محمد مُنلَا غُزَيِّلٍ "البُحْتُرِيِّ الصَّغِيرِ" يَرْحَمُهُ اللهُ

شخصية وقصيدة

شَذْرَةُ رِثَاءٍ ودَمْعَةُ وَفَاءٍ عَلَى: "رجل في أمة" إنه:

نَابِغَةِ مَنْبِجَ وداعِيَتِهَا الحَكِيمِ والأديب الإسلامي الأرِيبِ الكَبِيرِوالمتكلم

والخطيب محمد مُنلَا غُزَيِّلٍ "البُحْتُرِيِّ الصَّغِيرِ" يَرْحَمُهُ اللهُ

نبذة عن حياته, وقصيدة في رثائه

بمناسبة مرور خمسة أعوام على رحيله

بين يدي القصيدة

من أين أبدؤها حكاية صبحنا الحلو الحبيب

                 من أين ود القلب لو غمست بأشذاء الطيوب

gzayel9121.jpg

*إخوتي الأعزاء: ماذا أقول عن أعجوبة الزمان وتحفة الدهر والأوان, وعبقري منبج ونابغتها؛ عن شاعرنا وداعيتنا الإسلامي محمد منلا غزيل صاحب البيان الملهم, والشعر الفائق الرائق, ومنه هذان البيتان اللذان قدَّمت بهما مقالتي وقصيدتي هذه عنه, وهي من قصيدة وأنشودة مشهورة له غناها له بعض المنشدين الإسلاميين المشهورين.

*غزيل - إخوتي- بلا مبالغة آية من آيات الله في الدعوة والشعر والخطابة والبيان الساحر, والمنطق الآسر, وطرائف الحكمة, وحسن الحوار.

*لقد مَلأ غُزَيِّلُ دنيا الشام وشغل ناسَها, وإنه لَيَصْدُقُ فيه قولُ ابن الرومي:

لولا لَطائفُ صُنع اللهِ ما نَبَتَتْ         تِلك الفَضائلُ في لَحمٍ وفي عَصَبِ

لقد كان ملء السمع والبصر, وكان رجلا في أمة, لا يخاف في الله لومة لائم, نذر نفسه للدعوة إلى الله؛ إلى دينه الحنيف بالحكمة والموعظة الحسنة, لم ينشغل بشيء من متاع الدنيا وحطامها بمال ولا زوج ولا ولد, حتى لباسه كان زهيد الثمن بسيطا, ولو أراد لَلَبِسَ أفخرَ الثياب؟!

*لقد كان - رحمه الله- نسِيجَ وَحْدِهِ, كما كان متواضعا ودمث الأخلاق, سخيا سمحا كريما, طلق الوجه هشا بشا, يلقى الناس بابتسام ووئام.

*كان الغزيل لا يهتم بمظهره ولباسه قدر اهتمامه بالعلم والأدب والدعوة, والنهم في المعرفة والمطالعة ومعرفة كل جديد في عالم الثقافة والفِكْر.

*كانت مشية الغزيل مِشيةَ المؤمن القوي العزيز الممتلئ عزة وكرامة وأنفة, كان في كل يوم لا بد أن يخرج ويتمشَّى من بيته مُقابل "جامع الزيارة؛ جامع الشيخ عقيل المنبجي" من شرقي بَلَدِنَا منبج إلى المركز الثقافي بمنبج في غربيها, وربما يبلغ ثانوية منبج النموذجية وربما الثانوية الصناعية, وهو في طريقه يسلم على معارفه أو يسلمون عليه ويستوقفونه, ويطرحون ما لديهم من مشكلات وتساؤلات ثقافية أو فكرية.

*كان الغزيل مخموم القلب أقرب إلى الفطرة الصافية؛ لذا فقد أحبه الناس على مختلف طبقاتهم العلمية والثقافية والاجتماعية.

*كان على فقره يساعد الفقراء والمساكين؛ من طلاب العلم وعامة الناس؛ فكان لا يكاد يدخر شيئا, وكل ما يحصل عليه إما أن يساعد به المُحْتاجِين ماليا, أو يُهدي به كتبا وشرائط تسجيل عادية أو مصورة, أو أقراصًا مُدْمَجَة حاسوبية "سيديَّات" لمحاضرات علمية أو أدبية, أو حفلات زواج إسلامية فيها كلمات وأشعار وحِكَم ومدائح نبوية.

*منبج بلد الشاعر:

*ولد شاعرنا في مدينة منبج, ومنبج هذه مدينة تتبع إداريا محافظة حلب السورية, وهي تقع إلى الشمال الشرقي من حلب على بعد 81 كِيلًا, ونهر الفرات شرقيها بمسافة نحو 13 كِيلًا, هي التي يرجع تاريخها إلى نحو 4000 سنة, وكانت تسمى "هيرابوليس؛ المدينة المقدسة", وقد تعاقب عليها الحِثِّيون والآراميون والآشوريون والرومان والفرس ثم المسلمون.

*ويبلغ عدد سكانها مع ريفها واللاجئين نحو مليون ونصف مليون نسمة.

*فُتحت سنة 15هـ واستنارت بنور الإسلام بعد دمشق وحمص في عهد الخليفة والصحابي العظيم سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه, وكان فتحها مع حلب وقنسرين وأنطاكية على يد القادة الصحابة الكرام: أبي عبيدة عامر بن الجراح وعياض بن غنم رضي الله عنهما.

*ثم توالى عليها بقية الراشدين, ثم الأمويون فالعباسيون, فالأيوبيون, فالمماليك, فالعثمانيون نحو 400 سنة, ثم خرَّبَها تيمور الأعرج"تيمولنك" سنة 804 هـ - 1400م إلى أن عادت إليها الحياة عام 1295هـ - 1878م بعد أن أرسل إليها السلطان عبد الحميد 350 عائلة شركسية فاستوطنتها, وبدأت تنمو من جديد شيئا فشيئا حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.

*ثم احتلتها فرنسة الغاشمة مع أمها سورية سنة 1920م زُهاء ربع قرن, حتى استقلت باستقلال سورية سنة 1946م, وصارت تابعة لمدينة حلب.

*اسمه الشاعر ونسبه: هو الأستاذ محمد بن منلا عبد المولى بن محمد درويش: محمد مُنلا غُزَيِّل؛ الداعية والمفكر, والأديب المُلتزم, والشاعر الإسلامي الكبير. من قبيلة"الغِلَاظ"؛ إحدى عشائر"الشواهرة"التي تنتمي إلى قبيلة "الدَّمَالِخَةِ"المشهورة؛ التي تنتمي إلى سيدنا الحسين عليه السلام.

*ووالدته امرأة صالحة تُسمى: فضة بنت محمد النعسان؛ من قبيلة "النُّعَيم" المعروفة.

*غُزيل: لقب شعبي اشتُهِرَ به جده محمد درويش, وأطلِقَ على حفيده الشاعر فلا يكاد يُعْرف إلا به؛ فيقولون: "هذا الغزيل, وجاء الأستاذ غزيل ...".

*ولادته: ولد الأستاذ المُترجَم في مدينة منبج - مدينة الشعراء والعلماء والمُحدِّثين والأدباء- في شهر شوال 1355هـ = كانون الأول 1936م.

*نشأته وتعليمه: نشأ في أحضان أسرة بسيطة ملتزمة بمبادئ الإسلام، وعندما بلغ السابعة من عمره، أرسله والده إلى كُتَّاب الشيخ يوسف، فتلقى فيه مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى جامع الشيخ عقيل، وفيه حفظ القرآن الكريم، وكثيراً من الشعر العربي، وأتقن الكتابة والخط بالحبر الأسود على يد أستاذه الشيخ عبد الرحمن الداغستاني، مما أتاح له الدخول إلى الصف الثاني مباشرة في "مدرسة نموذج منبج"، وفي هذه المرحلة من حياته بدأت تظهر مواهبة الشعرية ، فكانت أول تجربة شعرية له وهو

في الصف الخامس الابتدائي ، في قصيدة تغنى بها ببلدته "منبج" ، وأنهى

تعليمه الابتدائي بتفوق ملحوظ، مما أهله للدراسة في مدينة حلب.

*دراسته الإعدادية في ثانوية المأمون الحلبية: ثم تابع دراسته في حلب ، فأتم المرحلة الثانوية في ثانوية المعري، ثم في ثانوية سيف الدولة، وأخيراً في ثانوية إبراهيم هنانو، ومنها حصل على شهادة الدراسة الثانوية الأدبية، "فرع الآداب واللغات"، سنة 1957م.

*أساتذته وشيوخه, ومن تأثر بهم:

*من أبرز أساتذته في حلب في المرحلة الثانوية كل من:

1- الداعية الشهير الأستاذ الشيخ أحمد عز الدين البيانوني ت 1976م.

