والنظم في صدر أبي هلالة بارود يثور من غيض استحكام الذل وإطباقه على أرجاء ديار المسلمين، فأضحى إدمان الصبر أمرا لا يطاق، أمام جراح الفؤاد المثقلة بالرؤى العظام، التي صُفّدت فما عاد يتسع لها صدر الشاعر: { من الخفيف }

أَخْزُنُ الشِّعْرَ والقوافي بصدري... مِثْلَما يخزن السِّلاح الشَّظايا

خافقي مُثْخَنٌ وصبري عَليلٌ...     والهُموم الكِبَار مِلْء الحنايا

وأسيرٌ أنا بذاتي... غريبٌ...       في دياري.. مكبَّلٌ بالرَّزايا

ويلهج الشاعر بلسان الاعتذار إلى الله ورسوله، فجاء القريض زفرة أبت مشاركة الجمع صمتهم، وانتجاعهم في ظل جراح اثخنت كاهل المسلمين، رافضاً التوشح بعباءة نسجت من خيوط الضعف والجبن: { من البسيط }

عنْ كُلّ صَمْتٍ يُقِرُّ الضّيم أعْتذِرُ... فليسقُطِ الخوفُ والخذلانُ والخَوَرُ

فالمسلم متسلح بنور الله الذي تكفل بنصر أوليائه، وإن ثارت الدنيا مجتمعة لإخماد النور العلوي بين حناياه، فسيبقى ثابت الجأش قوي العزيمة، يجالد النوازل والمحن في طريق دعوته، كالطود الشامخ في سفساف الأرض:

عَصَفَتْ زَوْبَعَةُ الدُّنيا لإطْفَائِكَ، لكنّكَ كالْبَدرِ تَلأْلأْتَ،

وأشْرَقْتَ وَجَلّيْتَ، ولَمْ تُهْزَمْ أَمَامَ الزَّلْزَلَةْ.

7- ديوان "قصائد في زمن القهر":

ديوان شعري بلغ عدد قصائده ثلاث عشرة قصيدة، ففي عصر أصبح العدل سمته الظلم، والصدق طابعه الإفك، والفضيلة عنوان القديم الغابر، الذي لا يفي بآمال عهر النظرة الحضارية، يخلص الشاعر إلى قافيته لينقش في حروفها ما تجيش به نفسه من آلام واختناقات فيقول: (لقد لهجت بقصائدي هذه، فكانت متنفسا لأحزاني، ونجيا أبث إليه أشجاني، وزفرة أصعدها إذاما طارق دهاني)، فقد (قطعنا العهد مع الله أن نقضي العمر كله، حملة لدينه، خدما لشريعته، أوفياء للحق والصدق، وأن لا نرى المغنم في غير طهارة القلب ونقاوة الضمير والثبات على المبدأ)، ذلك ما قاله على لسان المسلم الغريب في هذا العصر:{من الخفيف }

مُسْلمٌ يا صِعابُ لن تَقْهريني     صارمي قَاطِعٌ وعَزْمي حديدُ

من دِمائي في مُقفِرات البراري       يَطْلُع الزَّهرُ والحَيَا والوُرودُ

لا أُبَالي ولو أُقِيمتْ بِدَرْبي            وطريقي حَواجزٌ وسُدودُ

إنَّ دَاراً ما سِرتُ فوقَ ثَراها        حَظُّها التيهُ والضَّياعُ الأكيدُ

فَأنَا النُّورُ حينَ يَطغَى ظَلامٌ        وأَنَا النارُ حينَ يَقْسُو الجَليدُ

وإذا صِرْتُ في الحياةِ غَريباً             فأنا الدُرُّ والجُمانُ الفريدُ

ولديني أحْيَا وأبْذُلُ رُوحي               ولمُصباحِه دِمائي وَقودُ

وبغير الإسلامِ عُمري هَشيمٌ         واخصرارُ الحياةِ يومَ يَسودُ

8- ديوان "ألوان":

ديوان شعري بلغ عدد قصائده ست عشرة قصيدة، جاءت في شكل إكليل من الورد، يتوج فيه الشاعر بعض المناسبات الخاصة والعامة بزكي قصائده وطيب عبيرها، كيوم زفاف ابنته، والتنديد باعتداء الجيش العراقي على دولة الكويت، وشفاء زوج صديقه: {من البسيط }:

"منير" ظُلمَةِ أيامي وكاشِفها     وأقربُ الصحبِ من روحي وأفكاري

لا شيءَ عندي لكم أُهديه تهنئةً     يوم الشفاءِ سوى باقات أشعاري

وليبق شوك الزهر وخزاً في جنبات أشباه المسلمين، الذين تشبعوا من أعطان الفكر، فباتت الأخلاق في عرفهم داء يجب الاستبراء منه، ورِدَّة يتعين الاستغفار منها، عفن يربو وجه الأمة، وقيح في رئتيها يعوق استنشاق عليل النسيم: { من مجزوء الرمل }

