العلامة الزاهد مُلَّا رَمَضَانُ البُوطِيُّ

sddsdggfs1027.jpg

*هو العالم الرباني والفقيه الشافعي الزاهد: ملا رمضان بن عمر بن مراد الكُرْدِيّ البوطي، ثم الدمشقي.

*اشتُهر بـ "مُلَّا رَمَضَان"، و"مُلَّا" هذا ليس اسمًا له كما يظن البعض؛ بل هي كلمة كردية بمعنى كلمة "الشيخ" العربية.

*وهو والد الشيخ د. محمد سعيد البوطي.

*ولد من أبوين كرديين بقرية "جيلكا" الصغيرة، بتركيا، وهي الواقعة في "جزيرة ابن عمر؛ جزيرة بوطان"، مقابل بلدة "عين ديوار" السورية.

*نشأ في "جيلكا" مع جده أبي أبيه الفَلَّاح "مُرَاد"؛ يعمل معه ويُساعده في الحقول وأعمال الزراعة وأسبابها.

*كانت والدته كثيرة الصلاح والتقوى؛ فأقنعت زوجها على توجيه ابنهما نحو الدراسة وطلب العلم.

*ترك العمل الزراعي مع جده وأبيه، وتعلم القراءة والكتابة وقراءة القرآن، ثم التحق بإحدى المدارس الكُردية التقليدية المُلحقة بأحد المساجد، وتنقل في قرى ومدارس عِدَّة، وتتلمذ على شيوخ عدة.

*من أهم وأشهر شيوخه الذين تتلمذ عليهم:

1- الشيخ محمد سعيد سِيدَا "شِيخ سِيدا".

2- سَيِّد محمد الفندكي. العالم المُتواضع.

3- المُلَّا عبد السلام: وهو الذي كان يدعوه تلميذه "سِيداي ملا عبد السلام"؛ أي أستاذي ملا عبد السلام.

*درس على هؤلاء الشيوخ وغيرهم علوم الآلة "علوم اللغة العربية"؛ من نحو وصرف وبلاغة، ومنطق، وعلم الوَضْع، والمَقُولات العَشْر ... .

*كما حفظ المتون العلمية المُعتمدة، ودرَسَ بعض الكتب المُقَرَّرة.

*بدأ - كشأن غيره- فتعلم تصريف الأفعال، ومسائل صرفية أخرى، ثم تعلم علم النحو من سلسلة كتب مُعَقَّدَة -"كما هو شأن أغلب طلاب العَجَم في تعلمهم العربية"-، وكان آخر ما قرأه منها كتاب "الجامي على الكافية لابن الحاجب ت 646هـ"، وهي لنور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي "المُلَّا جامي" ت 898هـ.

*تعلم من علوم الشريعة "العقائد النسفية"، ثم "تفسير القاضي البيضاوي عبد الله بن عمر ت 685هـ.

*ثم تعلم الفقه الشافعي فقرأ فيما قرأ كتاب "تُحفة المُحتاج في شرح المنهاج للنووي" للإمام ابن حجر الهيتمي المكي أحمد بن علي ت 974هـ.

*ثم قرأ في "أصول الفقه" كتاب "شرح الجلال المَحَلِّي على جمع الجوامع لابن السُّبْكِيّ".

*مع اهتمامه بحفظ المتون العلمية والمعتمدة والكتب المقررة، جعل أكثر اهتمامه بترتيل القرآن الكريم وتجويد تلاوته.

*اهتم من علم الفقه بعباداته وأحكامه السلوكية العملية، واستهوته كتب التصوف، ومن أهمها كتاب "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي؛ فاقتناه وعكف على قراءته.

*كما شُغف بدراسة سيرة سيدنا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأكثر من نوافل الطاعات والعبادات.

*كانت أمنيته الكبيرة أن يقتني ساعة يستعين بها في القيام لصلاة الليل، ولما تحقَّقت له فرح بها فرحا غامِرًا عارِمًا.

*في حين كان رفاقه وزملاؤه يضون جل وقتهم في حفظ المتون وتكرارها، وإعداد الدروسوحلّ المعضلات من المسائل والرموز، وفك الألغاز المُستعصية، كان الشيخ رمضان يُمضي أكثر وقته في قراءة القرآن وتجويده، والإكثار من النوافل والطاعات وقيام الليل؛ فكان زملاؤه يسخرون منه، ويتهمونه بالتقَعُّر والتكلف وتقليد كبار الشيوخ، وأن فعله هذا إنما هو عجز عن مُجاراتهم في حفظ المتون والمسائل المُستعصية؟!

