نِعِمَّا رجالٌ عرفتُهُم الأستاذ محمد إبراهيم السويلم حفظه الله

يقول الصَّحابيُّ الجليل علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهَه:

"من عاملَ النَّاسَ فلم يظلمهُم، وحدَّثهم فلم يكذبهُم، ووعدهم فلم يُخلِفْهُم،كان ممَّن كَمُلتْ مروءَتُه، وظَهَرَتْ عَدَالَتُه،ووَجَبَتْ أُخُوَّتُه"

الأخلاق الفاضلة والتعاملات الرَّاقية هي ثمرات وقُطُوفُ المروءة ،والعلاقات السامية هي جمالُ ورفعة العلاقات الإنسانية،وهي التي تُمَيِّزُ كرام النَّاس ،وتُظهرُ أهل الفضل منهم، بل وتكشفُ معادنهم ،وتُريك جوهرَهُم ونفائسَهم، أجل ويانِعِمَّا مكارمَ الأخلاق وأثرها في حياة النَّاس وفِعلها في المجتمعات ولذلك قال الحبيب المصطفى عليه الصَّلاة والسَّلام:

 ("إنَّ أحبَّكُم إليَّ أحاسِنُكُم أخلاقا،الموطئُون أكنافا،الَّذين يألَفونَ ويُؤلَفون،وإنَّ أبغضَكُم إليَّ المشَّاؤون بالنَّميمة، المُفرِّقونَ بين الأحبَّة،المُتَلّمِّسون للبرآءِ العَنَت") رواه الطَّبراني في الأوسط

إنَّ حُسنَ الخُلُق هوجوهر الدِّين ،وهو الكَنْزُ الحقيقيُّ للمرء، مفترشاً فيه المودَّةَ والأُلفة،باسطاً لين الجانب للنَّاس،مُظهراً البِشرَ وطلاقةَ الوجه ليتلألأمَحيَّاه ويسَّاقط النُّورُ كالدُّرِّ من معالم وجهه.

وأَحسَبُني بفضل الله لاقيتُ العديد منهم ،ولانُزكِّي على الله أحداً ،لكنَّنا نشهدُ بماعلمنا ، وألسنةُ الخلقِ أقلامُ الحقِّ،والنَّاسُ شهودُ الله في أرضه.

وقد كان لي شرف التَّعَرُّفِ على الأستاذ محمد إبراهيم السُّويلم حفظه الله مع بداية عملي كأول طبيب أسنان للحرس الوطني في الأحساء في منتصف عام 1402هـ تنقلت في عدة أماكن فيها إلى أن استقرَّ بي المقام في مستوصف إسكان الحرس الوطني في المدينة السَّكنية بعد افتتاحها وكان مستوصفاً نموذجياً متكاملاً، يقع في وسط المدينة السكنيةالجميلة، التي تضمُّ الحدائق،والخدمات،والمرافق، والمدارس بجميع مراحلها للجنسين .

كانت أياماً جميلةً لاتُنسى،وذكرياتٍ عَبَرتْ وكأنَّها حُلُمٌ جميلٍ مرَّ وكان كأنَّه ماكان.

كان الأستاذ الفاضل محمد إبراهيم السويلم يشغل حينها مدير عام الإدارة بوكالة الحرس الوطني في المنطقة الشرقية ،كانَ بحقٍ أخاً كبيراً ، ومسؤولاً راقياً ،وودَّاً كريماً ، وصديقاً نصوحاً،وخلَّاً وفيَّاً،وقف معي مُذ قابلتُه عام1402هـ مع مباشرتي العمل وحتَّى آخر يومٍ لي فيه عام1413هـ.

ومعرفتي به بدأت حين تقدَّمتُ بطلبٍ لاستقدام أمي وأبي للإقامة معي في المملكة حيث أبدى اهتمامه وحرصه وعمل على مُتابعتها في الرِّياض ،وأوصى عليها أخاه الذي كان يعمل في المكتب الخاص فكان أن جاءت الموافقةولله الحمدبسرعة البرق فجزاهم الله عني كل خير .

والحقُّ أنَّه كان له الفضل بعد الله في استقدام والديَّ ريحانتي فؤادي ،وجنَّة دُنيايَ وآخرتي للإقامة معي في المملكة في الأحساء فله مني الشكر والتقدير والدُّعاء ماحييت.

وقد نشأت بيني وبينه علاقةٌ طيبة ، وصداقةٌ حميمة وودٌ وتقدير كبير ،وكان إضافةً لعمله ومنصبه أديباً ذوَّاقاً،واسع المعرفة والاطلاع ،غزير الثَّقافة،عظيم الخبرة والتَّجربة في الحياة،أجل نشأت بيننا علاقة طيبة كانت تُروى بالتواصل والمودَّة، وتُسقى بالدُّعاء والوفاء وماتزال بفضل  الله 

