دعوة أردوغان الأستاذ محمد فتح الله كولن لإنهاء الغربة

دعوة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان

الأستاذ محمد فتح الله كولن لإنهاء الغربة

حازم ناظم فاضل

[email protected]

في الحفل الختامي لاولمبيات اللغة التركية العاشرة في اسطنبول دعا  رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الاستاذ فتح الله كولن  المقيم حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية ليعود إلى أرض الوطن بعد فراق دام 13 عاماً .. لإنهاء الغربة . حيث قال:

الذين يتحرقون شوقاً لهذا الوطن نريد أن نراهم بيننا .

الغربة في ذات الوقت وحدة ، ومن هنا نستمد معناها ، لذلك نحن لا نتحمل هذه الوحدة ، لذا نقول : لابد لتلك الغربة أن تنتهي ... نريدها أن تنتهي .. الحقيقة ... افهم من موقفكم هذا انكم جميعاً ترغبون في انتهاء تلك الحرقة .

اذن  فلنقل : لتنته تلك الغربة .

في هذه الليلة القيمة ، أجد شكري لكم ابناء الحضارات العريقة لتقديمكم هذه العروض لنا وللعالم اجمع باللغة التركية ، اللغة الثرية بالثقافة .

لندع الغربة في طرف وشوق الوصال في الطرف الآخر ودمتم سالمين .

وفي سؤال وجهه محبو الاستاذ كولن حول  دعوة  السيد رجب طيب اردوغان : ( لتنته تلك الغربة ) ، اجاب الأستاذ محمد فتح الله كولن :

بداية اقول : هو قام بما يليق بشخصه ، ولكن ليست هذه هي الدعوة الاولى .. السيد رئيس الجمهورية هو ايضاً قال مراراً وذكر ذلك بوضوح وبالوساطات عدة مرات.. وكذلك رجال دولة اخرون قاموا بهذه الشهامة والاصالة التي تليق بهم ..وانا سمعت بهذا مرات عديدة .وكذلك بعض الاخوان والاصدقاء والذين جاءوا اليّ من رجال الدولة اقترحوا علي مثل هذه الدعوة .

قالوا : ألم يئن الأوان للعودة الى تركيا ؟

عندما يقومون بهذه الدعوة ، هم يقومون بسلوك يليق بشهامتهم ، أما أنا ، لا اريد أن أقول (أنا) .. هذا شيء قبيح أن أقول (أنا) ، بقناعتي المتواضعة ينبغي عليّ أن أقوم بما يليق بي ايضاً .

من الطبيعي أن يدعوني رجال الدولة وكبار المسؤولين وقد ينظر الشعب اليهم بأنه يجب عليهم أن يوجهوا هذه الدعوة .

ويبدو لي ان وتيرة التصفيق العالية قد أشعرت رئيس الوزراء بضرورة توجيه الدعوة واعرب هو ايضا عن تفهمه الموقف .

الشعب ايضاً قد يفكر في نفس الاتجاه ، وهو انه اذا لم يدعوني لا استطيع أن أعود.. لماذا ؟

لان تركيا ليست بلداً آمناً بعدُ ، فاذا ذهبت دون أن يدعوني احد قد اوقع نفسي في مشكلة .

ما سأقوله قد لا يكون لائقاً ، لكن اقول لكم : طيلة حياتي لم انكر في انني سأوقع نفسي في مشاكل .

شهدت انقلاب (27 مايو/ مايس ) وهناك وُجهت لي مذكرة انذار وهُددت بالموت ، حينما حاول احد الجنود عند اقتيادي للتحقيق دفعني بخلفية ذراعه من فوق السلالم لأسقط في فوهة فراغات تلك السلالم المرتفعة ، ولولا ان مدير الامن ظهر فجأة في لقطة درامية آمراُ له بأن يتوقف فتوقف ، ثم طردني من هناك قائلا : ماذا تعمل هنا ؟ .. مجرد امام مسجد ، ولم اكن آنذاك قد ذهبت الى الخدمة العسكرية بعد .

