محمد بن كناسة : شاعر الزهد والحكمة

عمر محمد العبسو

الشاعر الزاهد من شعراء الدولة العباسية ، والمحدث ، والنحوي ، والراوية ، والأخباري .

اسمه ونسبه :

هو محمد بن   كناسة ، وكناسة لقب أبيه ، واسم كناسة عبد الله بن عبد الأعلى بن عبيد الله بن خليفة بن زهير بن نضلة بن أنيف بن مازن بن صهبان ، واسم صهبان كعب بن دويبة بن أسامة بن نصر بن قعين بن الحارث بن ثعلبة ابن دودان بن أسد بن خزيمة .

- ويكنى أبا يحيى .

مولده ونشأته :

وقد ولد محمد بن كناسة الأسدي عام 123هـ / 741 م ، ونشأ بالكوفة في بيت صلاح وتقوى ، إذ كان خاله إبراهيم بن أدهم – رحمه الله - أحد من تذكر أسماؤهم في نشأة الزهد والتصوف الإسلامي السني الذي يجمع بين الورع ، والإيجابية في الحياة ، والرباط في الثغور .

مكانته في علوم الحديث :

ونراه يختلف إلى حلقات المحدثين اختلافاً أتاح له أن يحمل الحديث عنه ، وأن يعدّ من رجاله .

  وقد روى ابن كناسة حديثاً كثيراً ، وروى عنه الثقات من المحدثين :

1- فممن روى ابن   كناسة   عنه سليمان بن مهران الأعمش

2- وإسماعيل بن أبي خالد .

3- وهشام بن عروة بن الزبير .

4- ومسعر بن كدام .

5- وعبد العزيز بن أبي داود .

6- وعمر بن ذر الهمداني .

7- وجعفر بن برقان .

8- وسفيان الثوري .

9- وفطر بن خليفة ....ونظراؤهم  .

- رأيه في حديثه :

- أقبل العلماء عليه يقتبسون من علمه ، ويأخذون عنه الحديث ، فصوّر ذلك الإقبال  ابن   كناسة بقوله : لقد كنت أتحدث بالحديث فلو لم يجد سامعه إلا القطن الذي على وجه أمه في القبر ؛ لتعلل عليه حتى يستخرجه ، ويهديه إلي .

وأنا اليوم أتحدث بذلك الحديث ، فما أفرغ منه حتى أهيئ له عذراً .

فهو قد ضجر من إعراض الناس عن العلم ، ويتعجب لحالهم ، وانصرافهم عن ذلك الخير .

- حدث حماد بن إبراهيم عن أبيه قال أتيت محمد بن كناسة لأكتب عنه فكثر عليه أصحاب الحديث فضجر بهم وتجهمهم فلما انصرفوا عنه دنوت منه ، فهش إلي ، واستبشر بي ، وبسط وجهه . فقلت له : لقد تعجبت من تفاوت حالتيك . فقال لي : أضجرني هؤلاء بسوء أدبهم ، فلما جئتني أنت انبسطت إليك ، وقد حضرني في المعنى بيتان ، وهما :

فيَّ انقباض  وحشمة  فإذا 

                                       صادفت  أهل  الوقار  والكرم 

أرسلت  نفسي على سجيتها 

                                        وقلت  ما قلت  غير  محتشم 

فقلت : لوددت أن هذين البيتين لي بنصف ما أملك فقال : قد وفر الله عليك مالك . ما سمعهما أحد ، ولا قلتهما إلا الساعة . فقلت له : كيف لي بعلم نفسي أنهما ليسا لي .

وعندما سمع إسحاق الموصلي  هذه الأبيات من الشاعر محمد بن كناسة قال له   : وددت أنه نقص من عمري سنتان ، وأني كنت سبقتك الى هذين البيتين فقلتهما  .

-رحلته في طلب حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :

ورد الشاعر محمد بن كناسة  بغداد ، وحدّث بها عن هشام بن عروة ، والأعمش وغيرهما

وروى عنه أحمد بن حنبل ... وغيره ، وقال عنه الإمام يحيى بن معين ،  وابن المديني :

ابن كناسة ثقة ، وقال أبو حاتم : لا يحتج به .

