الأخ مانع حماد الجهني.. الداعية المتجول

المستشار عبد الله العقيل

(1363 - 1423ه / 1942 - 2002م)

مولده ونشأته

ولد الدكتور مانع بن حماد بن محمد الجهني سنة 1363ه في (بلي) بين العيص والعلا، وهو من قبيلة جهينة وفخذ مسكة. ومواطن قبيلة جهينة بين المدينة المنورة وينبع، سافر مع والده للأردن وعمره أربع سنوات، وبقي فيها إلى سنة 1377ه، حيث كان والده يعالج فيها. وأثناء وجوده بالأردن في منطقة (الموجب) دخل المدرسة النظامية، ثم بعد عودته للسعودية أكمل الدراسة الابتدائية في مدرسة ثقيف ثم الثانوية في (الطائف).

وقد تزوج في مدينة الطائف، ثم انتقل إلى الرياض، والتحق بجامعة الملك سعود، وحصل على البكالوريوس باللغة الإنجليزية من الجامعة، ثم ابتُعث للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراسة الماجستير والدكتوراه في جامعة (إنديانا)، وهناك بدأ نشاطه في تجميع الطلاب المسلمين للصلاة وإقامة الجمعة في مكان تم استئجاره، ثم تطور الأمر لإنشاء مركز إسلامي في (بلومنجتون)، والذي صار مركزًا للدعوة الإسلامية ونشاط الطلاب المسلمين.

وقد قضى تسع سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية، كان فيها شعلة من النشاط والحيوية في تجميع الطلاب والعمل لنشر الإسلام، فأسهم في تأسيس الكثير من المساجد والمراكز الإسلامية على مستوى الولايات المتحدة، وفي إنشاء (رابطة الشباب المسلم العربي) كفرع لاتحاد الطلاب المسلمين في أمريكا وكندا، وانتخب رئيسًا لها والتف الطلاب حوله واتخذوه إمامًا وشيخًا لهم، حيث يقول عن نفسه: «فجأة وجدت نفسي شيخًا أو مفتيًا للديار الأمريكية رغم علمي القليل الذي درسته على يد مشايخي في المملكة عبد الرؤوف الحقاوي وعبد الله بن جبرين».

 

 

سيرته العملية

وبعد عودته إلى المملكة سنة 1402ه (1982م)، عمل أستاذًا مساعدًا، ثم أستاذًا مشاركًا في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة الملك سعود، كما عمل متطوعًا في الندوة العالمية للشباب الإسلامي، التي تعرف عليها من خلال مشاركته في مخيم (أبها) الذي أقامته الندوة، وبعد فترة التطوع اختير أمينًا عامًا مساعدًا ثم أمينًا عامًا لها، وفي سنة 1417ه اختير عضوًا بمجلس الشورى ثم أعيد اختياره للشورى فترة أخرى.

والدكتور الجهني عضو في العديد من الهيئات والمؤسسات الإسلامية العاملة في مجال الدعوة والإغاثة والشباب، فهو عضو في الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في الكويت، وعضو في الهيئة العالمية للدعوة والإغاثة بالقاهرة، وعضو في اللجنة العليا للشؤون الإسلامية في المملكة العربية السعودية في الرياض، وعضو في مجلس إدارة مؤسسة القدس وعضو في مجلس إدارة ائتلاف الخير، وعضو اللجنة العليا لمساعدة مسلمي البوسنة والهرسك، وعضو في الجامعة الإسلامية في «شيتاكوغ» ببنجلاديش وكانت له اهتمامات بالدراسات الأدبية والتاريخ والدعوة، ولديه مكتبة ضخمة تحتوي على آلاف الكتب في الموضوعات المختلفة، فضلاً عن المؤلفات باللغة الإنجليزية.

