الشيخ علي بن يحيى معمر

المستشار عبد الله العقيل

(1337 - 1400ه / 1919 - 1980م)

مولده ونشأته

هو الشيخ العلاّمة الأديب المؤرخ علي بن يحيى معمر، ولد سنة 1337ه/  1919م في قرية (تكويت) من إقليم (نالوت) في ليبيا. ونشأ وترعرع في أسرة صالحة كريمة كان لها أطيب الأثر على استقامته وحسن سلوكه.

التحق بإحدى مدارس القرآن الكريم وهي مدرسة الشيخ عبد الله بن مسعود الكباوي، ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية، فأظهر نبوغًا فائقًا وذكاءً حادًا وموهبة امتاز بها بين أقرانه، ولفت أنظار أساتذته.

وحين قدم الشيخ العالم رمضان بن يحيى الليني الجربي التونسي إلى ليبيا، والشيخ الليني من تلامذة الإمام محمد بن يوسف أطفيش، انضم الشيخ علي يحيى معمر إلى حلقته العلمية واستفاد منه.

نشاطه العلمي

ثم سافر إلى تونس، لاحقًا بشيخه (الليني) وانضم إلى حلقته العلمية مرة ثانية ولازمه. وبعدها انتقل للالتحاق بجامع الزيتونة بالعاصمة تونس. ثم في سنة (1357ه / 1937م) سافر إلى الجزائر والتحق بمعهد الحياة بمدينة (القرارة) بوادي ميزاب، ويعتبر هذا المعهد من صروح المعرفة والعلم في العالم الإسلامي. وعرفته الأندية الأدبية في القرارة بقصائده الشعرية، وأناشيده الرائعة الخالدة، وميوله الأدبية الواعدة، وشارك بفاعلية في جمعياتها الثقافية، وجلساتها الفكرية، وترك بصمات واضحة ماتزال حتى اليوم في مجلة (الشباب) التي كان (معهد الشباب) يصدرها آنئذ، وازدهرت المجلة بمقالاته النقدية وقصائده الرقيقة، وأناشيده المطربة، وعرفته أيضًا محاورًا قديرًا، ومناظرًا نحريرًا.

كانت هذه الحركة الإصلاحية وما صاحبها من مهرجانات ثقافية متمثلة في الشعر، والمسرح، والأناشيد، تهز فؤاد علي يحيى معمر وتدفعه إلى المشاركة الفعالة، والاندفاع الجياش، فظهر طابعه على إنتاجه الذي كتبه في هذه المرحلة من عمره الدراسي، وكان من حسن حظه أن يعيش الفترة التي فرضت فيها الإقامة الجبرية على الشيخ بيوض من قبل الاستعمار الفرنسي (1940/1943م) وكانت الحرب العالمية الثانية سببًا في أن يبقى الطالب الشيخ إلى جانب أستاذه ينهل من معارفه ويستفيد من تجاربه.

وحين رأى شيوخه نبوغه وذكاءه عهدوا إليه بالتدريس في المعهد فصار تلميذًا ومدرسًا في آن حتى 1365ه/ 1945م حيث عاد إلى وطنه ليبيا وأنشأ مجلة (اليراع) ولكنها صودرت بعد صدور ثلاثة أعداد منها.

وتدرج من مدرس إلى مدير مدرسة إلى موجه تربوي، وكان يلقي الدروس والمواعظ، وينشر المقالات الدينية والأدبية في عدد من الصحف، وأنشأ مدرسة ابتدائية ومعهدًا للمعلمين في بلدة (جادو) كما أنشأ جمعية الفتح ومدرسة الفتح في طرابلس.

شيوخه

أما شيوخه الذين تتلمذ عليهم فهم: الشيخ عبد الله بن مسعود الكباوي، الشيخ عيسى ابن يحيى الباروني، الشيخ رمضان بن يحيى الليني، الشيخ محمد بن صالح الثميني، الشيخ الإمام إبراهيم بن عمر بيوض، الشيخ أبو اليقظان إبراهيم بن عيسى بن يحيى والشيخ عدّون بن محمد شريفي وغيرهم كثيرون في ليبيا أو تونس أو الجزائر.

ومن تلامذته: الأخ الدكتور عمرو خليفة النامي - الداعية الإسلامي خريج جامعة كامبردج في بريطانيا، والذي كان له دور فاعل ومؤثر في النشاط الطلابي ونشر الدعوة الإسلامية في بريطانيا وليبيا، متعاونًا مع إخوانه العاملين من الدعاة إلى الله في كل مكان.