كانت أياماً جميلةً لاتُنوكنت أزوره بين الفينة والفينة كلما كانت لي مراجعة أو معاملة في الوكالة لترجع بي الذاكرة إلى يوم قدومي للرياض للفرز لمكان العمل قادماً من باريز من فرنسا  فدخلت مع د. محمد الشهاب رحمه الله وهو من الأحساء  وكان يشغل مدير عام الخدمات الطبية في الحرس الوطني فدخلنا إلى مكتب وكيل الحرس الوطني الأستاذ عبد العزيز العلي التويجري حفظه الله ودار بينناحديثٌ لطيف أبديت فيه رغبتي بأن أعمل في الحجاز حيث الحرمين الشريفين زادهما الله مقاماً وجلالا وكلي رغبةٌ وحماسٌ وشغفٌ وشوق إلى ذلك وإذ بالوكيل حفظه الله يبتسم ويقول دكتور إن في الحرم أكثر من مائة باب ولكن لن تدخل من أيٍ منها... للأسف فلا شواغر والمكانان الشاغران في حائل والأحساء فأشار عليَّ د. الشهاب رحمه الله أن عليك بالأحساء وهو كما ذكرت منها وقال ستُسرُّ فأومأتُ بالموافقة وكل خليةٍ من خلايا جسدي تعترض دون أن تنطق رغبةً مني بالعمل بجوار الحرم ولم أكن في حياتي قد سمعت بهما أو قرأت عنهما،ولم يذكرا لي من قبل البتة وقد خطر لي عندما ذكرا لي أني سأكون في مضارب بني عبس أو خيام بني غطفان أو أو...فدارت بي الدُّنيا لحظتها ولكني تمالكت نفسي واستعدت رباطة جأشي وكان ماكان فودعت الوكيل ود. محمد الشهاب متجهاً إلى هَجَر.

وبعد قدومي للأحساء تغيَّر حالي وسكنت نفسي وهدأت روحي واطمأنَّ فؤادي وأشرقت مشاعري في واحةٍ من أكبر واحات العالم حيث طيب العشرة ، وطلاقة الوجه ، وجمالُ الصُّحبة ، وأنس الجوار، وحسن التعامل ، وقد ألفتها وأهلها،وأنست بصحبتهم ، وسعدتُ بجوارهم ، تعرفت على رجالاتها ، وصحبت وجهاءها، وتعرفت على أدبائها وشعرائها، وأنست بمجالسها وداريَّاتها وقد طاب لي المقامُ بهجر والعيش فيها .

المهم أنَّ د. محمد الشهاب أتانا في زيارة تفقدية لمستوصف الإسكان وزارني في المكتب في قسم الأسنان فيه ثمَّ ماليث أن بادرني بقوله مارأيك لو ننقلك من مكانك!؟

فقلت له الحمد لله ألفتها وألفتني وأنا مسرورٌ فيهاوأظنهم كذلك مسرورن مني.فابتسم ابتسامةً عريضة وكأنَّه يُذكِّرُني بنصيحته لي فيها.

وقد توفي رحمه الله قبل حوالي سنتين تقبله الله في الصالحين .

أمَّا أستاذنا الفاضل محمد إبراهيم السويلم حفظه الله فقد كان يزورني في بعض الأحيان أثناء زياراته لمواقع وإسكان الحرس الوطني وذات مرَّةٍ عرض عليَّ أن أنتقل إلى الخبر حيث الثقل والمركز والبحر و مرجعيتي في وكالة الحرس الوطني في الخبر وكان ظنُّه أنه سيُفرحني لكني أجبته ببيتٍ من للشِّعر للمتنبي قلتُ صدرهُ فقط ولم أُكملْهُ قُلتُ:

خُلِقتُ ألوفاٍ لو رجعتُ إلى الصِّبا

فقال لي مبتسماً( خَلِّك خلِّك)والبيت يقول:

أجل كان أستاذي الفاضل محمد إبراهيم السويلم  حفظه الله ورعاه معي في كل موقف طيلة عملي في الحرس الوطني حيث قضيت أحد عشر عاماً من أجمل سنيِّ عمري وما أجمل ذكرياتي فيه عساني تركت فيهم أجمل وأطيب الأثر.

وكنتُ على تواصل مع أستاذنا الفاضل قبل وبعد استقالتي من الحرس الوطني وعملي في القطاع الخاص وإن كان هناك بعض التقصير مني أطلبُ منه السَّماحَ والعُذر وكان لأستاذنا عادةٌ سنوية بجوار الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام والمقام في الروضة الشريفة فهنيئاً له هذا الجوار وهذا المقامُ هناك في طيبة الطَّيِّبة 

وكنت كتبت قصيدةً أبثًُّ فيها شوقي لطيبة الطَّيِّبةَ قلتُ في مطلعها:

أشواق إلى طيبة

وقد كان آخر عهدي به قبل سنوات عندما زرته في بيته الجديد في الدمام مع أخي الحبيب د. حسن حتاحت حفظه الله وكانت سهرةً أدبية ممتعة رائعة حدَّثنا فيها عن ذكرياته في الشام مع علمائها وأدبائها عندما كان في شبابه ويحمل لها كما تحمل له كل الحبِّ والتَّقدير والودِّوالإكبار.

وكنت زرته قبل مع أهلي في منزله الكائن في الجلوية وكم سعدنا باللقاء وسررنا بزيارتهم ومعرفتهم وكذلك كان شعوزُ أهلي مع أهله.

وقد وصلني في أحد الأيام رسالة مختومة منه ، كانت غايةًفي الأدب والمروءة شفت الأصالة ،وأبرزت العراقة ،تنضح بالصِّدق ، وتعمُرُ بالحقِّ، وتمتح الودَّ، نُصحاً وحُبَّاً ونقاءً وصفاءً فكان جوابي له بتاريخ 15/9/1409م الموافق20/4/1989

(بطاقة وفاء )عرفاناً بالجميل وتقديراً لأهل الفضل وإحياءً لذكرياتٍ تحكـي المروءة واشَّهامة ودعاءٌُ مني لهذا الرجل الفاضل مع كل نبضٍ في فؤادي ووفائي له ماحييت فإليه أهدي 

بطاقة وفاء

وسوم: العدد 866