أهم مؤلفاته

أسهم الدكتور مانع في الكثير من البحوث والكتابات، وبخاصة في ميدان الدعوة والترجمة، ومن أهم مؤلفاته:

- حقيقة المسيح

- الصحوة الإسلامية

- نظرة مستقبلية

- مشكلات الدعوة والداعية - يكن (ترجمة)

- عقيدة أهل السنَّة والجماعة - ابن عثيمين (ترجمة)

- التضامن الإسلامي

- الفكرة والتاريخ

- الأربعون الشاملة

- ترجمة معاني القرآن الكريم بالإنجليزية (مراجعة)

- معالم القصة

- معالم كتابة المقالة

- مبادئ الإسلام

- الموسوعة الميسرة في المذاهب والأديان

- تقديم الإسلام لغير المسلمين

- مستقبل الإسلام في الغرب

- المذاهب الفقهية وأثرها في حياة المسلمين

- أولويات العمل الإسلامي بين الشباب في الغرب

- الأساليب المثلى لتوعية الحاج في بلده

- الأقليات المسلمة في العالم (إشراف، وتخطيط، ومراجعة)

- الشباب ومواجهة التحديات

- الترويج من منظور إسلامي

- دور المؤسسات في الخدمات التطوعية في المملكة

- مستقبل الأصولية

- بدوي يصبح إنجليزيًا

- بدوي يذهب إلى أمريكا

- بدوي يصبح أمريكانيًا

- بدوي يتأمرك

(وكلها بالإنجليزية)، فضلاً عن البحوث والمقالات والمحاضرات والندوات والأحاديث الإذاعية والتلفازية في البرامج الإذاعية في السعودية ودول الخليج وغيرها.

معرفتي به

بدأت معرفتي بالأخ الدكتور مانع الجهني حين لقيته في الولايات المتحدة الأمريكية في إحدى زياراتي أواخر السبعينيات، وكان له نشاط كبير في محيط الطلبة المسلمين، وبخاصة العرب، وبالأخص القادمين من المملكة العربية السعودية، فقد كان له إسهامات كثيرة تنتظم الدروس والمحاضرات وخطب الجمعة والندوات والزيارات، وتوجيه الطلاب للاعتزاز بدينهم وقيمهم وعدم الذوبان في المحيط الذي يعيشون فيه، بل عليهم أن يغتنموا الفرص للاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي الغربي، دون الانسلاخ من هويتهم الإسلامية أو التفريط في ثوابتهم، وقد حباه الله سعة في الصدر، وطول أناة وحلم وصبر على مقارعة الخصوم والمجادلين والرد عليهم وتفنيد دعاواهم وإلزامهم الحجة بالدليل والبرهان.

وكان في مسلكه العملي صورة صادقة للمسلم العامل من حيث الالتزام والصدق والأمانة، فضلاً عن أنه كان آية في التواضع وخفض الجناح للصغير والكبير، مما جعل له رصيدًا كبيرًا من الحب في أوساط المسلمين، وصار مرجعهم في كثير من الأمور ومحط استشارتهم في المشكلات التي يتعرضون لها والعقبات التي تعترض طريقهم في بلاد الغربة التي يعيشون فيها.

كما التقيته في الهيئة الخيرية العالمية وجمعية الإصلاح الاجتماعي وبيوت الإخوان في الكويت، وكانت لقاءاتنا كلها في سبيل الإسلام والمسلمين.

وحين التحقت برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة كثرت لقاءاتي به من خلال مؤتمرات الرابطة ومواسم الحج والندوات الإسلامية.

وفي سنة 1990م، التقيته في الجزائر في المؤتمر الإسلامي الذي ضم الكثير من إخواننا الدعاة أمثال: الأستاذ مصطفى مشهور، والأستاذ محمد المأمون الهضيبي، والدكتور توفيق الشاوي، والشيخ محمد الغزالي، والدكتور يوسف القرضاوي، والأستاذ راشد الغنوشي، والأستاذ محفوظ النحناح، والدكتور حسن الترابي، والدكتور محمد عمارة، والدكتور توفيق القصير، ومحمد الوزاني، وأحمد الحجري وغيرهم، وقد أسهم بدور كبير في تقريب وجهات نظر العاملين للإسلام أمام التحدي العلماني الذي يجتاح العالم الإسلامي ويحارب الحركات الإسلامية بكل توجهاتها مدعومًا من الغرب والشرق على حد سواء.

