الأستاذ محمد فتح الله كولن

تعرف الأستاذ محمد فتح الله كولن

على رسائل النور

حازم ناظم فاضل

[email protected]

رسائل النور

رسائل الفها بديع الزمان سعيد النورسي(ت 1960) وهي تفسير لمعاني القرآن الحكيم،وهي تعالج القضايا الأساسية في حياة الفرد، إذ تنشئ عنده يقينيات إيمانية جديدة وتهدم التصورات الفاسدة والسلوك الضعيف. فإنها تدور حول معاني (التوحيد) بدلائل متنوعة و(حقيقة الآخرة) و(صدق النبوة) و(عدالة الشريعة) إلى آخره من الأمور التي قصدها القرآن الكريم.علاوة على ما تبحثه من أمور الدعوة إلى الله ومحبة الرسول r، والشوق إلى الآخرة وأمور اجتماعية وسياسية مختلفة.

لذا قال الأستاذ النورسي بحقها :«إن أجزاء رسائل النور قد حلّت أكثر من مائة من أسرار الدين والشريعة والقرآن الكريم، ووضحتها وكشفتها وألجمت أعتى المعاندين الملحدين وأفحمتهم، وأثبتت بوضوح كوضوح الشمس ما كان يظن بعيداً عن العقل من حقائق القرآن كحقائق المعراج النبوي والحشر الجسماني، أثبتتها لأشد المعاندين والمتمردين من الفلاسفة والزنادقة حتى أدخلت بعضهم إلى حظيرة الايمان، فرسائل هذا شأنها لابد أن العالم - وما حوله - بأجمعه سيكون ذا علاقة بها، ولا جرم أنها حقيقة قرآنية تشغل هذا العصر والمستقبل، وتأخذ جل اهتمامه، وأنها سيف ألماسيّ بتار في قبضة أهل الإيمان..»(1)..يتجاوز عدد أجزاء «رسائل النور» (130) رسالة، ضمت في مجلدات وهي:

1- سوزلر «الكلمات» وتضم (33) رسالة (كلمة)

2- مكتوبات«المكتوبات» وتضم (33) رسالة (مكتوباً)

3- لمعلر «اللمعات» وتضم (33)رسالة (لمعة)

4- شعاعلر «الشعاعات» وتضم (15) رسالة (شعاعاً)

وهناك (ملاحق) ألحقت - بعدئذ - بالرسائل وهي:

أ -ملحق بارلا

ب -ملحق قسطموني

ج- ملحق أميرداغ في جزئين.

وهيكل هذه الرسائل جميعها هو البحوث الإيمانية، والمسائل التي تمس أركان الإيمان وخصائصه ووسائله، والشعاعات تضم قضايا دفاع الأستاذ النورسي وبعض طلاب النور أمام المحاكم المختلفة فضلاً عن المواضيع الدقيقة التي تمس التوحيد والآخرة وسائر أركان الإيمان.

وقد جمعت هذه المجموعات التي هي باللغة التركية مع التي باللغة العربية وهي: (إشارات الإعجاز في مظان الايجاز) و(المثنوي العربي النوري) تحت عنوان «كليات رسائل النور». ولقد وفق المولى القدير الأستاذ إحسان قاسم الصالحي على ترجمة كليات رسائل النور كاملة إلى اللغة العربية في تسعة مجلدات وطبعت في كل من اسطنبول والقاهرة والرباط والعربية السعودية.

تعرفه على رسائل النور

 تعرَّف الأستاذ«فتح الله» على «رسائل النور» سنة 1957م، ولم يكن يومئذ قد تجاوز سن التاسعة عشرة من عمره!

الشيخ«محمد قِرقِنجي»(2)، طالبُ عِلمٍ وطالبُ نور، تعرف على «فتح الله» في حلقة الأستاذ «عثمان بكتاش»، لكنه كان أكبر من «فتح الله» سِنّاً بكثير. فقد كان «قِرقِنجي» في حلقة المتقدمين، وكان «فتح الله» حديث القدوم إلى المدرسة، فلما أدرك الشيخ «عثمان» تفوقه ألحقه بحلقة المتقدمين فكان أصغرهم سِنّاً.