جاءت انقلاب (12مارس / اذار) استمرت المحكمة ثلاث سنوات وحكم عليّ بـ (3) سنوات ونفي سنة . وبقيت في السجن عدة شهور . ذهبت الى السجن طواعية ، ولم اشكُ أبداً ... لو ابديت أي شكوى كنتم ستعرفون .

في انقلاب (12 ايلول) فررت (6) سنوات كمجرم مطلوب .

والذين دخلوا السجن قالوا انهم لا يرحمون من يدخل ، و(جاهد افندي) ضابط متقاعد في الجيش قال : حذار يا استاذ لا تدخل ، والقدر اراني طريقاً لا يوصلني الى التسليم ..فسرت في ذلك الطريق ولم افكر في ان اسلم نفسي ، علمت بان هؤلاء سيئوا النية .

وكما سبق لهم ان فكروا بنوايا سيئة ، كانوا ايضا يفكرون آنذاك بنوايا سيئة .

ثم انقلاب (28 فبراير/ شباط) و (27 ابريل/نيسان) فيما بعد ، وفي تلك الايام هددت ، وكنت آنذاك في امريكا سنة (1997) حيث اتصل بي من هو في رأس الدولة عندما حصل تغيير في بعض المؤسسات والمناصب المهمة قائلا : بامكانك ان تعود لان الظروف تغيرت والبلد آمن .

في ذلك الوقت كنت قد اتيت هنا الى  للعلاج ، ربما كانت الفكرة تركيب القسطرة ، ولم يتم التركيب .

في حقيقة الامر لم اقلق ازاء نفسي قط . لانه لا شيء يربطني بالدنيا . قد يبدو هذا ادعاءً ، فليس لي حجر قائم على الارض ، وليس لي اهل ولا اولاد ، ولم يكن لي أي حساب يتعلق بالمستقبل . انا اعددت هذه الامور مناقضة لقضيتي التي انتميت اليها وربطت بها قلبي واعتبرتها غاية خيالي .. اعتبرت ذلك كله مناقضاً لقضيتي .

وهنا سأذكر لكم شيئا على استحياء :

اثناء خدمتي في العسكرية وسّطوا والدي وعمي ووالدتي وكل الكبار الذين احترمهم لكي يكلموني قالوا لي : غيّر حياتك .. وجاؤوا باقتراحات مغرية . قلت لعمي الذي احبه كثيرا : انا اشك في دينكم .. لقد سلمت رقبتي الى الدين الذي يُصرع في حين واخر .وفي الوقت الذي يحدث فيه هذا تأتون انتم لتكبّلوا قدمي بالأصفاد لأسقط حينها على ظهري صريعاً .

انا لا افكر بشيء كهذا .

وقلت: اني لا افكر بهذا أبداً .

يشار خوجه(يشار طوناكور) الذي احبه كثيراً عندما جئت الى ازمير في باحة مسجد « كستانه بازاري » احتضنني وقال: استاذ هناك فلانة للزواج .

فقلت : لم يخطر هذا ببالي أبداً ، لقد وقفت نفسي على هذا العمل ..احرم على نفسي التفكير في شيء اخر .

نعم ، هذا الحكم ليس موضوعيا ولا يشمل الجميع ، انا انسان ضعيف لا طاقة لي بحمل شيئين في آن واحد .. أحمل شيئاً واحداً فقط على كتفي ..

فاحتضنني وقال باكيا : إن لم تسمع كلامي انت فمن يسمع كلامي ، وتركته ورائي محزوناً .

ولم يكن لي أي حب او هيام تجاه عرض من اعراض الدنيا ، لم اعزم بشيء ولم اتعلق بشيء.

اشياء مغرية كثيرة وصلت حتى قدمي ، لم اقل حتى : ليكن لي حظ فيها .

الشيء الوحيد الذي اردته هو ان يرفرف الاسم الجليل المحمدي في ارجاء العالم .

لكني لم احسن قول ما ينبغي قوله في هذا الموضوع .

ولم اقل ما يجب ان يقال : خلطت نفسي ولم استطع ضبط صوتي .

بالنسبة لسؤالكم : انا لم اقلق لشخصي ابداً حتى لما كان عمري (44) سنة قلت غالباً يشنقونني .. ماداموا لم يشنقونني في ذلك الوقت قلت فسيشنقونني في (55) ..ثم لما صار عمر (66) قلت اكيد يشنقونني .