وكان همّ الجميع أن يلتقي العاملون للإسلام على المتفق عليه من الأمور ويتعاونوا على القواسم المشتركة وتعطى الأولوية للقضايا الكبرى والأهداف المشتركة ومساحات الاتفاق بين العاملين للإسلام في كل مكان.

ثم تكررت لقاءاتي به في مكاتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض وجدة وفي مؤتمر الندوة في الأردن وكذا في الملتقيات الأخرى، وكنت كلما اقتربت منه ازددت له حبًا وحمدت الله أن يكون الشباب المسلم في المملكة على هذا المستوى من الفهم والنضج والالتزام والعمل الدؤوب لخدمة الإسلام والمسلمين.

وكانت سياسته الحكيمة وأسلوبه في التعامل مع المسؤولين والتجار والمحسنين سببًا من الأسباب التي ساعدت في توسيع نشاط الندوة وامتداد فروع مكاتبها داخل المملكة وخارجها.

وكانت سياسته هي استثمار الطاقات الفكرية والدعوية والتنظيمية والتخطيطية من خلال التدريبات المستمرة وإشراك أكبر قطاع ممكن من العاملين في الحقل الإسلامي وبخاصة الشباب للممارسة العملية للدعوة وأساليب نشر الإسلام لدى غير المسلمين وتقديم الخير للناس كافة.

قالوا عنه

يقول الدكتور إبراهيم القعيد:

«منذ ثلاثين عامًا عرفت الدكتور مانعًا الجهني وارتبطت به ارتباطًا وثيقًا منذ أول لقاء معه في ربيع عام 1972م حتى وافاه الأجل، عرفت فيه خلال هذه العقود الثلاثة والارتباط القوي والصلة الوثيقة بيننا - الداعية الذي نذر جل وقته وجهده لخدمة الدين، والمفكر والباحث والأكاديمي الذي يلتزم بالمنهج العلمي وواحدًا من أبرز رواد العمل الخيري الدعوي والإنمائي. قابلته لأول مرة في بداية التسعينيات الهجرية وبداية السبعينيات الميلادية في إحدى المحاضرات بجامعة الملك سعود، وكان شعلة من النشاط الدعوي في رحاب الجامعة، وأعتقد أن هذا اللقاء كان في نفس العام الذي أنشئت فيه الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وكان (يرحمه الله) معيدًا في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بالجامعة، وكنت أنا طالبًا في السنة الثانية في قسم اللغة الإنجليزية بكلية التربية، وكان يجمعنا نشاط اللغة الإنجليزية في الجامعة، ولفت انتباهي ذلك الرجل الملتحي الذي يلبس العقال، ويتحدث الإنجليزية بطلاقة، بل بلغة أهلها، وقد كان هذا الأمر غريبًا عليَّ وهو الذي دفعني إلى توثيق صلتي به وتعرفت منه بحكم علاقته الوثيقة بها على الندوة العالمية للشباب الإسلامي ومناشطها وأهدافها.

ثم جمعتنا الزمالة خارج الوطن في الولايات المتحدة الأمريكية عندما ذهبنا لاستكمال دراستنا للماجستير والدكتوراه وشاركنا في قيادة العمل الإسلامي في اتحاد الطلبة المسلمين في جامعة (إنديانا) ثم بعد ذلك في رابطة الشباب المسلم العربي والاتحاد الإسلامي لأمريكا الشمالية (إسنا).

وقد كان يمثل الصورة الحقيقية للمسلم الداعية الجاد الذي يحمل رسالة سامية هي رسالة التوحيد، وكان شعلة من النشاط يقدم المحاضرات وينظم الندوات والحوارات التي تعرّف بالإسلام ويؤلف الكتيبات، بل ويزور الكنائس، ويشارك في المناظرات التي تنظمها ويجمع الشباب المسلم في تجمعات ومنتديات، ويدير النقاشات حول قضايا الإسلام والمسلمين، ومن الأمور التي لا يمكن أن أنساها تلك الخطبة النارية التي كان يلقيها في مسجد جامعة (إنديانا) وتركيزه على هوية الإنسان المسلم وضرورة ارتباطه بدينه وعقيدته والذود عنها وعدم الاستسلام لمغريات الحضارة الغربية والذوبان في هذه المجتمعات اللادينية، والانبهار بوسائل الرفاهية، وتحذيراته الدائمة من الشبهات والانزلاق في الشهوات».