الشيخ«محمد قِرقِنجي»كان قد تعرف على «رسائل النور» للأستاذ «بديع الزمان سعيد النورسي» ..  

ذات مساء جاء «محمد قِرقِنجي» إلى «فتح الله»، فوجده جالساً مع زميليه في الدراسة «حاتم» و«صلاح الدين»، فأخبرهما بأن رجلاً غريباً قد قَدِمَ إلى أرضروم من عند الأستاذ «بديع الزمان »، وأنه سيعقد مجلساً بمكان ما في المدينة ليلاً، وسيلقي كلمة. فرغبهم في الحضور، وما كان منهم إلا أن وافقوا على الفور مسرورين (3).

فقد كان اسم «بديع الزمان» جارياً على كل لسان، وإن لم يكن قد سَعِدَ برؤيته إلا القليل..

ننقل هنا حديثاً للشيخ «محمد قرقنجي» يوضح لنا عن كيفية تعرف الأستاذ «محمد فتح الله» على «رسائل النور »:

«كان الأستاذ فتح الله يدرس عند الشيخ «عثمان بكتاش» وهو رجل عالم وتقي وزاهد. أما أنا فقد كنت أدرس عند الشيخ الحاج فاروق ولم يدرسني الشيخ «عثمان بكتاش» ولكننا نحب بعضنا بعضاً رغم كبر سنه وهو بمثابة والدي. كلفني أحد الأيام قائلاً: إنني سأذهب إلى إزمير لحضور مراسيم زفاف أحد الأقرباء أو الأصدقاء وسأظل هناك فترة قصيرة ومن ثم أعود. فتعال أنت كي تقوم بتدريس تلاميذي بدلاً عني. وافقت على ذلك وقلت سمعاً وطاعة يا أستاذي. ففي صباح اليوم الثاني ذهبت إلى مدرستهم فوجدت ثمانية تلاميذ أحدهم الأستاذ «محمد فتح الله»وبدأنا بالدرس (البديع، البيان،والبلاغة). وبعد انتهاء الدرس تحدثت عن ما كنت أتذكره من جمل وجيزة من«رسائل النور» وأوضحتها. وبعد أيام أصبحت هذه الصحبة بعد انتهاء الدروس عادة لا نفارقها مع التلاميذ حيث يقولون: إذا انتهينا من الدرس سيبدأ الشيخ بالحديث عن الحقائق الموجودة في «رسائل النور».

 والأستاذ «فتح الله» يخرج معي عند الذهاب إلى البيت ونتحدث طول الطريق، عند ذلك أصبحت روحنا منجذبتين إلى بعضهما. فقد كانت فرصة لي للحديث عن «بديع الزمان» و«رسائل النور».

وفي أحد الأيام خرجنا معاً وبدأنا بالسير نحو مدرستنا قال لي الأستاذ «فتح الله»:

-   أستاذي، هناك بعض الأسئلة وبعض الأمور لا يستطيع الإنسان النطق بها أو الحديث عنها خوفاً.

-   ما هو السؤال أو الأمر الذي لا تستطيع أن تنطق به؟

-   إننا نشاهد ونبصر كل شيء بأعيننا، فلماذا لا نرى الله؟

-   من شدة ظهوره. انظر للشمس، فلو تصورنا خيالاً تكبير حجم الشمس وأصبحت تملأ الأفق، لما كنا نرى الشمس. فتختفي من شدة ظهورها.

فتحير من هذا الجواب فقال:

-   لا تتحير فهل تعقل بأن يكون هذا كلامي؟

-   إذن لمن هذا الكلام؟ أستاذي.

-   القول لبديع الزمان. هل تعرفونه؟

-   سمعت به.

-   هل قرأتم كتبه ومؤلفاته؟

-   لم أقرأ ولم أرَ كتبه بل سمعت به فقط.

-   نقرأ  من «رسائل النور» كل يوم أربعاء في مدرسة جامع «مراد باشا». فإن رغبت فتعال واحضر واستمع للدرس هناك.