*ساعة الامتحان (إن تتقوا الله يجعل لكم فُرقانًا):

لقد كان الشيخ رمضان بالنسبة لزملائه مُتخلِّفًا في حِفظ المتون، مَحدودَ المَلَكَة والقُدُرَات، وفي يوم من الأيام جاء الشيخ ليمتحن الطلابَ والشيخَ رمضان؛ فشَرَعَ يسألهم الواحِدَ تِلْوَ الآخَر، ولمَّا جاء دور الشيخ رمضان كان مُفاجِئًا ومُدْهِشًا؛ فسأله ووجَّه إليه ما شاء من الأسئلة في مُعضلات المسائل والنصوص، فألهمه الله السَّدَاد في الإجابة؛ فنظر إليه قائلًا في دَهْشَة: "الحَقُّ أنَّكَ لم تكن عالِمًا، ولكنَّ اللهَ قال لكَ: كُن عالِمًا، فكُنتَ؟!!

*ليلة الجمعة ويومها عند الشيخ رمضان وزملائه "طلاب الشريعة":

كان أولئك الطلاب زملاء الشيخ رمضان إذا جاءت ليلة الجمعة يقضونها في اللعب والرقص والمرح والأهازيج؛ إذ كانت هذه الليلة ويومها للإجازة والراحة من عناء الدراسة والحفظ طيلة أيام الأسبوع الأخرى؛ فكانوا يسهرون تلك الليلة حتى آخرها فيبلغ التعب منهم مَبْلَغَه فينامون ويَغُطُّون في سُبات عميق يستمر حتى وقت متأخر من الضحى؛ فتفوتهم صلاة صبح الجُمُعَة في وقتها بسبب اللهو واللعب، وهي أفضل ليالي الأسبوع مع كونهم طلابًا للشريعة؟!

*في نحو عام 1914م عمل الشيخ رمضان بعد تخرجه إماما في "مسجد جيلكا" قريته، ومدرسا للعلوم الشرعية في المدرسة المُلحقة به.

*شارك في الحرب العالمية الأولى ضد روسيا؛ فتطوع للدفاع عن بلاده الإسلامية والخلافة العثمانية التي كانت مريضة في أواخر عهدها، وكانت أكثر مشاركته فيها على حسابه الخاص، بعد تدريب سريع وسطحي في معسكرات قريبة من حدود روسيا قرب "وان" و"بِتْليس" ومناطق البحر الأسود، وكانت مشاركته في الحرب تجربة فاشلة وقاسية، كما أخبر، والسبب هو منع الصلاة، ومعاصي كثير من الجنود والضباط، مع قُرِّ الشتاء وبرده القارس، وثلوجه وصقيعه المتجمد المتراكم من كثرة تلك الثلوج، كما سيأتي حالًا.

*صورة قبيحة عن الجنود والضباط "العُثمانيين" في الحرب ضد الروس:

يذكر الشيخ رمضان رحمه الله سبب إخفاق مشاركتهم في الحرب العالمية الأولى ضد روسية وقسوة تلك التجربة؛ فيذكر أن الضابط المسؤول عنهم كان يتضايق من أدائه للصلاة؟!

وحاول منعه من الصلاة أكثر من مرة فقال له مُلَّا رمضان: "إنني لستُ جُنديا مُوظَّفًا في مُعسكركَ، إنني مُتطوع للقيام بواجبي الجهادي هذا، ومُتحمِّل تكاليفَ ذلكَ، دُونَ أيِّ مِنَّةٍ منكم، ابتِغَاءَ مرضاة الله عزوجلّ؛ فبأيِّ حقٍّ تمنعني من أن أؤدِّيَ أوامِرَ الله الذي لم أشترك معكم في المجيء إلى هذا المكان إلَّا لِمَرضاته؟!

كما وصف أخلاق كثير من الجنود والضباط بالابتعاد عن الاستقامة، والانهماك في المعاصي، وربَّما الفَواحِش؟؟!!

