الشاعر الإسلامي المعاصر طالب سليمان الشنتوت

sfgfg1060.jpg

( ١٩٧٣م _ معاصر)

  ولد الشاعر طالب سليمان الشنتوت في مدينة حماة من سوريا عام 1973م. ونشأ في أسرة مسلمة ملتزمة برز فيها د.خالد الشنتوت.

الدراسة، والتكوين:

درس مراحل التعليم المختلفة في مدارس مدينة حماة.

ثم درس في حلب، فهو خريج كلية الحقوق من جامعة حلب.

الوظائف، والمسؤوليات:

عمل طالب سليمان الشنتوت في مهنة محامي منذ عام 2000م.

هاجر بعد الثورة السورية المباركة إلى تركيا.

شاعريته:

    كتب الشعر منذ أن كان في المرحلة الثانوية وينشر قصائده في بعض المجلات ووسائل التواصل الإجتماعي، وشارك في العديد الأمسيات الشعرية.

  لديه بعض القصائد التي تم طباعتها في دواويين تضم قصائد لشعراء آخرين.

١_ مثل ديوان المبدعون العرب.

٢_وديوان مصر في عيون الشعر.

٣_ وديوان الطاهرة.

شعر طالب سليمان الشنتوت: دراسة موضوعية، وفنية:

غزة الشام:

   شارك الشاعر الإسلامي المعاصر طالب سليمان الشنتوت في جهاد الكلمة، وهو جهد المقل ولكن لا يستهان به، حيث صور بطولات أبناء غزة، فقال:

بغزة أم بالشام هذي النوازفُ

وأي أنينٍ أظهرتهُ الذوارفُ

وأي كلامٍ يرسم اليوم حالنا 

وقد نثرتنا كالرمال العواصفُ

كأن بلاد الشام مابين أهلها

مريضةُ حمى تعتريها الرواجفُ

إلى أي حزنٍ أيها العُربُ ننتمي

وقد ضمنا سيلٌ من الفقد جارفُ

كأنّا من الأحزان خيطٌ وسبحةٌ

ومعتكفٌ حول الفواجع طائفُ

تجذّرَ فينا الخوف حدّ شغافنا

لتزرع فينا اليأسَ تلك المخاوفُ

تساقطت الأزهار فوق جراحنا

فلا العطرُ فواحٌ ولا الظلُّ وارفُ

ولا البدر يلقي في الليالي ضياءه 

ولا الطرف تَهديه النجوم الهواتفُ

وكلُّ مكانٍ قد قصدناه بلقعٌ

وكلُّ تلاقٍ قد رجوناه زائفُ

فيا غزَّة الأحرار هذي همومنا

سيولٌ وتبديها الجراح الكواشفُ

غزانا خريفٌ فاغر الفاه جاثمٌ

لكل فصول الخير في العمر حاذفُ

رُمينا بقاع الجبِّ ظلماً وغيلةً

فهل تُرجع القتلى إلى العيش آسفُ

فكيف يَزف الياسمينُ عبيره

وكيف يفوح الزهر والجذر ناشفُ

ولكنّنا شعبٌ إذا هبَّ ثائراً

تجلّى كآياتٍ حوتها المصاحفُ

ركبنا المنايا كالجياد فأذعنت

وما كان فينا ساعة الزحف واجفُ

لنا رفقةَ الأحرارِ فيضُ مواقفٍ

وأصدقُ من فيضِ الكلامِ المواقفُ

عواصف هذا القهرِ جداً عتيةٌ

ونحن جبالٌ فلتهبَّ العواصفُ

   وكتب طالب سليمان الشنتوت قصيدة رائعة تحت عنوان (على قميص يوسف) يقول فيها:

