مع الدكتور إبراهيم عوض (1)

أبو الحسن الجمّال

أبو الحسن الجمّال

عرفت الدكتور إبراهيم عوض منذ سنوات وحاولت الاتصال به ونجحت فى هذا بفضل أخى الحبيب الكاتب الصحفى محمود حلمى القاعود، وتكررت الزيارات المتعددة له بالإضافة إلى اتصالى الشبه يومى به .. نتجاذب أطراف الحديث عن قضايا شتى وتتدفق الإجابات منه عبر الأثير وأحس بالدفء معه من حديثه الجامع المانع لكل القضايا الأدبية واللغوية والتاريخية والفكرية والإسلامية ..هو شخصية تسلب اللب والقلب معا.. يذكرك بالعظماء لأنه أحدهم فى تواضعه الجم وكرمه اللانهائى..نتناول بعض جوانبه الفكرية فى السطور التالية ..لأنه يستحق الدراسات التى تستغرق المجلدات، حيث لا يمكن أن تصل لشاطئه الآخر ابداً من غزارة إنتاجه الذى لا يتوقف فكل يوم يدلى بالجديد المبتكر ..فهو يرهق الباحثين عن المعرفة من الجرى وراء إنتاجه الجديد، وهو فى هذا ينضم إلى قافلة المفكرين الموسوعين فى أدبنا القديم وعلى رأسهم: الإمام جلال الدين السيوطى، وابن فضل الله العمرى، والمقريزى، والنويرى، وابن حجر العسقلانى، والمحدثين منهم:عباس محمود العقاد، وأنور الجندى، وأحمد شلبى، وعبدالرحمن بدوى، وغيرهم..

  تعددت نشاطاته بين الدرس الأدبى بحكم تخصصه الرفيع كأستاذ للدراسات الأدبية والنقد فى كلية الآداب جامعة عين شمس حيث جاءت مؤلفاته نصفها فى النقد ونصفها الآخر فى الدراسات الإسلامية، وهذا ليس بمستغرب لديه، فمنذ أن أمسك بالقلم وهو موزع النشاط فى هذه المجالات بحكم درساته الأولى فى الأزهر الشريف حتى المرحلة الثانوية، وحفظ القرآن فى طفولته، ودرس الفقه، والتفسير، والتاريخ، والسير واالتاريخ والعلوم اللغوية على الطريقة الأزهرية القديمة التى كانت تخرج علماء فطاحل، كانوا الحصن الحصين للإسلام، أما اليوم فقد تغير الحال بفعل القوانين التى ألجمت الأزهر وصرفته عن دوره الحقيقى فى نشر العلم والثقافة الإسلامية، وعندما سئل عن ذلك قال: "كما أننى خريج قسم اللغة العربية (من آداب القاهرة)، وأقسام اللغة العربية تدرس الإسلام شريعة وتفسيرا وحديثا وتاريخا. أى أننى إذا كنت أكتب فى الدراسات الإسلامية فليس هذا بالمستغرب. أليس كذلك؟ وعلى هذا فلو ذهبت تعد كتبى لوجدت نصفها تقريبا فى الأدب والنقد، ونصفها الآخر فى الإسلاميات. زد على ذلك أن هناك هجوما شرسا ضد الإسلام ازداد فى العقود الأخيرة. فإذا لم يتصد واحد مثلى لذلك الهجوم، فمن يفعل؟ كذلك ينبغى التنبه إلى أنه لولا الإسلام ما كانت اللغة العربية قد أتت إلى مصر، ولما تأدب المصريون بأدب العرب واتخذوا من تاريخهم تاريخا لهم. فما الغرابة إذن فى أن أجمع بين الكتابة فى الإسلاميات والكتابة فى الأدب والنقد العربى؟"

  أثرى الدكتور عوض, بعشرات الكتب توعت بين النقد، والأدب، والتفسير، والدراسات الإسلامية، والردود فعلي سبيل التمثيل لا الحصر قدم في التفسير والدراسات القرآنية: المستشرقون والقرآن- السجع في القرآن - سورة طه.. مصٍدر القرآن - سورة يوسف - سورة المائدة - القرآن والحديث (مقارنة أسلوبية).