- تمكنه من علوم العربية :

- كان عالماً بالعربية وأيام الناس ، راوية للكميت ، وغيره من الشعراء .

  حدث حماد بن إسحاق عن أبيه قال سألت محمد بن كناسة عن قول الشاعر : ( وافر )

  إذا الجوزاء أردفت الثريا       ظننت بآل فاطمة الظنونا 

 فقال : يقول إذا صارت الجوزاء في الموضع الذي ترى فيه الثريا خفت تفرق الحي من مجمعهم ،  والثريا تطلع بالغداة في الصيف ، والجوزاء تطلع بعد ذلك في أول القيظ .

- موهبته الشعرية المبكرة :

ويظهر أن موهبته الشعرية تفتحت مبكرة ، غير أنه كان – كما يقول أبو الفرج – امرءاً صالحاً فلم يتصدّ لأحد بمدح ولا هجاء ، بل قصر شعره على الزهد ، وما يتصل به من رياضة النفس على ترك الهوى والاتعاظ بالدنيا وفناء لذاتها وبقاء تبعاتها فنعمها دائماً زائلة ونقمها نازلة ، ومهما طال عمر الإنسان فيها فإلى غاية ينتهي عندها أجله ، ومن عجب أن تتعلق قلوبنا بها ، ونحن كل يوم نقطع مسافة إلى تلك الغاية المحتمة ، بل إن منا من يضل طريق الرشاد فيتبع نفسه وهواها ، وكان حرياً به أن يقهرها ، ويدفع عن نفسه بادرة سطوتها حتى يصون دينه ، يقول :

ومن عجب الدنيا تبقيك للبلى               وأنك فيها للبــقاء مريدُ

وأي بني الأيام إلا وعنــده               من الدهر ذنب طارفٌ وتليدُ

ومن يأمن الأيام أما اتسـاعها              فخطرٌ وأما فجعها فعتــيدُ

إذا اعتادت النفسُ الرضاع من الهوى        فإن فطام النفس عنه شديد

وهو يكرر الحديث عن فطام النفس عن الشهوات واللذائذ وأنه ثقيل وأن السعيد من عصى هواه في طاعة ربه ، فاجتنب المحارم و المآثم .

- كبر مقتاً أن تقولوا ما لا تفعلون :

و كان يجيء إلى محمد بن كناسة رجل من عشيرته فيجالسه ، وكان يكتب الحديث ، ويتفقه ، ويظهر أدباً ونسكاً ، وظهر محمد بن كناسة منه على باطن يخالف ظاهره ، فلما جاءه قال له : ( كامل )

ما من روى أدباً ولم يعمل به              وبكفّ عن زيغ الهوى بأديب ِ

حتى يكون َ بما تعـلّم عاملاً                 من صالحٍ فيكون غير معيب ِ

ولقلما تغني إصـابة ُ قـائل                   وأفعاله أفعــالُ غيرِ مصيب ِ

ويلاحظ أن من الناس من يلوك الأحاديث في عواقب اتباع الهوى ، وكأنه يقول بفمه ما ليس له ظل في قلبه ، أو كأنه يعظ ولا يتعظ ، فالكلمة إن لم تصدر من القلب لم يكن لها تأثير في القلوب ، وعظة الواعظ إن لم تشفع بعمله كان هو أول من لا ينتفع بها ، وكانت كالسراج يضيء الدار ويحرق نفسه .

-ومن أخلاقه أنه كان يقوم على خدمة عياله بنفسه :

رأى رجل محمد بن كناسة يحمل بيده بطن شاة ، فقال : هاته ، أحمله عنك .

 فقال : لا  ، ثم قال : ( رجز ) :

لا ينقص الكامل من كماله ما جرَّ من نفع إلى عياله

-        ترفعه عن الدنيا وزهده فيها :