منهجه في التأليف

عرف الشيخ علي معمر منذ مطلع حياته العلمية بقلمه السيال، وإنتاجه الغزير، واشتُهر بأسلوبه المتميز الذي يجمع بين الإثارة والبساطة، ويجمع بين مخاطبة العقول والقلوب بطريقة جذابة ساحرة، وذلك شأن أديب نهل من معين القرآن الكريم والأدب العربي القديم في أمهات مصادره.

لذا عندما توجه إلى التأليف كان يسعف قلمه ثقافة واسعة، وبيان ساحر، ومعارف مستفيضة، فترك للمكتبة الإسلامية العديد من البحوث والمؤلفات المتميزة بالعرض الجيد، والتحليل العميق. هذا عدا مقالاته وقصائده التي نشر بعضًا منها بالصحف العربية ونشر بعضها الآخر في مجلة (الشباب) الصادرة بمعهد الشباب في الأربعينيات.

المنهج الإسلامي لكتابة التاريخ

يعد الشيخ علي يحيى معمر من ألمع الكتاب الإسلاميين في العصر الحديث، دعوة إلى الوحدة الإسلامية بما وهبه الله من عقل نير، وبصيرة نافذة، وقلب مؤمن يسع المؤمنين جميعًا، وقد اشتهر بمبادئه التي وضعها أساس الفكر الإسلامي وهي المعرفة والتعارف والاعتراف.

إن اليد البيضاء التي قدمها الشيخ علي معمر لن يستطيع تقديرها إلا من اطلع على الجهد العظيم الذي بذله في مؤلفاته للتقريب بين وجهات نظر المسلمين فيما حسبته بعض الكتب القديمة خلافًا حادًا وفُرقة لا لقاء بعدها.

وقد ظهرت آثار جهوده في البحوث التي أخذت تصدر من حين إلى آخر بأقلام أكاديمية نزيهة تنشد الحقيقة بكل تجريد، فصحح كثيرًا من التصورات الخاطئة، وصوب أخطاءً فادحة، وأبان عن حقائق تاريخية ناصعة.

أهم مؤلفاته

- الإباضية في موكب التاريخ.

- الإباضية بين الفرق الإسلامية.

- سمر أسرة مسلمة.

- الميثاق الغليظ.

- الفتاة الليبية ومشاكل الحياة.

- الأقانيم الثلاثة أو (آلهة من الحلوى).

- الإسلام والقيم الإنسانية.

- فلسطين بين المهاجرين والأنصار.

- أجوبة وفتاوى.

- صلاة الجمعة.

- أحكام السفر في الإسلام.

- مسلم ولكنه يحلق ويدخن.

- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

- الحقوق في الأموال.

- الإباضية مذهب إسلامي معتدل.

- ثلاثة دواوين شعر. (ولكنه أحرقها ولم يبق من شعره إلا ما نشر في الصحف والمجلات).

- مسرحية (ذي قار).

- مسرحية (محسن).

كما أن للشيخ علي معمر تعليقات، وتحقيقات لبعض كتب التراث، نذكر منها:

- تعليق على كتاب الصوم من تأليف أبي زكريا يحيى الجناوتي (مطبوع).

- تعليق على كتاب النكاح من تأليف أبي زكريا يحيى الجناوتي (مطبوع).

- تقديم لكتاب سير مشايخ نفوسة، وهو من تحقيق الدكتور عمرو النامي (مطبوع).

وله مقالات وبحوث كثيرة نشرها في المجلات العربية، نذكر منها:

- مجلة (الشباب) لمعهد الشباب بالقرارة.

- مجلة (المسلمون)، يصدرها المركز الإسلامي بجنيف، سويسرا.

- مجلة (الأزهر) يصدرها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، القاهرة.

- (الأسبوع السياسي) و(المعلم)، تصدران بطرابلس، ليبيا.

- (الرسالة)، يصدرها أحمد حسن الزيات، بالقاهرة.

وله مراسلات عدة مع مشايخه:

الشيخ بيوض، الشيخ أبي اليقظان، الشيخ عدون شريفي، ولو جمعت لكونت مجلدًا ضخمًا، وهي تعد وثائق تاريخية مهمة.