بكَ يا خائبُ داءٌ       في صَميمِ القلبِ ناغرْ

فاسْتَمِعْ : داؤكَ لا يشـ...  ـفيهِ طِبٌ ومَجامِرْ

أنتَ لا يَشْفيكَ منهُ... غير زَخَّاتِ (الكنادر)

أنتَ لو كان لكَ اليو... مَ مِنَ الأخلاقِ زاجرْ

كُنتَ ناديتَ وأسْمَعْتَ...    وما ألفَيْتَ ضائِرْ

من صَديدِ الفِكْرِ آتيكُمْ... ومِنْ قَيءِ الحَناجرْ

فدواوين أبو هلالة الشعرية خفقة قلب تضرع إلى الله بالثبات على نهج دينه وشرعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ودعوة للمقصرين بشحذ هممهم والاستزادة من معين القرآن والسنة، وعين يطل بها على مآسي المسلمين، فيصف حالة الأمة، ويُشخّص جراحاتها، ويطرح بلسم علاجها، ووميض حنان دافئ يطوّق به الأهل والأصحاب، وكلمة حق ترسلها نظرات مؤمن بالنصر والفوز والتمكين.

الفارس المصلوب:

تعدّ هذه القصيدة .. من جميل قصيد الشاعر الكبير الشيخ " يوسف أبو هلاله "، ومن مشهور أبياتها الثمان الأخيرة التي وردت في شريط قوافل الشهداء الأول، يقول في مطلعها:

كفرت بكل مـن عذلوا           وعن درب الفـدا عدلوا

ومن لم يصبهم في العيــ             ــش إلا النـوم والكسل

ومن بالوهـم - رغم التيه -             ظنوا أنهـم وصلـوا

لقد كفر الشاعر بأقوال المنافقين والعذال الذين راحوا يلومون الشهيد عزام على ذهابه إلى أفغانستان وتركه فلسطين، ويشيد بأولئك الفتية من المؤمنين الذين لم يتقاعسوا عن تحقيق الأهداف، فيقول:

وأكبـرت الذيـن مضوا                وعما شـق ما سألوا

وعن غاياتهم ـ رغم اعــ            ــتساف الدهـر ما نـكلوا

ويشيد بمناقب الشهيد عبد الله عزام، فيقول:

أيا مهـراً يجيـد العدو                  لم يشمت به الكلل

رأيتـك صافيا والنا                  س مغشوش ومنتحل

وزورق عـزة رغـم اشـ                     ــتداد الموج ينتقل

وسيفاً مثل ضـوء البرق               يسطع حـين ينتضل

وإعصـاراً إذا ما هـب                  ريع الحادث الجلـل

لنا اسمح أن نقبل في              يديك السيـف يا بطـل

كقول مـن أخـي سفه                توارى عنده الخجـل

تخوض القدس فـي دمهـا             وتنهش نحرهـا الذبـل

ورجلـك دون ساحتهـا               بها قد ضلـت السبـل

وقلبـك فـي هـوى الغربا                ء متبـول ومنشغـل

فهل "كابول" علتها                   تهـون أمامها العلل

وهل مـن ناقـة فيهـا                   لنـا يا شيخ أو جمـل

أجبهم- يا رعـاك الله -                حتى يخرس الجدل

وقل يا أيهـا النقاد                من لامـوا، ومـن عذلـوا

أنا مازال جرح "القـد              س" فـي جنبيّ يعتمل

ووقد مصابها كالنـار                فـي الأحشـاء يشتعل

أنا ما خنـت عهد الـله                 لمّـا خانت الدول

وفـي ساحـاتها جاهـدت            إذ جـل الورى خذلوا

فلما غل كف الفدى                وانقطعت بنـا الحيل

ولم يبق الطغـاة لنا                     طريقاً نحوها يصل

ونحن بشرعنـا "كابـول"         أخـت القـدس إن جهلوا

مضيت مجاهـداً مع مـن                بهـم يتشـرف المثـل

والشهيد يرد على أولئك النقاد بأن طريق الجهاد في القدس مسدود من حراس حدود إسرائيل، وأنه لا فرق في ديننا بين الأفغان وفلسطين فكلها بلاد المسلمين، ويشيد بجهاد الأفغاني، ويثني على خصال المجاهدين فيها، فيقول:

بني الأفغـان لا ميل                إذا احتدمت ولا عزل

على نـار الأسى شبوا          وفوق جحيمهـا اكتهلـوا

وكان الحزن يلبسهم                 وعنهم لـيس ينفصـل

فتلك ربوعهم بالدا                     فق الموار تغتسل

وتحت صواعق الغارا                  ت بالنيران تشتعل

وتلك جماجم الأطفـال             تسحـق، وهـي تبتهـل

وأعراض النساء بهـا                  يعيث الملحد الثمل

فما ذل الإباء بهم                وما بهـم احتفى الفشل

ورأس الشعـب مرتفع                وموج البذل متصـل

وفينا من يقول لهم                   عقيدتكـم بها خلل

معاذ الله هذا الإفك                     ممـا ليـس يحتمل

فيا أحبابنا الأفغـان                مـن ضحوا، ومـن بذلوا

لأنتم في الحياة شـذى                 ونحـن الثـوم والبصل

ونحن عن الجهاد الحـق                ذاك العازف الوجل

ونحن الجبـن والخـذلان                  والتضليـل والدجل

ويوجه الشاعر خطابه إلى الخوالف والقواعد مع النساء، فيقول:

خوالف أمتى مهلاً                    بصيرتكـم بها حـول

فليس سـوى عقيدتكـم              سرى بكيانها الشلـل

جنود الـروم نعرفهـا                     وإن ميدانهـا نقلـوا

أيا مـن فكرهـم قد زا                  غ عما بين الرسـل

وفي أحكامهم جنفـوا             عن التقوى وما اعتدلوا

لهيـب الشـرك لا يطفيــ               ـــه إلا الأحمـر الهطـل

وما سندت خطى التوحيد           إلا البيـض والأسل

أقـول لكـم وجنـح الليل                  داج مطبـق أزل

سأبقـى في جبين الصبـر               وشما ليـس ينفصل

أشـرع هامتي للنا                       ر للأشواك انتعـل

أراقب هبـة الإيمـان               يحدوهـا الشـذى الخضل

وكـل قذيفة يشدو                  على أنغامها الأمل

تقول وربما قـول                        تقر بطيبـه المقل

لك البشرى ترجـل عـن              جوادك أيهـا الرجـل

فإن الاخـوة الغياب                 للميدان قد وصلوا

ومن بوابة الأفغـان                    للتاريخ قـد دخلوا

وقد لقي عبد الله عزام ربه شهيداً عام 1989م، قبل أن تكتحل عيناه بتحرير أفغانستان، وقد انتصر الأفغان في ثورتهم على الروس عام 1991م.

آراء الأدباء، والنقاد في شعره:

جاء في ديوان الانتفاضة لأحمد الخاني (نعته الدكتور بدوي طبانة بأنه "شاعر الأردن"، وإني لأرى أنه أكبر من هذا المقام بين شعراء أقطار الدول العربية)، وجاء في جريدة الشرق القطرية (أمير الشعراء الدكتور يوسف أبو هلالة اليوم).

لمع نجم شاعرية الدكتور يوسف أبو هلالة في أروقة الحجاز ونجد، فقد قضى الكثير من عمره في ربوع معاقلها العلمية، حيث المواسم الثقافية والأمسيات الشعرية والأدبية. ففي الأسبوع الثقافي الذي أقيم في جامعة الملك عبد العزيز عام 1974م، شارك الشاعر الإسلامي الدكتور عبد الرحمن العشماوي في الأمسية الشعرية التي كانت ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي، وكان يعتقد أن قصيدته جديرة بالفوز، ولكنه فوجئ بمشاركة يوسف أبو هلالة في قصيدة عصماء ألقاها في تلك الأمسية، يقول: (وإذا بشاعر يقف أمامنا، يلقي قصيدته فنهتز طربا.. ونفرح بها ونتعجب.. ونشم فيها رائحة الصدق، وعبير الفن.. ونرى فيها صفاء الفكر ونبل الهدف)، ومنذ ذلك الوقت أصبح (يوسف أبو هلالة ليس غريبا ولا بعيدا عني..   بيني وبينه جسر متين من الأخوة في الله، نشأت ومعها يقين في قلوبنا، إنها أخوة لا تعرف الخلل ولا الضعف، لأنها في الله، وما كان في الله فلن يضعف ولن يختل).

وفي عام 1978م قام الأستاذ أحمد الجدع بالاحتفاء بموهبة أبي هلالة الشعرية عند تأليفه كتاب "شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث"، فأفرد له صفحات في الجزء السادس عرف به ودرس بعض شعره، يصف انطباعه، فيقول: (أخذنا نبحث عن الشعراء ذوي الاتجاهات الإسلامية، انتابتنا فرحة غامرة عندما عثرنا على شاعر شاب له عدد من القصائد الرائعة منثورة في بعض المجلات العربية، هذا الشاعر هو يوسف محي الدين أبو هلالة، فاحتفلنا به بالطريقة المتاحة، وهي ضمه إلى الشعراء الذين درسناهم في كتابنا).

فقد كان (شاعرنا آنئذ يصعد درجات الشعر الأولى، ولكنه كان يصعدها وثباً، وقدرنا أنه سوف يكون في طليعة شعراء الدعوة بعد سنوات لا تتجاوز العشر، وقد تحقق ما قدرنا، فخطا الشاعر خطوات واسعة في مجال العلم، فحصل على شهادة الدكتوراه، وخطا خطوات واثقة في مجال الشعر؛ ليحتل مكانه اللائق بين شعراء الدعوة الإسلامية المعاصرين).

ولشعر أبي هلالة موضع احتفاء لدى الأدباء والنقاد في مجالسهم الأدبية، يقول الدكتور محمد حسان المرادي حول قصيدة "ردَّة": (لقد جمعتنا في إحدى الليالي جلسة مع مجموعة من الإخوة بينهم الدكتور "بدوي طبانه"، وطلبنا من الأخ أبي هلالة أن يسمعنا بعض شعره، فقرأ لنا أبياتاً من قصيدته تلك، فطربنا لها جميعاً، وأثنى عليها الدكتور بدوي طبانة ثناء كبيراً)، "وقد كتب الشيخ محمد المجذوب تعليقاً على هذه القصيدة (أهنئك أيها الشاعر من كل قلبي).

