الشاعر الداعية : فيصل محمد الحجي !!

رجال في ذاكرتي : علماء - أدباء - دعاة 

لاأجد حرجاً حين أصف أحد أساتذتي أو أصدقائي بأنه شاعر وداعية ! ولربما يكون فقيهاً أيضاً ، ولو تفرغ للشعر لأتى بالطيب الطيب ! غير متأثر بما روي عن الشافعي أو غيره : 

ولولا الشعر بالعلماء يُزري   لكنت اليوم أشعر من لبيدِ 

ولاآدري كيف يفهم بعضهم هذا القول ؟! فالشعر الذي يزري بالفقهاء وغيرهم هو مايسترخص المرأة ، وينصر الباطل أو يتبناه !؟ 

عرفت الأستاذ فيصل الحجي داعية ومربياً قبل أن أعرفه شاعراً ، حين قدم إلى حلب من منبج التي عانى فيها من استكلاب البعثيين وسفهاتهم تجاه مدرسي التربية الإسلامية والملتزمين بالإسلام !؟ 

وأذكر أنني كنت أشارك في أمسيات شعرية تقام في كلية الآداب بجامعة حلب  مع عدد من الطلاب الشعراء ، وكان يشاركنا أحد طلاب كلية الحقوق المنشغل بالغزل والشعر القومي الناصري ، فكان مما قاله وهو يرثي عبد المنعم رياض القائد العسكري المصري : 

شيئان لايقوى الزمان عليهما - أهرام مصر وفكر عبد الناصر 

وفي الزيارة الأولى للأستاذ فيصل أطلعني على قصيدة له يرد فيها على الشاعر ، وبقي في ذهني بعد أربعين عاماً أو يزيد معارضته له ، ومنها هذا البيت : 

شيئان لايرضى الإله عليهما -  أهرام مصر ونهج عبد الناصر !؟ 

ولم يكن بناء الأهرام في منطق العقلاء كالأديب عباس محمود العقاد إلا صورة للتسخير الجماعي الذليل من أجل فرد يبغي خلوده ، وذكره في التاريخ  !؟ 

            **                   **              **

ومضت عشر سنوات أو يزيد ، فكان لقاؤنا الثاني في مدينة الرياض التي قدمها للتدريس عام ١٩٨٠ ، فعرفت فيه الجانب الآخر من شخصيته الأدبية ، فكان يُسمعني وأسمعه ، وأستمتع بنفسه الطويل وبوضوعاته التي تعاصر الواقع صورة وانطباعاً ، وأجد اليوم بعد رحيله بين يدي ثلاثة دواوين كان أهداها إلي مع كلمات رقيقة ودودة في أوقات مختلفة : 

١- فارس لايترجل في عام ١٤٢١ وقد قدم له الدكتور الشاعر أحمد البراء الأميري موجزا موضوعاته بالقول ( موضوع الديوان ومحوره وهدفه شريف وسام ! إنه الجهاد والمجاهدون ، وتحسس آلام الأمة الإسلامية ، والتحدث عنها ، والتطلع إلى آمالها والتعبير عنها ، واستحضار الصور الحية المشرقة من تاريخها الحي ! فيتنقل الديوان بنا مابين الأقصى إلى الخليل إلى الجزائر إلى باكستان على متن جواد لايترجل فارسه عنه !

كضيا البدر وأجملْ  -  فارس لايترجل 

شق صدر الليل لمّا   - خيّم الليل وأقبل 

يمتطي الأهوال دوماً -  ولجوف الخوف يرحل !! 

٢- وأما دموع الرجال /١٤٢٦/ فيبكي فيه أشخاصاً ومدناً ! وقدم له الأستاذالناقد عبد الله الطنطاوي بالقول : شاعرنا معروف بالوفاء ! ولهذا تراه يرثي بعض طلابه كما يرثي أشياخه وأساتذته ، ويرثي أصدقاءه ، كما يرثي أقرباءه من أب وأخت وصهر!! 

وقدشاهدت في منزله بالرياض لوحة كبيرة منقوشاً عليها قصيدة كاملة  عنوانها ( عام الحزن ) من أرق وأصدق وأنبل العواطف الإنسانية : 

فلا غروٓ أن يبكي الرجال من الأسى - وأن تعتريني اليوم لوعةُ ناحبِ 

أبي ياأبي ماأصعبٓ البينٓ بيننا ..... - تفجّر جرحي إذ دعوتك ياأبي ! 

كأنيٓ طفلٌ راعه اليتمُ والنوى ........ - أيصمد طفل في صراع النوائب !؟ 

٣- ديوان قصائد معلم !/١٤٢٨/ يقول المشرف على مدارس دار الرواد عبد الله الخلف : يجمع كل ماقاله من شعر في مناسبات وأفراح مدارس الرواد في ضميمة نسميها ( قصائد معلم ) وقد أردف الشاعر هذا التقديم بمقدمة تحدث فيها عن رحلته مع التدريس !! 

ومن أبياته جولات مع دفتر التحضير :

أنفقت من عمري بلا تقتيرِ  - في شرح معضلة وحلّ عسيرِ 

وفرشتُ للطلاب درب هداية  - تسعى بهم لسعادة وسرور 

فاسأل عن الجهد الدؤوب وصبرِنا - إن كان ينطق دفتر التحضير !؟ 

-------------------------------------------

وقد ترجم للشاعر كتاب شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث / الجزء ٢ / للكاتبين أحمد الجدع وحسني الجرار ( شعراء بلاد الشام ) واختار الناقد الأستاذ أحمد الجدع قصيدته ( شيخ الانتفاضة ) في كتابه : أجمل مئة قصيدة في الشعر الإسلامي المعاصر في الجزء الثالث ، وهي تتحدث عن شيخ المجاهدين أحمد ياسين ! ومن أبياتها :

ياللغرابة !  شيخ مقعد... وله - في كل نادٍ لواءٌ شامخ نٓضِرُ ! 

على السرير قد استلقى وهامته - فوق الثريا ، فما أزرى به الضررُ 

على السرير ، به الأمراض قد نخرتْ - في كل عضوٍ ، فماتبقي ولاتٓذٓرُ 

لكنه خلف سور الحق معتصمٌ   - بالله ، ملتجئ لله ....  مصطبرُ  

                    *          *       *

 رحم الله أخانا أبا أنس شاعراً وداعية ، وقد ودعته بأبيات عام ٢٠١٦ : 

وداعاً فيصل الحجي  - بدمع صادق نٓشِجِ 

وداعاً.... ياأبا أنسٍ   - وكنتٓ تقيم في المُهج 

رحلتٓ ونحن في ضيق - وفي كرْب وفي حرج 

تكالبتِ العدا  ... وبغتْ - بأهل الرفض والهمج 

فغيرُ الله لا يأتي .....  -  لأهل الشام بالفرج !؟

وسوم: العدد 902