وربما سألتَ أحدهم عن اسم رسوله المُرسَلِ إليه من الله تعالى فلا يعلم الجواب؟!! كما يقول مُلَّا رمضان البوطي.

هذا إلى شدة برد الشتاء، وكثرة ثلوجه؛ التي سببت له رَثْيَة الأعصاب "الروماتيزم" التي لازمته، بسبب غوص قدميه في الثلوج لساعات طويلة خلال مسيرهم في تلك الحرب.

*زواج ملا رمضان:

ثم تزوج الشيخ رمضان "مَنْجِي" إحدى قريباته الكُردِيَّات، وهي والدة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، رحم الله الجميع.

*حج إلى بيت الله الحرام أول مرة سنة 1930م وكان عمر ابنه ووحيده محمد سعيد لم يتجاوز السنة، وكان حجه بالبحر، وعلى ظهور الجِمَال، واستغرق حجه نحو خمسة أشهر من وطنه جزيرة بوطان إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة ذهابا وإيابا؟!

*ثم تكرر حجه واعتماره مرات، أغلبها كانت على حسابه، وكان يذهب في رمضان للعمرة فيعتمر ويجاور ثمة، ولا يعود إلا بعد أن يحج ويزور المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ أي يبقى ثمة نحو 4 أشهر.

*هجرته إلى الشام سنة 1933م لِظلم أتاتورك وتضييقه على المسلمين:

في هذه السنة فكر الشيخ رمضان بالهجرة إلى بلاد الشام بعدما كثرت الإساءات المتغمَّدة من مصطفى كمال إلى الإسلام بالعُدْوَان عليه، وتضييقه على المسلمين الصالحين؛ بعدة إجراءات وتخريبات خطيرة، وأهمها:

1- إلغاء الخلافة الإسلامية. 2- ثم إلغاء الأذان بالعربية.

3- ثم استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية.

4- ثم منع تلاوة القرآن في الأماكن العامَّة بالعربية، وإحلال القرآن المُتَرجَم إلى اللغة التركية مَحَلَّه.

5- ثم إجبار الرجال على لبس القُبَّعة الغَرْبِيَّة بَدَلَ العِمَامة والطربوش والقَلَنْسُوَة ومنعها عليهم.

6- إجبار النساء على خلع النقاب والزي الإسلامي "الحِجاب".

7- منع الحج إلى بيت الله الحرام.

وأضحت الدوريات - المُكَثَّفة للجنود والشرطة والمُدَجَّجة بالأسلحة،

والمُتهَيِّئة لِلقتال- تجوب القرى والمدن التُّرْكِيَّة، ومنها قرية ملا رمضان "جيلكا" وتدهمها على حين غِرَّة، وتطأ مساجدها بالأحذية؟!

وعندئذ يجب اختفاء أصوات الأذان العربي، وجب خُلُوُّ المساجد من المصاحف وسائر الكتب العربية والدينية، ويجب تفرق طلاب العِلم الشرعي إلى دورهم وقُراهم؟؟!!

كما يجب على الرجال وضع القبعات "البِرْنِيطات" على الرؤوس بدل العمائم والقلانس والطرابيش؟!

وكان أولئك الجنود والشُّرَط يحتلون ما يشاؤون من البيوت مُدَّة بقائهم في القرية، وكانوا يتعقَّبُون المُخالِفين للتعليمات الجائرة بأشرس أنواع العقوبات الكيفية، كما يقول د. محمد سعيد البوطي.

*ومن المظاهر السيئة التي انتشرت تلك الفترة خروج نساء القرية إلى ظاهرها إلى الأنهار والينابيع لجلب الماء إلى بيوتهن، فيغسلن الثياب، ثم يتغسَّلْنَ، ويُمضين نهارهن ثَمَّة بالعمل المُجْهِد واللهو الصاخب، ويمتزج الجِدُّ بالعبَث، مع وجود بعض الشُّبَّان المُراقِبين لهن من قريب أو بعيد؟!

*كل تلك الأسباب حملت الشيخ رمضان على الهجرة من قريته إلى الشام؛ فقد تأكَّدت هجرته إليها بعد قراءته لآية من كتاب الله تعالى؛ فبينما كان يتلو القرآن ذات يوم، إذ به يصل إلى آية استوقفتْه كثيرا، وبَدَّدَت سائر مخاوفه من الهجرة، وزادته رغبة فيها بسرعة، وهي قول الله تعالى:

(ومن يُهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مُراغما كثيرا وسعة، ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما*). سورة النساء 100.