2- الأديب القاص الأستاذ فاضل ضياء الدين. 3- الأستاذ إسماعيل حقي.

4- الأديب الأستاذ عبد الوهاب الصابوني.   5- الأستاذ عمر كردي.

*مِمَّن تأثر بهم: أما من تأثر بهم كثيرا في فكره وسلوكه فمن أشهرهم:

1- الإمام الشهيد حسن البنا المُسْتَشْهَدُ سنة 1949م رحمه الله؛ فقد اطلع على فكره وتراثه.

2- الأستاذ الكاتب الإسلامي الكبير الشيخ أبو الأعلى المودودي ت1979م: فقد تأثر به الغزيل كثيرا فاطلع على كتبه ورسائله.

3- الأستاذ الشهيد سيد قطب إبراهيم ت 1966م؛ فقد تأثر به تأثرا بالغا- ملك عليه عقله ونفسه- فقرأ كتبه وراسله وذكره في قصيدة "فجر الدعوة" ص 16, وقصيدة"ذكرى مولد النور 25 من ديوانه, وبلغ به تأثره بسيد أن أهدى إليه باكورته وديوانه الأول"في ظلال الدعوة" عام 1956م.

4- الشيخ العلامة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي ت1999م؛ فقد أعجب به الأستاذ منلا غزيل, وحضر له محاضرة بعنوان"نحو إيمان جديد" ألقاها في "دار الجماعة الإسلامية" بحلب, وكان معجبا جدا بكتابه الرائع الماتع"ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.

5- الفيلسوف وشاعر الإسلام الباكستاني محمد إقبال ت 1938م: فقد قرأ شعره وأعجب بفكره وشعره التجديديين وتأثر به كثيرا, وذكره 4 مرات في قصيدته "نداء الشعب" ص 38 من ديوانه, وكان يذكره كثيرا في محاضراته وخطبه وكلماته.

6- المفكر الجزائري الشهير الأستاذ مالك بن نبي ت 1973م رحمه الله.

7- المفكر الإسلامي الأستاذ محمد قطب إبراهيم؛ شقيق سيد رحمهما الله.

*بدء نشره خواطره وأشعاره, وتلقيبه "البحتري الصغير":

و قد جذب الأنظار إليه حين بدأ ينشر في الصحف والمجلات مما تنبأ له أساتذته مستقبلاً باهراً في عالم الشعر، وأطلق عليه أستاذه إسماعيل حقي لقب "البحتري الصغير" ، وكان سعيداً بهذا اللقب، فبدأ ينشر و يوقع به ، وأول مجلة نشرت له تحت اسمه ولقبه كانت مجلة "الصاحب" البيروتية، فنشرت له قطعة من الشعر المنثور بعنوان "مع الطبيعة"، ثم تتالى نشره بهذا اللقب في عدد من الصحف والمجلات المحلية السورية.

*انقلابه الإسلامي عام 1954م: في أوائل دراسته الثانوية وتحديدا سنة 1373هـ - 1954م انضم الغزيل إلى"جماعة الإخوان المسلمين", بعد تأثره بكتب الشيخ أبي الأعلى المودودي, والإمام الشهيد الشيخ حسن البنا والأستاذ سيد قطب والشيخ أبي الحسن الندوي رحمهم الله تعالى, وأشباههم.

لقد غير الأستاذ الغزل منهجه تغييرا جذريا, وانقلب على طريقه السابق الجاهلي رأسا على عقب, وصار شعاره قول الله تعالى: (والشعراء يتبعهم الغاوون* ... إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ...). الشعراء 224- 227. وكان قُربانَ صِدقه في منهجه الجديد إعدامُ بِكْرِه الوحيد يَومَها بإحراقه دُونما أسَفٍ عليه؛ ألا وهو ديوانه الأول "طفولة قلب" الذي قال الغزيل بعد أن أطعمه للنار التي جَحَمَتْهُ فالتَهَمَتْهُ كُلَّه ولم تُبْقِ منه ورقة واحدة؛ قال أبياتًا قليلة رائعة مؤثرة يُبيِّن فيها توبته من السلوك البائس القديم, وسعادتَه بالمنهج الأفْيَح الحُرِّ الجديد"منهج الإسلام"؛ قال في قطعة له عَنونَها بـ "مِن أرِيجِ البُردة":

مزَّقتُها   ذِكرياتِ الأمسِ و اندثَرَت

         "طُفولةُ القلبِ!" في دَوَّامَةِ   النَّدَمِ

كُرَّاسةُ الشعرِ شِعر الأمسِ من غَزَلي

     بين الرماد طوتْها   جَذوَةُ الضَّرَمِ

بالأمسِ   كانت   أغاريدي   مُضيَّعة

     في زينةِ الحرف أوفي زُخرُف الكلِمِ

و اليومَ   أحلى أغاريدي   و أعذبُها

       ما   زفَّه   مُلهِمُ الإيمانِ و الشَّمَمِ

يا أيُّها القلبُ   فاستمسك   بِعُروتِه

     لقد   حَظِيتَ   بِحَبلِ اللهِ   فاعتَصِمِ

                                                 "ديوانه ص 14".

*دراسته الجامعية:

انتقل بعدها إلى دمشق ليتابع دراسته في"كلية الآداب - قسم اللغة العربية, جامعة دمشق" ، و تابع دراسته في هذه الكلية ، إلى أن تخرج فيها عام 1961م، حاصلاً على شهادة "الإجازة في الآداب - قسم اللغة العربية". انتسب بعدها إلى كلية التربية في جامعة دمشق، وحصل منها على شهادة أهلية التعليم الثانوية "دبلوم التربية العام" عام 1962م.

عاد بعدها إلى مدينة حلب، وعمل في مجال التدريس مدة من الزمن حتى أحيل إلى التقاعد لأسباب صحية ، عام 1969م ، انصرف بعد ذلك إلى الإنتاج الأدبي وتدريس بعض الساعات في اللغة العربية تكليفاً، حتى عام 1977م؛ إذ اعتزل بعدها التدريس تماماً, وتفرَّغ للدعوة إلى الله.

*قَمْع نظام البعث له وسَجنه وتعذيبه:

لقد تعرض الأستاذ غزيل للقمع و العَسْف و التنكيل على يد نظام حزب البعث البائس في سورية ؛ فقد استُدعي للتحقيق والمساءلة مرات عدة من قِبَل فروع الأمن الأسَدِيَّةِ المُتوحِّشَة, وضُيِّق عليه واعتقل أيضا, وفي سنة 1980م اعتُقل و ضُرِب وعُذِبَ تعذيبا شديدا , و يُرْوَى أنَّ الجلاوزة المُعَذِّبِين له كانوا يطلبون منه ترديد شعار حزب البعث الفاجر: - "أ مة عربية واحدة , ذات رسالة خالدة , وحدة حرية اشتراكية" - فكان يقول: "أحَدٌ أحَدْ" , و خرج عقيبها من السجن فظل شهرا كاملا طريح الفراش بسبب قمعه وتعذيبه ذاك , و بقي إلى أواخر حياته ملاحقا ومُرَاقَبًا , كما كان ممنوعا من السفر خارج سورية.

*وفاته: لقي الغزيل وجه ربه يوم الثلاثاء 25/3/1437هـ = 5/1/2016م في مدينته منبج في ظل فوضى واضطراب وهرج ومرج تشهدهما منبج وسائر المدن السورية بسبب قمع نظام البعث الوحشي الوغد الفسل للشعب المتظاهر سلميا لنيل حقوقه المشروعة, وبسبب داعش وأخواتها, ولذلك شُيِّع في جنازة بسيطة وقليلة من المشيعين والحضور من مُحبِّيه وعارفي فضله, ودفن في"مقبرة الشيخ عقيل المنبجي" جنوبي منبج, تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته ورضاه.

*شعر الأستاذ الغزيل, وشخصيته وثقافته:

*غزيل شاعر الدعوة الإسلامية؛ حسان زمانه, كما أوصاه د. السباعي:

لقد كان الاستاذ غزيل ملتزما بمنهج الإسلام منذ انتسب إلى"جماعة الإخوان المسلمين المباركة عام 1954م وأحرق (بكره الأول؛ ديوانه الغزلي "طفولة قلب")وهو في المرحلة الثانوية وفي الثامنة عشرة من عمره؛ لذا فقد كان شاعر الدعوة أولا, وكم كان يفخر بقول العَلَّامة الشيخ الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله- له يوما: "يا بني كان حسانُ شاعر الدعوة في زمانه, فَكُن شاعِرَها اليوم".