وحول قصيدة "مدريد والاستسلام" قال الطيب صالح، وهو يتحدث عن أمسية الجنادرية في معرض تناوله لشعر الدكتور أحمد التويجري: (ذكرني بالشاعر يوسف أبو هلالة الذي أنشد في الأمسية الأدبية في المهرجان قصيدة مريرة غاضبة.. قال لي بعض الحضور ما هذا الشاعر يجيء ليسب الناس، ويلعنهم؟ قلت ماذا تطلب من شاعر؟ يقول للناس بارك الله فيكم، وأحسنتم أنكم فرطتم في فلسطين).

وقريحة يوسف أبو هلالة الشعرية تجود بما تمليه عليه عاطفته الإسلامية فهو لا يعرف تقديم (قرابين المدح ونذر الثناء، يطرحها المرتلون على أقدام تلك الأوثان القائمة، ثم حسبهم الرضا والشفاعة)، يقول الشاعر يوسف العظم واصفاً ذلك: (ويبرز تمرّد الشاعر على الواقع المؤلم لأمتنا وعدم مجاملته للمواقف التوفيقية التي يلجأ لها بعض الشعراء، ويرتاح لها البعض أصحاب القرار والمنتفعين في السلطة هنا وهناك)، مما أدى إلى بروز (لون من الشعر المتميز الذي يحمل طابع الهجاء السياسي العنيف بعيداً عن الهجاء الفردي أو الاجتماعي الذي يتناول سلوك الأفراد أو تصرفاته الحياتية وإذا هجا "أبو مصعب" فإنه لا يجامل، ولا يرحم، ولا يلين، ولو كلفه ذلك لقمة العيش، وهدأة الجسد، وراحة البال؛ لأن ذلك كله يهون أمام راحة النفس ورضوان يسعى إليه عند رب العالمين)، فعاطفة الشاعر عاطفة اسلامية ترفل بأواصر الأخوة والتزام الدين الحنيف، يقول د. محمد جاد البنا في معرض حديثه عن قصيدة "خابت مساعيهم وخابوا"، التي تندد باجتياح الجيش العراقي أرض الكويت: (فوجدت فيها تعاطف الشقيق مع الشقيق ولوعة المسلم حينما يشعر بضياع أخيه المسلم.. إنه النبض الإنساني الواعي الذي لن يضل، ولن يضيع من أدب وأخلاق وقيم ومبادئ أمتنا أبدا)، فصدق الإحساس (أعطى الشاعر من البيان ما لم يعطه غيره من رائع الصور)، (ومد الشاعر برائع التراكيب التي احتوت رائعات المعاني)، السبب الذي جعل الأستاذ أحمد الخاني أن يختار قصيدة "قراءة في معركة أحد" للطبعة الثانية من كتابه "مدرسة بدر وشعراؤها" إذ يقول: (فهي من عيون الشعر الإسلامي).

وقد شد انتباه الأستاذ أحمد الجدع في شعر أبي هلالة (عمق الإخلاص ومتانة الولاء للفكر الإسلامي، وشدة الارتباط بالأوطان الإسلامية بأفراحها وأتراحها، ووتيرة الإعجاب العالية بالمجاهدين من أبناء الأمة الإسلامية، فكانت أشعاره تجول في هذه الأجواء الإسلامية وتتجاوب مع بروقها ورعودها)، فدماء الشاعر المجبولة بحب الإسلام وأوطانه وأهله و (حماسه لقضايا المسلمين ذو الوتيرة العالية ألجأته في كثير من قصائده إلى الحدة والمبالغة التي قد لا يوافقه عليها عدد من الدعاة الذين يفضلون الدعوة بالتي هي أحسن وبالقول اللين الذي يجلب العقول ويلين القلوب.. ولكن بالشعر قد تسلك طريقا آخر يراه الشاعر أجدى وأفضل!..)، وإزاء ذلك يقول أبو هلالة: (إن في هذه القصائد عيباً ظاهراً، هو الصراحة والوضوح، فإنها ستقرأ دون نصب، وتفهم دون تعب، ولمن شاء أن يسخر منها فلا بأس عليه، فأنا منذ عدة سنين ولا أجد من يصلبني عليها).