*أخبر الشيخ رمضان زَوجَه بعزمه على الهجرة فوافقت، وشرح الله صدرها لها، واستعجلتْه في تنفيذها.

*أخذ العهود والمواثيق على الزوجة قبل الهجرة؟!

لكن الشيخ رمضان خاف من تغيير زوجه رأيها، وعمل مشاكل له؛ فقال لها: "الأمر أصعب مِمَّا تتصوَّرين، يجب أن تفترضي أننا قد نقع بين براثن العُدْم والفقر، وأنَّ كل نعمة مما نتمتع به هنا قد تتحوَّل إلى حِرمان؛ لذا فلن أكتفي بموافقتك هذه حتى تُعطيني العُهودَ والمواثيقَ بأنَّكِ ستظلينَ راضيةً صابرةً، ولن تُواجهيني بأيِّ ضَجَرٍ أو نَدَامَةٍ".

قالت له: "إن الله يرزق الفاسِقَ والكافِرَ، أفلَا يرزقُكَ أنتَ"؟!

قال لها: "قد يبلنا الله بما شاء من المصائب، ولا ضمانة لِمَا تقولين .. وعلينا أن نفرض أسوأ الاحتمالات.

وتعاهد الزوجان -"رمضان ومَنْجِي"- على الهجرة إلى الشام -"دمشق"- راضِيَينِ ومُستعِدَّينِ لقبول كل ما قد يواجههما من خير وشر.

ومن حينها بدأ يُعِدُّ العُدَّة للهجرة، بنفس راضية مطمئنَّة.

*وخرج مُلَّا رمضان من "جيلكا" سنة 1933م سِرًّا ليلا خشية إدراك الدَّرَكِ له فيكون مصيره الإعدام شنقا، وكان معه زوجه، وابنه محمد سعيد ذي الأربع سنوات، وأختاه الكبرى زينب والصغيرة رُقيَّة، وترك بُستانه وحديقته وبيوته لإخوته وأقاربه، ولم يكن معه سوى 8 ليرات ذهبية، ومضوا إلى "نهر دجلة" إلى الحدود التركية السورية، ليركبوا قاربًا "كَلَك" للبضائع والأشخاص؛ فعَبَرُوا بها دجلة، في حين كان يردد أوراده التي لم يكن يغفل عنها، واجتازوا الخطر بفضل الله تعالى، ووصلوا إلى قرية "عين ديوار" من الأراضي السورية.

ونزلت أسرة ملا رمضان القرية المذكورة؛ فأكرمهم أهلها مُختارُها وشُرطتها، واحتفَوا بهم مع أنهم لا يعرفونهم، وسُجِّلت أسماؤهم فيها مواطنين سُورِيِّي المَولِد والإقامة، وأعطوا الوثائق الرسميَّة بذلك؟!

وكان نزولهم يومئذ ضُيوفا على ملا أحمد عين ديواري، والذي أصبح فيما بعد مُفتيًا لمدينة "القامِشْلي".

*تمت الهجرة، ونزلا في "حي الأكراد" بدمشق.

*عاش الشيخ رمضان في دمشق 57 سنة، وعمل فيها أولا بتجارة الكتب العلمية الشرعية فكان يبيعها لطلاب العلم الأكراد في محافظة الحسكة، وربح ربحا جيدا، مع عدم خبرته بالتجارة، كما عمل ببيع المواد الغذائية.

*ثم عمل إماما وخطيبا في "مسجد الرفاعي" في "ركن الدين" قرب "ساحة شمدين" بدمشق، وكان يعطي بعض الدروس فيه.

*من دروسه التي كان يعطيها في "جامع الرفاعي" شرح "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي، وقد حضرت بعضها، بفضل الله تعالى.

*وأضحى يدرس الطلاب العلوم العربية والفقه الشافعي.

*توفيت زوجه سنة 1942م، فتزوج أخرى من أسرة تُركية فاضلة، أنجبت منه بنتين سمَّى الكبرى زينب، والصغرى خديجة.

*حج من دمشق مرات عديدة إلى بيت الله الحرام.