ولنأخذ دليلا عمليا للغزيل على ذلك - غَيْرَ سُلوكِه والتزامه الشخصي بمنهج الإسلام- وهو إهداؤه أعماله الشعرية كاملة؛ فقد أهداها إلى ذكرى شاعر الإسلام الأول حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه, "مع ملاحظة مهمة هي: أنها من البحر الطويل الذي لم يستخدمه الشاعر في كل قصائده إلا في هذه النُّتْفَة الشِّعرية؟ّ!":

بَيَانُكَ - يا حَسَّانُ-   بَذَّ القَوَافِيَا         بِرَوْعَةِ إنْشادٍ ؛ تَسُوقُ المَعَانِيَا

تُسَجِّلُ   في الدُّنْيَا   مَلَاحِمَ دَعوَةٍ           و مِقْوَلُ حسانٍ يَفُوقُ المَوَاضِيَا

فَإنْ شِئْتَ سِلْمًا كانَ أبْيَضَ ناصِعًا           وإن شئتَ حَربًا كانَ أحْمَرَ قَانِيَا

*شخصيته العلمية وثقافته الموسوعية: ومع ما حصله المترجم من العلوم والثقافة على أساتذته في مختلف المراحل التعليمية التي مرّ بها ولا سيما في ظل بعض الأساتذة الموهوبين أمثال الأستاذ فاضل ضياء الدين ، الذي كان له تأثيره الخاص فيه ، و تشجيعه لاقتحام الميدان الأدبي بجدارة ، إلا أن ثقافته الواسعة كان قد حصل عليها من كثرة قراءاته للكتب في مختلف العلوم والثقافات ؛ فهو قارئ نَهِمٌ وشغوف بالمُطالعة من الدرجة الأولى، عرف بكثرة مطالعاته وقراءاته ؛ فكان يتردد كثيراً منذ شبابه إلى المركز الثقافي في مدينة "منبج" ، - وظل كذلك حتى وفاته - ودار الكتب الوطنية في حلب -"لما كان يدرس ثمة"-؛ ليقرأ ألواناً مختلفة من الثقافات التاريخية والدينية والأدبية والفكرية , و دواوين الشعراء القدماء والمحدثين ، فكان لذلك الأثر العميق في تنمية موهبته الفطرية المتألقة والمتميزة ، و زيادة انتاجه الشعري الخصب ؛ فهو من عشاق القراءة ، فقد كان يقرأ كل شيء تقع عليه عينه في الأدب والفكر والفلسفة والتاريخ والسياسة ، ويتنقل بين العلوم الإسلامية جُلِّها ، وله صحبة طويلة مع الكتاب منذ طفولته ، التي قرأ فيها كل انتاج الأديب المصري "مصطفى لطفي المنفلوطي"، وغيره من أدباء عصره ، وظل على هذا المنهج حتى آخر حياته ، فكل وقت لا يكون فيه متكلماً أو مشغولاَ بحاجاته الضرورية، يشغله بالقراءة.

 ومكتبته حاضرة في ذهنه يستحضر منها ما يشاء ومتى شاء ؛ فهو لم يكن يملك مكتبة في بيته، ولكنه جعلها في قلبه وعقله، وهو صاحب ذاكرة قوية عجيبة، يحفظ أسماء الكتب وأسماء مؤلفيها وكأنها أمامه, بهذا الزاد العلمي خاض المترجم غمار الحياة والشعر والثقافة ووظف هذا كله لخدمة دعوته التي آمن بها ونافح عنها وتحمل من أجلها السجن والفقر والاضطهاد.

*تعدد مواهبه, ووسائل دعوته إلى الله تعالى: و أستاذنا وشاعرنا المترجم شخصية متعددة المواهب ؛ فقد جمع إلى الفكر والثقافة والأدب والشعر الدعوةَ إلى الله ، و نشرَ الفكر الإسلامي في المجتمع ؛ فشغل جلّ وقته فيهما , إلا أن الدعوة إلى الله كانت شغله الشاغل، فعمل عليها، وسلك إليها طرقاً ووسائل متعددة أهمها:

1- قول الشعر: فالشعر عنده يجب أن يكون تعبيراً صادقاً عن نفس قائله، شريطة أن تتعلق اهتمامات النفس بمعالي الأمور دون سفاسفها وترّهاتها.. ويسلك في التعبير عن ذلك وبيانه مسالك شتى سلباً أو إيجاباً هدماً أم بناء، وليست مهمة الشعر - تصويراً وتعبيراً - أن ينافس الواعظين في توجيههم النبيل، لأن الواعظ يناسبه التفصيل والتبسيط ، أما الشعر فهو لغة الإيماء والإيحاء والتلميح.

2- معاشرة الناس: في مجالسهم في المناسبات المختلفة؛ في الأفراح أو الأتراح"مجالس العزاء" ، أو في المناسبات الدينية في المساجد وغيرها؛ فقد كان المترجم علماً من أعلام الدعوة في هذه المجالس ، له حضوره الكبير وجهوده المتميزة ، يحرص أن يكون في كل مجلس ، ليلقي كلمة ينتظرها الناس لينهلوا من علمه وحكمته، يبدأ حديثه بآية من كتاب الله، أو حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثمّ يشرحه مفصلاً الجوانب العلمية والتربوية فيه ، وما يستفاد منه في مقامه، وهنا تظهر شخصيته الدعوية و ثقافته الواسعة الثَّرَّة التي تجذب القلوب والنفوس إليه وإلى كلماته المؤثرة في الحضور، الذين عرفهم واطلع على جلّ أحوالهم، فيجذبهم إليه ليغرس فيهم قيم الإسلام ومبادئه السامية ، مستعينا بمخزون ضخم من الحكم والأمثال والأشعار مُطَعِّمًا ذلك بأبيات من شعره العذب المناسب للمقام.

3- إلقاء المحاضرات والمشاركة في الندوات العلمية والفكرية والأدبية والحوارات الاجتماعية: يستغلها ليبث فكره ودعوته، فكان لا يخلو يوم من أيامه من مناسبة أو أكثر يكون فيها محاضراً أو مشاركاً أو متكلماً وداعية، وربما حضر في يوم واحد أكثر من ندوة أو محاضرة أو مناسبة اجتماعية.

*أسباب نجاحه في الدعوة إلى الله: أهمها:

أ- الإخلاص في القول والعمل: و كان هذا ظاهرا جليا على الغزيل يلمسه كل من خالطه أو حضر له ؛ يجد كلامه يتشربه قلبه و كل جوارحه , ويدخل إليه بلا استئذان"كما يقال".

ب- مراعاة أحوال المتلقين: فهو يتكلم بالعلم والأدب والحكمة بما يجعل كلامه قريبًا من جميع الناس على اختلاف مستوياتهم المعرفية ، ويمتلك قدرة كبيرة على تبسيط الأفكار ، فربما تكلم في مسألة تُعَدُّ من دقائق المسائل فبسطها إلى درجة يفهمها الإنسان العامي فضلاً عن المثقف، ولكن هذه القدرة على التبسيط تقابلها قدرة لا تقل عنها في الارتقاء بمستوى الكلام إلى درجة لا يفهمها إلا أهل الاختصاص وذوي الشهادات العالية.

ج- الوسطية والتوفيق بين التراث و المعاصرة: متخذا من قوله تعالى: (و كذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيداً) , و قول سيدنا علي رضي الله عنه: " خير هذه الأمة النمط الأوسط يلحق به التالي ويرجع إليه الغالي ، اليمين مضلّة والشمال مضلّة والجادة هي الوسطى"؛ فالوسطية عنده هي التي تجمع بين المحاسن كلها، وهي ما يتحرَّاه في موقفه الحضاري؛ مُوفّقاً بين الولاء للتراث والأصالة, والسير في رِكاب المعاصرة.

د- اهتمامه بالشباب والطلاب: و طلاب العلم خاص ، فهو دائم التواصل معهم، يشجعهم على متابعة العلم والبحث والحوار وتبادل الآراء والأفكار، فقد تعوَّد طلاب العلم والباحثون على أن يكون المترجم معهم في مجالسهم، فإذا استعصت عليهم مسألة في العلم ، أو أرادوا كتاباً أو معلومة ، سارعوا إليه ليحل لهم ما استشكل عليهم ، و يدلهم على مكان المسألة في الكتاب ، وربما ذكر لهم رقم الجزء والصفحة وحتى السطر ، وقد نهج في دعوته للشباب والطلاب مناهج متعددة منها:

*منهج السؤال والجواب:كي يشد به انتباه طالب العلم، بهدف ترسيخ العلوم في النفس ، و تشجيع طلاب العلم على البحث والدراسة ، و سلوك سبيل الحوار وتبادل الآراء وتوصيل الأفكار بشكلها الصحيح ؛ فكان يطلب من أحد طلاب العلم الموجودين في أي مجلس من المجالس التي يحضرها أن يسأله ؛ ليبادر بالإجابة بعيداً عن المسائل الخلافية أو دقائق الفقه ، بل يركز إجابته في الفكر و الدعوة و موضوع الحوار أو المُحاضرة ؛ فكان لهذه الطريقة الأثر النافع بين طلاب العلم ، و بث الحيوية في مجالسهم ، وتحويلها من مجالس للقيل والقال إلى مجالس للعلم والسؤال ، فكان لهذا المنهج أثره الطيب في نفوس طلاب العلم والناس عامَّةً.