  وفي التراجم والنقد وتاريخ الأدب مما قدمه: معركة الشعر الجاهلي بين الرافعي وطه حسين - المتنبي - لغة المتنبي - المتنبي بإزاء القرن الإسماعيلي - عنترة بن شداد - النابغة الجعدي وشعره - أصول الشعر العربي - مع الجاحظ - المرايا المشوهة - في الشعر الجاهلي - في الشعر الإسلامي والأموي - شعراء عباسيون - فصول من النقد القصصي - نقد القصة في مصر - محمد حسين هيكل - محمد لطفي جمعة -القصاص محمود طاهر لاشين - في الشعر العربي الحديث - أدباء موديرن - دراسات في المسرح - د. محمد مندور.

 كما تصدي بعدد من الكتب للذين حاولوا النيل من الإسلام والقرآن والرسول صلي الله عليه وسلم, وأغلب هؤلاء -للأسف- من المأسٍلمين أعداء الإسلام, ومن هذه الكتب: وليمة لأعشاب البحر: بين قيم الإسلام وحرية الإبداع - العار: هتك الأستار عن خفايا كتاب: فترة التكون في حياة الصادق الأمين لخليل عبدالكريم - افتراءات الكاتبة البنجلاديشية: تسليمة نسرين علي الإسلام والمسلمين - دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية: أضاليل وأباطيل.. ماذا بعد إعلان سلمان رشدي توبته? دراسة فنية وموضوعية للآيات الشيطانية. ..

 وقد ولد الدكتور إبراهيم محمود عوض فى قرية "كتامة الغابة" مركز طنطا فى محافظة الغربية فى 6/1/1948 حفظ القرآن الكريم فى صغره وهو طفل لم يتعد الثامنة وجوده وقرآه بالقراءات المتعددة، ثم ينتسب للأزهر الشريف بالمعهد الأحمدى بمدينة طنطا، وظل به حتى المرحلة الثانوية وحول أوراقه إلى المدرسة الأحمدية الثانوية ليحصل على شهادة البكالوريا ثم يلتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة ويتلقى العلم على أيدى فطاحل العلم فى هذه الكلية العريقة منهم الأستاذ الدكتور شوقى ضيف الذى يعتز بأستاذيته وصداقته بعد ذلك ومنهم أيضا الدكتور حسين نصار، وشكرى عياد، وعبدالحميد يونس، والدكتور عبدالعزيز الأهوانى، وسهير القلماوى، ومحمد مصطفى حلمى، ويوسف خليف، وغيرهم، ويتخرج بتفوق 1970 ثم يذهب فى بعثة إلى بريطانيا، حصل الدكتور إبراهيم عوض على الدكتورية من جامعة أوكسفورد سنة 1982 فى "النقد القصصى فى مصر منذ بداياته فى أواسط القرن التاسع عشر الميلادى إلى ثمانينات القرن الماضى"، وقمت بترجمتها ونشرت عدة مرات.. ذهب إلى هناك مزوداً بمضاد حيوى يحميه من الذوبان فى ثقافة الأمم الأخرى ولكنه يأخذ مما يتفق وثقافتنا العربية الأصيلة، لم نراه يخوض فى أفكار شاذة كغيره، وإنما استفاد إلى أبعد حد من الآخر لخدمة أمته وثقافته، لا للانتقاص منها على حساب الثقافة الغربية وألف فى ذلك مايزيد عن مائتى وخمسن كتاباً فى كل العلوم العربية والإسلامية،.