وكان أصدقاؤه من طلاب الدنيا لا يزالون يتلومونه على قعوده عن أبواب الحكام والأمراء ، بينما هو يحسن نظم الشعر ، ونظراؤه يكسبون به الألوف المؤلفة ، وهو يعيش في كفاف وبلغ وصُبابة ، فكان يردهم رداً منكراً ، إذ أعرض عن الدنيا مصمماً ، غير راغب في متاعها ، فحسبه متاع الآخرة الذي ينتظره والذي يحفظ على نفسه من أجله ماء وجهه ويصون كرامته ، فلا يبتذلها لمخلوق ، فضلاً عن أن يمدحه ويداهنه ويطلب منه ما ينبغي أن لا يتجاوز في طلبه ربه . إنه إن فعل طعن وجهه وحياءه طعنة نجلاء ، بل طعن زهده وتقواه ، إذ يصبح من طلاب الدنيا لا من طلاب الآخرة ومن يؤثرون نعيم العاجلة على نعيم الباقية ، يقول مجيباً بعض لائميه :

تؤنبني – أن صُنتُ عرضي – عصابةٌ              لها بين أطناب الئام بصيصُ

يقولون لو غمّضـت لا زددتَ رفعةً             فقلـت لهم إني إذن لحريص

أتكلمُ وجـهي – لا أبـاً لأبيـكمُ -             مطـامعُ عنها للكرام محيص ُ

معاشى دُوينَ القــوت والعرض وافرٌ          وبطني عن جدوى اللئام خميصُ

سألقى المنــايا لم أخالـط دنيّةً                 ولم تسرِ بي في المخزيات قَلوصُ – الأغاني : 13 / 340 .

والقصيدة من بحر الطويل ، يصور فيها الشاعر نفسه الأبية ، التي ترفض الدنايا ، وتتعالى عن سفاسف الأمور ، قالها الشاعر بعدما أصابه الفقر ، وأملق ،  فلامه قومه في القعود عن السلطان ، وانتجاعه الأشراف بأدبه ، وعلمه ، وشعره فرد عليهم رداً مفحماً بهذه الأبيات ، صور فيها أن مجان الكوفة يحاولون إغراءه بالاشتراك في تيار لهوهم ومجونهم ، ولكنه ترفع عن حياتهم ، واعتصم بقوى إيمانه ، وأظهر زهده في تلك الحياة الآثمة .

- وصف الطبيعة :

خرج محمد بن  كناسة ذات يوم في زمن الربيع لينظر إلى الحيرة ، وجمالها ، فإنها حسنة في هذا الوقت ، فخرج فلما بلغ الخورنق ، فلم يزل ينظر إلى البر ، وإلى رياض الحيرة ، وحمرة الشقائق ، فأنشأ يقول : ( كامل )

  الآن حين تزين الظهر ميثاؤه وبراقه العفر 

 بسط الربيع بها الرياض كما بسطت قطوع اليمنة الخمر  

برية في البحر نابتة يجبى إليها البر والبحر  

وجرى الفرات على مياسرها وجرى على أيمانها الزهر  

وبدا الخورنق في مطالعها فردا يلوح كأنه الفجر  

كانت منازل للملوك ولم يعلم بها لمملك قبر  

قال ثم قال يصف تلك البلاد  : ( مجزوء الرمل )

 سفلت عن برد أرض زادها البرد عذابا    

  وعلت عن حر أخرى تلهب النار التهابا  

مزجت حينا ببرد فصفا العيش وطابا

فهو شاعر مرهف الحسّ يعجبه الجمال ، وتطربه أزهار الربيع ، ويميل إلى السرور والمتعة ،

- موقفه من المرأة :

ويتغزل ، فإذا شعر بأنه تجاوز الحدود ، أخذه الحياء ، وانكسف ، وغلبه الخوف من الله ، فهو دائم المراقبة لله ، لايجعل الله أهون الناظرين إليه .

ويروى في هذا الصدد عن محمد بن كناسة أنه قال : كنت في طريق الكوفة فإذا أنا بجويرية تلعب بالكعاب كأنها قضيب بان ، فقلت لها : أنت أيضاً لو ضعت لقالوا ضاعت جارية ، ولو قالوا : ضاعت ظبية كانوا أصدق . فقالت : ويلي عليك يا شيخ ، وأنت أيضاً تتكلم بهذا الكلام

فكسفت - والله - إلى بالي ، ثم تراجعت ،  فقلت : ( طويل )

  وإني لحلو مخبري إن خبرتني ولكن يغطيني ولا ريب بي شيخ

  فقالت لي - وهي تلعب ، وتبسمت - : فما أصنع بك أنا إذاً .

