الشيخ الداعية أحمد عز الدين البيانوني

DHnfmj1012.jpg

( ١٩١٣ - ١٩٧٥م )

   هو الشيخ أحمد عز الدين البيانوني الملقب بالصياد، ابن الشيخ عيسى البيانوني رحمه الله تعالى.

ـ والبيانوني، نسبة إلى قرية صغيرة اسمها (بيانون) تقع شمال غرب مدينة (حلب)، وهي مسقط رأس الشيخ عيسى رحمه الله تعالى، التي رحل منها إلى حلب، فنسب إليها وعرف بها.

المولد، والنشأة:

ـ ولد الشيخ أحمد عام 1330هـ الموافق 1913م في مدينة حلب، واستقر فيها مع والده رحمه الله تعالى، وكان والده من علماء حلب المشهود لهم بالعلم والفقه، والورع والتقوى، والتمسك بالسنة النبوية والمحبة لرسول الله صلى عليه وسلم.

ـ نشأ الشيخ أحمد في أسرة علمية صالحة، وأفاد من علم والده، ومن علماء عصره، وتتلمذ على شيخ والده، في التصوف، الشيخ محمد أبي النصر خلف الحمصي، وأفاد منه كثيراً، والتقى كثيراً من أقران والده من علماء حلب وعلماء بلاد الشام، وعلماء الحرمين الشريفيين، وغيرهم من علماء العالم الإسلامي.

الدراسة، والتكوين:

ـ تلقى الشيخ أحمد دراسته النظامية في المدارس الحكومية، وتخرج في دار المعلمين، ثم عمل في حقول التربية والتعليم المختلفة، وعمل الشيخ رحمه الله مدرساً في المعهد العربي الإسلامي، كما عمل سنوات عديدة ناظراً في الثانوية الشرعية (الخسروية)، وكان له تأثيره البالغ في نفوس الطلاب، حتى طلب الإحالة على المعاش عام 1968م، حرصاً على التفرغ للدعوة، وتربية الشباب على المنهج التربوي الذي شرح الله له صدره، وسار عليه في حياته، وقد ظهر أثر ذلك المنهج القويم في أهله وأولاده، وإخوانه ومحبيه، وجميع من يلوذ به.

ـ اتجه إلى طلب العلم الشرعي، والتمسك بالسنة النبوية، والاهتمام بالدعوة إلى الإسلام، والتربية على منهجه وآدابه، بُعيد دخوله ميدان التربية والتعليم، وهو شاب في مقتبل العمر، واتخذ لذلك منهجاً عملياً، يقوم على الحرص على تطبيق أحكام الإسلام، وسننه وآدابه، والتمسك بها وإشاعتها، ودعوة الناس إلى هذا المنهج، وتربية الأفراد والأسر على ذلك.

ـ نشاطاته الدعوية:

كان له دور رائد مع العلماء والدعاة إلى الله تعالى، في شتى المجالات الاجتماعية والدعوية، التي تهم الإسلام والمسلمين.. وكان حريصاً على اجتماع كلمة العلماء، وتوحيد مواقفهم من الأمور العامة.

ـ كان متفنناً في أسلوبه التربوي، ومنهجه التعليمي، عظيم التأثير في نفوس تلاميذه.

ـ خلف والده رحمه الله تعالى في الخطابة في (جامع العثمانية) والإمامة في (جامع أبي ذر)، وانطلق عام 1385هـ/1965م من جامع أبي ذر، في تأسيس جماعة إسلامية دعوية، اهتمت بإحياء رسالة المسجد ، وتربية أبناء المسلمين، على التمسك بهدي الإسلام ومبادئه وآدابه، في كل شأن من شؤون الحياة.. فأقبل الشباب على مجالسه الخاصة والعامة، ووضع لهم مناهج تربوية وتعليمية، على حسب مستوياتهم واحتياجاتهم، واعتنى بنشر العلم الشرعي في صفوفهم، واتخذ من الوسائل والأساليب التربوية والدعوية، ما يكفل لهم النشأة القويمة الراسخة، جاعلاً شعاره التربوي: (الاتباع والعمل، والأخذ بالعزائم، وإحياء السنن، وبناء الفرد والأسرة والمجتمع، على مبادئ الإسلام وآدابه). وقد انتشرت طريقته الدعوية في كثير من بلاد المسلمين، وساهمت مع غيرها من المدارس الدعوية في بعث الصحوة الإسلامية المعاصرة.

وامتازت شخصيته بعدة مزايا:

أهمها الصدق والصراحة، والحرص على الحق، وشدة التمسك به، والتضحية في سبيله، وكان واقعياً عملياً، يكره الكلام بغير عمل، يتمتع بصفات قيادية، قل أن تجتمع في رجل؛ فقد كان إدارياً دقيقاً، حازماً حكيماً، يباشر الأعمال بنفسه، ويتابعها بدقة واهتمام، ولا يمل من متابعة الأمور، والمحاسبة على التقصير، وكان مهيباً محبوباً، دمث الأخلاق، دقيق الملاحظة، رقيق الشعور، لطيف المعشر، ذا ذوق رفيع في كل شيء، لأنه ذو طبيعة فنية موهوبة، لا يمل جليسه من حديثه، لما يتمتع به من دعابة لطيفة، وحسن مفاكهة، وحضور بديهة، وانتقاء لأطايب القول، واحترام للجليس. كما كان شديد التواضع للحق وللخلق، يعرف ذلك في مجلسه ومشيته، وملبسه وتعامله مع جميع الناس، وكان حريصاً على النصح والتذكير، قائماً بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، في كل موقف، بحكمة بالغة، وحسن تأت للأمور، مما جعل تذكيره ووعظه، وأمره ونهيه مقبولاً ومحبوباً.