يعني لم أصر عليه ولم أجبره بالمجيء وقلت: أنتم أدرى وأعلم.

-   أستاذي، سآتي معك هذه الأربعاء.

ففي يوم الأربعاء ذهبنا معاً، وبعد انتهاء الدرس خاطبني قائلاً: أستاذي سأحضر معكم هذه الدروس كل يوم أربعاء.

رجع الشيخ «عثمان بكتاش» من إزمير وقد قال للأستاذ «فتح الله»: «حذار .. حذار يا فتح الله ستتلقى الصعاب فلا تطع محمد أفندي.».

 لأنه كان يعلم بالمضايقات والتحريات من قبل الدولة. وقد عانينا الكثير من المشقات ولكننا ثبتنا ولم نفتر رغم كل شئ والأستاذ «فتح الله» ثبت معنا ولم يفارقنا. بقينا معاً من عام 1956-1966  (4).

يقول الأستاذ «فتح الله» عن شيخه «عثمان بكتاش»:

«إن الشيخ عثمان قلق عليّ لقراءتي لرسائل النور فكان يتصور بأنه سيفقد أحد تلاميذه.ولكن بعد ما شاهد هذه الخدمات النورية بدأ بالمدح والثناء قائلاً: هناك شخص واحد يمكن أن يكون طالب نور حقاً هو الملا فتح الله.»(5) .

وما أن دقت ساعة الموعد حتى كان الطلاب أمام مكان اللقاء! كان مجرد دكان لخياط اسمه «محمد شَرِكيل». مجلس صغير من مهنيين وبضعة طلاب، كان لهم بعدُ في تاريخ دعوة النور أثر عظيم!..

عندما جلس «مُظفر أرصلان» منتظماً بهدوء ضمن عِقدِ حلقة النور، توجهت كل الأنظار إليه.. هذا هو رسول بديع الزمان سعيد النورسي إلى أرضروم! إنه أحد تلامذته الأوائل.كان «مُظفر أرصلان» رجلاً متواضعاً بسيطاً، هادئ السمت.أرسله «بديع الزمان» ليتجول في شرقي بلاد الأناضول(6)، فطاف على كثير من مدائنها وقراها. ومكث في أرضروم نحو خمسة عشر يوماً..تحدث الرجل بكلمات قلائل عن أستاذه بديع الزمان، ثم أخرج من جيبه ورقات من«رسائل النور»،وشرع يقرأ من رسالة«الخطوات الست»، وكل الآذان له مصغية، فكانت تلك مائدة الليلة الأولى..كانت رسالة«الخطوات الست»بياناً جهادياً من الأستاذ النورسي، وتوعيةً إيمانيةً، وخطةً دفاعية شعبية، في مواجهة الإنجليز،عشيةَ احتلالهم لمدينة إسطنبول في13تشرين الثاني سنة 1919م ..

فبينما كانت رحى الحرب دائرة في معارك ضارية وتسيل دماء الألوف من المسلمين رخيصة في سبيل الدفاع عن مركز الخلافة«اسطنبول»،بدأ الحلفاء ولاسيما الإنكليز بشن حرب نفسية وإشاعة أفكار مضللة تمس عقيدة الأمة،فانبثّ أعوانهم وجواسيسهم في أرجاء اسطنبول يلقون بألسنتهم تلك الشبهات المغرضة وينشرونها في أوساط العامة والخاصة،ضمن حرب هادفة تحطم الروح المعنوية للمسلمين..

ولما شاهد الأستاذ النورسي سَرَيان هذه الأفكار المسمومة في هذه الحرب الماكرة التي استطاعت استمالة قسم من العلماء الى صف الإنكليز قام بتأليف رسالة«الخطوات الست»مبيناً فيها مكايد الغزاة المحتلين، داحضاً شبهاتهم ووساوسهم الشيطانية،مُبعداً عن المسلمين مشاعر اليأس والقنوط.