ويقول الدكتور صالح الوهيبي:

«لم يكن الدكتور مانع الجهني شخصية عادية، فمنذ كان طالبًا في المراحل الأولى لدراسته الجامعية تبوأ حملاً ثقيلاً وأخذ على عاتقه القيام بواجبات الدعوة بين الطلاب المسلمين وخدمتهم، حتى إنهم اختاروه آنذاك رئيسًا لاتحاد الطلاب المسلمين في جامعة (إنديانا) بالولايات المتحدة الأمريكية.

لقد كان شغوفًا بالعمل الإسلامي الذي ملك عليه حياته ووقته، فقد أحب هذا العمل وتفانى في خدمته وليس أدل على ذلك من أنه توفي وهو في طريقه لاجتماع مهم يخص العمل الدعوي والإسلامي.

لقد عرفته متواضعًا وكانت هذه الصفة من أبرز الصفات التي تشكل شخصيته، يحب أن يخدم نفسه بنفسه، بعيدًا عن المظاهر والرسميات بسيطًا في تعامله، بسيطًا في أخذه ورده.

كانت آخر أعماله في آخر يوم قبل وفاته، التوجيه بصرف مساعدة لأرملة، والشفاعة لدى رجالات الخير في مساعدة أربعة أشخاص «بأربع رسائل منفصلة» أولهم سعودي غارم عليه دين يساوي 175.000 ريال سعودي، والثاني يمني غارم كذلك عليه غرامة صلح تقدر ب 250.000 ريال سعودي، والثالثة امرأة سودانية عجزت عن تسديد مصاريف الدراسة في الجامعة وقدرها 250.000 جنيه سوداني، والرابع أردني تحمل ديونًا قاربت 60.000 ريال سعودي، وعجز عن تسديدها، وسبحان الله! ما هذه التركيبة العجيبة لأربعة أفراد من أقطار شتى، يكتب الله للدكتور مانع الجهني، السعي في فك ضائقتهم في يوم واحد على غير قصد منه في اختيار بلدانهم أو حالاتهم، وهذا هو السر العجيب في عالمية هذا الرجل، الذي قاد الندوة العالمية للشباب فكان عالميًا يقود ندوة عالمية».

ويقول الدكتور عايض الردادي:

«الدكتور مانع الجنهي يملك ميزة قل ما توجد في الدعاة، وهي التمكن من اللغة الإنجليزية والمعرفة بالعلوم الشرعية. وقد عرفت من خلال صلتي بكثير من الدعاة في الخارج والداخل، حاجة كثير منهم إلى أن تتوافر فيه هذه القدرة، فبعضهم يملك لغة أجنبية جيدة ولكنه فقير في المعلومات الشرعية فقرًا قد يصل إلى الخلط بين الركن والسنة، وبخاصة من يعيشون في الغرب أو درسوا فيه، وبعضهم يملك معلومات دينية جيدة، ولكنه يكاد يكون أميًا في معرفة اللغات الأجنبية أو لا تصل لغته إلى الحد الأدنى من لغة المثقفين، وهذا ظاهر في دعاة الداخل.

ثم إن الدكتور مانع يعرف الفرق بين أصول الدعوة في الداخل التي تتركز على التعريف بالأحكام، وبين الدعوة في الخارج التي تتركز على نقل الفكر الإسلامي لتعريف غير المسلمين بنور الإسلام الذي لا يعرفون منه إلا معلومات مشوشة أو مخلوطة.