طللٌ على طللٍ وعينٌ تدمعُ

ويدٌ على صدرٍ وقلبٌ موجعُ

ويدٌ على الأطلالِ تبحثُ عن يدٍ

كانت تصافحُ روحها و تودعُ

وقصيدةٌ غرقت بأدمعِ شاعرٍ

صبٍّ على أمواجها يتصدعُ

والهدهدُ المذبوحُ خلف ضلوعه

شوقاً إلى رؤياهمُ يتطلعُ

لا الجبُّ أخبره ولا سيارةٌ

أنَّ الذين رموه عمداً أَجمعوا

أن يُثخنوه بمديةٍ مغروسةٍ

وسط الشغاف تحزها وتُقطِّعُ

ما الذئبُ مزَّقهُ ولكن قُدَّ مِنْ

دُبُرٍ فَلِمْ لا ينتهي أو يَقنعُ

في كهفه المرصودِ ينزفُ عُمرَهُ

حَزَناً وتنهشه القيودُ وتَمنعُ

مِن أن يُرى مِمن يُحبُ وأن يَرَى

وجهاً كبدرٍ في السما يتربعُ

دارتْ رحى الهجران فوق ضلوعه

والروحُ من مُرِّ الجفى تتجرعُ

فيئنُ كالناعورِ فوقَ ضفافه

وينوحُ كالنّاي الجريحِ ويسجعُ

يا أيها المذبوح مِن أوداجهِ

وفؤادهُ في صدره يتضرّعُ

ألقاكَ في يمِّ الهوانِ رحيلهم

وغرقتَ لمّا قِيل لا لن يرجعوا

إن الزجاجَ إذا تكسر مثلما

العربُ الذين تكسروا لا يُجمعُ

لم يأكلِ الذئب الذي ظلموه لحمَكَ

  إنّما لكَ إخوةٌ لم. يشبعوا

  وها هو الشاعر طالب سليمان الشنتوت يكتب قصيدة أخرى تحدث فيها عن الجمال في دمشق، وهي تحت عنوان (سيفٌ في غمدٍ من ياسمين)، يقول فيها:

سلامٌ على الفلّ الدمشقيِّ والندى

على الهضبات السمر والسهل والمدى

على الدور والحارات والشام كلّما

تنفس صبحٌ فوقها وتنهدا

على نهرها المنساب للخير سُبحةً

تجددُ عهداً كُلّما الوِردُ رُددا

كطيرٍ شجيِّ الصوت والماءُ جسمهُ

دعته يدُ الأشواقِ لبّى وغرّدا 

سلامٌ على الصفصافِ فوق ضفافها

يُراقصُ شلالاً من العشق أنشدا

يُلامسُ وجهَ الماء حتى تخاله

على وتر الإبداع عزفاً تفرَّدا

فيا أيها الحرف الذي مذ عرفته

تضوّعَ شاماً عطره وتمرّدا

وجاء بثوب الياسمين مُسَلِّماً

وصلى بها صبحاً وليلاً تَهجّدا

وكان إماماً يعتلي ظهر منبرٍ

وظل عطاءً حينما الغير أُجهدا

جوادٌ يرى الآفاق مضمار عدوه

كميتٌ فلا أخشى بأن يترددا

وهبتكَ روحي أيها الشعرُ يافعاً

صبياً يحبُ الشامَ مذ كان أَمردا

هرمتُ وذاك الطفل في القلب لم يزل

يُغازلُ حلماً في الشغاف توسَّدا

لأنّي وهبت الشعرَ روحي ملكته

إذا شئتُ كان السيف أو شئتُ مِرْوَدا

فكانَ لسُقيا الشامِ خمراً مُعتقاً

وكنتُ لها الفنجانَ والثَّغرَ واليدا

نَذرتُ لها شِعري وروحي ومهجتي

وأدمنتها عشقاً ومجداً وسُؤددا

لأنّي أحب الشامَ أضحيتُ ثائراً

لأمسحَ ليلاً بالمآسي تَلبّدا

وما زلتُ والبحر الطويل يقولُ لي

يحقُ لصبّ الشامِ أَن يتوقَّدا

كسيفٍ دمشقيٍّ أضاءَ بريقُهُ

بلاداً وجبَّ الظلم حينَ تجرّدا

  وطالب سليمان الشنتوت هو شاعر إنسان مرهف الإحساس، يعشق الجمال، ولنستمع إليه، وهو يبوح بحبه وأشواقه.