*طريقة الإهداء: لم يقتصر اهتمام المترجم بطلاب العلم على تقديم العلوم اللازمة لهم؛ بل كان يتخير الكتب المفيدة، والأشرطة المسجلة، والأقراص المُدمجة "السيديات" المُناسِبة ، و يقدمها لهم هدية مع ما كان يُقاسيه من الحاجة وشظف العيش ، وذلك لجذبهم وتأليف قلوبهم وترغيبهم في العلم و الدعوة ؛ فكان كلما رأى طالب علم رافقه إلى أقرب مكتبة ، ليشتري له كتاباً أوشريط تسجيل أوقرص حاسوب ، أما هو فكان لا يحتفظ بأي كتاب أو مجلة؛ لأن مكتبته حاضرة في ذهنه، يستحضر منها ما شاء متى شاء؟!

*إنتاجه و مؤلفاته: ترك الغزيل عدداً من المؤلفات الشعرية والنثرية, وهي التي نشرها خلال ربع قرن؛ وهي قسمان:

*أ- الأعمال الشعرية: وتشمل ثمانية دواوين هي:

1- طفولة قلب. طبع قبل 1954م , وهو الذي أحرقه بعد التزامه منهج الإسلام بانضمامه إلى"جماعة الإخوان المسلمين" الوسطية عام 1954م, ولم يعد موجودا؛ فقد اختفى تماما؟!!

2- في ظلال الدعوة. صدر في حلب عام 1956م.

3- الصبح القريب. صدر عام 1959م، وقدم له الأستاذ عصام العطار.

4- الله والطاغوت. صدر عام 1962م.

5- اللؤلؤ المكنون. عام 1962م, وهو يضم الدواوين الثلاثة السابقة.

6- طاقة الريحان. صدر عام 1974م.

7- البنيان المرصوص. صدر عام 1975م.

8- اللواء الأبيض. صدر عام 1978م.

9- الأعمال الشعرية الكاملة، طبعت عام 1978م , وطبع ثانية في دار عمار- الأردن سنة 1403هـ - 1983م.

*و في عام 2007 م قام الشاعر المنبجي المعروف الأستاذ حسن النيفي بإعادة طبع أعمال الغزيل الشعرية؛ فصدرت في جزأين, وقدم لها بمقدمة نقدية وافية، بعد مراجعتها من قبل الشاعر.

*ب- الأعمال النثرية:

*وتضم مقالات نثرية و محاضرات نشرها في مجلة "حضارة الإسلام" الدمشقية, وبعضها ألقاها في المركز الثقافي بمنبج أو في بعض مساجدها, وقد جمعها في خمسة كتب هي:

9- على طريق الوعي الحضاري العربي الإسلامي. عام 1978م.

10- في رحاب الأدب العربي. صدر عام 1398هـ - 1978م.

12- حولة المسألة الحضارية وبُعدها الثقافي. رسالة صغيرة.عام 1972م.

13- قراءة مُعاصرة لِلحِكَم العربية في التراث الإسلامي: بيانا وعِرفانا وبرهانا. محاضرة ألقاها الشاعر بـ"المركز الثقافي بمنبج" عام 1999م.

*هذا عدا المقالات والدراسات والقصائد والقصص والخواطر التي نشرها في عدد من الصحف والمجلات السورية والعربية و منها مجلة"حضارة الإسلام" الدمشقية, و"الشهاب" وسواهما, ولم يضمها كتاب.

*مِمَّا كُتِب عنه وعن شعره مِن دراسات ومقالات:

1- "محمد منلا غزيل في ظلال الدعوة". للأستاذ عبد الله الطنطاوي؛ كتاب

كامل عنه في: 149ص.

2- "الأخلاقيات في شعر غزيل". رسالة عالِمِيَّة"دكتوراه"للباحث السعودي عبد العزيز الغدير.

3- "فارس القوافي محمد منلا غزيل". للأستاذ عبد الستار إبراهيم السعيدي.

4- "القدس في ضمير الغزيل". للأستاذ إبراهيم النويري من الجزائر.

5- "الثورة الجزائرية في شعر محمد غزيل". لإبراهيم النويري الجزائري.

6- "شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث". للجدع وجرار ج 3.

7- "في الأدب الإسلامي المعاصر". د. محمد حسن بريغش.

8- "معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين". لأحمد الجدع.

9- "الحركة الشعرية المعاصرة في حلب". للأستاذ أحمد دوغان.

10- "علماء وأعلام تركوا بصماتهم في تاريخ منبج...". د. إبراهيم الديبو.

11- "معجم البابطين لشعراء القرن العشرين". للأستاذ عبد العزيز بن سعود البابطين الكويتي.

12- "الشاعر الداعية محمد منلا غزيل". مقالة مطولة عنه للأستاذ عمر عبسو "رابطة أدباء الشام" على الشابكة.

13- "الداعية الشاعر محمد منلا غزيل". مقالة للأستاذ محمد عدنان كاتبي في "رابطة العلماء السوريين" على الشابكة.

*حِلْيَتُه الجسدية:

كان الأستاذ غزيل - رحمه لله تعالى- مربوع القامة، ممشوق القوام، أسمر البشرة قليلا ، بسيط في مظهره وملبسه ومأكله ، يرتدي السروال وأحيانا الثوب العربي، ويَعْتَمِرُ بمنديل أبيضَ أو كوفية سوداء.

*أخلاقه وشمائله:

 كان الغزيل نَسِيجَ وَحْدِهِ , و قد كان عفيف النفس ، صادق العاطفة ، رقيق القلب ، سليم الطوية، حاد المزاج ، بعيدا عن الضغائن والأحقاد ، صاحب مروءة ووفاء، وشمم وإباء، شجاعا ، جريئا في قول الحق ، لم يخفْ قوياً، ولم يتملقْ ثريًّا ، ولم يُمَجِّد غير البطولات والمروءات والقيم النبيلة ، كما كان متواضعا ، زاهدا في متاع الحياة الدنيا ، عاش عِيشةَ الكفاف مبتعداً عن الشهرة والجاه والمناصب.

*لم يتزوج: بقي الغزيل عَزَبًا ولم يتزوج ؛ لينضم إلى ركب العلماء الذين شغلهم العلم عن الزواج ، وربما كان السبب صحياً عند المترجم ، و سببه ما تعرض له من تعذيب وحشي خلال "الاعتقالات البعثية" المتكررة له.

*حفل تكريمه: في يوم الإثنين 3/12/2007م، كُرِّم الأستاذ غزيل من قبل "مديرية الثقافة بحلب" ، بالتعاون مع المركز الثقافي في مدينة "منبج", وكان يوما مشهودا. كما سُميت "مكتبة المركز الثقافي" في منبج باسمه.

*تَعَرُّفِي إليهِ, وأثره الشديد فِيَّ وتَعلُّقي به, وعِشقي لِفِكره وشِعرِه وأدَبِه:

 

*لقد عرفتُ الأستاذ الغزيل بُعيد بدئي الدراسة في "ثانوية دار الأرقم بن أبي الأرقم الشرعية؛ الثانوية الشرعية القديمة, بمنبج", والكائنة شرقي منبج قبل سوقها العام "البازار", وكان ذلك عام 1980م.

*فكنت أحضر له خطب الجمعة في مساجد مختلفة من منبج, كما كنت أحضر كلماته في مناسبات المولد والإسراء والمعراج والهجرة وليالي القدر والنصف من شعبان, وكانت تقام احتفالات كبرى مهيبة ولا سيما في ذكريات المولد النبوي الشريف من كل ربيع الأول كل عام, ويؤتى بالمنشدين ذوي الأصوات الجميلة الشجية من منبج كعبد الله الرينة مؤذن الجامع الكبير بمنبج وفرقته, وكأستاذنا الشيخ عبد الرحمن بكور الريحاوي, ومؤذن جامع الزيارة محمد الفتال السواس وغيرهم, ومن خارج منبج كالأستاذ محيي الدين الأحمد السفراني, وغيره.

*وكانت تلقى الكلمات والقصائد والأشعار في هذه المناسبات والذكريات, وكان أبرز متكلم في هذه الكلمات من العلماء الشيخ جمعة أبو زلام طيب الله ثراه؛ ومن غيرهم كان الغزيل هو الفارس المقدم, والسابق المصلي الذي تشرئب القلوب والأعناق إليه لتلتقط الدرر والجواهر والطرائف من فيه وبيانه الساحر الآسر العجيب؟!