وقد ركز الدكتور مانع الجهني، حين وصوله إلى أمريكا على إيجاد كيان إسلامي يبدأ من إنشاء المسجد ثم تجمع المسلمين فيه، ولم يفغر فاه اندهاشًا بتقدم أمريكا، كما فعل كثير من المبتعثين، فاختار لذلك المجتمع الأسلوب الذي يناسبه، ثم عاد إلى بلده مرفوع الرأس يحمل علم الغرب وشهامة العرب وعزة المسلم، وبرز من خلال تطبيقه لأسلوب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة في مناشط الندوة العالمية للشباب الإسلامي وغيرها من المنظمات التي شارك فيها، وقد بلغت مناشط الندوة العالمية للشباب الإسلامي مليون منشط خلال عام بميزانية تفوق سبعين مليونًا، وكانت ميزانية الندوة عند تسلمه قيادتها لا تزيد على ستة ملايين كلها بتبرعات أهل الخير.

ولقد عرفته حين كان مراقبًا للبرامج الدينية باللغة الإنجليزية في إذاعة الرياض، فكان مراقبًا دقيقًا وبخاصة في ترجمة معاني القرآن الكريم للغة الإنجليزية.

ولقد تميز الدكتور مانع بالتواضع في تعامله والصدق في انتمائه والإخلاص في دعوته، ملتزمًا طريق الوسطية والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن».

ويقول الأستاذ لطفي عبد اللطيف:

«هناك رجال يصنعون الأحداث.. وهناك من تصنعهم الأحداث.. وبعض الرجال الذين يرحلون وما أقلهم في عالمنا الإسلامي يتركون فراغًا لا يستطيع أن يملأه الكثيرون.

وهكذا كان الدكتور مانع حماد الجهني، الداعية الفارس، الرجل الموسوعي المتجول، الذي عرفته ساحة الدعوة مفكرًا عميقًا، وعالمًا موسوعيًا، وداعية يملك أدوات التأثير، وخطيبًا مفوهًا، وإداريًا محنكًا، رجل دعوة لا رجل سلطة، يعيش حياة البسطاء من الناس، ولا يتكلف ولا يتصنع، رجل تلقائي عفوي، يعيش على الفطرة.

لقد كان حقًا الدكتور مانع (لا مانع) هكذا أطلق عليه من اقتربوا منه، لأنه لم تقدم له ورقة أو طلب أو معروض أو أي شيء إلا وكتب عليه عبارته المشهورة (لا مانع) فأطلق عليه (مانع.. لا مانع).

رجل أفنى حياته في خدمة الدعوة، وكرس جل وقته في خطب ود الفقراء والمحتاجين والأرامل واليتامى، فدخل في قلوبهم، لم تغيره المناصب، ولم يسع إليها يومًا، بل كان يعيش حياة التقشف بين أسرته وبين جدران مكتبه المتواضع.

رحل الدكتور مانع الجهني بعد حادثة مشهورة تعرضت لها خزينة الندوة العالمية للشباب الإسلامي، عندما سطا عليها بعض اللصوص المحترفين وكسروها وأخذوا ما بها، وحاولوا الفتك بالحارس، وجاء الدكتور مانع ورأيت الحزن في عينيه؛ لأن هذه أموال أيتام وفقراء ومساكين، واحتسب الرجل أمره عند الله، وفي اليوم الثاني وهو في طريقه للمطار، انقلبت به السيارة عدة مرات ليلقى وجه ربه راضيًا مرضيًا إن شاء الله.

مات الدكتور مانع الجهني عن 60 عامًا قضاها حافلة بالعطاء الدعوي والعمل الخيري».

وتقول زوجته الدكتورة هدى:

«كان مانع ورعًا يخشى الله في كل صغيرة وكبيرة.. فقد كانت صلاة المسجد بالنسبة له أمرًا أساسيًا، لا تفوته حتى حين يكون مريضًا كان حريصًا على الصلاة متى حان وقتها، فتراه يبحث عن مسجد في أي مكان يكون فيه ليؤدي صلاة الجماعة، حتى عند سفره إلى الخارج كان يصلي متى حانت الصلاة، سواء في مطار أو مجمع تجاري أو مستشفى، لا يعبأ بنظرات المارة، بل يشعر بالفخر لأنه يؤدي طاعة الله تعالى، وكان يقول لي: هم يعملون بالمنكرات علنًا ولا يستحون، أفنستحي نحن من عبادة الله أمامهم؟ وكان أول ما يهتم به في السفر إذا نزل فندقًا أن يطلب إيقاظه لصلاة الفجر، كما كان حريصًا على قراءة القرآن الكريم وفهمه وقراءة التفسير، وإن ترجمته للقرآن مع أحد الإخوة الأمريكيين المسلمين لهو أكبر دليل على اهتمامه بكتاب الله».