معرفتي به

سعدت بمعرفته حين زارنا بالكويت أواخر ستينيات القرن العشرين، فقد شرفني بزيارتي في البيت والوزارة وفي جمعية الإصلاح الاجتماعي، فكانت أحاديث وحوارات عن موسوعة الفقه الإسلامي التي كنا قد شرعنا بإصدار بحوثها التمهيدية لعرضها على العلماء في أنحاء العالم الإسلامي لإبداء ملاحظاتهم، وكان منهم الشيخ علي معمر والشيخ أحمد الخليلي والشيخ محمد ناصر المرموري وغيرهم. ولقد وجدتُ عند الشيخ علمًا غزيرًا وسعة في الصدر ورغبة في الحوار وخضوعًا لقوة الدليل، من خلال الحوارات والمحاضرات والمؤتمرات والبحوث والندوات التي اشترك فيها.

ولن أنسى ذلك الشاب العامل الدكتور عمرو النامي خريج جامعة كامبردج في بريطانيا الذي تعرّفت إليه عن طريق زملائه في الجامعة الدكتور أحمد العسال والدكتور مبارك العبيدي والدكتور حسن عبد الحميد صالح وغيرهم، الذين أثنوا عليه ثناء عاطرًا. وهو شاعر مسلم ولد في (بنالوت) بليبيا 1942م وبها تعلّم، ثم درس بمصر وحصل على الماجستير في الأدب ثم رحل إلى بريطانيا وأعد أطروحة الدكتوراه عن (تطور الفكر الإباضي) ناقشها في كمبردج سنة 1971م ثم درّس في (جامعة الفاتح) في ليبيا، ثم عمل أستاذًا معارًا بجامعة (مشيجان) بالولايات المتحدة الأمريكية ثم استقر في ليبيا؛ ليُلقَى في غياهب السجون ويعاني ويلاتها بسبب التزامه بالإسلام والدعوة إليه وانتمائه للإخوان المسلمين.

له قصائد كثيرة أشهرها قصيدة (أماه) التي قال في مطلعها:

أماه لا تجزعي فالحافظ الله

في موكب من دعاة الخير نتبعهم

إنا سلكنا طريقًا قد خبرناهُ

على طريق الهدى أنى وجدناهُ

وكان الدكتور النامي داعية من دعاة الإسلام العاملين، كما كان شعلة من الحماس والغيرة على الإسلام والعمل الدؤوب لنصرة الإسلام وقضايا المسلمين من خلال جماعة الإخوان المسلمين التي ارتبط بها وشارك في أنشطتها داخل ليبيا وخارجها.

شخصيته وصفاته

والشيخ علي يحيى معمر شخصية جذابة يزينه وقار العلماء وهيبتهم وطلاقة المحيا وبشاشة الوجه وحسن الحديث والذوق الرفيع والأدب الجم والتواضع والبساطة، وسعة الاطلاع على أحوال المسلمين ومشكلاتهم وبذل الجهد المستطاع لمساعدتهم وبخاصة عن طريق التعليم والتربية. وكان يدعو إلى التقارب ونبذ الخلاف والتخلي عن العصبية المذهبية وإلى التسامح وفتح باب الاجتهاد والدعوة إلى الوحدة الإسلامية.

قالوا عنه

يقول عنه الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي السلطنة:

«لقد عرفت من الشيخ علي بن يحيى معمر - في خلال هذا اللقاء وهذه الزيارة وهذا السفر الذي رافقته فيه وكان لي فيه صاحبًا بالجنب، وكنت له فيه صاحبًا بالجنب - السماحة ودماثة الخلق وحسن المعاملة واللطف في مخالفة الناس والرغبة في الخير وعرفت منه أيضًا ميله إلى الأدب وقد كانت عباراته الأدبية لا تخلو من النكتة أحيانًا، ومع ما كان يعانيه في ذلك الوقت - وقد كان ذلك في أخريات عمره - من الأسقام والبلاوي، فإنه بجانب ذلك كانت فيه نفس شابة من حيث الفتوة والقوة والانشراح واللطف في المعاملة مع الناس، فهو رجل جمع الأخلاق الحسنة بحذافيرها وكان حريصًا دائمًا على جمع كلمة المسلمين وجمع شملهم».

وفاته

انتقل أستاذنا الشيخ علي يحيى معمر إلى رحمة الله في شهر صفر 1400ه الموافق 15/1/1980م بعد أن تدهورت صحته تحت وطأة الضغوط السياسية التي يواجهها العاملون للإسلام في كل مكان وبخاصة تحت الأنظمة الدكتاتورية التي أهلكت العباد ونشرت الفساد وضجَّ منها الحاضر والباد.

رحم الله الشيخ وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وسوم: العدد 880