********

معارك أدبية وقضايا إسلامية

مع الدكتور محمود على مراد:

كانت معركته مع الدكتور محمد على مراد، الذى كان قد أهدانى عبر الصديق المشترك المرحوم المستشار رابح لطفى جمعة رسالته التى كان قد حصل بها على درجة الدكتورية من إحدى الجامعات الفرنسية فى مرحلة متأخرة من حياته، إذ سجلها بعد بلوغه سن المعاش، وكان يشتغل وقتذاك أستاذا للترجمة فى الجامعة بسويسرا، وكانت الرسالة عن المرحلة المكية من سيرة ابن هشام، فقرأها، فإذا بها هجوم عنيف على ابن هشام واتهام له بأنه، فى كتابته للسيرة النبوية، إنما كان يضع العباسيين فى حسابه طوال الوقت، ومن ثم تلونت كتابته لحياة النبى عليه السلام بهذا اللون. أى أن ابن إسحاق كان عميلا للسلطة العباسية، ولم يكن يكتب لوجه الحق بل لإرضاء العباسيين. ومعنى هذا أن ما نقرؤه فى سيرة النبى غير صحيح. واستشهد بمثالين اثنين على ما قال، إذ زعم أن المسلمين الذين ذهبوا إلى الحبشة لم يكونوا مهاجرين، بل نقلتهم قريش إلى معسكرات اعتقال فى أرض الحبشة على ساحل البحر الأحمر. كما أن أصحاب الأخدود ليسوا هم اليهود بل القرشيون، إذ خدوا أخدودا كانوا يلقون فيه المسلمين ليموتوا احتراقا بالنار، وكان المتولى كِبْر هذا الأمر هو عبد العُزَّى عم الرسول، الذى لقب بـ"أبى لهب" لهذا السبب. فاللهب، طبقا لهذا التفسير العجيب، ليس لهب وجهه، أى حمرته، بل اللهب الذى كان يؤججه ليلقى فيه بالمسلمين... وعلى هذا فَقِسْ. وما إن قطعتُ فيها جزءا صغيرا حتى صح منى العزم على كتابة شىء عنها لوضع الأمر فى نصابه، فكتب كتابه المسمى: "إبطال القنبلة النووية الملقاة على السيرة النبوية"، وهو عنوانٌ مستوحًى مما قاله الدكتور مراد نفسه حين وصف له رسالته هذه فى خطاب منه إليه بأنها سوف يكون لها عند نشرها على الجمهور وقع القنبلة النووية، فأراد أن يقول له إن كتابه هذا هو بمثابة نزع الفتيل من تلك القنبلة قبل انفجارها. وقد غضب، إذ ظن فى البداية، عندما بعث إليه بنسخة من رسالته الفرنسية، أنه سوف يشاركه الرأى ويعمل على نشر أفكاره وأنافح عنها، فكتب مقالا فى "المصور" آنذاك يتهمه فيه بإرهابه وتكفيره، وهو بطبيعة الحال ما لا حقيقة له من قريب أو من بعيد، فعرض الأمر على القراء وتحداه أن يجد أحد شيئا مما يقول المؤلف فى كتابه. بل إن صديقهما المشترك المستشار رابح جمعة كان يبدى استغرابه مرددا أنه، فى دراستى عنه، كنت ألكمه بقفاز من حرير (بنص كلامه)، وأنه ليس له أى حق فى ذلك الغضب. المهم أن الدكتور عوض قام بالرد على د. مراد فى "المصور" ذاته، وانتهى الأمر عند هذا الحد بالنسبة لى، وإن كان الدكتور عوض قد عثر بالمصادفة على مقال للدكتور محمد سليم العوا فى مجلة "الهلال" تناول فيه هذه القضية بتكليف، فيما يبدو، من دار الهلال ذاتها، إذ كانت قد نشرت للدكتور مراد رسالته عن ابن هشام بعد أن ترجمها إلى العربية من الفرنسية التى كتبها بها، وأرادت أن تُطْلِع الجمهور على رأى ثالث لا هو رأي الدكتور عوض ولا رأى المؤلف..

