‏الداعية الأستاذ حسني شيخ عثمان

رجال في ذاكرتي

علماء - أدباء - دعاة

مضى اكثر من ساعتين وأنا أستمع لكلامه الدقيق العذب في طريقي من دمشق إلى حلب في١٩٧٥ م ، على ما قال أحدهم تحملني أم أحملك أي تحدثني أم أحدثك !ولكنه كان الحامل ولميتوقف الحديث !فمضت بنا الحافلة التي تجاوزت مدينته حماة وكان حديثا ممتعا لم يتجاوزموضوع التجويد الذي برع فيه أداء و تأليفا وثناءً على من تلقى العلم عنهم ، وقد خص الشيخمحمد الحامد بوافر الدعاء والشكر راجيا أن يكون قد أدى حق التتلمذ على هؤلاء الأفاضل !والعجيب أنني لم أتكلم كثيرا ولم أعلق إلا بالدعاء بالرحمة لأولئك الأفذاذ الذين تخرج فيمجالسهم أمثال محدثي .

قرب حلب طويت الكتاب ‏الذي رافقني أكثر من ساعتين (حق التلاوة ) ورجوت أن ألقى مؤلفهحسني شيخ عثمان وقد أمتعني وأفادني بمنهجية التطبيق الذي يعتمد أصول تدريس التجويدفي تعلم تلاوة القرآن وتعليمه على رواية حفص عن عاصم .

وبعد سنوات قدر الله لنا لقاء وذلك عام ١٩٨٤ ميلادية ‏في المدينة المنورة إذكان يعمل في قسمالتخطيط بالجامعة الإسلامية وكنت مدرسا للأدب في المعهد الثانوي التابع لها ومقره داخلالجامعة

وتوالت اللقاءات في مناسبات وزيارات وكان الأستاذ حسني بثقافته الموسوعية : شرعية وفكريةوتاريخية ينفحنا بآراء سديدة و كتب جديدة ، وقد امتاز رحمه الله بالدقة في تأليفه وفي كلامه ، ‏وفيما يسمع من الناس وكأني بعلم التجويد ( التحسين ) بما فيه من دقة وصون اللسان عناللحن في تلاوة القرآن قد صبغ حياته الفكرية والعملية !

وقد توزعت اهتماماته التي حرص أن تكون في خدمة الإسلام والمسلمين فغبلت على تخصصهفأصدر أكثر من كتاب في علم التجويد وتطبيقاته وقد أهدى إلي ‏- جزاه الله خيرا - أكثرها (تجويد الفاتحة ) ( أصول تدريس التجويد ) (حق التلاوة )الذي كتب الله له القبول فكان حتى عام١٤١٥ للهجره قد طبع الطبعة العاشرة و أتبعه بكتاب ( كيلا نخطئ في الإملاء ) لمستوى الكباربعد أن رأى حاجة كثير من الناس على الرغم من تعلمهم وإنهائهم ‏لمرحلة القراءة والكتابة فيالمدارس الرسمية تظهر في كتاباتهم أخطاء تجعلهم في مواقف حرجة !؟ وكذلك كان اهتمامه لايغيب عما يحاك ضد الإسلام من تشويه وأفكار فكانت سلسلة رسائل تقدمية التي حملت عناوين(الطبيعة و الإله ) ( معنى الإسلام ) (وحدة الدين ) (هارون الرشيد وتنابل السلطان عبد الحميد) ( هل للدين أساس من الصحة) ولنجعل لنا وقفة قصيرة مع رسالته المشايخ والاستعمار التي كشف فيها على الرغم من صغر حجمها المؤامرة الصليبية الاستعمارية التي وجهت ضد علماءالأمة بحملات مسعورة مستترة استعملت كل أفانين الدعاية والإشاعة وأساليب علم النفسوالاجتماع لتشويه ‏سمعة العلماء كي تكرههم الأمة وترفض التأثر بعلمهم !؟ فأطلقت كلمة شيخ على كثير من الأصناف ، و اختلقت الحكايات حول سلوكيات ومواقف لا تمت إلى أهل العلموالداعين إلى الله بصلة عن طريق الأفلام و الكتابات المغرضة وصور ت المشايخ بصور بعيدة عنواقع العلم و الدعوة ‏!؟

كما لم يكن التاريخ بعيدا عن اهتماماته فقد أُوتيت الأمة من لغتها و خصائصها وغزا أعداؤهادواوين تاريخها في توجيه الأحداث كما يريدون وتشويه حركة الأشخاص كما يتصورون !؟

ففي نقده كتاب : (أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ) أصدر كتابا بعنوان (أباطيل الأباطيل )بيّن فيه أن مؤلف الكتاب ‏جعل الإحساس بالوجدان من سبل المعرفة وأنه قلما يخطئ واتهم كتابات العرب والمسلمين بأنها مفعمة بالأكاذيب والأغاليط ، ورفض الروايات التي تتعارض مععقله ومنطقه ووجدانه ، وتعمد مخالفة ما تعارف عليه القضاة والمؤرخون والناس وغير ذلك !؟ وهذاالأمر يقدح في علمية الكتاب ! و أما كتابه ‏هذا أبو ذر فقد كان دراسة مفصلة عن حياةالصحابي أبي ذر الغفاري في الجاهلية والإسلام مع دراسة تاريخية عن حقيقة موقفه منعثمان ومعاوية رضي الله عنهما ومناقشة ما نسبه المؤلفون المحدثون وما زوره المؤرخونالمغرضون بنسبة مواقف له فسروها تفسيرات توافق هواهم فألفوا الكتب ‏والدواوين كما ( ثائرمن غفار )وأقاموا له صنما على أنه أول اشتراكي في الإسلام !!؟

وأما كتابه : أحسنوا أسماء أبنائكم فقد كان موسوعة في بابه !فالأسماء عناوين المسمياتولهاحقائق ودلالات وهي أساس اللغات التي تبنى عليها الثقافات وقد اختار الله لدينه أجملالأسماء ‏وسمى حبيبه بأرفعها وأوسمها فهو محمد وأحمد ! ومن الأسماء ما هو محبب عند اللهومنها ما هو مذموم مقبوح ، قد رد كل اسم إلى صيغته المجردة وقدم فصلا بالأسماء المرغوب بها!

رحم الله تعالى أخانا الأستاذ الداعية حسني شيخ عثمان فقد كان له من اسمه نصيب كبيرفجمع بين الحسن في الأخلاق والأفعال وما خطته يمينه من تآليف نافعة !

انتقل من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة للعمل في رابطة العالم الإسلامي وتقديم جهوده الدعويةوالفكرية والتخطيطية و أقام سنوات فيها ثم توفاه الله بها ودفن فيها عام ٢٠١٧ م

وسوم: العدد 1007