*تشييع الشيخ رمضان ودفنه في "مقبرة باب الصغير" بدمشق:

هذا وقد حُمل الشيخ على الأعناق، وقد شاركت في تشييعه بفضل الله تعالى ضمن طلاب كلية الدعوة الإسلامية بدمشق، وقد شيعته عشرات الآلاف من أبناء دمشق من محبيه وإخوانه وطلابه وعارفي فضله ونبله، إلى مثواه الأخير في الباب الصغير، في جنازة مهيبة، وقد استغرقت نحو 3 ساعات تحت حر الشمس.

*ولا أنسى ما كتب على تابوته في لوحة في مقدمته كتب عليها بوصية من صاحب النعش ملا رمضان:

أتيتُكَ بِالفَقْر يا ذا الغِنَى!                 و أنتَ الَّذِي لمْ تَزَلْ مُحْسٍنَا

*وصيته:

"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه الكرام، وكل من اتبع سنته.

أما بعد؛ فأوصي أولادي وكُلَّ من يسمع كلامي، أن لا يتَّخِذُوا مِن دُون الله وليا ولا نصيرا، ولا حاكما أو قديرا.

وأسأل الله تعالى أن يُفهمهم معنى كلامي، وأن يُدبِّر أمرهم تدبيرا".

*من أقوال العلماء فيه:

*قال فيه الشيخ محمد خير رمضان يوسف:

"عالم رباني زاهد ...، وهو العالم والمعلم والفقيه، أشربت روحه حقيقة التصوف، وعاش يحارب البدع ويمقتها، وقد رأيته، وسمعت كل خير". *"تتمة الأعلام" 3/252.

*وقال عنه د. نزار أباظة: "داعية من زهاد العلماء الأكراد ...، عاش على الكفاف. شارك خلال حقبة من الزمن مع "رابطة العلماء" في الأنشطة الإسلامية، لكنه آثر العزلة، وكان يستغرق في التعبد، عرف بالتقوى والورع والديانة. كان له شأنه العلمي والاجتماعي في حي ركن الدين (حي الأكراد) بدمشق". *"إتمام الأعلام" 1/276.

*وقال فيه ولده الشيخ الشهيد د. محمد سعيد رمضان البوطي:

"كان مُتعبدًا من خلال الصلوات المتنوعة وإكثاره منها، وكان مُتعبدًا بتلاوة القرآن والمداومة عليها، ومن خلال مناسك العمرة والحج وما تميز به من أعمال وأحوال فيهما.

وكان متعبدا من خلال خلواته في غرفته الصغيرة مفكرا ومتأملاً في العمر الذي قطعه، والهجرة التي وفقه الله لها والنعم التي أكرمه بها.

وكان متعبدا من خلال أوراده وأذكاره الكثيرة التي كان ملازماً لها، وكان متعبداً من خلال زياراته للصالحين سواء منهم الأحياء والأموات. وكان متعبدا من خلال دروسه المتميزة للناس الذين كانوا يغشون مجالسه.

كان رحمه الله يأخذ على كثير من طلاب العلم، والإسلاميين الذين يرون أنهم يشتغلون بالدعوة، انهم لا يقبلون من الصلاة إلا على وظائف عضوية يؤدونها، وألفاظ محفوظة يرددونها، ثم إن أحدهم يقف حتى في صلاته التي هو فيها مع الله، وقفة المعتز بشأنه المتباهي بنفسه، يميل رأسه إلى الأعلى، ويمدّ ساقًا ويعدل أخرى، وكم كان يحذرني بشدّة من أن أركن إلى عادة هؤلاء الناس فأبتلى بمثل هذا الصلف. في وقت لن يكون الإنسان أكثر مهانة وذلاً منه في هذا الوقت.

كان رحمه الله شديد الورع في علاقاته ومعاملاته، كثير الرقابة على لسانه وعلى ما يجري في مجالسه. فلم يكن يحرك لسانه بغيبة أحد، ولم يكن يأذن لأيٍّ من مُجالسيه أن يغتاب أحدا، سواء كانوا ضيوفاً عنده، أو كان هو ضفاً في دار أحدهم، وأياً كانت مرتبة الذي تورط فاغتاب.

ولم يكن يسكت على أي منكر يراه مهما دق أو صغر، ولكنه كان يستعمل في إنكاره أقصى درجات الحكمة واللطف. فإذا رأى من يقابل حكمته ولطفه بالمخاتلة والخداع، أخذ منه الغضب ولم يعد يبالي أحد أو بشيء.