مع خليل عبدالكريم:

 وهناك معركة أخرى كانت مع خليل عبد الكريم، الكاتب الشيوعى الذى ابتدع فكرة اليسار الإسلامى فى مؤلفات تحمل اسمه (وإن كان الدكتور عوض  يشك فى أنه هو مؤلفها الحقيقى أو الكامل) تهاجم الإسلام والصحابة والقرآن هجوما عنيفا يتسم بالرعونة والسفاهة ومجافاة المنطق والتنكر لحقائق التاريخ، وتنقل عن أعداء الإسلام نقلا وتحاول فى الوقت ذاته أن تظهر بمظهر اللوذعية فتصدى له الدكتور عوض فى كتابه: "اليسار الإسلامى وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة"، وأمسك فيه بأهم ما ينسب لخليل عبد الكريم من كتب ولم أترك كتابا منها إلا ومسح به الأرض كما نقول فى مصر، مبينا ما فيه من فهاهة وتهجم سافل وجنوح عن المنطق ومجافاة للتاريخ الحق.

سلوى بكر وافتراءات"البشمورى":

  وقرأ الدكتور إبراهيم عوض رواية الكاتبة سلوى بكر "اليشمورى" فوجد فيها التجنى على التاريخ والحقيقة وهى رواية متهافتة لا يصح صدروها عن قلم مبتدئة فى دنيا الأدب اسمها: "البشمورى"، فجعلت عصر المأمون كله كتلة من المظالم. فهل يصح اختزال عصر المأمون، وهو من أزهى عصور الازدهار الحضارى فى تاريخ العالم، فى تلك المظالم التى ركزت عليها الكاتبة بالباطل؟ أين التفتح الثقافى؟ أين الرواج الاقتصادى والنعمة التى كان يعيش فيها الناس بوجه عام؟ لقد انتقل راوى "البشمورى" إلى بغداد، بل لقد دخل قصر الخلافة يشتغل مساعدا لكبير الطباخين، فلم نر من قصر الخلافة إلا مجلسا للخليفة ترقص فيه امرأة لعوب تثير الشهوات. فهل هذا هو كل ما كان يجرى فى مجلس المأمون، إن كان مجلس المأمون يعرف الراقصات العاريات أصلا؟ ألم يكن هناك علماء يتناقشون فى حضرته ويشاركهم مداولاتهم الفكرية؟ ألم يكن هناك رجال دولة يستشيرهم الخليفة ويتناول معهم شؤون الأمة وكيفية تدبيرها؟ ألم يكن هناك أصحاب شكاوى يلجأون إليه لإنصافهم؟ أليس إلا الراقصات؟ وعلى نفس الشاكلة نجد الرواية تركز فى عصر المعتصم على العيارين والتذمر والفتن وحدها، وكأن الدولة فى عهد ذلك الخليفة العظيم لم تك تحتوى على أى خير. الحق أنه لو لم يكن له من فضل إلا أنه أدب الروم وغزا بلادهم وجعلهم يتلفتون حولهم فى ذعر لكان ذلك حسبه من المجد والفخار والخلود فى صحائف التاريخ المنيرة.

