الأمير عبد الرحمن الداخل

محمد فاروق الإمام

صقر قريش

محمد فاروق الإمام

[email protected]

عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الملقب بصقر قريش. كان أحد الأمراء الأمويين المرشحين للخلافة في عاصمة الدولة الأموية في دمشق، جده الخليفة هشام بن عبد الملك عاشر الخلفاء الأمويين. هرب من العباسيين عند قيام دولتهم، إلى الأندلس حيث دخلها، وسمي بذلك عبد الرحمن الداخل، وأكمل فترة الخلافة الأموية هناك في الأندلس.

عبد الرحمن بن معاوية هو حفيد هشام بن عبد الملك الذي حكم من سنة (104 هـ/723م إلى سنة 125 هـ/743م). نشأ عبد الرحمن في بيت الخلافة الأموي بدمشق، وكان الفاتح الكبير مسلمة بن عبد الملك عم أبيه يرى فيه أهلاً للولاية والحكم وموضعًا للنجابة والذكاء، وسمع عبد الرحمن ذلك منه مشافهة، مما أثّر في نفسه أثرًا إيجابياً.

عندما أقام العباسيون دولتهم على أنقاض الدولة الأموية، كان هدفهم تعقب الأمويين والقضاء على أفراد البيت الأموي، فقتلوا الأمراء وأبناء الأمراء بل وأحفادهم، وكل من توقعوا أن يكون أهلاً للإمارة خشية محاولة أحدهم استرداد مجدهم لاسيما في الشام، لهذا بذلوا الجهود المضنية لتحقيق هذا الهدف.

نجح عبد الرحمن بن معاوية بن هشام الذي اختبأ في قرية منعزلة قريبة من الفرات في سورية، وكان معه ابنه الطفل سليمان وكان عمره وقتها أربع سنوات، وأخ أصغر مع أختين. وعندما اكتشفت الشرطة مكانهم هرب عبد الرحمن مع أخيه الوليد بن معاوية عبر بعض البساتين فلما تعقبتهما الشرطة، حاولا عبور النهر فأغراهما الشرطة أن يرجعا ولهما الأمان فرجع أخوه وغرر به وقتله العباسيون، وكان عمرة ثلاث عشر سنة، بينما نجح عبد الرحمن بالوصول إلى الضفة الأخرى بسلام ولم تنطلِ عليه مكيدتهم ولحق به مولاه بدر طبقا لخطة سابقة.

بدأ عبد الرحمن بن معاوية يعدّ العدة لدخول الأندلس بعد أن كوّن جيشاً قوياً والتف حوله مؤيدوه، فعمل على الآتي:

أولاً: أرسل بدر - أحد رجاله والقادم معه من دمشق - أرسله إلى الأندلس لدراسة الموقف، ومعرفة القوى المؤثرة في الحكم فيها والوضع في الداخل الأندلسي.

ثانيًا: راسل كل محبي الدولة الأموية في أرض الأندلس.

ثالثًا: راسل البربر في الأندلس، وأعلمهم خطته ورحبوا بذلك لمعرفتهم بعدل الأمويين وإنصافهم لهم، وكانوا في ذلك الوقت على خلاف شديدٍ جدًا مع يوسف بن عبد الرحمن الفهري؛ لأنه فرّق بينهم وبين العرب في شمال أفريقيا، فهم يريدون أن يتخلّصوا من حكم يوسف بن عبد الرحمن الفهري الذي عاملهم بهذه العنصرية.

رابعًا: راسل كل الأمويين في كل الأماكن وأنه يعتزم على دخول الأندلس وإقامة الدولة الأموية فالتحق به كافة الأمويين من الشام وغيرها من البلاد .

وفي ربيع الثاني سنة (138هـ/755م) عبر عبد الرحمن بن معاوية بجيشه القوي ومن معه من القادة مضيق جبل طارق إلى داخل الأندلس بهيبة وعظمة الفاتحين المنتصرين وانضم إليه أنصاره وأخضع كافة البلاد في طريقه وزحف إلى أشبيلية واستولى عليها وبايعه أهلها، ثم نجح في دخول قرطبة العاصمة، بعد أن هزم جيش يوسف بن عبد الرحمن الفهري في موقعة المصارة في (العاشر من ذي الحجة سنة 138هـ/15 أيار 756م) ليسيطر على كافة أرجاء الأندلس.

انتصر عبد الرحمن الداخل على العباسيين، ووقف لهم وحاربهم وانتصر عليهم وهزمهم شر هزيمة وعرفوا بقوته وأنهم أمام قوة لا يمكن الوقوف في وجهها، فلقبه العباسيون بعد أن انتصر عليهم بـصقر قريش وهو اللقب الذي اشتهر به بعد ذلك، فقد كان أبو جعفر المنصور جالسًا مع أصحابه مرةً فسألهم: أتدرون من هو صقر قريش؟ فقالوا له : هو أنت. فقال لهم: لا.فعدّدوا له أسماء حتى ذكروا له معاوية وعبد الملك بن مروان من بني أمية. فقال أيضا: لا. ثم أجابهم قائلا:" بل هو عبد الرحمن بن معاوية، دخل الأندلس منفردًا بنفسه، مؤيّدًا برأيه، مستصحبًا لعزمه، يعبر القفر ويركب البحر حتى دخل بلدًا أعجميًا فمصّر الأمصار وجنّد الأجناد، وأقام ملكًا بعد انقطاعه بحسن تدبيره وشدة عزمه". فحقق عبد الرحمن بن معاوية غايته من إعادة أمجاد أجداده الأمويين والانتصار على العباسيين وتكوين دولة قوية وهي الدولة الأموية في الأندلس.

توفي الأمير عبد الرحمن الداخل في 25 ربيع الآخر 172هـ/ 30 أيلول عام 788م.