كان رحمه الله يجزم بأن التصوف النقي هو جوهر الإسلام ولُبابه.

وكان يؤكد أن المسلم إذا لم يكن قد تشرب حقيقة التصوف، فقد حبس نفسه في معاني الإسلام، ولم يرق صعدا إلى حقيقة الإيمان.

وكان يُلحّ على أن التصوف ليس كلمات تُورث أو تنقل ولا معارف تحفظ، ولكنه حال يتلبس بكيان المسلم يرقى به إلى مستوى شهود الله عز وجل. وإذا لم يرتفع المسلم إلى مستوى هذا الشهود، فهيهات أن تكون نصوص الأحكام وحدها، بكل ما يحف بها من مُؤيِّدات الجزاء، حافزًا كافيًا للانضباط الحقيقي بمدلولاتها وأوامرها.

عُرف رحمه الله بالبراعة في فقه الإمام الشافعي، وبالاطلاع الواسع على فقه الحنفية، وقد درّس كثيراً في كليهما، كما كان واسع الاطلاع على كثير من علوم الآلة كالمنطق وعلوم النحو والصرف. والأهم من ذلك تحقيقه في المسائل العلمية، لا سيما الفقهية قد كان يسبر غورها ويتتبعها في مراجعاته وتأمله، وكثيرا ما كان يبقى في تحقيق مسألة فقهية واحدة يومين وثلاثة أيام، وكانت تصبح شغله الشاغل حتى ينتهي إلى قرار جازم بها.

وكان يأخذ على كثير من طلاب العلم وأساتذتهم سطحية النظر والبحث، وعدم التنقيب والتحقيق في النصوص ومدلولاتها.

ولم يكن يردّ طالب علم جاء ينبغي أن يأخذ عليه درساً في فن من الفنون".

*آثاره: لم يترك الشيخ رمضان مؤلفات أو كتبا مصنفة سوى كتاب، وبعض المقالات العلمية، والوصايا والنصائح، وهي:

1- كتاب فيه نصائح ووصايا.

2- مقالة: "الاجتهاد من الرسول الكريم سيدنا محمد عليه وعلى آله أزكى الصلاة والتسليم". نشرت في مجلة "نهج الإسلام" الدمشقية ع 26 في/جمادى الآخرة/1407هـ- شباط/1987م. في 4 ص، وهو في كتاب "هذا والدي" ص 175- 178.

3- مقالة: "مبحث نجاة والِدَيْ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة عليهما". نشرت في كتاب هذا والدي ص 179- 183، كما نشرت من قبل في مجلة "نهج الإسلام" الدمشقية بعد أشهر من نشر المقالة الأولى عن اجتهاد النبي عليه الصلاة والسلام.

4- خلاصة وصيته التي كتبها في شبابه لطفله الوحيد محمد سعيد. وقد كتب هذه الوصية بعد مرض عُضال كان قد أصابه في شبابه خشي على نفسه الموت منه فكتب هذه الوصية زادا تربويا يبقى لابنه بعد وفاته، وهي في 10 ص، منشورة في كتاب "هذا والدي" 184- 193.

5- قدم في صفحة واحدة لكتاب: "ضوء الشمس في قوله صلى الله عليه وآله وسلم بني الإسلام على خمس" للشيخ محمد أبي الهدى الصيادي ت 1328هـ. ومقدمته جاءت في ص: 8 منه.

*ألف عنه ابنه د. محمد سعيد رمضان البوطي كتاب: "هذا والدي: القصة الكاملة لحياة الشيخ ملا رمضان البوطي من ولادته إلى وفاته" في 200ص، وقد طُبع غيرَ مَرَّة.

sddsdggfs10272.jpg

الشيخ رمضان البوطي في أواخر حياته

--------------------------------------------------------------------

من دروس العلامة الشيخ ملا رمضان البوطي التي حضرتها عنده في دمشق قبل 36 سنة

بعد عصر الجمعة مباشرة، في مسجد الرفاعي من حي ركن الدين في: 29/6/1407هـ - 27/2/1987م، س: 3،55 دقيقة.