وأبو هلالة يمتلك ثقافة الشاعر التي ترسخ من جودة آلته الشعرية وتزيد في براعة نظم الشعر وغور إشعاعه، يقول الأستاذ أحمد الجدع في تقديمه لديوان اللهب المقدس: (الشاعر يوسف أبو هلالة مسلم غيور ومثقف عميق الثقافة ومتنوعها، مطلع على التراث العربي في الشعر، ومعجب به، لا يستسيغ الطريقة الحديثة في نظم الشعر، ويرى أن الشعر الذي يستحق الخلود هو الشكل الخليلي والمضمون الإسلامي المصفى من الشوائب)، فاستيعابه للتراث الشعري العربي، مكنه من الاستفادة من هذا التراث وتوظيفه بحنكة في شعره مما حدى بالأستاذ أحمد الجدع إلى الإشادة بهذا الوعي، فيقول: (معرفة الشاعر الغزيرة بالشعر العربي في عصوره المختلفة ومدارسه المتعددة، وحفظه لعدد كبير من قصائده مكنه من استخدام التضمين استخداما سهلا وموفقا، فهو قد ضمن قصائده عددا من أبيات جاءت في مكانها من غير تكلف ولا تعسف، ودلت فيما دلت عليه على ذوق رفيع في الانتقاء، وعلى مهارة عجيبة في التمكن من وضعها في سياقها المناسب).

واللغة الشعرية في قصائد أبي هلالة لغة سلسة غير أنها منيعة متمكنة، يصف ذلك الشاعر يوسف العظم فيقول: (وشاعرنا تجرى على لسانه الألفاظ الجزلة دون تقعر في القول أو توحش في اللفظ وهو أمر يشير إلى تمكنه من اللغة وحسن انتقائه للألفاظ في سهولة ويسر لا تحس معه تكلف أو تصنع)، وللشاعر د. عبد الرحمن العشماوي نظرة مماثلة من خلال قراءته لقصيدة "قراءة في معركة أحد"، إذ يقول: (إنك لترى في هذه القصيدة السبك الجيد، واللغة القوية والألفاظ التي لا تعرف هوادة ولا استرخاء في أدائها للمعنى.. فهي ألفاظ فخمة يجمع بينهما عامل القوة والجودة حتى تشعر وأنت تقرأ القصيدة أن ألفاظها وجملها، فرقة من فرق جيش أحد لها عدتها وعتاده.. وهكذا تستمر القصيدة بهذه القوة في كلماتها وصورها، حتى آخر بيت فيها)، وهذه الطبيعة الجزلة التي باتت ركب الشاعر، غدت موضع ثناء لدى العشماوي، فقد جَهِدَ الشاعر في إحياء غير قليل من ألفاظ اللغة العربية وبعثها، يقول: (وللشاعر فضيلة تذكر فتشكر، وهي محاولته الجادة في إحياء عدد غير قليل من الكلمات العربية، التي قُدِّر لها أن تقف من وراء قضبان القواميس، تنظر إلى كلمات أخرى، تنتقل بين ألسنة الناس في حرية وانطلاقة)، ويقول (أحمد الخاني) في تقريضه لنفس القصيدة: (الشاعر ضليع بالعربية لا يخشى عليه عثار الفقر اللغوي.. وقد اختار قافية الدال إحدى أجمل قوافي الشعر عند العرب).

وقصائد أبو هلالة ذات نفس شعري طويل لا تخل بمتانة السبك وجودة النوع، يقول يوسف العظم: (قصائد يوسف أبو هلالة طويلة بصورة لا تضعف القصيدة إن طالت وإنما تقوى وتزداد متانة وهذا يدل على طول نفس الشاعر وأصالة طبعه وعمق موهبته، الأمر الذي يجعله شاعرا مجيدا بين الشعراء الذين يحملون راية الشعر العامودي المتين)، ويقول العشماوي في تقريضه قصيدة "قراءة في معركة أحد": (وهو شيء يسجل للشاعر يوسف أبو هلالة أن يكون قادرا على المحافظة على هذا المستوى القوي المتماسك، في قصيدة طويلة تتجاوز ابياتها المائتين).

وحذق التاريخ وتوظيفه توظيفاً أدبياً أمر يُكْبِره العشماوي في شعر أبي هلالة، يقول: (كان الشاعر رائعا، عندما ختم قصيدته بذلك الربط الجيد بين معركة أحد ونتائجها، وبين حالة الأمة الإسلامية في هذا العصر، ذلك لأن سرد أحداث التاريخ، وإعادة ذكرها للناس لا بد أن يكون مصحوباً بنية صادقة، في الإفادة منها في حاضر المسلمين ومستقبلهم، وقد أحسن شاعرنا في هذا الربط كل الإحسان).

وعلى الصعيد الآخر، فإن الباحث لم يستطع الوقوف على أراء متعددة توجهت إلى شعر الدكتور يوسف أبو هلالة بما تمثل الوجه الآخر للنقد الفني، سوى رأي واحد، وهو ما قدمه عبد الله إبراهيم الوشمي حول قصيدة "مدريد والاستسلام" يقول: (إنها قصيدة قوية وصارخة ورائعة السبك، تتحدث عن وضع العالم الإسلامي، إلا أن فيها نظرة تشاؤمية إلى الواقع، دون أن يكون هنالك ما يوحي بالأمل.. إن شعر أبي هلالة شعر يستفزُّ ولا يستقر) فالكاتب يعترف بجودة الشاعر الفنية ولكن يأخذ عليه رؤية تشاؤمية للواقع وربما العيش في الماضي التليد للأمة الإسلامية، أيا كانت هذه الاتهامات فهي من الواضح أنها اتهامات وجهت للاتجاه الأدبي الإسلامي من اليوم الأول لبزوغه، والدكتور يوسف أبو هلالة وإن يكن شاعراً فهو يمثل هذا الاتجاه الفني الإسلامي وملتزم به في جميع أشعاره وهذا التوجه الأدبي له شيعته كما له من يخالفونه أيضا.