 فقلت : لا شيء ، وانصرفت .

تعريضه بامرأته :

مر محمد بن كناسة في طريق بغداد فنظر إلى مصلوب على جذع ، وكانت عنده امرأة يبغضها ، وقد ثقل عليه مكانها ، فقال يعنيها : ( طويل )

  أيا جذع مصلوب أتى دون صــلبه ثلاثون حولا كاملا هل تبادل  

فما أنت بالحمــــل الذي قد حملته بأضجر مني بالذي أنا حامل  

رثاء جاريته دنانير :

وكانت له جارية شاعرة مغنية تسمى دنانير ، وكان ذوو المروءة من أهل الأدب يقصدونها للمحادثة والمساجلة في الشعر ، وكان يقدرها لظرفها وسعة ثقافتها وقدرتها على المشاركة في كل الأحاديث ، أراد يوماً أن يعرف جلساءه ظرف جاريته دنانير فقال لهم :  أعرفكم شيئاً من فهم دنانير يعني جاريته قالوا : نعم .  فكتب إليها : إنك أمة ضعيفة لكعاء ، فإذا جاءك كتابي هذا فعجلي بجوابي ، والسلام ، فكتبت إليه : ساءني تهجينك إياي عند أبي الحسين ( أحد جلسائه ) ، وإن من أعيا العي الجواب عما لا جواب له ، والسلام  .

 هذه الجارية الحسناء الذكية اختطفها منه الموت ، فحزن عليها حزناً عميقاً ، صوره في قوله يرثيها ، وقد استسلم لأمر ربه :

الحمد لله لا شــريك له        يا ليت ما كان منك لم يكنِ

إن يكن القول قلَّ فيك فما      أفحمني غير شــدّة الحزنِ

-        نصحه لابنه في اختيار الأصدقاء :

   حدث عبد الأعلى بن محمد ابن كناسة قال :  رآني أبي مع أحداث لم يرضهم .

فقال لي  : ( مجزوء الكامل )

 ينبيك عن عيب الفتى ترك الصلاة أو الخدين 

 فإذا تهاون بالصلا ة فما له في الناس دين 

 ويزن ذو الحدث المريب بما يزن به القرين 

 إن العفيف إذا تكننفه المريب هو الظنين

فهو ينصح ولده بأن يبتعد عن رفاق السوء ، لأن المرء على دين خليله ، والصاحب ساحب .

-        معاتبة الصديق :

العتاب صابون القلوب ، ولكن على الإنسان العاقل  ألا يكثر من معاتبة الأصدقاء ، لأن ذلك سيفقده جميع الأصدقاء ، وما أجمل ما قاله بشار بن برد :

إذا كنت في كل الأمـــــور معاتباً         صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

فعش واحداً أو صــــل أخاك فإنه        مقارف ذنب مـــرةً ومجانبه

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه

ولقد عاتب محمد بن كناسة صديق له شريف ، كان ابن كناسة يزوره ، ويألفه ، فعاتبه على تأخره عنه ، فقال ابن كناسة  : ( طويل )

 ضعفتُ عن الإخوان حتى جفوتُهم           على غير زهد ٍ في الوفاء ولا الودِّ  

ولكن َّ أيامي تخــــرمن منتي               فما أبلغ الحاجات إلا على جهد

-        رثاء خاله العابد الزاهد إبراهيم بن أدهم :

كانت أم محمد بن   كناسة   امرأة من بني عجل ، وكان إبراهيم بن أدهم خاله ، وعندما قدم ذلك الزاهد الكوفة ، وجهت أم محمد إليه بهدية معه ، فقبلها ، ووهب له ثوباً ،  ثم مات إبراهيم بن أدهم – رحمه الله تعالى – فرثاه محمد بن كناسة بمرثية طريفة ، وهي ترسم صورة العابد الناسك في العصر العباسي الأول ، وكيف كان يعيش على الكفاف قانعاً به ، مزدرياً الدنيا ومتاعها ، مقبلاً على عبادة ربه ، قامعاً لدواعي الهوى في نفسه ، متحلياً بالفضائل الرفيعة ، لا يعرف الغضب ولا الطيش ، إنما يعرف الحلم والمثل الخلقية العليا ، يعيش صامتاً مفكراً في ملكوت ربه الأعلى ، حتى إذا نطق استولى على القلوب والأفئدة ببيانه الرائع . وهو دائماً مستكين خاضع لربه متواضع أروع ما يكون التواضع الذي لا يخدش مروءة ولا كرامة ، حتى إذا رعدت الكتيبة بصواعق الموت تقدم الصفوف يناضل مناضلة الليوث الكواسر . وفي ذلك كله يقول مخاطباً بعض من لا يزالون يستزيدون من الغنى و الثراء :