*لقد كنت أيها الإخوة - والله يشهد- خلال نحو أربع سنوات ما بين 1980- 1985م- لا أكاد أحضر خطبة جمعة عند غيره ما دمت ثاويا في منبج, وما لم أكن مشغولا بإعداد وتقديم خطبة جمعة.

*وبعد نحو3سنوات من دراستي في دار الأرقم؛ أي في نحو سنة 1983م, تعرفت الأستاذ غزيل عن قرب فأصبحت أسأله عن بعض الأمور الأدبية ويجيبني ويوجهني, وكان يقول لي رحمه الله تعالى:"أهلًا بِالسَّيِّد".

*وأذكر مرة أني سألته عن قصيدة "اقتلوني مزقوني أغرقوني في دمائي"؛ هل هي له؟ فقال لي: لا. ثم عرفت فيما بعد لما ذهبت إلى الإمارات أنها للأستاذ الشهيد مروان حديد رحمه الله؛ من خلال تصفحي لديوانه.

*ومرة قال لي: "يا سيد عليك أن تأخذ من عيون السنة"؛ يقصد أن آخذ الأحكام الشرعية بأدلتها من الكتاب والسنة.

*ولما أخبرته عن كتابي حولَ "تاريخ منبج وجغرافيتها وأعلامها" عام 1997م قال لي: "هذا بحث ادخره الله لك", وفرح به وشجَّعني عليه.

*وبعدما عدت إلى سورية من الإمارات عام 2011م التقيته في منبج وأخذني إلى "مكتبة الجاسم" فيها وأهداني كتاب "فارس القوافي" الذي يتحدث فيه مؤلفه عن حياة الغزيل وشعره وحفل تكريمه في المركز الثفافي بمنبج آخر عام 2007م.

*وآخر مرة التقيته فيها بعد الثورة كانت بعد منتصف 2011م أخذني معه إلى قريب "ناحية الخفسة" جنوب منبج وطلب مني أن ألقي حديثا نبويا في قرية هناك وأن أقدمه ليشرحه للناس, وفعلت؛ "كان حديث معاذ الذي رواه الترمذي: قلت: يا رسول الله دُلَّنِي على عمل يُدخلني الجنة ويُباعدني ...".

*ومن حبي الشديد له أني, وأنا - في الثالث الإعدادي على ما أظن- في دار الأرقم, استعرت ديوانه"المجموعة الشعرية الكاملة" من أستاذنا في اللغة العربية الأستاذ محمد صبحي مغربي؛ أي دواوينه الشعرية الستة ونسختها كاملة بيدي وأنا مفعم بالرضا والسرور.

*وكنت حينما ألتقيه أو أحضر خطبة له أو كلمة أكاد أطير من الفرح.

*كما كنت بعد أن أعود من خطبته أجلس فأكتب نحو صفحة أو صفحة ونصفها مما حفظته من آيات وأحاديث وأشعار وحِكَمٍ من تلك الخطبة؛ فكانت تنطبع كثير من كلماته في مخيلتي.

*من كلمته في تأبين مفتي منبج العالم الرباني ش. جمعة أبو زلام 1985م:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا من صدور العلماء؛ ولكن يقبضه بقبض العلماء, حتى إذا لم يبق عالم, اتخذ الناس رؤوسا جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا", أيها الإخوة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "بلغوا عني ولو آية", وقد قاس عليها العلماء فقالوا: "بلغ عن العالم ولو مسألة"؛ فيا أيها الإخوة: من كان منكم يحفظ حكما أو مسألة أو فتوى عن الشيخ جمعة أبو زلام فليبلغها عنها, ليثيبه الله عليها, ويثيب ناقلها ومبلغها عنه.

*وقد أفدت منه وتعلمت منه الكثير, أدبا وشعرا وسلوكا, وإلقاء شعر, فجزاه الله عني خير الجزاء, وأجزل مثوبته.

*وما زلت إلى الآن - بفضل الله تعالى- أحفظ كثيرا من الحكم والأشعار والمأثورات التي سمعتها منه.

*مَنْ أنْشَدَ لَهُ مِنَ المُنْشِدِينَ والمُطْرِبِينَ: لقد اشتُهِرَ شعر الغزيل وانتشر انتشارا واسعا, وغُنِّيَ وأنشِد بعضه؛ فقد أنشد لغزيل كبار المنشدين المشاهير: كأبي الجود"محمد منذر سرميني", وأبي دجانة "محمد خشفة", وأبي مازن"رضوان خليل عنان", وأحمد بربور, ومُحْيِي الدين الأحمد السفراني, وغيرهم.

*أنشد له أبو الجود: 1- "بعقيدتي؛ شظايا من الإيمان". 2- "من أين أبدؤها حكاية صبحنا الحلو الحبيب؛ الصبح القريب". *وأنشد له أبو دجانة: "قافلة الكفاح الإسلامي؛ لله قافلة الكفاح تسير نحو الإنقلاب".

*أما أبو مازن فقد أنشد له: 1- "شظايا من الإيمان؛ بعقيدتي". 2- "لهيب: أشعلتها من دمي جمرا وبركانا". 3- "الجهاد الجهاد؛ بجهادنا سنفتت الصخرا".

*وأما الشيخ أحمد بربور فقد أنشد له بعضا من قصيدته:"على أسوار دمشق" وقد سمعت له آخرها وهو قوله:

لاح السنا يا جاهلية فاركعي            للنور يسطع, و اسجدي لأذان

الله   أكبر   يا هداية  أطفئي             نار المجوس وزخرف الرومان

*وأما أبو أحمد محيي الدين السفراني: فقد استمعته في "جامع الزيارة نحو 1983م وهو ينشد له نحو نصف قصيدته "على أسوار دمشق", ومطلعها:

الصخرة الشماء سامقة الذرى         و الطود راسٍ  شامِخُ البُنْيَانِ

و الناطحون تحطمت أهواؤهم         ذهبت - جُفاءً - نفثةُ الثُّعبانِ

- ومنها:

قُم يا صَلاحَ الدينِ عاد عدُوُّنا             عادت جَحافِلُه   بلا صُلْبانِ

عادَ التتارُ فيا جُموع تَحفَّزي             لِلقائِهم   في حَوْمَة   المَيدانِ

عاد التتار فيا دِمشقُ تَجَلَّدِي             واسْتَمْسِكي بِسِلاحِكِ الربَّاني

شَذْرَةُ رِثَاءٍ ودَمْعَةُ وَفَاءٍ عَلَى:

نَابِغَةِ مَنْبِجَ وداعِيَتِهَا الحَكِيمِ وأدِيبِهَا الأرِيبِ الكَبِيرِ

محمد مُنلَا غُزَيِّلُ"البُحْتُرِيِّ الصَّغِيرِ" يَرْحَمُهُ اللهُ

عَيْنَيَّ ! جُودَا   بِالدُّمُوعِ الهُمَّلِ         هُلَّا دَمًا  لِمُحَمَّدِ   بْنِ غُزَيِّلِ(1)

لِلبُحْتُرِيّْ الثانِي ؛ لِذي دِيباجَةٍ         زَهْرَاءَ فاحَ عَبِيرُهَا كَقَرَنْفُلِ(2)

لِفَتَى"غِلاظِ", وشَهْمِهَا ونَجِيبِهَا    

لِضِيَاءِ مَنْبِجَ صاحِبِ القِدْحِ العَلِيّْ(3)

لِخَطِيبِ منبجَ فارسِ الشِّعْرِ الَّذِي    

سَحَرَ القُلُوبَ قَرِيضُهُ الجَزْلُ الجَلِيّْ(4)

                                   ********

مَاذَا   أقُولُ   بِفَارِسِ  مُتَرَجِّلٍ؟!     عَاشَ الحَيَاةَ   مُكافِحًا لِمُؤَثَّلِ(5)

لم تُغْرِهِ الدُّنْيَا   بِزُخْرُفِهَا و لَا       بِمَتَاعِها البَرَّاقِ , و المُتَسَلْسِلِ(6)

                                   ********

يا داعِيًا   لِلَّهِ !     فِي   أقوَالِهِ       و فِعَالِهِ , مَعَ حِكْمَةٍ و تَمَثُّلِ(7)

لم تَأْلُ جُهْدًا في البَيَانِ لِدعوَةٍ       في مَسجدٍ, أو مَوْلدٍ , أو مَحْفِلِ(8)

تَبْكِيكَ"مَنْبِجُ" و"الشَّآمُ" بِأَسْرِهَا    

و"البَابُ"و"الشَّهْبَا"؛ بِقَلْبٍ مُثْكَلِ(9)

و كَذاكَ "أعْزَازٌ, بُزَاعَةُ , تاذِفٌ"       تَرْثِي جَميعًا كَوْكَبًا لَمْ يَأْفُلِ(10)