ـ وكان يشارك في أعمال البيت، ويعين أهله في عملهم، ويكرم ضيفه ويقوم بخدمته بنفسه، وكان عظيم الجود والكرم، والبذل والإنفاق في سبيل الله، لا يكاد يفرغ من سداد الدين الذي يتحمله في سبيل ذلك.

ـ وكانت تربيته لأبنائه وبناته، وإخوانه وتلامذته، أنموذجاً يحتذى في التربية الصالحة القويمة المتزنة، وقد أودع خلاصة تجربته التربوية، وفكره التربوي في كتابه (منهاج التربية الصالحة).

ـ وقام تصوره عن العمل الإسلامي في هذا العصر، والدعوة إلى الإسلام وخدمته، على أساس من الحرص على: (إحياء رسالة المسجد، وانطلاق الدعوة إلى الله تعالى من حلقات العلم والتربية في المساجد، والاعتناء بتربية الفرد والأسرة تربية شاملة متوازنة، على مبادئ الإسلام وقيمه وآدابه، بصورة تطبيقية عملية، فعمل على نشر العلم الشرعي في صفوف الشباب، ووضع منهجاً تربوياً متكاملاً، يتدرج بالشاب في تطبيق الإسلام، والالتزام بسننه وآدابه في كل شأن، وتكوين الأسرة الصالحة الملتزمة بآداب الإسلام وهديه، ثم الدعوة إلى ذلك في المجتمع.

وقد وضع لذلك رسالته الأولى: (سبيل الهدى والعمل)، والتي لخص فيها هدي الإسلام في جميع شؤون الحياة، وعرضه على شكل وصايا محددة، وقد حظيت هذه الرسالة بقبول عظيم في مختلف الأوساط، وطبعت أكثر من عشر طبعات، وانتشرت في مختلف البلدان، وترجمت إلى عدة لغات.

ـ أخلاقه، وصفاته:

كان رحمه الله تعالى عابداً زاهداً، تقياً ذاكراً، مستقيماً ورعاً، حريصاً على اتباع السنة في كل شأن، لا يترك التهجد في جميع الأحوال، شديد الخوف من الله، كثير البكاء من خشيته، عظيم الحب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ـ وقد وضع له بإخلاصه وتقواه، وزهده وورعه، وحكمته ولطف معشره، الحب والقبول في قلوب العامة والخاصة، حتى عند أولئك الذي يخالفونه الرأي، ويختلفون معه في المنهج.

ـ آثاره، ومؤلفاته:

شارك رحمه الله تعالى في إعداد مناهج التربية الإسلامية في سورية لعدة صفوف دراسية، مع الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله.

ـ وعني رحمه الله تعالى بتقريب العلوم الشرعية، والثقافة الإسلامية لأبناء هذا العصر، فألف سلسلة العقائد، وهي في سبعة أجزاء صغيرة، وسلسلة العبادات في الفقه الحنفي، بطريقة مناسبة وميسرة، وسلسلة (من هدي الإسلام)، وهي ذات موضوعات متنوعة، كلها مما يهم الشباب، ويسهم في تكوينهم الإسلامي المتزن، وقد صدر منها خمسة عشر كتيباً، وله بعض الكتب التي توفي قبل إتمامها، منها في الآداب الشرعية، ومنها تتمة الحديث في العشر المهلكات.

ـ خطب الجمعة التي كان يلقيها في جامع العثمانية كلها مكتوبة، وتمتاز بقوة البيان، وجمال الأسلوب، وجدة الطرح، ومعالجة الموضوعات المعاصرة، والبعد عن الحشو والتطويل، والتركيز على الجوانب الإيمانية والتربوية التي تحتاجها الأمة.

ـ وله شعر إسلامي، قوي جزل، في شتى الأغراض، وأكثره في الحنين إلى أرض الحجاز، وإثارة الشوق إلى المشاعر العظام، والتذكير بصاحب السيرة العطرة عليه أزكى التحية، وأعطر السلام، وفيه الحث على العودة الصادقة إلى دين الله تعالى، واتباع شرعه وهديه، والاعتزاز بالإسلام ومبادئه وقيمه.

   ترك عدداً من الأولاد والبنات كلهم على النهج الإسلامي الواضح منهم بكره (علي صدر الدين البيانوني) المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية.

والشيخ الداعية أبو الفتح البيانوني، وهو أحد العلماء العاملين في حقل الدعوة، ومنهم أيضاً الشيخ أبو النصر البيانوني رحمه الله تعالى الذي كان الأمين العام للجبهة الإسلامية في سورية..

ـ وفاته:

توفي الشيخ أحمد عز الدين البيانوني-رحمه الله تعالى- يوم الجمعة 17 من ذي الحجة 1395هـ/ الموافق 19 من كانون الأول 1975م، بعد مرض عضال ألم به، عانى من أشد الآلام، وكان أسوة حسنة في الصبر والاحتساب، ودفن في مقبرة (العرابي) في مدينة حلب، وكان يوم جنازته يوماً مشهوداً.

رحمه الله تعالى رحمة واسعة، ورفعه عنده في عليين، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

مصادر الترجمة:

١- الموسوعة التاريخية الحرة.

٢- العالم الرباني أحمد عز الدين البيانوني- د. عبد المجيد البيانوني.

٣- الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.

٤- مواقع الكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1012