انا عشت مربوطا بتلك الاحلام .

وربي شاهد على ذلك وهو اعلم من الجميع .

ولكن اذا كان عندكم غاية سامية وحلم لئلا تندلع مشكلات جديدة ولئلا تضيع بعض المكاسب ان كان ذهابكم الى هناك سيتسبب في ذلك ولو باحتمال واحد بالمئة .

بهذا القلق ليس لقلق شخصي لا اذكر في الذهاب الى هناك .

ولكن اذا رأيت مشهداً قد ازال قلقي هذا فهذا امر يقدره هذا الفقير .

لا اقول : اقدره انا لان (انا) رائحة الانانية ، لو ذهبت واخذ بعضهم يسعون وراء الانتقام ويضرون ببعض المؤسسات ويقعون الادارة في مازق ولو باحتمال واحد بالمئة .

ولو كان سيحدث توقف في بعض الامور الايجابية في تركيا . فسوف افضل ان ابقى هنا مدة اخرى اذا امدّ الله في اجلي .

اعتبر ذلك اكراماً لوطني وامتي لكي لا يصيبها أي ضرر .

سأقول صبراً على الوصال ، حتى المقاهي التي احتسيت فيها القهوة اتخيلها وافتقدها وكلما هربت من فكرة الوصال تعاودني ذكراها فتهتز مشاعري .

رغم كل ذلك سأفضل البقاء هنا وعندما تزول كل هذه المخاوف ..ساجلس مع اصدقائي ..   رفاق الدرب ، رفاق القدر ثم اناقش الموضوع بالتفصيل معهم ، وانا كذلك اريد الاّ ادفن هنا .. اذا مت في وطني وفي ترابه اريد ان ادفن .

عندما جئت الى هنا – امريكا – قلت لعلي اموت هنا .. فقلت للأخوة اشتروا لنا ارضاً من هنا تكون للشعب التركي تدفنوني فيها ان مت ..ولكنني تخليت عن هذه الفكرة.

فأحاسيس الوصال وحرقة الغربة قد منعتني ان انصاع لتلك الفكرة .

وانا افضل ان اموت في وطني وان ادفن عند قدمي والدتي المباركة .

واعتبروا كلماتي هذه وصية لكم .

لكن لا ارضى ان تسبب افعالي وكلماتي ضرراً مقدار ذرة لامتي ووطني ، وحتى لو كان في واحد بالمئة ، لا ارضى .

ليعذرني اصدقاؤنا وكبار الدولة الذين وجهوا هذا الطلب .. توجيههم هذا الطلب كان من شهامتهم ومن اصالتهم  ان افكر هكذا هو من احترامي لهم وتقديري لما يقومون به من اعمال .

ثم ختم الاستاذ فتح الله كلامه قائلاً :

اعذروني لم يبق لي شيء اقوله .

  والاستاذ محمد فتح الله كولن قصد امريكا للعلاج من مرض شرايين القلب .. فخرج من البلد في شهر مارس/آذار 1997، وبقي هناك لمدة سبعة أشهر، ثم عاد إلى وطنه لمواصلة جهاده، وتفقد ما أصاب خدماته من التصدع أو الاضطراب.

كانت الإشارات والنُّذُرُ هذه المرة قوية خطيرة! ولكأن خطط الاغتيال صارت منه قابَ قوسين أو أدنى!

ومن ثم قرر «فتح الله» الرحيل إلى منفاه بأمريكا مرة أخرى، فخرج من البلد تحت ذريعة السفر للعلاج، في 21 من شهر مارس/آذار من سنة 1999م ، لكنه هذه المرة خرج ولم يعد..!

يقول الاستاذ عثمان شمشك :

«نعم .. انه في هذا البيت.. غريب العصر.. وفي هذه الغرفة .. هذا البيت وراء المحيطات، ولكن غرفته؛ واللهِ في أرضروم .. بالله في أدرنة .. تالله في أزمير .. هذا البيت في امريكا ولكن تلك الغرفة في تركيا » (*)

               

  .Fethullah  Gülen, İkindi Yağmurları,  S.15.(*)