رأيتك ما يكفيك ما دونــه الغنى           وقد كان يكفي دون ذاك ابن أدهما

وكانَ يرى الدنيا صغيراً عظيمها          وكان لحــقّ الله فيــها معــظّما

أماتَ الهوى حتى تجنّبه الهوى                 كما اجتنب الجاني الدم الطالب الدَّما

وللحلم ِسلطانٌ على الجهل عنده              فما يستطيــع الجهل أن يترمرما

وأكثر ما تلقاه في القوم صامتاً             فإن قـــال بذّ القائلـين وأحكـما

 أهان الهوى حتى تجنبه الهوى                 كما اجتنب الجاني الدم الطالب الدما

يُرى مستكيناً خاضعاً متواضعاً              وليثــاً إذا لا قى الكتــيبة ضيغما

على الجَدَث الغربيّ من آل وائلٍ             سـلامٌ وبــرّ ما أبرَّ ! وأكــرما !

والقصيدة من البحر الطويل ، تتسربل بالجزالة والفصاحة ، وقوة السبك ، صوّر فيها إبراهيم بن الأدهم : راهباً في الليل ، فارساً في النهار .

-        رثاء الإمام حماد :

وكان مولد حماد سنة خمس وسبعين ومات فرثاه محمد بن كناسة :

أبعدت من نومك الغرار فما 

                                           جاوزت حتى انتهى بك القدر 

لو كان ينجي من الردى حذر 

                                                   نجاك مما أصابك الحذر 

يرحمك الله من أخ يا أبا 

                                               القاسم ما في صفاته كدر 

فها كذا يفسد الزمان                  ويفنى العلم منه ويدرس الأثر

فهو يصور فجيعة الأمة بموت علمائها ، فموت العالِم هو موت العالم ، وإن الله – سبحانه وتعالى – لا ينتزع العلم من صدور العلماء ، وإنما إذا مات العالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فضلّوا وأضلّوا . فهو يتحدث عن القدر وأنه لا يرد ، ولا ينجي منه الحذر ، ويصور ذلك الإمام بأنه خليل عزيز لا يشوب أخلاقه وصفاته الكدر ، ولم ير لحمّاد كتاب ، وإنما روى عنه الناس ، وصنفت الكتب بعده .

وفاته – رحمه الله تعالى - :

وقد لبّى محمد بن كناسة نداء ربه سبحانه وتعالى ، ومات في شوال على الصحيح  لسنة سبع ومائتين للهجرة    ( 207 هـ ) . وقال ابن قانع وهو من معاصريه : بل مات سنة تسع ومائتين ( 209 هـ ) ، والأول أصح .

وبعد :

و لعل في كل ما قدمناه ما يصور كيف كان ابن كناسة يصفي قلبه وعقله للزهد ؟ ، وكيف كان يمزجه بنفسه ؟ ، وكيف كان يعيش له وبه مؤمناً بأنه الغاية العليا التي ينبغي أن يطمح إليها الإنسان ، ويقصر عليها حياته ، حتى يفوز برضوان ربه .

انظر للتوسع :

-        العصر العباسي الأول : د . شوقي ضيف ، ص 406 ، 409 .

-        الأغاني : الأصفهاني ، 13 / 337 .

-        الفهرست : ابن النديم ، ص 105 .

-        النجوم الزاهرة   : 2 / 185 .

-        اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري : محمد مصطفى هدارة ، ص 330 ، 331 . 

-        معجم تراجم الشعراء الكبير : د . يحيى مراد ، دار الحديث بالقاهرة ، 1/ 148 .

       - المنتظم : ابن الجوزي ، ج10 /  ص 168 ، 169.