وعن المأمون يقول السير وليم موير المستشرق البريطانى المعروف: "كان حكم المأمون مجيدا عادلا، وكان عصره مزدهرا بأنواع العلوم والفنون والفلسفة. وكان أديبا مولعا بالشعر متمكنا منه... وكان مجلسه حافلا بالعلماء والأدباء والشعراء والفلاسفة، إذ كان يقرّبهم إليه ويُجْزِل لهم العطاء. وكما كان عصره عامرا بالعلماء والأدباء والنحاة فإنه كان كذلك حافلا بجماعة المحدِّثين والمؤرخين والفقهاء كالبخارى والواقدى، الذى نحن مدينون له بأوثق السِّيَر عن حياة النبى، والشافعى وابن حنبل. وكان المأمون يجلّ علماء اليهود والنصارى ويحتفى بهم فى مجلسه لا لعلمهم فحسب، بل لثقافتهم فى لغة العرب وحذقهم فى معرفة لغة اليونان وآدابها. ولقد أخرجوا من أديرة سورية وآسيا الصغرى كتبا خَطِّيّة فى الفلسفة والتاريخ وعلم الهندسة لعلماء اليونان وفلاسفتهم، ثم ترجموها إلى العربية بدقة وعناية عظيمة. وبهذه الوسيلة انتقلت علوم العرب إلى العالم الإسلامى. ولم تقتصر جهود هؤلاء الجهابذة على نقل هذه الكتب القديمة إلى اللغة العربية، بل توسعوا وأضافوا إليها ما اكتسبوه من مباحثهم واطلاعهم، وأقاموا مرصدا فى سهل تدمر مجهزا بجميع الآلات التى تمكنهم من النجاح فى دراسة علمى الفلك والهندسة والتوسع فيهما. وقد صنفوا كتبا فى الرحلات والتاريخ، ولا سيما كتب الطب، وعُنُوا عناية كبيرة ببعض علوم تافهة، إلا أنها كانت أكثر ذيوعا وانتشارا كالتنجيم والكيمياء. وكان لمجهود هؤلاء العلماء الأثر الأكبر فى نهضة أوروبا، التى كانت غارقة فى بحار الجهالة فى العصور الوسطى حيث أيقظتهم من غفلتهم وأنارت لهم سبل علومهم التى كانوا أغفلوها، وهى علوم اليونان وفلسفتها" (د. أحمد فريد رفاعى/ عصر المأمون/ ط2/ مطبعة دار الكتب المصرية/ 1346هـ- 1927م/ 1/ 399- 400)، وقد خصها الدكتور عوض بدراسة قيمة صدرت فى كتابه ست روايات لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ورد عليها بما تستحق..

 كما كان للدكتور عوض معركة مع الكاتب الروائى علاء الأسوانى الذى تفرد له الصحف الصفحات الطوال وتمنحه المنظمات الدولية والمحلية الجوائز على بضع روايات وقصص كتبها فى غيبة الأصيل وتصدر الأدب الهذر على الساحة من قوم يسيطرون على منابر الثقافة منذ ستة عقود، ويقصون فيها التيارات الأخرى وينتصرون لتيارهم فقط :

الأسوانى (يخطف القبة من الرأس):

  رد الدكتور عوض على الأسوانى فى مقاله "هل نحارب طواحين الهواء" فأعجبت بالرد الذى أصل فيه لأشياء كثيرة استمعت من خلال قراءتى لدراسة الدكتور عوض، واتصلت به أعبر عن إعجابى بهذه فقص على حكاية أخرى مفادها أن طالب من كلية الآداب بجامعة عين ذهب للأسوانى يشتكى له الدكتور ويزعم أن "نجيب محفوظ كافر ابن كلب"، علما بأن الدكتور عوض يعتبر نجيب محفوظ  عبقرى الرواية العربية ، وهذا ردده فى العديد من كتبه التى يكتبها منذ السبعينيات عندما كان الأسوانى نفسه مازال طالب يدرس الطب، ودون التحقق من الأمر والسماع للطرف الآخر أقام الأسوانى الدنيا وأقعدها، مدافعاً عن محفوظ، منصبا من نفسه زعيم النقد الأدبى ليس فى مصر وحدها ولكن فى الدول العربية والعالم أجمع فكتب مقال فى جريدة الدستور فى عموده (( جملة إعتراضية )) بتاريخ 15 أكتوبر  2008 وتحت عنوان: "مصيبة فى كلية الآداب" سرد فيه ما قاله له الطالب الكذوب وختمه بهذه العبارات :

"إننى فعلا حزين ليس من أجل نجيب محفوظ ويوسف إدريس فهما عملاقان أدبيان حصلا بجدارة على تقدير العالم كله ، وبالتالى لا يحتاجان إلى شهادة من الدكتور أحمد هندى والدكتور إبراهيم عوض أو سواهما ..

أنا حزين من أجل الطلبة الذين إلتحقوا بقسم اللغة العربية ليتعلموا كيف يتذوقون الأدب وكيف يقيمونه , ليتعلموا قواعد البحث العلمى وحرية الفكر .. فإذا بنا ننهال على أدمغتهم الصغيرة بهذا الهراء ..