ما زالَ فِينَا   داعِيًا , و مُبَشِّرًا

     "بِهُدَى الرِّسالةِ, والكِتابِ المُنْزَلِ"(11)

ما زالَ   فينا   شاعِرًا   مُتَمَثِّلًا

   "دَرْبَ الصَّحَابَةِ والرَّعِيلِ الأوَّلِ"(12)

ولـِ"جَامِعِ الخَيْرِ"اسْألَنْ كَمْ خُطْبَةٍ  

أدَّى, وفي"الصديق"ذي القَدْرِالعَلِيّْ(13)

سَلْ"جَامِعَ النُّورِ, الزِّيَارَةِ" رَحْبَهُ  

وكذا "العَلَائِي"؛ عَن خَطِيبٍ أمْثَلِ(14)

                                ********

أوذِيتَ   في ذاتِ الإلَهِ و دِينِهِ    مِن بَعْثِ سُوْءٍ غاشِمٍ, مُتَسَفِّلِ(15)

وبُلِيتَ بِالسِّجْنِ الرَّهِيبِ فَلَمْ تَهَبْ     عَسْفَ الطُّغَاةِ ؛ مُعَذِّبٍ و مُنَكِّلِ(16)

فثَبَتَّ   كَالشُّمِّ الرَّوَاسِي مُؤمِنًا      بِجَزِيلِ صَبْرِ المُؤْمِنِ المُتَبَتِّلِ(17)

                                 ********

يا شاعِرَ الإسلامِ في عَصْرٍ دَجَا       فأضَاءَ حالِكَهُ ؛ بِشِعْرٍ سَلْسَلِ(18)

بِقَصَائِدٍ غَرَّاءَ عَبْرَ"حَضَارَةِ الـ     إسلامِ"مُشْرِقَةِ الهُدَى كالمِشْعَلِ(19)

بـِ"بِنَاتِكَ" الزُّهْرِ الحِسَانِ خَوَالِدًا  

في الناسِ؛ في ديوانِ شِعرٍ أجْمَلِ(20)

بـ "ظِلَالِ دَعْوَةِ" دِينِنَا أطْلَقْتَهَا     صَرَخَاتِ حَقٍّ في وُجُوهِ السُّفَّلِ(21)

و"اللهُ والطَّاغُوتُ" جَلْجَلَ صَوْتُهُ     صَرَعَ الظَّلامَ بِصَوتِهِ المُتَجَلْجِلِ(22)

و"اللُّؤْلُؤُ المَكْنُونُ" شِعرٌ رائِقٌ"؛     يُحْيِي النُّفُوسَ الظَّامِئَاتِ لِمَنْهَلِ(23)

بَشَّرْتَ بـ"الصبح القريب"فجاءنا     بـِ"لِوَاءٍ ابْيَضَ"مُشْرِقٍ, بِتَجَمُّلِ(24)

"بُنْيَانُكَ المَرْصُوصُ" أثْمَرَ يَنْعُهُ,   مَعَ"طَاقَةِ الرَّيْحَانِ"عَذْبِ المَنْهَلِ(25)

                                 ********

يَا مُسْعِفَ الفُقَرَاءِ والأيْتَامِ مَعْ       جُهْدٍ ؛ بِسَعْيٍ مِنْ كِرَامٍ بُذَّلِ(26)

                                 ********

يا عَاشِقًا   لِرُبُوعِ مَنبِجَ   والِهًا       بِتُرَابِهَا , و نَسِيمِهَا المُتَبَلِّلِ(27)

بِجِنَانِها , و ظِلالِها , و ثِمَارِها      وبِمَائها العَذْبِ النَّمِيرِ السَّلْسَلِ(28)

بِأُنَاسِها ؛ البُرَآءِ  مِن سُكَّانِها      الصَّادِقِينَ ؛ بِفِعْلِهِمْ و بِمِقْوَلِ(29)

و لَكَم تَرَدَّدَ   ذِكْرُهَا   بِقَرِيْضِكُمْ

   "بُشْرَاكِ مَنبِجُ"! بِالوَلُوعِ غُزَيِّلِ(30)

                                 ********

سَتَظَلُّ   في سِفْرِ الدُّعَاةِ   مُخَلَّدًا       بِحُرُوفِ نُورٍ , لامِعَاتٍ مُثَّلِ(31)

ستظل   في سفر العِظَامِ   مُبَرِّزًا     في سِلْكِ أعلامِ البَيَانِ البُزَّلِ(32)

ستظل في دُنيَا القَرِيضِ مُجَلِّيًا       في الشاعِرِينَ المُؤمِنِينَ العُمَّلِ(33)

ستظل في الخُطَبَا خَطيبًا مِصْقَعًا     ذِكْرَاكَ عِطْرٌ في نُفُوسِ الفُضَّلِ(34)

                                 ********

جَاءَتْ مَنُونُكَ في زَمَانٍ عاصِفٍ    

في ظِلِّ"دَعْشُونَ"الأثِيْمِ المُبْطِلِ(35)

فَلِذَاكَ   قَلَّ   مُشَيِّعُوكَ   تَخَوُّفًا

       مِنْ بَطْشِهِمْ, وفَظَائِعٍ لم تُجْهَلِ(36)

لَوْلَا اضْطِرَابٌ شَيَّعَتْكَ   مَلَايِنٌ      

مِن أهْلِ وُدِّكَ؛ مُحْسِنٍ أومُجْمِلِ(37)

نَمْ فِي جِوَارِ اللهِ ؛ أرْحَمِ راحِمٍ

       نَوْمًا هَنِيْئًا , بِالثَّوَابِ الأجْزَلِ(38)

نم في حِمَى الرَّحْمنِ فِي مَلَكُوْتِهِ

       في ظِلِّ أكْرَمِ   مُنْعَمٍ مُتَفَضِّلِ(39)

                                 ********

يَا رَبِّ   أمْطِرْ نُزْلَهُ   بِمَرَاحِمٍ         تَتْرَى, ومَغْفِرَةٍ, وجَمِّ تَفَضُّلِ(40)

وأثِبْ مُفِيدِي شِعْرِهِ , أوْ عِلْمِهِ       الرَّاقِبِينَ"حَضَارَةَ المُسْتَقْبَلِ"(41)

                                 ********

gzayel9122.jpg

الغزيل يلقي كلمة

*شرح القصيدة: (هالَةُ الهُلَيِّل بِشَرْحِ مَرْثِيَّةِ الغُزَيِّلِ) 

(1) عينيَّ: يا عَيْنَيَّ. *جُودَا: اِبْكِيَا بِحَرَارةٍ وغَزَارَةِ دَمْعٍ؛ قالت سيدتنا الخنساء-"تُماضر بنت عمرو بن الشريد"ترثي أخاها صخرًا وتبكيه- قالت:

أعَيْنَيَّ جُودَا   و لا تَجْمُدَا                 ألَا تبْكِيَانِ لِصَخْرِ النَّدَى

   ألا تبكيان الجَرِيءَ الجَمِيلَ               ألا تبكيان   الفَتَى السَّيِّدا

*الهُمَّل: ج هامل؛ سائل بغزارة. *هُلَّا: اِجْرِيَا, سِيْلَا كثيرًا. *دمًا: بدمع كالدم. *لِمحمد بن غزيل: لِأجْلِه, حُزْنًا عليه.

(2) البُحْتُرِيّ الثاني: البحتري الصغير؛ هو الأستاذ الغزيل, وقد لقبه به أستاذه"إسماعيل حقي" تشبيها لشعره بشعر البحتري الأول ابن منبج أيضا؛ لعذوبته وسلاسته ووضوحه. والبحتري الأول: هو: أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتري الطَّائِيّ, الشاعر العباسي المنبجي المشهور؛ من أكبر شعراء العصر العباسي, وهو الذي اشتهر بحسن الديباجة وروعة الوصف, وكان يقال لشعره "سلاسل الذهب", ولد بمنبج سنة 206, وتوفي فيها بالسكتة سنة 284هـ. *معجم أعلام المورد لمنير البعلبكي 96, بتصرف.

*لذي ديباجة: لصاحب ديباجة, والديباجة: الأسلوب الحسن. *الوسيط: 269. *زهراء: مشرقة منيرة واضحة جميلة. *فاح: انتشر. *عبيرها: رائحتها الطيبة. *القرنفل: جنس أزهار طيبة الرائحة مشهورة, تزرع في البلاد الحارة, وتستعمل أزهارها المجففة تابلا. الوسيط: 731.

(3) لفتى غلاظ: شهمها وكريمها ونجيبها. وغلاظ: قبيلة الشاعر. *شهمها: الشهم: الرجل الشجاع الكريم ذو النجدة والمروءة. *نجيبها: النجيب: الكريم الفحل الحسن الأقوال والأفعال. *صاحب القدح العلي: السَّبَّاق.