  يقول في قصيدة له غزلية تحت عنوان (رسائل مشتاق)، ومطلعها:

الساكنونَ هنا في القلبِ، ما رحلوا 

  أشواقهم رسلُ ، بالدمع تغتسلُ

الحاضرونَ وإن أجسادهم رحلت

وما لقلبي على هجرانهم قِبَلُ

الزارعونَ نصالَ الهجرِ وسط دمي

الوائدونَ لأفراحي بما فعلوا

هذي القلوبُ التي قد كنتُ أحسبها

إذا تنهدتُ ذابت قبلها المُقَلُ

قد غادروني غريبَ الدارِ لا وطنٌ

يحنو علي ولا صحبٌ ولا أَهَلُ

هذا الذي حلَّ ضمن القلبِ بَعدَهمُ

هذا الأنينُ وهذا النازفُ الخَضِلُ

وما أزالُ مع الذكرى أُفتشني

كما يفتشُ عن أصحابهِ الطلَلُ

ياحادي العيسِ روحي حيثما نزلوا

شوقاً تفوح وقلبي قبلها يَصِلُ

يا حادي العيسِ ذابت كل بارقةٍ

كانت تلوحُ وفي أحضانها أَمَلُ

فلا الأقاحي نسيمُ الصبحِ راقصها

ولا الخزامى بدمعِ الطلِّ تغتسلُ

ولا عباءةُ ليلٍ كان يحضننا

حَضنَ النجومِ ووجه البدرِ مكتملُ

ولا مهاتي بعينيها تُناظرني

ولا الصباحُ بها عيناه تكتحلُ

إني لأعجب كيف الأرضُ بعدهمُ

ظلت تدورُ وتعلو فوقها دولُ

وكنت أحسبُ أن الأرض لو علمتْ

بما لقيتُ لمادَ السهلُ والجبلُ

أجل أتوقُ إلى رؤياهمُ شغفاً

كما يتوقُ إلى غدرانهِ الحجلُ

   وكتب (طالب سليمان الشنتوت)، قصيدة جميلة يبرز فيها الرمزية، وهي (عطرٌ في ريش الهدهد)، تحدث فيها مخاطباً الهدهد، فقال:

ياهُدهُد النبأ اليقين سلامي

هلّا مررتَ فقد أطلتٓ خصامي

أهفو إليكٓ لعلّٓ ريشكَ مُمطرٌ

نبأً كَسُقيا الماءِ بعد صيام

فافرد جناحكٓ في الصباحِ مُسلّماً

كالروضِ نمنمه بكورُ رُهام

وليضرب النسماتٍ ريشُكَ عازفاً

حزناً تبوح به دموع غمام

طِر بي إذا ما اسطعت حيث حبيبتي

تغفو على زهرٍ وريش نعام

وإذا وصلتَٓ فكن أرقَ من الندا

في قبلةٍ لا تنقضي بفطام

وبغيرةٍ سأقولُ أغمض فالتزم

فمهاتيَ السمرا بدونِ لثامِ

ياهدهدَ الأشواقِ كيفٓ سأبتدي

شعري وقد أعيا البيانٓ مرامي

من أين أبدأ والحروف كأنَّها

رَجْعُ الحمائمِِ في رحابِ الشام

ياظبيةٓ النهرينِ جئتكِ مبحراً

والقلب يعدو كالجوادِ أمامي

مُرّي على نهر الفرات و لامسي

وجهٓ المياه لكي تصيرٓ مُدامي

واستيقظي إنّ الصباح يمامةٌ

تشتاقُ في عينيكِ سرب يمامِ

ولتلمسي كالطلّ زهر حدائقي

لتموج كالأوتار بالأنغام

أيمامة الأضلاع هل لامست ما

في القلب من شجني ومن آلامي

لو أبصرت عيناك حزن ملامحي

لذرفت ماء العين فوق حطامي

ياظبية النهرين كيف لشاعرٍ

وردَ الجمال ومنبع الإلهام

ألّا يفيض الشهد من كلماته

  خمراً يسيل بأدمع الأقلام

فكأنّ معراج القصيد سحابةٌ

أو مهرةٌ سبحت بغير لجام

إي يا ابنة النهرين دونك عاشقٌ

قد نال من عينيك سرب سهام

وسط غارين:

  وها هو طالب سليمان الشنتوت يكتب شعراً إسلاميا فيقول تحت عنوان (وَسْط غارين) حيث كانت ولادة الهدى والنور في غار حراء، وكانت ولادة الدولة الإسلامية في غار ثور:

         

مثلما الماء حينَ أضحى غماما

لثمَ الأرضَ كي تثور خزامى

مثلما الماء بل من الماء أنقى

يلثمُ الماءُ راحتيه هُياما

كانت اقرأ بداية الغيث لمّا

كان في الغار يستظلُّ سلاما

كان في الغار لم يكن بعدُ يدري

أنَّه اختيرَ للأنام إماما

نزل جبريل عليه السلام على قلب محمد بنور القرآن وقال له اقرأ فكانت تلك الليلة فجر الحرية والعدالة والمساواة والسلام والحق ..

أنَّ جبريل جاءَ بالنُّور يهدي

جاء يُلقي عن الضياء لثاما

دثريني إي ياخديجةُ إني

لستُ أهذي وما رأيتُ مناما

دثريني وكان أجملَ وجهٍ

شاءهُ الله أن يكون تماما

شاءه الله أن يكون بشيراً

ونذيراً و للهداةِ ختاما

وَسْطَ غارين والسماوات تُطوى

ثُمَّ تهمي محبةً ووئاما 

   وبعد هجرته عليه السلام أقام مبادئ الحب والإخاء وبنى مسجده كمنطلق للدعوة، وكتب وثيقة المدينة كدستور جديد ينظم العلاقات الدولية..

بعد غارين بعد هجرة قلبٍ

قاصدٍ طيبة السلام مُقاما

إنَّ خيطاً وكان أوهن بيتٍ

باتَ كالطود بل أشدُّ قواما

منذ أن كان زائر الغار طفلاً

كانت الناس لا تراه غلاما

كانت الناس تُبصرُ الصدقَ يمشي

والوفا يحضن العهودَ التزاما

أفرحَ البدرَ وجههُ إذ تجلّى

فدنا ينهل الضياءَ اغتناما

مُذ حبا ناغت البلاد سروراً

وربيعٌ من العطاء تنامى

إنَّ أُماً قد أرضعته تمنّت

أن ترى طفلها اليتيم وساما

ولو اسطاعتْ أرضَعَتْهُ شغافاً

ألف عامٍ ولم تُذقهُ فطاما

كانت الأرض يوم هاجر تبكي

كانت الأرض والرمال يتامى

فاسألوا أُمَّ مَعبدٍ عن كريمٍ

مسح القيظَ كي يُظلَّ كراما

مسح الضرعَ كفُّهُ عاد جمّاً

بعد شُحٍ ولو يشاءُ لداما

إنَّ جيلاً على يديهِ تربى

وعن المُلكِ والملوكِ تسامى

ملأ الأرضَ والحياةَ ضياءً

وابتغى الفوزَ بالجنانِ مقاما

ثُمَّ جئنا ونحن أضعفُ جيلٍ

وغرقنا جهالةً وانقساما

فهزمنا منذ افترقنا وهُنّا

مُذ هجرنا منابراً وحساما

أي عذرٍ ولا جوابَ سيشفي

عن لماذا وعن لما وعلاما

إنَّ حُبّاً بغير غيرةِ قلبٍ

سوفَ يبقى مدى الحياة كلاما

مثلما الغيث سوف نهمي مديحاً

نرسمُ الحبَّ طاعةً واحتراما

مثلما النهر سوف نمضي أَماماً

ونرى السير للوراءِ حَرَاما

سوف نسقي حدائق النُّورِ نوراً

وسنمحو عن البلاد ظلاما

   ويقول في قصيدته (غريبٌ على الخليج) مصوراً حال العربي في الخليج حيث يشعر بالغربة بين إخوانه وأهله..