الذى سيئودى بهم إلى التشوه الفكرى والجهالة والتطرف .

وبعد .. فقد وجدت من واجبى أن أنبه الرأى العام إلى مايحدث فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة عين شمس ..

وإنى لأنتظر توضيحا من الدكتور أحمد هندى والدكتور إبراهيم عوض ..

و أرجو ألا يطول إنتظارى"

وتمت المناظرة بينهما وأفحمه الدكتور عوض بالقول الفصل الأمر الذى جعل الأسوانى يعود إلى صوابه ..

شريف الشوباشى: "لتحيا اللغة العربية يحيا سيبويه"..

فى عام 2004أصدر الأستاذ شريف الشوباشى، وكيل وزارة الثقافة المصرى للشؤون الخارجية، كتابا عنوانه "لتحيا اللغة العربية: يسقط سيبويه"، تناول فيه اللغة العربية الفصحى والكلام الذى يثور فى العصر الحديث بين الحين والحين عن صعوبة قواعدها عارضًا الوسائل التى يراها كفيلة بالقضاء على هذه الشكوى مع الحفاظ على الفصحى فى ذات الوقت حسبما جاء فى كلامه وقد تصدى له الدكتور إبراهيم عوض فى الندوات واللقاءات التليفزيونية وألف كتابا فى هذا الشأن يرد فيه على شريف الشوباشى بعنوان"لتحيا اللغة العربية يحيا سيبويه"..  وكان من حجج  الشوباشى قوله : "كثيرا ما فوجئت بكبار المثقفين يخطئون أخطاء لا تُصَدَّق فى لغتهم الأم التى يكتبون ويبدعون بها، وبعض هؤلاء أو معظمهم يُعَدّون من رموز الأدب والكتابة فى مصر والعالم العربى... وعندما كنت أقارن حالنا بالآخرين كنت أجد نفسى مضطرا لأن أعترف بأنه لا يوجد مثقف واحد فى فرنسا أو إنجلترا أو إسبانيا أوحتى البرازيل يخطئ فى لغته الأم بهذه الصورة. فهل كل الشعوب العربية بمثقفيها ومفكريها أصبحت معوقة ذهنيا بحيث لا تستطيع تعلم اللغة والإلمام بها إلماما سليما؟ وإذا وسّعْنا باب المقارنة مع الآخرين نجد أن أى سكرتيرةٍ متواضعةٍ حاصلةٍ على شهادة متوسطة فى أى دولة غربية قادرةٌ على أن تكتب بنفسها خطابا دون أخطاء لغوية… فهل السكرتيرة الفرنسية تمتلك قدرات ذهنية أرقى من المثقفين وأصحاب الشهادات العليا فى العالم العربى؟ بالطبع لا. إذًا فالخلل يكمن فى الطرف الآخر من المعادلة، وهو اللغة المستخدمة عند كل من الطرفين... فاللغة الفرنسية طيعة وسهلة ومباشرة، كما أن السكرتيرة، مَثَلُها مَثَلُ كل من يجيد الفرنسية، لديها أدوات تسهل مهمتها وتجعلها قادرة على تجنب الخطإ. وعلى رأس هذه الأدوات قاموس اللغة الفرنسية الذى يقوم على ترتيب الحروف الأبجدية، بالإضافة إلى ترسانة من القواميس الخاصة بالقواعد وبالمترادفات وغير ذلك من الكتب التى يتعلم أى تلميذ فرنسى كيفية استخدامها فى المدرسة"(ص67ـ 68).