(4) سحر القلوب: بهرها وجذبها بشدةٍ إليه. *قريضه: شِعرُه. *الجزل: القوي المُتَمَاسِكُ. *الجليُّ: الواضح. وقد عرف الشاعر بوضوحه في شعره مع إجادته وإبداعه في شعره؛ فقد كان يكره ما يسمى بالشعر الحر الغامض ولا سيما"الشعر المنثور"؛ وهو القائل فيه مطلع "طاقة الريحان":

إني   لَأرقُبُ   أنَّ ذاكَ   "الحُرَّ"   يَقْتَربُ   انْحِسَارُهْ

*"الأعمال الشعرية الكاملة 190".

وهو القائل من قصيدة: "بطاقة إلى صديق مجهول"

يا صديقي أيها المعلوم - يا مجهول - يا طلق المُحيَّا

           إن يُعَانِ   الصَّحْبُ مِنْ شِعْري   وُضُوحًا   ألْمَعِيًّا

             فَبِحَسْبِي ,  و أنا   أحْمَدُ   رَبِّيْ   أنْ بَرَانِي   عَرَبِيًّا

*"الأعمال الشعرية الكاملة 241".

(5) تَرَجَّلَ الفارس: نزل عن فرسه فمشى. الوسيط 332. والفارس المترجل"الشاعر"مجاز عن كونه ترك الشعر والأدب والدعوة بسبب موته؛ أي: أنه كان طول حياته مُجْتَهِدًا عاملا في تلك الميادين ولم يتوقف حتى تُوُفِّي.*مُكافحًا: مُناضلا.*لمؤثل: لمجد أصيل ثابت؛ قال امرؤ القيس:

ولو أنما أسعى لأدنى معيشة           كفاني - ولم أطلب قليلٌ- منَ المالِ

و لكنني أسعى   لمجد مؤثل           و قد يُدْرِكُ المجدَ المُؤَثَّلَ أمْثالي

وقال آخر:

لَسْنَا   و إن أحْسَابُنا   كَرُمَت             يومًا   على الأحسابِ   نَتَّكِلُ

نَبْني , كما   كانت   أوَائِلُنا             تبني , و نفعلُ   مِثْلَما   فَعَلُوا

وهذه الأبيات الأربعة كان يرددها كثيرا شاعرنا الراحل يرحمه الله.

(6) زخرف الدنيا: متاعها وذَهَبُها وأشياؤها المادِّيَّة. *البَرَّاق: اللامِع الخَدَّاع. *المُتَسَلْسِل: المُتَتَابِع المُتَّصِل والبَرَّاق كالسِّلْسِلَة. الوسيط 442.

(7) التَّمَثُّل: ضرب المثل والحكمة كثيرا في الدعوة والكلام.الوسيط 854.

(8) لم تألُ: لم تُقَصِّر. *مَحْفِل: المجلس ومكان اجتماع الناس لفرحٍ أو تَرَح. الوسيط 186.

(9) الشآم: بلاد الشام ودمشق. وكم كان يحب الغزيل دمشق التي درَس فيها المرحلة الجامعية ويذكرها في نثره وشعره, ومن ذلك قوله الجامع بين حبه لمدينته منبج ومدينة دمشق العاصمة المباركة:

وإن حب دمشق في ضمائرنا         باق و منبج قد زادته تمكينا

*الباب: مدينة شرق محافظة حلب تابعة لها؛ تتوسط بين حلب ومنبج, وتبعد عن كليهما نحو 40 كِيلًا, وقد كان للراحل نشاطات دعوية وثقافية كثيرة فيها وفي حلب, فضلا عن بلده منبج. *الشهبا: حلب الشهباء؛ سميت كذلك لبياض حجارتها. *بقلب مُثْكَل: أي فاقد للشاعر حزين عليه.

(10) أعزاز: مدينة تتبع حلب, وتقع شمالها بنحو 45 كيلا. *بُزَاعَة: بلدة وناحية شرق مدينة الباب قريبة منها وتابعة لها. *تاذف: بلدة تابعة للباب قريبة منها, تقع جنوبها, على طريق حلب منبج الحسكة. *ترثي: تبكي. *الكوكب: جِرْم سَماوِيٌّ يدور حول الشمس ويستضيء بضوئها. الوسيط 793. أي: أن الشاعر الراحل كان كوكبا مضيئا للناس؛ قال الحسن البصري رحمه الله: "العلماء سُرُجُ الأزمِنَة, وكل عالم في قومه سراج".

(11) بِهُدَى الرسالة ... : بنور وإرشاد رسالة الإسلام والقرآن الكريم. وهذا الشطر مُضَمَّن من ديوانه "الصبح القريب/124" من قصيدة للشاعر مشهورة عنوانها: "الليل والنهار" مطلعها:

الليلُ ما لِلَّيلِ يَحجبُ فجرَنا؟             و يَلُفُّه بدُجى الظلامِ المُسْدَلِ

وصدر البيت المضمن مع عجزه هو:

و محمد   شَقَّ  السبيلَ   أمامَنا           بِهُدى الرسالةِ و الكِتابِ المُنْزَلِ

(12) متمثلا: مُطَبِّقًا ومُنَفذا وسالكا. *الرعيل الأول: الصحابة الكرام رضي الله عنهم؛ جيل الإسلام الخَيِّرُ الأوّل. وهذا أيضا مُضمن من قصيدته تلك, وهذا هو البيت كاملا:

جُنْدُ العقيدةِ والجِهَادِ و دَرْبُنا           دربُ الصحابَةِ والرعيلِ الأولِ

(13) "جامع الخير": أحد مساجد منبج المعروفة, يقع جنوبيها قريبا من مبنى البريد والهاتف, وكان الفقيد يخطب فيه قبل منعه من الخطابة سنة 1985م زمن المقبور حافظ الأسد. *"جامع الصِّدِّيق": في منبج شرقيها على طريق ريفها الشرقي, كان يخطب فيه الغزيل قبل منعه.

*الصدِّيق ذي القدر العلي: سيدنا أبو بكر رضي الله عنه صاحب الشرف.

(14) "جامع النور": شرقي منبج فوق هضبة قريب من "مطعم أبي هلال للفلافل والشطائر", كان يخطب فيه الغزيل قبل منعه. *"جامع الزيارة؛ جامع الشيخ عقيل المنبجي": في منبج من شرقيها الجنوبي قريب من بيت الغزيل؛ كان يخطب فيه قبل منعه. *"جامع العلائي": في وسط منبج جنوب مركزها وسوقها المسقوف؛ كان يخطب فيه أبو الغزلان قبل منعه. *خطيب أمثل: أفضل وأجود.

(15) أوذيت في ذات الإله ودينه: عُذِّبْتَ في سبيل الله تعالى ومن أجل دين الإسلام؛ قال سيدنا خُبَيبُ بنُ عدي رضي الله عنه:

و لستُ أبَالِي حِينَ أُقْتَل مُسلِمًا     على أيِّ جَنْبٍ كانَ في اللهِ مَصْرَعِي

و ذلك في ذاتِ الإلَهِ و إنْ يّشَأْ       يُبَارِكْ على أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

و لستُ   بِمُبْدٍ  لِلعَدُوِّ   تَخَشُّعًا       ولا جَزَعًا, إنِّي - إلى اللهِ- مَرْجِعِي

*مِن بعث سوء: من قِبَلِ حِزب البعث الخبيث. غاشم: بطَّاش كثير الظلم والتنكيل بالشعب. *مُتَسَفِّل: مُنْحَطٌّ سافل ساقط. الوسيط 434.

(16) بُلِيتَ: امْتِحِنْتَ. *الرهيب: المُخِيف. *لم تهَب: لم تَخَفْ. *عَسْف الطُّغَاة: ظُلمَهُم وبَطْشَهُم. والطغاة: ج طاغٍ, كثير الظلم والبَغْيِ. *مُنَكِّل: قامِع ومعَذِّب.

(17) ثَبَتَّ: صَمَدْتَ ولم تَتَزَعْزَعْ. *الشُّمُّ الرَّوَاسِي: الجبال الثابتة. *جزيل: كثير. *المُتَبَتِّل: العابِد الخاشِع.

(18) دجا: أظلَمَ. *حالِكَه: مُظْلِمَه, والحَلَكُ: شِدَّة الظلام. *سَلْسَل: حُلو سائغ, وماء سلسل:عَذْب صاف سهل المرور في الحلق. الوسيط 443.