على شاطئ الأحزان سرب نوارسِ

أثار دموعاً في العيون النواعسِ

أثار دموعاً جئنَ يَفضحنَ مُبعداً

حبيسَ المنافي المُضْرَماتِ الهواجسِ

يتوقُ إلى الشطآن حتى تخاله

يُجدّف بالأضلاعِ تجديف يائسِ

ومازالَ وجه الشط يدعوه ضاحكاً

و تمنعه الأمواجُ منعَ المُنافسِ

يطوف بأرض الشام روحاً وجسمُهُ

أسير بلادٍ كالقبور الدوارسِ

يُحيط به بحرٌ من الحزن مُحرِقٌ

ويُلقى بليلٍ أسحمِ الوجهِ عابسِ

فلا فجرهُ شامٌ ولا القومُ أهله

ولا الدارُ تزهو بالأنيسِ المُجالسِ

يُقطِّبُ بالآمالِ سيل جراحه

ويَلقى المآسي واقفاً غير جالسِ

تقارعَ والأهوالَ حين تزاحمت

زحامَ المنايا في نيوب العنابسِ

فما ازدادَ إلا همّةً حين أطبقت

عليه جفونٌ من ليالٍ حنادسِ

وقد سلَّ عزماً من عباءةِ صبره

وأطلقَ بدراً من مشاعل قابسِ

وما زالَ والبحرُ الطويلُ شراعه

يطوف على الأزهار طوفَ الجوارسِ

تجوبُ بحورَ الشعر شوقاً شغافُهُ

كما جابتِ الأجواءَ غُرُّ الروائسِ

يذوبُ على ذكرى حماةَ و قلبه

يئنُ كما الناعورِ أنات هامسِ

تذكرَ أتراباً وصَحْباً وضحكةً

كما جرسٌ نادى صفوفَ المدارسِ

تنفسها كالياسمينِ قصائداً

إذ اهتزّ في عطرٍ منَ الغصنِ مائسِ

تأبّطَ شرّاً حينما الناسُ أطرقت

وطلّقَ عيشَ الخانعِ المُتقاعسِ

جناحاهُ ذا صبرٌ وذاك كرامةٌ

وشيمتهُ شامُ الأباةِ الأشاوسِ

رمى خلفهُ الدنيا يرومُ شهادةً

وهَبَّ إلى العلياءِ هبَّة فارسِ

وما اهتزَّ لما أبصرَ الجيشَ زاحفاً

فليس يهزُّ الصقرَ صوتُ الهجارسِ

يرى الشّامَ أُنثى والغرام مراكبٌ

وما هو مِنْ لثمِ الشفاهِ بآيسِ

   وكتب طالب سليمان الشنتوت متغزلا بفتاة محجبة سقط البرقع عنها، فظهرت أجمل من القمر فقال في (بسملة قلب):