وقد أثنى عليه الدكاترة عبد الوهاب نور ولي وحسن سفر وناصر الزهراني وسليمان أبا الخيل، كما أثنى عليه رئيس مجلس الشورى الدكتور صالح بن حميد وغيرهم كثيرون لا يحصى عددهم.

من أقواله

«لقد وُجدت فكرة الندوة قبل أن يكون لي بها صلة، ففكرتها حقيقة أنه كانت هناك أطروحات كثيرة تحاول استقطاب الشباب المسلم في أنحاء العالم، ومن بينها أطروحات القذافي (النظرية الثالثة)، فلما دعا إلى مؤتمر عقد في طرابلس الغرب، وحضره مشاركون من أمريكا ومن دول أخرى كثيرة، ومن بينها المملكة العربية السعودية، وطرح قضية (النظرية الثالثة) وهي فكرة جريئة وجيدة لو كانت نفذت التنفيذ المخلص، والنظرية الثالثة ملخصها أن هناك الشيوعية ومنهجها الاشتراكي، والرأسمالية ومنهجها أيضًا، وهما منهجان فاشلان، والمنهج الإسلامي هو الطريق السليم، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان من المسلمين، ولكن القذافي ربطها بكتابه الأخضر وببعض التصرفات التي أفقدتها قيمتها، بالإضافة إلى قيامه بحملات اعتقال ضد الشباب الإسلامي في ليبيا، وكان المؤتمر جريئًا جدًا وقيل له: «أنت تريد أن تدعو إلى الإسلام وإلى نظرية ثالثة وأنت غير سائر على الإسلام، فإذا كنت تريد أن تقنعنا بأنك جاد فأخرج الإسلاميين المسجونين في السجون الليبية». وانقضى المؤتمر ولم يتحقق شيء، فقابل من حضروا المؤتمر من السعودية الشيخ حسن آل الشيخ، وقالوا: القذافي يتخبط ويريد تكوين منظمة تُعنى بالشباب وتضم شباب الأمة، وهذه البلاد أحق أن تقوم بهذا الدور. فقال: نناقش الأمر مع الملك فيصل، وفعلاً كتبوا له التصور، وعرضت القضية على الملك الذي كان يتبنى في ذلك الوقت قضية التضامن الإسلامي بقوة من خلال رحلاته في إفريقيا وآسيا وغيرها، وكانت عند الملك قناعة بأهمية هذا المنهج وقبلها كان قد أنشأ بعض المؤسسات، مثل رابطة العالم الإسلامي لتدعيم مفهوم التضامن بين الجمعيات والمراكز الإسلامية والجاليات في المغرب، وعلى المستوى الرسمي أنشئت منظمة المؤتمر الإسلامي لتنسق وتدعم التضامن الإسلامي بين الدول الإسلامية، ومن خلال التساؤل: لماذا لا تكتمل هذه المنظمة فيتم إنشاء ندوة للشباب الإسلامي ليتم التضامن بينهم وينشط هذا الجانب حتى تكتمل منظومة التضامن الإسلامي؟ فقدمت إليه الفكرة ورآها حسنة، وعقد المؤتمر 1393 هجرية، وبعده رفعت توصيات هذا المؤتمر، ومن جملتها إنشاء منظمة باسم: الندوة العالمية للشباب الإسلامي، فأنشئت من ذلك الوقت».

وفاته

توفي الدكتور مانع حماد الجهني - الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي - يوم الأحد 25/5/1425ه - 4/8/2002م إثر حادث مروري انقلبت فيه سيارته عدة مرات، وكان متوجهًا إلى المطار لحضور اجتماع مهم في جدة لبحث الشؤون الإسلامية والأمور الدعوية.

رحم الله أخانا الحبيب رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وسوم: العدد 893