وآخر ما يمكن أن يقال في شعر يوسف أبو هلالة ما قاله شاعر الأقصى يوسف العظم رحمه الله: (وخلاصة ما يمكن أن يقف معلماً مضيئاً في شعر الأخ العزيز والصديق الوفي انتماؤه للعقيدة الصالحة الصافية في توحيد الله والإيمان به.. وبعد ذلك التطلع بأمل نحو مستقبل مشرق بالنصر والظفر).

رأى الأدباء في الشاعر يوسف أبو هلالة:

جاء في ديوان الانتفاضة لأحمد الخاني (نعته الدكتور بدوي طبانه بأنه "شاعر الأردن"، وإني لأرى أنه أكبر من هذا المقام بين شعراء أقطار الدول العربية)، وجاء في جريدة الشرق القطرية (أمير الشعراء الدكتور يوسف أبو هلالة اليوم).

لمع نجم شاعرية الدكتور يوسف أبو هلالة في أروقة الحجاز ونجد، فقد قضى الكثير من عمره في ربوع معاقلها العلمية، حيث المواسم الثقافية والأمسيات الشعرية والأدبية. ففي الأسبوع الثقافي الذي أقيم في جامعة الملك عبد العزيز عام 1974م، شارك الشاعر الإسلامي الدكتور عبد الرحمن العشماوي في الأمسية الشعرية التي كانت ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي، وكان يعتقد أن قصيدته جديرة بالفوز، ولكنه فوجئ بمشاركة يوسف أبو هلالة في قصيدة عصماء ألقاها في تلك الأمسية، يقول: (وإذا بشاعر يقف أمامنا، يلقي قصيدته فنهتز طرباً.. ونفرح بها، ونتعجب.. ونشم فيها رائحة الصدق، وعبير الفن.. ونرى فيها صفاء الفكر ونبل الهدف)، ومنذ ذلك الوقت أصبح (يوسف أبو هلالة ليس غريبا ولا بعيداً عني.. بيني وبينه جسر متين من الأخوة في الله، نشأت ومعها يقين في قلوبنا، إنها أخوة لا تعرف الخلل ولا الضعف، لأنها في الله، وما كان في الله فلن يضعف، ولن يختل).

وفي عام 1978م قام الأستاذ أحمد الجدع بالاحتفاء بموهبة أبي هلالة الشعرية عند تأليفه كتاب "شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث"، فأفرد له صفحات في الجزء السادس عرف به، ودرس بعض شعره، يصف انطباعه، فيقول: (أخذنا نبحث عن الشعراء ذوي الاتجاهات الإسلامية، انتابتنا فرحة غامرة عندما عثرنا على شاعر شاب له عدد من القصائد الرائعة منثورة في بعض المجلات العربية، هذا الشاعر هو يوسف محي الدين أبو هلالة، فاحتفلنا به بالطريقة المتاحة، وهي ضمه إلى الشعراء الذين درسناهم في كتابنا).

فقد كان (شاعرنا آنئذ يصعد درجات الشعر الأولى ولكنه كان يصعدها وثبا، وقدرنا أنه سوف يكون في طليعة شعراء الدعوة بعد سنوات لا تتجاوز العشر، وقد تحقق ما قدرنا، فخطا الشاعر خطوات واسعة في مجال العلم، فحصل على شهادة الدكتوراه، وخطا خطوات واثقة في مجال الشعر ليحتل مكانه اللائق بين شعراء الدعوة الإسلامية المعاصرين).

ولشعر أبي هلالة موضع احتفاء لدى الأدباء والنقاد في مجالسهم الأدبية، يقول الدكتور محمد حسان المرادي حول قصيدة "ردَّة": (لقد جمعتنا في إحدى الليالي جلسة مع مجموعة من الإخوة بينهم الدكتور "بدوي طبانه"، وطلبنا من الأخ أبي هلالة أن يسمعنا بعض شعره، فقرأ لنا أبياتا من قصيدته تلك، فطربنا لها جميعا وأثنى عليها الدكتور بدوي طبانة ثناء كبيراً)، "وقد كتب الشيخ محمد المجذوب تعليقاً على هذه القصيدة (أهنئك أيها الشاعر من كل قلبي).

وحول قصيدة "مدريد والاستسلام" قال الطيب صالح، وهو يتحدث عن أمسية الجنادرية في معرض تناوله لشعر الدكتور أحمد التويجري: (ذكرني بالشاعر يوسف أبو هلالة الذي أنشد في الأمسية الأدبية في المهرجان قصيدة مريرة غاضبة.. قال لي بعض الحضور ما هذا الشاعر يجيء ليسب الناس، ويلعنهم؟ قلت ماذا تطلب من شاعر؟ يقول للناس بارك الله فيكم، وأحسنتم أنكم فرطتم في فلسطين).

