شهادة في حق المرحوم فضيلة الأستاذ الدكتور عبد السلام الهراس رحمه الله

شهادة في حق المرحوم فضيلة الأستاذ

الدكتور عبد السلام الهراس رحمه الله

محمد شركي

[email protected]

أراد الله عز وجل أن يجعل هذا الرجل الصالح كما نظنه ولا نزكيه على الله من خيار الناس الذين تعلموا العلم وعلموه ، وهم الفئة التي رفعها الله عز وجل في محكم التنزيل رفعة أهل الإيمان ، وانتدبها لوراثة أنبيائه صلواته وسلامه عليهم أجمعين ، وهي أثمن وراثة تورث إذ يفنى كل موروث ، وتبقى خالدة لا تموت. وورثة الأنبياء من أهل العلم كما ورثوا عنهم العلم ،ورثوا أيضا الذكر الخالد الذي لا يزول . و خلاف معظم الخلق الذي يغادر الدنيا بلا ذكر يستمر أهل العلم أحياء بعلمهم ينفعون الأحياء ما تراخي الزمن ، وهم أصحاب عمرين : عمر فان و آخر مخلد ،وعليهم ينطبق قول الشاعر: " عمر الفتى الفاني وعمر مخلد ببيان " . ها قد رحل فضيلة الأستاذ الدكتور عبد السلام الهراس بعمره الفاني ، وبقي عمره المخلد بالبيان . عرفت فضيلته يوم ولجت طالبا كلية الآداب بجامعة فاس أستاذا محاضرا في الأدبين المغربي والأندلسي يجول بين حدائق شعر غرب الوطن الإسلامي، وهو أدب رقيق وإنساني ،علم الإنسانية معاني الرقية ومكارم الأخلاق ، وهذب سلوكها وذوقها ، وعلمها كيف تتأمل هبة الطبيعة التي أبدع الخالق سبحانه وتعالى صنعها ، ولا زالت الأشعار في كل الدنيا لم تبلغ شأو الشعرين الأندلسي والمغربي في وصف الطبيعة الغناء ذات السحروالبهجة . ولقد كان فضيلة الأستاذ أصيل النشأة أصيل التربية ، أصيل التعلم فاختار أن يكون أصيل التعليم يهذب أذواق طلابه ،وهو يجول بهم في رياض الشعر المغربي الأندلسي . وحين كان الأدب المشرقي في كلية الآداب بجامعة فاس يستأثر بمعظم وقت طلبة شعبة الآداب، ويحوز نصيب الأسد اختار الأستاذ الهراس رحمه الله أن يرابط على ثغور الأدب المغربي الأندلسي إلى جانب ثلة من زملائه نذكر منهم الأستاذ عبد القادر زمامة . ولقد كان فضيلة الأستاذ الهراس موسوعي الثقافة والفكر يجول في مختلف الآفاق الفكرية جولة دليل خبير يدل الراغبين في السياحة بها ، أو جولة قطب يدل السالكين إلى حضرتها . وكانت لغته مغربية أندلسية خالصة لم تؤثر فيها اللغة المشرقية بالرغم من كثرة تجواله في طول وعرض بلاد المشرق العربي . وكان يطرز لغته العربية الفصحى بوشي جميل من عامية جميلة بلهجة أهل شمال المغرب ، وكان طليق اللسان بالإسبانية . وكان فضيلته يختار من النصوص الشعرية المغربية الأندلسية  تلك الطافحة بالفكر الإسلامي الإنساني . ولم تغب أبدا عن فضيلته روح الوطنية والجهاد التي تشربها ، وكان ينطلق من تلك النصوص الشعرية ليلقن طلابه دروس الوطنية والجهاد من أجل أسمى الغايات . ولم تكن تفوت فضيلته فرصة دون استغلالها للدعوة إلى الله عز وجل بالتي هي أحسن وأجمل . وكانت محاضراته عبارة عن أطباق شهية من المعارف المختلفة من أدب وشعر وفكر وتاريخ وأمثال وعبر وحكايات وطرائف وعلم وفقه ... لأنه كان رحمه الله موسوعي التكوين . ولا تمر محاضرة من محاضراته دون فترات استراحة واستجمام بما كان يرويه من مستملحات تنشط الطلاب وتدفع عنهم السأم. وكان فضيلته دائما طلق المحيى بشوشا يتصدق بابتساماته العريضة على طلابه ، ولا يضيق ذرعا بالمشاكسين منهم ، بل كان يسلك معهم سلوك أب رحيم مع أبنائه. ولقد كان رحمه الله وقورا مهيبا أنيقا بزيه التقليدي والعصري على حد سواء . وكان رحمه الله لرقة قلبه مقصد وملجأ الطلاب يقصدونه إذا ضاقت بهم ضائقة مادية أو معنوية . وكان كريما جوادا سخيا بيته فساح عظيم الرماد لا يكاد يخلو من زوار طلبة أوغيرهم ، و تكاد موائده لا تخلو من أقداح اللبن والشاي وأطباق التمر والفطائر والحلوى ،ولا تكاد تخبو له نار مرجل أو يصمت له أزيز.وعرفته بعد مغادرتي كلية الآداب كاتبا طريف القلم في عمود من أعمدة جريدة المحجة لسنوات يتحف قراءها بالطرائف الممتعة المفيدة ،ويربيهم تربية داعية إلى الله عز وجل على بصيرة بالموعظة الحسنة . وكانت مقالاته عبارة عن نقد هادف يروم إصلاح ما فسد أو انحرف عن المحجة ويربط الأمة بعقيدتها السمحة . وكانت مقالاته تعكس حضوره الدائم في المجتمع ومتابعته ومواكبته لما يجري فيه من أحداث، وكان بذلك حارسا أمينا من حراس العقيدة والقيم الأخلاقية . فهذه شهادتي في فضيلته رحمه الله ، وما أنا بالذي يوفي عالما جليلا حقه ، ولا أستطيع سرد مناقبه التي إنما تطلب عند خاصته لأن حالي كحال من نظر إلى طود عظيم من سم خياط فما أدرك حقيقة قدره . فعلى فضيلته رحمات أرحم الراحمين الذي نسأله ضارعين أن يجزيه عنا خير الجزاء ، وأن يسكنه الفردوس الأعلى بجوار من كان يعشقه عشق الولهان سيدنا محمد سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم . والعزاء والصبرالجميل لأهله وذويه وكل محبيه.