وطبعت الرسالة سراً، ونشرت وهي لا تحمل اسم المطبعة ولا سَنَة الطبع،وقام محبو الأستاذ وتلاميذه بنشرها في أوسع نطاق في خفاء تام(7).

وفي الليلة الثانية ألقى عليهم «مظفر ارصلان» وَمَضَاتٍ من «الشعاع الخامس»(8) وفيه تفسير رمزي لأشراط الساعة، وبيانٌ لمقاربة دجاجلة العصر لخصال الدجال الأكبر، وأن مآل الدجل دائماً هو الخسران المبين!..

كانت الشعاعات تشرق بتجديد الحياة، وتفتح أبواب الأمل في وجه ملايين المستضعفين!

لقد انجذب الاستاذ«فتح الله» منذ الليلة الأولى كلية إلى هذا الرجل العظيم، وسحرته الكلمات القلائل التي تحدث بها، أو التي قرأها عليهم من«رسائل النور». وصاحت روحه الولهى: الآن وجدت الطريق، الآن وجدت نفسي.. الآن وجدت النور الذي كنت أبحث عنه ما بين شيوخ التكايا والدراويش،ولكن بلا جدوى!..

 لقد شاهد الاستاذ«فتح الله» ببصيرته الصافية ووجدانه الوهاج، تجليات النور على طلاب النور..

وكان يبصر دروس الأستاذ النورسي، ويرى بصماته التربوية حركة حية، تنبض بالحياة في شرايين طلابه وإخوانه.

ومن ثم لم يزل الاستاذ«فتح الله» يزور «مُظفراً أرصلان» يومياً في بيته المؤقت بأرضروم، يتزود من أقواله وأحواله، حتى حان موعد الرحيل.

وعند الوداع وقف الاستاذ «فتح الله» حزيناً على رصيف محطة القطار، مع خمسة من طلاب النور !

رسالة بديع الزمان سعيد النورسي

كان «فتح الله» في صحبة إخوانه بمجلس الذكر، عندما زفَّ إليه أحدهم خبر ورود رسالة من الأستاذ «بديع الزمان سعيد النورسي»، تخص مجلس طلاب النور بأرضروم ! كان الفرح والسرور قد هز أغصان جميع الطلاب طرباً، أما الاستاذ «فتح الله» فقد شعر بقرب شديد من «بديع الزمان» غير معهود، وقُرئت الرسالة على الجميع،وعندما اختُتمت الرسالة بالسلام على من بلغ خبرُه إلى الأستاذ النورسي:

«وبلغوا سلامي إلى فتح الله!...»(9).

ولم يزل الاستاذ «فتح الله» يعيش لحظات ألمه اللذيذ، سروراً لم تكد روحه تطيق شدة اشتعاله حتى إنه لا يذكر أنه سُرَّ في حياته إلى هذه الدرجة إلا بضع مرات! وأي شيء أسعد لقلبه المشوق بالنور من كون مجدد الدين ببلاد الأناضول قد سلّم عليه؟.

ومهما طال الزمن وتناسخت الأيام، فلن ينسى أبداً سلامَ «بديعِ الزمان».

وكان يتمنى ان يرى الأستاذ النورسي وان يجلس معه ويسمع منه ويشارك في اصطحابه(10).

فتح الله طالب نور

في أرضروم هناك عادة سنوية، يختم فيها القرآن ألف مرة ومرة! ثم يكون الدعاء الشامل لكل تلك الختمات بمسجد جامع من مساجد المدينة. يتعهد الآلاف من الناس تطوعاً بتلاوة ما يستطيعون من قرآن، فيبيتون الليل كله أو بعضه، يرتلون ما نذروه لله من تلاوة 1001 ختمة! فإذا صلى الإمام الفجر، قرأ دعاء الختم الجامع، وانصرف الناس..كانت تلك وسيلة من وسائل مواجهة الزحف الإلحادي الكاسر الذي حظر على الناس تلاوة القرآن لسنوات عديدة.

في تلك الليلة بكَّر الاستاذ «فتحُ الله» بالذهاب إلى «جامع لاله باشا»، لحضور دعاء الختم، فهذه السنة وافق الختمُ فيها ليلةَ الرغائب(11).