وقريحة أبو هلالة الشعرية تجود بما تمليه عليه عاطفته الإسلامية فهو لا يعرف تقديم (قرابين المدح ونذر الثناء، يطرحها المرتلون على أقدام تلك الأوثان القائمة، ثم حسبهم الرضا والشفاعة)، يقول الشاعر يوسف العظم واصفاً ذلك: (ويبرز تمرد الشاعر على الواقع المؤلم لأمتنا وعدم مجاملته للمواقف التوفيقية التي يلجأ لها بعض الشعراء، ويرتاح لها البعض أصحاب القرار والمنتفعين في السلطة هنا وهناك)، مما أدى إلى بروز (لون من الشعر المتميز الذي يحمل طابع الهجاء السياسي العنيف بعيداً عن الهجاء الفردي أو الاجتماعي الذي يتناول سلوك الأفراد أو تصرفاته الحياتية وإذا هجا "أبو مصعب" فإنه لا يجامل، ولا يرحم، ولا يلين ولو كلفه ذلك لقمة العيش وهدأة الجسد وراحة البال؛ لأن ذلك كله يهون أمام راحة النفس ورضوان يسعى إليه عند رب العالمين)، فعاطفة الشاعر عاطفة إسلامية ترفل بأواصر الأخوة والتزام الدين الحنيف، يقول د. محمد جاد البنا في معرض حديثه عن قصيدة "خابت مساعيهم وخابوا"، التي تندد باجتياح الجيش العراقي أرض الكويت: (فوجدت فيها تعاطف الشقيق مع الشقيق ولوعة المسلم حينما يشعر بضياع أخيه المسلم.. إنه النبض الإنساني الواعي الذي لن يضل ولن يضيع من أدب وأخلاق وقيم ومبادئ أمتنا أبدا)، فصدق الإحساس (أعطى الشاعر من البيان ما لم يعطه غيره من رائع الصور)، (ومد الشاعر برائع التراكيب التي احتوت رائعات المعاني)، السبب الذي جعل الأستاذ أحمد الخاني أن يختار قصيدة "قراءة في معركة أحد" للطبعة الثانية من كتابه "مدرسة بدر وشعراؤها" إذ يقول: (فهي من عيون الشعر الإسلامي).

وقد شد انتباه الأستاذ أحمد الجدع في شعر أبي هلالة (عمق الإخلاص ومتانة الولاء للفكر الإسلامي، وشدة الارتباط بالأوطان الإسلامية بأفراحها وأتراحها، ووتيرة الإعجاب العالية بالمجاهدين من أبناء الأمة الإسلامية، فكانت أشعاره تجول في هذه الأجواء الإسلامية وتتجاوب مع بروقها ورعودها)، فدماء الشاعر المجبولة بحب الإسلام وأوطانه وأهله و(حماسه لقضايا المسلمين ذو الوتيرة العالية ألجأته في كثير من قصائده إلى الحدة والمبالغة التي قد لا يوافقه عليها عدد من الدعاة الذين يفضلون الدعوة بالتي هي أحسن وبالقول اللين الذي يجلب العقول، ويلين القلوب.. ولكن بالشعر قد تسلك طريقاً آخر يراه الشاعر أجدى وأفضل!..)، وإزاء ذلك يقول أبو هلالة: (إن في هذه القصائد عيباً ظاهراً، هو الصراحة والوضوح، فإنها ستقرأ دون نصب، وتفهم دون تعب، ولمن شاء أن يسخر منها فلا بأس عليه، فأنا منذ عدة سنين، ولا أجد من يصلبني عليها).

وأبو هلالة يمتلك ثقافة الشاعر التي ترسخ من جودة آلته الشعرية وتزيد في براعة نظم الشعر وغور إشعاعه، يقول الأستاذ أحمد الجدع في تقديمه لديوان اللهب المقدس: (الشاعر يوسف أبو هلالة مسلم غيور ومثقف عميق الثقافة ومتنوعها، مطلع على التراث العربي في الشعر، ومعجب به، لا يستسيغ الطريقة الحديثة في نظم الشعر، ويرى أن الشعر الذي يستحق الخلود هو الشكل الخليلي والمضمون الإسلامي المصفى من الشوائب)، فاستيعابه للتراث الشعري العربي، مكنه من الاستفادة من هذا التراث وتوظيفه بحنكة في شعره مما حدى بالأستاذ أحمد الجدع إلى الإشادة بهذا الوعي فيقول: (معرفة الشاعر الغزيرة بالشعر العربي في عصوره المختلفة ومدارسه المتعددة، وحفظه لعدد كبير من قصائده مكنه من استخدام التضمين استخداما سهلا وموفقا، فهو قد ضمن قصائده عددا من أبيات جاءت في مكانها من غير تكلف ولا تعسف، ودلت فيما دلت عليه على ذوق رفيع في الانتقاء، وعلى مهارة عجيبة في التمكن من وضعها في سياقها المناسب).