*ومن الدروس التي حضرتها عند شيخنا الشيخ رمضان البوطي رحمه الله، أيام دراستي الجامعية في "كلية الدعوة الإسلامية" بدمشق، درس كان حول الرفق، وقد شرح فيه حديث "الأعرابي الذي بال في المسجد النبوي وكان مما كتبته ودونته في دفتري من ذلك الدرس، ما يلي:

عن الرفق

*حديث بول الأعرابي يعلمنا كيفية الرفق مع الأهل والأولاد، وجميع الناس.   *وفي رواية: "لا تزربوه" أي: لا تجعلوا بوله ينزل.

قال العلماء: بناء على هذا الحديث إذا أردنا أن ننكر على شخص المنكر وعرفنا أنه سيحصل منه منكر آخر وربما أكبر من هذا المنكر عند ذلك نسكت عليه، وليس عل كل الناس، وفي كل الأحوال.

*إذا كنا في سفَر، وكان عندنا ماء قليل للشرب، أو لحيوان؛ فيجوز أن نتيمَّم، ونترك الماء للشرب، وليس لكلب عقور، أو تارك صلاة؟!

*نُهِيَ عن مُجالسة الفُسَّاق والتسَلِّي معهم، إلا إذا كُنَّا نعلم أن الفاسق سيرجع إلى الله.      *الرفق سنة، وربما يكون واجبا. *مُجالسة الرجل الفاسق تُؤثر في قلب المُؤمن.      *عرفنا من الحديث الرفق بالعباد.

*قال سري السقطي عند وفاته لابن أخته: "لا تُجالس الأشرار، ولا يشغلنَّك عن الله صُحبةُ الآخرين".

*وعرفنا من الحديث كيفية تطهير النجاسة؛ وذلك بوضع دلو كبير على مكان النجاسة، إن كان ترابا.

ولم يكتف بقليل من الماء لأن المكان ربما يكون عميقا.

*دين الإسلام مبني على الرفق، ولكن بطريق الشرع.

لكن إذا كان ابني لا يصلي لا أتركه وأقول: هذا من الرفق؛ بل آمره وأكلمه برفق، وأعطيه هدية.

*كان أحد الصالحين يُنفق نقوده على بعض الناس -"العصاة"- لهدايتهم؛ وذاك بالإتيان بهم إلى بيته يومين أو ثلاثة؛ فيقول ذلك الشخص: هذا يُحسن إليَّ؛ فلِمَ لا أصلي، لِمَ لا ...، لم لا ... .

*في الحديث الشريف عن أنس رضي الله عنه: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا". *من الأمثلة على عدم الرفق "حديث قاتل المئة رجل".

*الرفق من الله تعالى في قوله في الحديث القدسي: "يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لغفرتها لك ولا أبالي ...". فهذا الحديث يدل على رفق الله بعباده.

*يقول العلماء: المجاز قنطرة الحقيقة. والدنيا كلها مجاز.

*في الحديث الشريف: "شبر من الجنة خير من الدنيا كلها"؛ لأن هذا الشبر دائم.          *حرام الدنيا عقاب وعذاب، وحلالها حساب.

*الرسول يقول لنا: بأن لا ننفر الناس؛ بل نبشرهم بالتوبة النصوح، ولا نفتي لهم. *انتهى الدرس الساعة: 4،50 دقيقة تقريبا، نفس التاريخ أعلاه.

مراجع الترجمة

1- "هذا والدي: القصة الكاملة لحياة الشيخ ملا رمضان البوطي من ولادته إلى وفاته". للشيخ د. محمد سعيد رمضان البوطي ط 2، دار الفكر- دمشق، 1415هـ - 1995م.

2- "تتمة الأعلام". لمحمد خير رمضان يوسف، ط 3 موسعة، دار الوفاق، الجمهورية اليمنية - عدن، 1436هـ - 2015م.

3- "إتمام الأعلام". د. نزار أباظة، ط3، دار الفكر - دمشق، 1440هـ- 2019م.

4- كُنَّاش مُنوعات علمية وأدبية، كتبت فيه الدرس السابق، ونقلته عنه.

5- موقع "نسيم الشام" مقالة عنه وترجمة له بعنوان: "العارف بالله ملا رمضان البوطي" كلها، أو جلها مأخوذة من كتاب "هذا والدي".

6- معلوماتي الشخصية.

وسوم: العدد 1027