وفي مثل هذه الليالي تغص مساجد أرضروم بالناس حتى تضيق بالمصلين، فلا يكاد أحد يسجد إلا على ظهر صاحبه!

وأما من لم يحضر قبل العِشاء، فإنه لن يجد له مكاناً داخل المسجد في صلاة الفجر!

هنالك دعا «فتح الله» ربه :

«رب اجعلني من طلاب النور ! اجعلني بين سراياهم، أسير كما ساروا بقناديل النور حتى ألقاك! أدخلني من باب الخدمة، واقبلني عبداً! ها أنا ذا قد ذقت، ورأيت؛ فاجعل نعمتك عليَّ تدوم! أعوذ بك إلهي أن أدخل من باب ثم أخرج محروماً من باب! ثبِّت قلبي الراحل في النار ببرد وسلام! واجعل روحي وَقفاً أبدياً لك وحدك، لك وحدك»! (12) .

يقول الأستاذ «فتح الله» حول تلك الليلة:

«إنني لم أوفق لمثل هذه الحالة الروحية في الدعاء طول عمري إلاّ مرة أو مرتين. فقد صار دعائي صراخاً وأنيناً. وبكيت حتى الصباح. ورجوت ربي هذا فقط.»(13).

بات الاستاذ «فتح الله» يدعو الليل كله، وما نام لحظة، بل ولا طرفة عين!

وقبل أداء صلاة الصبح شرع «صادق أفندي» المليء قلبه بحب الرسول الكريم r بإلقاء موعظة حول محبة الرسولr فمواعظه كانت دائماً حول حب الرسول والشوق إلى الحبيب r . فأثر هذا الوعظ بالأستاذ «فتح الله» تأثيراً كبيراً وبكى مع وعظ الشيخ..

 وانخرط مرة أخرى في ترديد دعاء الليلة، واستدرار شعاع النور. حتى إذا فرغ الناس من صلاة الصبح، ودعاء ختم القرآن، غادر المسجد مع شروق الشمس (14).

كان الشيخ «حاتم »- صديقُ الاستاذ «فتح الله»، وزميلُه في الدراسة وفي صحبة مجالس النور- واقفاً بباب المسجد بعد الصلاة، ينظر إلى وجوه المصلين بتفرس، وكأنما هو يَعُدُّ الخارجين من المسجد عدّاً، حتى إذا وقعت عيناه على صديقه، أسرع نحوه فألقى على وجهه قميص البشرى! قال «فتح الله»: ما شأنك ؟ فأجاب صاحبه:

«هذه الليلة رأيت الأستاذ بديع الزمان النورسي في المنام، رأيته في شأن يخصك أنت، لقد كان يرسل إليك الرسالة التي هي في كتاب«تاريخ الحياة للاستاذ»، ومعها جُرَّة مملوءة بالجوز».

نعم هكذا، وانتهت الرؤيا (15)! .

وبعدما انتهى الشيخ «حاتم» من كلامه جاشت عاطفة الأستاذ «فتح الله» حينها ولم يستطيع الوقوف على رجليه من شدة تأثره ..فالجوز في علم تعبير الرؤيا يعبّر بالرحيل والسفر. والتحية الطيبة التي قّدِمت إليها قبل شهرين أو ثلاث، وحالته الروحية في الليلة المباركة، والرؤيا للشيخ حاتم.. كل هذه الأمور توالى بعضها وراء بعض..فأحس بأنه قد تكامل وامتزج مع هؤلاء الأصدقاء (16) .

يقول الأستاذ «فتح الله» حول تلاميذ «بديع الزمان» :

«إنني أول ما رأيت تلاميذ بديع الزمان قلت: أقسم بالله بأنهم يشبهون الصحابة الكرام رضوان الله عليهم.فأخذت أميل إليهم وأحبهم.» (17).

وفي خطبه ومواعظه يتكلم عن طلاب النور كنموذج ومثال لاتخاذهم قدوة كالسلف الصالح، فمثلاً يقول:

 «ولإحراز الإخلاص يلزم اتخاذ السلف الصالح قدوة ومن هؤلاء تلاميذ الأستاذ النورسي»(18).