سَقَطَ البرقعُ عنها فأطلّا

وَجهُ بدرٍ مِنْ دُجَى الليلِ تجلَّى

بَسْمَلَ القلبُ غراماً وَدَنَا

لاثماً خدّاً بهِ النُّورُ تَحلَّى

وَدَنَا يحبو وفي ضِحكَتِهِ

شوقُ ظمآنَ على الماءِ استدلّا

طائرٌ هزَّ جناحيهِ معاً

ظنَّ نارَ العشقِ ظلاً فاستظلّا

قُلتُ يا قلبُ تمهلْ فَأَبَى 

قُلتُ يا قلبُ تَرَيَّثْ قالَ كَلّا

رَامَ وصلاً حينَ أَلفى قَمراً

شعرهُ ليلٌ على المتنِ تدلّى

ثم عاد اليوم يشجو حَزَناً

وَبدمعِ العينِ شكواهُ استهلَّا

يرشفُ الحزنَ وفي قَهوتِهِ

حزنُ مُشتاقٍ لَظَى الهجرِ تَصلِّى

حزنهُ كالظلِّ مِنْ غِيرتهِ

حَيثُما لاقاهُ في دُنياهُ حَلَّا

ذَرَفَ الروحَ على وَجنتِهِ

دَمعَ مُشتاقٍ لِمَنْ عنهُ تَخَلَّى

عَاشِقٌ في الشوقِ يَهمي غَزَلاً

نَاثراً فوقَ هِضَاب الحبِّ فُلَّا

سَاكباً زَهرَ الخُزامَى قُبَلاً

مُشْهِراً مِنْ لُجَّةِ الأَشعارِ نَخْلَا

سَرمَدِيُّ العشقِ في نظرتِهِ

حبُّهُ العُذريُّ في عينيهِ صَلَّى

فإذا أَرخى حِجَاباً وَمَضَى

سَتَرى قلبي عنِ الصَّدرِ استقلَّا

المهرة الشقراء:

   وكتب طالب سليمان الشنتوت قصيدة في وصف (المهرة الشقراء)، ويعني بها دمشق الفيحاء جاء فيها:

هذِي الشآمُ كما وحيُ السماواتِ

عشقاً أُرتلُهَا في شدْوِ أبياتِي

أَسْتَلُّها من قريضِ الشعرِ ملحمةً

غَرَّاءَ تسبحُ في بحرِ المجراتِ

شآمُ والحسنُ سهمٌ منْ كِنانتِهَا

سرُّ انذهالِي وَ حزنِي وابتساماتِي

لايشرقُ الفجرُ إلا منْ لواحظِهَا

هيَ المليكةُ منْ بينِ الأميراتِ

شآمُ والصبحُ يمشيْ نحوهَا ثملاً

ظبياً يلاعبُ أسرابَ الفراشاتِ

كأنَّمَا الفلُّ ثلجٌ في خمائلِهَا

أهداهُ جودُ الدُجَى بُشْرَى الصَبَاحَاتِ

ماكنتُ دونكِ مُذْ أبعدتُ سيدتِي

إِلا انعكاسَ خيالِي فوقَ مِرآتِي

غصنٌ أَنَا وخريفُ العمرِ جَرَّدَنِي

منَ السعادةِ إِلا مِنْ مُعاناتِي

کَأَنَّما الفلُّ ثلجٌ في حدائِقِهَا

أوْ كالنوارسِ تهفو لِلنهاياتِ

ظَمْأى شفاهِي وأكوابِي مُحَطَّمَةٌ

وحنظلُ القهرِ يغزو كلَّ كاساتِي

مثلُ النوارسِ كمْ أضحتْ حقائبُنَا

تطوفُ تملأُ آلافَ المحطاتِ

ياشامُ ياشامُ لو طالَ الفراقُ ثِقِي

ما غيرَ الصبَّ بعدٌ بِالمسافاتِ

سحابةُ الشوقِ فنجانِي وَقافيتِي

تبرُ البيانِ خيولٌ ضمنَ أَبياتِي

ثِقِي دمشقُ بأنَّا عائدونَ وإِنْ

طالَ الفراقُ علَى ظهرِ المغيراتِ

في ظلمةَِ الكهفِ صانَ اللهُ منْ رَقَدُوا

ونصرةُ الحقِّ تأتِي في النهاياتِ

أضاءَ نورَ عيونٍ بعدَهُ انطفأَتْ

منْ شدةِ الحزنِ من هولِ المُصيباتِ

من عتمةِ الجبِّ أضحى الحكمُ في يَدِهِ

وَاستُبدلَ الحزنُ بشرى بالمسراتِ

يابرعمَ الزهرِ لو همساً برابيةٍ

أبلغْ حماةَ سلاماً من نِداءاتِي

فَكَمْ تنقلتُ عدواً في أَزِقَّتِها

وكمْ قضيتُ بقربِ النهرِ أوقاتِي

نافورةُ الدارِ كم غنتْ بساحُتِهَا

والطيرُ بللَ أرياشَ الجناحاتِ

كنتِ البداياتِ في أحضانِ خَارطَتِي

و أنتِ في القلبِ آهاتِ الرواياتِ

وَكَمْ كتبتُ على الأزهارِ مَوعِدَنَا

وَجِئتُ أُبحرُ في عَينيكِ مولاتِي

حاولتُ كتمَ هواكِ العذبِ فَانبثقَتْ

بِكْرُ القصائدِ سكرى منْ رِوَاياتِي

تلكَ النواعيرُ لاشيءٌ يُشُابِهُهَا

إلا الحمائمُ في نوحِ المقاماتِ

فِيْ حُضْنِ صفصافةٍ أَغصانُ داليةٍ

تُغازلُ النهرَ في أَحلَى العباراتِ

مُدِّي يديكِ لعلي حينَ ألثمُهَا

تفنى جميعُ همومِي وانكساراتِي

لاعيبَ في المهرةِ الشقراءِ إن عَثَرَتْ

إنْ تغلبِ الخيلَ في باقِي السباقاتِ

   والشاعر طالب الشنتوت عاشق للغة القرآن، فهو يقول في قصيدة له تحت عنوان (ضاد العروبة):

الضادُ كنزُ خزائنِي وبيانِي

وفصاحتِي زهرٌ على أغصانِي

اللهُ مَيزنِي لِأصبحَ درةً

واختارنِي الرحمنُ للقرآنِ

والضادُ مشكاةُ الأنامِ ونورهُم

مِنْ سالفِ الأيامِ والأزمانِ

أرضعتهُم لبنَ الأصالةِ صافياً

وجعلتُ بحرَ دواتهِم أجفانِي

كمْ سامرَ الشعراءُ نجمَ بلاغتِي

بقصائدٍ عربيةِ الأوزانِ

وملأتُ سوقَ عكاظَ فوحَ خمائلِي

إِذْ يلتقِي الشعراءُ في الميدانِ

في كلِّ حرفٍ مِنْ حروفِي قصةٌ

ولهيبُ أشواقٍ وسحرُ معانِ

إِنْ شئتُ صغتُ الحرفَ سيفاً قاطعاً

وإذا أردتُ فأعينُ الغزلانِ

مِنْ أحرفِي لو شئتُ أنسجُ سندساً

ضمختُهُ ألقاً بسحرِ بنانِي

ولبستُ ثوبَ قواعدٍ أسمو بهِ

حتى أظلَّ نقيةٍ بكيانِي

بالنحوِ والإعرابِ عشتُ سليمةً

بالصرفِ بالإنشاءِ بالتبيانِ

فإذا أردتَ بِأَنْ تكونَ مميزاً

ببلاغةٍ وفصاحةٍ ولسانِ

فعليكَ يا هذا بسنةِ أحمدٍ

وتدبرِ الآياتِ بالقرآنِ

واقرأْ مِنَ الشعرِ الفصيحِ قديمَهُ

فالمفرداتُ غنائمُ الفرسانِ

وامخرْ بحورَ الشعرِ كُنْ متمكناً

فُزْ بالشراعِ بحنكةِ السفانِ

وطنُ العروبةِ قدْ زرعتُ ربوعَهُ

تبراً يزينُ أجملَ التيجانِ

لغةُ العروبةِ والأصالةِ في دَمِي

حمراءُ مثلُ فرائدِ الرمانِ

غار حراء:

    ومن شعر طالب الشنتوت الإسلامي قوله في قصيدة (نورٌ بجوف الغار) متحدثاً عن غار حراء حيث اتصلت الأرض بالسماء ونزل الوحي الإلهي على قلب محمد صلى الله عليه وسلم:

جبريلُ قالَ اقرأْ بجوفِ الغارِ

وَشَذَا الحروفِ يفيضُ بالأنوارِ

وَتنزلَتْ سورُ الكتابِ هدايةً

نوراً يشعُ بكاملِ الأمصارِ

إِي يا خديجةُ دثرينِي إِنَّنِي

فيْ الغارِ نلتُ منابعَ الأسرارِ

ردتْ وَقدْ كانَ الجوابُ سعادةً

بُشراكَ هذا الوحيُ فيْ الأذكارِ

يا قارئَ القرآنِ... رتلْ واعياً

فبه ِ نجاةٌ منْ سعيرِ النارِ

وبهِ الهدايةُ والسكينةُ والتُقَى

ونقاوةٌ منْ رِبْقَةِ الأوزارِ

فخرُ العروبةِ بالنبيّ محمدٍ

بدرٌ تجلى فيْ سما الأقدارِ

وَاقرأْهُ فيْ الصلواتِ ذكراً خاشعاً

رتِّلهُ فيْ جهرٍ وفيْ إِسْرَارِ

كُنْ فيْ صلاةِ الفجرِ عبداً داعياً

يرزقْكَ رزقَ الطيرِ في الإبكارِ

كلمات من حدائق العشق:

ويمتزج في شعره الغرض الوجداني بالديني والسياسي ومن شعره الغزلي قوله :

لا تسألِي عنْ عِلَّتِي ودوائِي

يا سِرَّ أوجاعِي وسِرَّ شفائِي

يا مُزْنَةَ الأجفانِ فوقَ قصائدِيْ

يا سربَ أشواقِي وبوحَ ندائِي

يا حيرةَ الكلماتِ فوقَ شراعِهَا

يا صَفْوَ أحلامِي ويا أنوائِي

عيناكِ أجملُ يا زهورَ حدائقِيْ

يا صدقَ أفراحِيْ وصدقَ بكائِي

شريانُ عشقٍ في ربيعِ جوارحِي

وعناقُ غُدرانٍ لِوَجْهِ سماءِ

يا فجرَ إشراقِي الذي غازلتُهُ

وبخافقِي شغفُ القطا للماءِ

حرفانِ ضَمَّهُما غَرامُ أَحِبَّةٍ

حاءٌ يضمُ الباءَ في العلياءِ

وجهٌ تجلَّى البدرُ في قَسماتِهِ

يفترُّ مُبتسماً بثغرِ ضياءِ

مِنْ وجنةِ الجُوريِّ حُمرةِ خُدِّهِ

تَغفُو على فلٍّ وبحرِ نقاءِ

ما احتاجَ طرفُكِ مِرْوَداً يازهرتِي

فلقَدْ وُهبتِ الكحلَ دونَ عناءِ

حوراءُ في أهدابِهَا وطفٌ فإنْ

همسَتْ أجابَ البدرُ في الجوزاءِ

نوارةٌ تَعلُو لصهوةِ سُنْدُسٍ

هيفاءُ مثلَ النخلةِ الشماءِ

يا حُسنَ يوسفُ يا طهارةَ مريمٍ

يا عهدَ شريانِي وعطرَ وفائِي

أَنَا كُلُّ حرفٍ للغرامِ وعطرِهِ

أَلِفٌ سَقَتْ خمراً لثغرِ الياءِ

يا ليلَ أحلامِي وفجرَ حقيقتِيْ

يا يومَ ميلادِي ويومَ فَنائِي

وأخيراً:

  إن الشاعر الإسلامي المعاصر طالب سليمان الشنتوت يعد من الأقلام الواعدة، فهو مبدع ومتألق، حسن الديباجة ،ألفاظه جزلة قوية، وأفكاره واضحة، وتراكيبه متينة متماسكة، وخياله مجنح، وصوره الفنية مبتكرة .

حفظ الله شاعرنا الحبيب وزاده علماً وأدبا ورفعة.

مصادر الترجمة:

١_ موقع بوابة الشعراء.

٢_ صفحة طالب سليمان الشنتوت على الفيسبوك.

٣_ مجلة الأدب الإسلامي.

٤_مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1060