  فالتقط الدكتور عوض الخيط ورد قائلاً : "والرد على هذا سهل غاية السهولة، فقد كان الكتّاب والعلماء والأدباء والشعراء العرب طوال الخمسة عشر قرنا الماضية يستخدمون لغتهم استخداما سليما ويسيطرون عليها ويبدعون بها على أحسن وضع، فلماذا يعجز كثير منهم الآن عن أن يصنعوا صنيع أسلافهم؟ إنه الكسل العقلى والاكتفاء بأقل القليل. وهو عيب شامل، وليس خاصا بالكتابة فحسب، بل كل صاحب حرفة أو عمل يعانى من نفاد الصبر، وليس عنده من طول البال ما يساعده على تجويد ما تصنع يداه. وهذا هو السبب فى أن عماراتنا أحيانًا ما تنهار الآن قبل أن يمر عليها سوى أشهر أو سنوات معدودات. وهو نفسه السبب فى أننا نشكو من إهمال الصنائعية والعمال، وهو أيضا السبب فى أن كثيرا من شوارعنا ممتلئة بالحُفَر والمطبّات والقاذورات والأصوات العالية! المزعجة والبذاءات المقذعة التى تشمئز منها النفوس الكريمة، وأن البلاعات فيها إما أعلى من مستوى الأرض أو أوطأ منها، وكثيرا ما تكون مكشوفة بحيث يقع فيها الأطفال لتبتلعهم بأفواهها الفاغرة وتغيّبهم فى بطونها إلى الأبد، وأن كل شىء فى حياتنا تقريبا قبيح ومشوه، وأننا لا نستطيع أن نعتمد على أنفسنا فى توفير ما نحتاج إليه من طعام أو ملابس مثلا، ناهيك عن تصنيع السيارات والحواسيب ومعدات القتال...إلخ. ثم إنك يا أ. شوباشى تعرف أن كثيرا جدا ممن تسميهم مثقفين وكتّابا كبارا ليس لديهم اطلاع كاف على اللغة أو التراث رغم أنهم كثيرا ما يتعرضون لهما بالكتابة والتقويم. أليست هذه محنة؟"

وضرب مثلا من أديب معاصر يخطأ فى الإملاء: "ولسوف أعطيك هنا مثالا سريعا على ما أقول: فقد كتب جمال الغيطانى فى روايته المسماة بـ"الزينى بركات"، والتى يطنطن لها البعض بغير حق، أن اليهود قد طاردوا النبى محمدا بالحجارة من فوق أسوار الطائف حين التجأ إليها فى عهد الدعوة المكية، وأن امرأة من يهود هى التى أكلت (لاحِظْ:" أكلت" لا "لاكَتْ") كبد حمزة رضى الله عنه(دار المستقبل العربى/ ط 3/ 1985م/ 225). وهذا، كما ترى، كلام مضحك بل تخريف ! عجيب إن وقع من أى تلميذ صغير كان جديرا أن يعاقَب على جهله بمثل هذه الوقائع الأساسية فى سيرة نبينا عليه السلام، فالتلاميذ والطلاب فى كل مراحل الدراسة ونوعياتها، بما فيها مدرسة الصنائع التى تخرج منها الكاتب، يعرفون أن الذين طاردوا النبى فى الطائف ورَمَوْه بالحجارة أوانذاك هم عبيدُها وصبيانُها وسفهاؤها من المشركين وليس اليهود، لأن اليهود لم يكونوا قد ظهروا فى حياة النبى عليه السلام بعد. كما أن التى لاكت كبد حمزة، رضى الله عنه (لاكَتْ لا أَكَلَتْ) هى هندٌ بنتُ عتبة زوجةُ أبى سفيان لا امرأةٌ من يهود، وكان ذلك عقب غزوة أُحُد . ومعروف أن ذلك إنما وقع بعد الهجرة بالقرب من المدينة، وليس فى الطائف فى العهد المكى! والغيطانى أحد الكتاب الذين قد ترى فيهم طائفة من نقاد آخر زمن أديبا ذا شأن، فضلا عن أنه كثير الحديث عن ولعه بالتاريخ الإسلامى، مما يجعلنى أتساءل: ترى ماذا كان يمكن أن يكون علمه بهذا التاريخ لو لم يكن وَلِعًا به إلى هذا المدى؟ كما أن فى لغته ضعفا وركاكة استفزا فاروق عبد القادر فأصلاه فى الكتاب الذى صدر له فى سلسلة "كتاب الهلال" منذ شهور نار! ا حامية. ولو كان محمد مفيد الشوباشى حيًّا لأسمعه هو وأمثاله من الكتّاب ما يؤلمهم جزاءً وِفاقًا على هذا الضعف المزرى فى لغتهم القومية! والمصيبة أن المؤلف لم يتنبه ولا نبهه أحد ممن حوله لهذا الجهل على مدى الطبعات الثلاث التى طُبِعَها الكتاب فيصححه!"