(19) قصائد غراء: مشهورة واضحة مُضيئة. *حضارة الإسلام": مجلة إسلامية دمشقية مشهورة أسَّسها في سورية منذ الستينيات الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله, ومنعها وأوقفها نظام البعث الفاجر سنة 1982م. وكان يكتب فيها كبارُ الكتَّاب والمفكرين من سورية ومصر والعراق والهند وغيرها أمثال: الدكاترة: يوسف القرضاوي و مصطفى السباعي ووهبة الزحيلي, وعماد الدين خليل, ومحمد أديب الصالح, والشيخ أبي الحسن الندوي, والشيخ عبد الله علوان, والفقيه الشيخ مصطفى الزرقا, والمفكر الشيخ محمد الغزالي, وعلامة حماة والشام المجاهد: الشيخ محمد الحامد, ومن الشعراء: محمد منلا غزيل, ومحمد الحسناوي, وعبد الله عيسى السلامة, وعمر بهاء الدين الأميري, والأستاذ الحقوقي والقانوني الحلبي: عبد القادر السبسبي, والأديب القاص: إبراهيم عاصي, والأديب الكبير الأستاذ عبد الله الطنطاوي, وغيرهم.

(20) بناتك: بنات الشاعر قصائده, وللشاعر عمر أبي ريشة رحمه الله قصيدة رثاء للأخطل الصغير عنوانها:"بنات الشاعر", وللشاعر عمر بهاء الدين الأميري ديوان:"بنات المغرب", ولي دواوين: "بنات الإمارات" و"بنات تركيا" و"صمصونيات". *الزُّهْر الحِسان: الجميلات المشرقات؛ الزهر ج زهراء, والحسان: ج حسناء. *خوالدا: باقيات, ج خالدة.

(21) "في ظلال الدعوة": أول ديوان صدر للشاعر. *السُّفَّل: ج سافل, الساقط المُنْحَطُّ سَيِّئُ الأخلاق.

(22) "الله والطاغوت": من دواوين الشاعر. *جَلْجَلَ: ارتفعَ وعلا صوته داوِيًا. *صرع: غلبَ. *المُتَجَلْجِل: المُرتَفِع العالي.

(23) "اللؤلؤ المكنون": ديوان للشاعر. *رائق: عذب جميل. *منهل: نبع.

(24) "الصبح القريب, اللواء الأبيض":       من دواوين الشاعر الراحل.

(26) مُسْعِف: مُنْجِد ومُساعد. *جُهْد: شيء قليل, فقْر وحاجة. الوسيط 142. *سعي: تَصَرُّف وأخذ المال من أربابه وإعطاؤه للمحتاجين. الوسيط 431. *بُذَّل: ج باذل, مُعْطٍ.

(27) رُبُوع: ج رَبْعٍ, مكان. *والِهًا: مُحِبًّا حُبًّا شديدًا. *نسيمها المُتَبَلِّل: هوائها النقِيّ العَلِيل النَّدِيّ, وتَبَلَّلَ: تَنَدَّى, و: البَلِيل: الرِّيح ذاتُ بَرْدٍ ونَدًى. *معجم متن اللغة لأحمد رضا 1/342, 343.

(28) جنانها: حدائقها.*ظلالها: أفياؤها. *العذب والنمير والسلسل: بِمعنى.

(29) البُرَآء: الطيبون الفِطْرِيُّون, وهذا من قديم الزمان؛ فقد وصف الرَّحَّالةُ ابنُ جُبَير الأندلسي أهلَ منبج أواخر القرن 6 هـ بقوله: "وأهلها أهلُ فَضلٍ وخير, سُنِّيُّون شافعيون, وهي مُطَهَّرَة بِهم مِن أهل المذاهب المُنحرفة, والعقائد الفاسدة, كما تجده في الأكثر من هذه البلاد؛ فمُعَامَلاتُهم صحيحة, وأحوالهم مُستقيمة, وجادتهم الواضحة في دينهم مِن اعتراض بُنَيَّات الطريق سَليمة". *رحلة ابن جبير224. *المِقْوَل: اللسان.

(30) لَكَمْ: كثيرًا. *بُشْرَاكِ مَنبِجُ: لَكِ البُشرى يا منبج, وهي إشارة إلى قول الغزيل في ختام قصيدته "نفحة خالدة":

بُشراكِ منبجُ و البشائرُ جمَّة              غَلَّابة غمَرَتْ رُؤاها مَنْبِجَا

*الأعمال الشعرية الكاملة 199.          *الوَلُوع: كثير الحُبِّ.

(31) سِفْر: كتاب.   *مُخَلَّدًا: باقِيًا.   *مُثَّل: حاضرات شاخصات, ج ماثِل.

(32) مُبَرِّزًا: ظاهِرًا مَشهورًا. *في سِلْك: في طَبَقِة. *أعلام البيان: كبار الأدباء الفُصَحَاء. *البُزَّل: السابقون البارزون, كاملو التجربة, ج بازل. *رَ: المعجم الوسيط 54.

(33) دنيا القريض: عالَم الشِّعر. مُجَلِّيًا: سَبَّاقًا غَلَّابًا.   *العُمَّل: ج عامل.

(34) الخطيب المِصْقَع: المُفَوَّه المُجِيد البليغ المتفنن. *الوسيط 518. *الفُضَّل: ج فاضل.

(35) مَنُونُك: وَفَاتُكَ. *زمان عاصف: وقت فِتنة. *دَعْشُون: تنظيم داعِش الوحشي صناعة المخابرات العالمية.     *المُبْطِل: صاحب الباطل.

(36) بطشهم: انتِقامهم وتَنْكِيلهم.   *فظائع: ج فظيعة, كل فعل قبيح جِدًّا.

(37) اضطراب: فتنة وقَلَاقِل. *أهلُ وُدّك: مُحِبُّوك. *محسن ومجمل: صاحب إحسان وفعل جميل.

(38) الثواب الأجزل: الكبير الأعظم.

(39) في ملكوته: في عالمه الواسع.

(40) امْطِرْ نُزْلَهُ بِمَراحم: أنزل الرحمات الكثيرة على مثواه وقبره. *تترى: مُتَوَالِيَةً مُتَتَابِعَة. *جَمّ تَفَضُّل: كثير تكَرُّم وإحسان وإنعام.

(41) أثِبْ: اِجْزِ, أعْطِ. *مفيدي شعره أو علمه: المستفيدين منه, قارئيه. *الراقبين: المُرتقبين المُنتظرين. وفيه إشارة إلى آخر بيت من قصيدته "الليل والنهار" والذي يقول فيه:

الليلُ لَن يَقْوَى على أشْواقِنا           لِنَهارِنا , و حَضَارَةِ المُسْتَقْبَلِ

*الأعمال الشعرية الكاملة لغزيل 125".

 

المراجع

 

1- "محمد منلا غزيل في ظلال الدعوة". للأديب الأستاذ عبد الله الطنطاوي, صفحات متفرقة منه. ط2 مطابع الدستور التجارية, نشر: دار الفرقان للنشر والتوزيع - عَمَّان, 1402هـ - 182م.

2- "الأعمال الشعرية الكاملة". للأستاذ محمد منلا غزيل, ط2, دارعمار -عمان, 1403هـ - 1983م.

3- مقالة: "الداعية الشاعر محمد منلا غزيل". للأستاذ محمد عدنان كاتبي على الشابكة"رابطة العلماء السوريين".

4- "علماء وأعلام تركوا بصماتهم في تاريخ منبج القديم والمعاصر". د. إبراهيم الديبو, صفحات من: 54- 68. ط1, دار طيبة - دمشق, 1429هـ - 2009م.

5- مقالة مطولة عنوانها: "الشاعر الداعية محمد منلا غزيل". للأستاذ عمر عبسو في موقع "رابطة أدباء الشام" على الشابكة.

6- "معلوماتي الشخصية" عن الشاعر المُتَرجَم.

7- "معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين". للأستاذ أحمد الجدع ص: 1147- 1150. ط1, دار الضياء - عمَّان, 1421هـ - 2000م.

8- "نشيدنا".أبو الجود وفرقته. ط 5, دار السلام, بيروت- حلب, 1983م.

9- "نشيد الكتائب, مجموعة أناشيد أبي مازن كاملة مع تراجم لشعراء الدعوة". للمنشد الإسلامي الأستاذ أبي مازن؛ "رضوان خليل عنان", ط 8, دار الوفاء المنصورة, مصر, 1420هـ - 2000م.

10- "المعجم الوسيط". لنخبة مؤلفين من مجمع اللغة العربية القاهري, القاهرة - ط2, 1392هـ - 1972م.

11- "معجم متن اللغة". للشيخ أحمد رضا العاملي ت 1953م, ط 1, دار مكتبة الحياة - بيروت, 1378هـ - 1958م.

12- "رحلة ابن جبير الكناني الأندلسي"؛ محمد بن أحمد ت 614هـ.

13- "ديوان ابن الرومي"؛ علي بن العباس ت 283هـ. تح د. حسين نصار, ط3 , دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة , 1424هـ - 2003م.

14- "الموسوعة العربية". هيئة الموسوعة العربية, ط2, دمشق, 2008م.

gzayel9123.jpg

الغزيل أواخر حياته

وسوم: العدد 912