واللغة الشعرية في قصائد أبي هلالة لغة سلسة غير أنها منيعة متمكنة، يصف ذلك الشاعر يوسف العظم فيقول: (وشاعرنا تجرى على لسانه الألفاظ الجزلة دون تقعر في القول أو توحش في اللفظ وهو أمر يشير إلى تمكنه من اللغة وحسن انتقائه للألفاظ في سهولة ويسر لا تحس معه تكلف أو تصنع)، وللشاعر د. عبد الرحمن العشماوي نظرة مماثلة من خلال قراءته لقصيدة "قراءة في معركة أحد"، إذ يقول: (إنك لترى في هذه القصيدة السبك الجيد، واللغة القوية والألفاظ التي لا تعرف هوادة ولا استرخاء في أدائها للمعنى.. فهي ألفاظ فخمة يجمع بينهما عامل القوة والجودة حتى تشعر وأنت تقرأ القصيدة أن ألفاظها وجملها، فرقة من فرق جيش أحد لها عدتها وعتاده.. وهكذا تستمر القصيدة بهذه القوة في كلماتها وصورها، حتى آخر بيت فيها)، وهذه الطبيعة الجزلة التي باتت ركب الشاعر، غدت موضع ثناء لدى العشماوي، فقد جَهِدَ الشاعر في إحياء غير قليل من ألفاظ اللغة العربية وبعثها، يقول: (وللشاعر فضيلة تذكر فتشكر، وهي محاولته الجادة في إحياء عدد غير قليل من الكلمات العربية، التي قُدِّر لها أن تقف من وراء قضبان القواميس، تنظر إلى كلمات أخرى، تنتقل بين ألسنة الناس في حرية وانطلاقة)، ويقول أحمد الخاني في تقريضه لنفس القصيدة: (الشاعر ضليع بالعربية لا يخشى عليه عثار الفقر اللغوي..، وقد اختار قافية الدال إحدى أجمل قوافي الشعر عند العرب).

وقصائد أبو هلالة ذات نفس شعري طويل لا تخلّ بمتانة السبك وجودة النوع، يقول يوسف العظم: (قصائد يوسف أبو هلالة طويلة بصورة لا تضعف القصيدة إن طالت وإنما تقوى، وتزداد متانة، وهذا يدل على طول نفس الشاعر وأصالة طبعه وعمق موهبته، الأمر الذي يجعله شاعراً مجيداً بين الشعراء الذين يحملون راية الشعر العامودي المتين)، ويقول العشماوي في تقريضه قصيدة "قراءة في معركة أحد": (وهو شيء يسجل للشاعر يوسف أبو هلالة أن يكون قادراً على المحافظة على هذا المستوى القوي المتماسك، في قصيدة طويلة تتجاوز ابياتها المائتين).

وحذق التاريخ وتوظيفه توظيفاً أدبياً أمر يُكْبِره العشماوي في شعر أبي هلالة، يقول: (كان الشاعر رائعاً، عندما ختم قصيدته بذلك الربط الجيد بين معركة أحد ونتائجها، وبين حالة الأمة الإسلامية في هذا العصر، ذلك لأن سرد أحداث التاريخ، وإعادة ذكرها للناس لا بد أن يكون مصحوبا بنية صادقة، في الإفادة منها في حاضر المسلمين ومستقبلهم، وقد أحسن شاعرنا في هذا الربط كل الإحسان).

وعلى الصعيد الآخر، فإن الباحث لم يستطع الوقوف على أراء متعددة توجهت إلى شعر الدكتور يوسف أبو هلالة بما تمثل الوجه الآخر للنقد الفني، سوى رأي واحد وهو ما قدمه عبد الله إبراهيم الوشمي حول قصيدة "مدريد والاستسلام" يقول: (إنها قصيدة قوية وصارخة ورائعة السبك، تتحدث عن وضع العالم الإسلامي، إلا أن فيها نظرة تشاؤمية إلى الواقع، دون أن يكون هنالك ما يوحي بالأمل.. إن شعر أبي هلالة شعر يستفزُّ ولا يستقر) فالكاتب يعترف بجودة الشاعر الفنية ولكن يأخذ عليه رؤية تشاؤمية للواقع وربما العيش في الماضي التليد للأمة الإسلامية، أيا كانت هذه الاتهامات فهي من الواضح أنها اتهامات وجهت للاتجاه الأدبي الإسلامي من اليوم الأول لبزوغه، والدكتور يوسف أبو هلالة وإن يكن شاعراً فهو يمثل هذا الاتجاه الفني الإسلامي وملتزم به في جميع أشعاره وهذا التوجه الأدبي له شيعته كما له من يخالفونه أيضا.

وآخر ما يمكن أن يقال في شعر (يوسف أبو هلالة) ما قاله شاعر الأقصى يوسف العظم رحمه الله: (وخلاصة ما يمكن أن يقف معلماً مضيئاً في شعر الأخ العزيز والصديق الوفي انتماؤه للعقيدة الصالحة الصافية في توحيد الله والإيمان به.. وبعد ذلك التطلع بأمل نحو مستقبل مشرق بالنصر والظفر).

-يتبع -

وسوم: العدد 863