عبد الرحمن الباني الشيخ الصدِّيق الذي أمات حظوظ نفسه

عبد الرحمن الباني

الشيخ الصدِّيق الذي أمات حظوظ نفسه

د. حيدر الغدير

سألني الشابُّ الصاعد الواعد أيمن ذو الغنى عن الشيخ عبد الرحمن الباني رحمه الله: هل تعرفُه؟ أجبته: نعم، وقد رأيتُ فيه مجموعةً من المزايا الباهرة النادرة التي أعجبتني جدًّا، فطلب منِّي أن أكتبَ عنه ولو بإيجاز؛ لأنه يعمل على إعداد كتابٍ عنه.

الشيخ الباني رجلٌ عفيفُ اللسان، عفيفُ السَّريرة، سيطرَ على لسانه فأحكمَه، وسيطرَ على سَريرته فنقَّاها، فهو نقيُّ الظَّاهر نقيُّ الباطن، ولعلَّ سَريرته أنقى من عَلانيته، وهي منزلةٌ عاليةٌ لا ينالها إلا صفوةُ الصَّفوة من الرِّجال وهم أقلُّ من القليل.

فيه حياءُ الفتاة، ودقَّة الساعة، ودَأَبُ النحلة، ونيَّةُ المحتسِب. وهو صابرٌ حيث ينبغي له أن يصبرَ، شاكرٌ حيث ينبغي له أن يشكرَ. زهدُه زهد المختار لا المضطرِّ، وقد حدَّد دربَه الدَّعويَّ والتربويَّ في الحياة، عن عقل حصيف راشد، وإرادة حازمة جازمة، وقلب جعله لله بالكليَّة، واستمرَّ في هذا الدرب حتى لقيَ ربَّه، وهو نعمَ الداعيةُ، ونعمَ المربِّي، ونعمَ القدوة.

وقد وَقَر في نفسي من قديم أن هذا الرجلَ أمات في نفسه حظوظَ نفسه، فلم يعُد يسعى إلا لمرضاة الله عزَّ وجلَّ، ولم يعُد يفكِّر - في يقظته، بل وفي نومه - إلا في مصالح المسلمين، يستحضرُها ويتابعُها ويحثُّ نفسَه وغيره على العمل فيها. إن لي أن أصفَ الشيخَ عبد الرحمن الباني رحمه الله رحمةً واسعةً بأنه رجلٌ نادرُ المثال، جديرٌ بأن يُقالَ عنه: إنه صِدِّيق، جُملةً وتفصيلاً.

وإن لي أن أقولَ عنه: إنه رجلٌ من الرعيل الأول من السلف الصالح، جاء في عصرنا ليكون قدوةً لنا وحُجَّةً علينا.

على أني من قديمٍ - ولا أزال - آخُذ عليه قلَّةَ عطائه العلميِّ تأليفًا، مع عمُره المديد، وعلمه، وغَيرته، واطِّلاعه الواسع، ومردُّ ذلك عندي إلى حبِّه الشديد للإتقان الذي يجعلُه يُطيل النظرَ فيما ينبغي له أن يكتبَ، بأكثرَ مما ينبغي، فتذهبُ دواعي الكتابة.

غفر الله لنا وله وبوَّأه مقعدَ صدق في الآخرين.