   ثم يستشهد بأمثلة من أناس خدموا اللغة وأحبوها ثم أحبتهم ولانت لهم وجرت بسهولة على ألسنتهم "وبالمناسبة لماذا كان الشوباشى والمنفلوطى والعقاد والرافعى وإبراهيم رمزى والمازنى وأمين الريحانى ومطران ونعيمة وجبران وكرم ملحم كرم ومَلَك حفنى ناصف ومىّ زيادة والزيات والصيرفى والسحرتى وعنان وهيكل ومحمد لطفى جمعة وفخرى أبو السعود وشكيب أرسلان وكرد على وشفيق جبرى ونزار قبانى وسعد الله ونوس وغادة السمان وعبد القدوس الأنصارى وأحمد السباعى وخليل سكاكينى وابنته وداد وإبراهيم طوقان وأخته فدوى وهارون هاشم رشيد ومحمد عزة دَرْوَزَة ونازك الملائكة والجواهرى والسيّاب وعبد الكريم غلاب ومحمود المسعدى وحسن حسنى عبد الوهاب ومحمود شلتوت والسحار وباكثير وأمين يوسف غراب وزكى نجيب محمود وزكريا إبراهيم ومحمد الغزالى وخالد محمد خالد وعبد الرحمن الشرقاوى مثلا بهذه القوة ! والمتانة فى الأسلوب، ولم يتخرج أىٌّ منهم من أى من أقسام اللغة العربية بالجامعة، بل إن عددا منهم لم يتلقَّوْا تعليما جامعيا أصلا؟ حتى سلامة موسى، الذى كان كثير العيب على اللسان العربى ويرميه بالبداوة ويعلن كراهيته له لأنه اللسان الذى نزل به القرآن، يخلو أسلوبه من الأخطاء التى تبرقش كتابات أدبائنا الذين تسللوا إلى ميدان الأدب والفكر فى غفلة من الزمن! ثم لماذا هذا الضعف الشائن فى كثير من كتّاب هذا الجيل بالذات؟ أتكون اللغة العربية قد انقلبت بين عشية وضحاها من لغة يمكن إتقانها لمن يريد ويبذل فيها ما تحتاجه من جهد واهتمام إلى لغة عصيّةٍ شَموس؟ ولكن هل هذا مما تسمح به طبيعة الأشياء؟ إن المشكلة هى أننا أصبحنا فاقدى الصبر، على طريقة العوامّ الذين ما إن تبدأ فى شرح ما تريده لهم حتى يفاجئوك بقولهم دون أدنى حياء: هات من الآخر! وعبثا تحاول أن تعرف ما الذى يستعجلهم كل هذا الاستعجال فلا تجد إلا نفاد الصبر وقلة الأدب! فحياتهم، والحمد لله، فارغة من أى شىء مهم، وكل ما هنالك أنهم يفتقرون إلى ذلك الصبر الذى تحدث عنه الشيخ محمد عبده فى تفسيره لسورة "العصر" فأفاض وأمتع، وهو الصبر الإيجابى الذى بدونه لا ! تقوم حضارة ولا يتم تقدم: الصبر على مشقات العمل والإنتاج والإبداع والإتقان والتخطيط والاهتمام بالتفاصيل والالتزام بالنظام الدقيق والحرص على المراجعة والعمل على إصلاح الخطإ أوَّلاً بأوّل...وما إلى هذا."