محمد نعسان بن عز الدين عرواني

كان مثالاً عالياً في الأدب وحسن الخلق، وسلامة الذوق

(1342/1924 ـ 1434/2013)

محمد علي شاهين

[email protected]

داعية إسلامي، المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريّة، رئيس مجلس شورى الجماعة، عضو مكتب الارشاد الدولي لجماعة الإخوان المسلمين (2007 ـ 2010).

ولد الأستاذ محمد نعسان عرواني في مدينة حماه، نشأ في أسرة متدينة توقّر الدين وأهله، وكان أبوه معلم مدرسة يتنقّل بين بلدة الرستن وقرى حماه.

حضر دروس علماء حماه، وتتلمذ على الشيخ محمد الحامد والشيخ محمود الشقفة، وكانت حماه تغصّ بالأسر العلميّة أمثال آل المراد.

أكمل مراحل الدراسة الثلاث في مدينته، ثم التحق بكليّة الآداب بجامعة دمشق، ونال الإجازة في التاريخ، واشتغل بالتعليم الثانوي في محافظات الجزيرة السوريّة، ثم استقرّ في مدينته.

والتقى بتلاميذ الإمام حسن البنا والدارسين في مصر من أبناء جيله في مدينة حماه، أمثال عبد الكريم عثمان، ومصطفى الصيرفي، وعدنان سعد الدين، وكانوا يتوقّدون حميّة ونشاطاً.

وكانت قضيّة سقوط الخلافة، تأخذ جانباً كبيراً من أحاديث الناس واهتمامهم، في تلك المرحلة التاريخيّة،

وعاش طفولته في عهد النضال ضدّ الفرنسيين المستعمرين، وشهد ثورة حماه وشارك في المظاهرات الشعبيّة ضد الوجود الفرنسي في العشرينات، وكان يتهيّأ للانخراط في صفوف المجاهدين في فلسطين لولا الهدنة النكراء التي عقدها حكام العرب.

وكان يرعى أنشطة الطلاب ومخيماتهم، وأنديتهم الرياضيّة، وفرقهم الكشفيّة، ويترأس الرحلات المدرسيّة.

حمل أفكاره ومبادئه في حلّه وترحاله، فكان ينتقي إخوانه من خيرة تلاميذه، ويعطيهم عناية خاصّة، واستطاع أن ينشر دعوة الإخوان في صفوف الطلاب على نطاق واسع، ويوجههم نحو الفضائل وحب الوطن والدفاع عن حياض الإسلام.

وكانت زوجته الفاضلة الأدبية الإسلاميّة نعماء بنت الشيخ محمد المجذوب خير معين له في نشاطه الدعوي، تقف معه، وتشدّ أزره، في سجنه وغربته وشيخوخته. 

اشتغل في جامعة الإمام محمد بن سعود في المدينة المنوّرة، وتعاقد مع وزارة المعارف القطريّة مدرّساً ومفتّشاً، ولقي الفضلاء.

وصفه الشيخ يوسف القرضاوي في مذكراته فقال: مدرّس التاريخ وزميلنا قي قطر عدّة سنوات محمد نعسان عرواني، كان مثالاً عالياً في الأدب وحسن الخلق، وسلامة الذوق، وحسن التعامل مع إخوانه.

أحبّه إخوانه بسبب بعده عن مواطن الجدل والخلاف، وكان داعية إصلاح ومحبّة ووفاق أينما حل.  

وشارك في الانتخابات البرلمانيّة التي جرت في حماه، عندما نزل على رأي إخوانه، في قائمة الوجيه الحموي عبد الرحمن العظم، مع الأستاذ مصطفى الصيرفي، ضدّ قائمة أكرم الحوراني، ونال أعلى النتائج في المدينة، فلمّا جاءت نتائج الريف انقلبت المعادلة لصالح القائمة المنافسة، التي صاغ قادتها قانون الانتخاب في فترة الانفصال.

وفي عام 1979 اعتقل الأستاذ أبو العز، فلم يزده السجن إلاّ إصراراً على الحق الذي آمن به، وكرّس وقته وجهده من أجله، وذكر من رافقه في السجن حبّه لإخوانه وخدمتهم وعطفه عليهم، وكان يخفّف عنهم حزنهم وقلقهم، ويملأ نفوسهم بالأمل.

ولمّا صدر أمر الطاغية بالإفراج عن 400 رجل من أبناء الجماعة المعتقلين، رفض أن يفرج عنه حتى آخر رجل منهم، فكان له ما أراد.

أدرك طبيعة النظام الأسدي وتغوّل طائفته منذ اليوم الأوّل لانقلاب الثامن من آذار 1963، ولم تنطل عليه الشعارات الوحدويّة البرّاقة التي رفعها لخداع الجماهير.

وانتقد الفساد، ومصادرة الحريات، والنهب المنظّم لثروة البلاد، ومطاردة الأحرار، ورفع صوته ضدّ تصفية الجيش من خيرة ضبّاطه، وإحلال المعلمين الطائفيين في قيادة الوحدات العسكريّة، وحمّل النظام البعثي وزر هزيمة حزيران 1967.

وسعى بكل ما أوتيه من حكمة، تجنيب الجماعة الانجرار إلى صدام مع النظام لا تحمد عقباه،

لكنّ إرادة الله أبت إلاّ أن تزج طاقات الإخوان في معركة ظنّ النظام أنّه كسب جولتها الأولى.

وكان بعيد النظر، واسع الأفق، يحسن ترتيب الأفكار، والتعبير عن القضايا العامّة بطلاقة، خطيباً وكاتباً، ترأس لجنة كتابة تاريخ الجماعة التي كنت أحد أعضائها في مطلع التسعينات، فصدر كتاب صغير للأسر الإخوانيّة بعنوان (تاريخ الإخوان المسلمين في سوريّة) صدّره فقيدنا أبو العز بمقدمة ضافية، وكان يودّ تدوين كتاب كبير في تاريخ الجماعة، حالت الأحداث المتسارعة دون إنجازه.

وساهم في بناء مؤسّسات الجماعة في ديار الاغتراب، وترأس لجنة مهمتها دراسة النظام الداخلي للجماعة، وإعداد التعديلات المقترحة لمناقشتها في مجلس الشورى.

بشّر بانتصار ثورة الكرامة بعد انطلاقها في 18/3/2011، وعاش فصولاً دامية من كفاح الشعب السوري المجيد، وكان بودّنا نحن تلاميذه ومريدوه وعارفو فضله أنّ يكحل شيخنا العرواني عيناه برؤية نواعير حماه الباكية، وهي تدور ضاحكة بعد هذا الفراق الطويل، وأن يعاد له بيته المصادر، ويطرد المخبر الذي سطا عليه، لكنّ إرادة الله أبت إلاّ أن يلقى وجهه الكريم في الأردن الذي اتخذه داراً، وأن يدفن إلى جوار أخويه في الدعوة الشيخ سعيد حوّى، والأستاذ عدنان سعد الدين طيّب الله ثراهما في مقبرة سحاب الإسلاميّة بالعاصمة الأردنيّة في 23 ربيع ثاني 1434 هـ الموافق 5/3/2013، محاطاً بإخوانه ومحبيه.