الإمام علي «كرم الله وجهه» في الرؤيا

يتحدث الأستاذ «فتح الله» عن الرؤيا التي شاهدها قائلاً:

«في أحدى الليالي رأيت بأنني في كرة أرضية غير كرتنا الأرضية ولا أحد غيري من الإنس والجن. فجأة أرى الثيران والأغنام يهاجمونني من جميع الأطراف، فلفّتني خشية وارتباك شديد فشرعتُ أبحث عن شخص ينقذني من ورطتي هذه. فنظرت إلى شمالي رأيت الإمام علي«كرم الله وجهه» مع الأستاذ «بديع الزمان»، ولا أحد من دوننا.

ففي هذه الأثناء أخرج سيدنا علي«كرم الله وجهه» من جيبه المخفي مجموعة من الأوراق وأعطاها لبديع الزمان وأنا أنظر. استيقظت من النوم مهتاجاً.

فقد محت هذه الرؤيا كل ما كان يلوث ذهني من الوسوسة حول رسائل النور.»(19).

حب الأستاذ فتح الله لبديع الزمان

في عام 1995 ألقى الأستاذ «فتح الله» محاضرة للشباب في أنقرة عبّر عن حبه الشديد لبديع الزمان قائلاً:

«إن الشخصية الخارقة لو رأى مثلكم عشرة من الشباب ذوي الوجوه النيرة لكان عيداً له.. واليوم كنتم تعيشون أفراح عيد بينكم .

فهو، يشاهدكم بهذا المشهد وهو في قبره ولكنني كلما أراكم وألتقيكم أحسُّ بالإنكسار وأتساءل، ماذا يكون لو كان هو جالس في هذا الكرسي بدلاً عني.

فهو الذي عانى وجاهد وكد من أجل نهضة هذه الأمة، ونظر إليكم وقرأ أزاهير الربيع على جبينكم .

 نعم، أنتم باقة مختارة من الزهور قد جُمعت واختيرت من أماكن مختلفة وأصبحتم باقات زهور جميلة.

وأنا أقدمكم له وهو راقد في قبره كهدية بمثابة سورة الفاتحة.

وأقول: أسأل الله أن لا يخزيك في قبرك ولا يخزينا. وليرضَ الله عنك فقد أضأت لنا الطريق وعلمتنا السلوك.»(20).

أيها الشفيق الحبيب!

   ولا ينسى الاستاذ «فتح الله» ليلة كان يقرأ فيها مع الطلبة كتاب «إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز» (21) لبديع الزمان، فتأخروا في المجلس إلى وقت متأخر من الليل حتى نام أغلب الطلاب إلا واحداً هو السيد «مُعَظَّم»، فقد بقي يتدارس الكتاب مع الاستاذ«فتح الله».ولما وصل فتح الله عبارة:«أيها الحبيب الشفيق!»(22) ، وجعل يقرأها بتحنن سمع أنيناً عجيباً يصدر من جدار البيت! يصحبه صوت حزين يقول: «آه!.. آه!» وكأنما الجدران تئن من حرارة الشوق إلى لقاء الحبيب. سمع «فتح الله» ذلك يتردد خمس مرات.. بينما سمعه صديقه «مُعَظَّم» ثلاث مرات!.

كرسي علمي لبديع الزمان

استطاع الاستاذ«فتح الله» أن يؤسس بواسطة طلابه الأكاديميين، كرسياً علمياً للدراسات الإسلامية، باسم بديع الزمان النورسي،في جامعة«جون كارول»بمدينة «سليفيلاند» الأمريكية،يشرف عليه باحثون أتراك. ومن خلاله يتم تأطير بحوث الماجستير والدكتوراه، وعقد ندوات ومؤتمرات علمية.

               

(1) كليات رسائل النور ، الملاحق ، ملحق أمير داغ  ج1 ص249 .

(2) الشيخ «محمد قرقنجي»: ولد (1928م)في قرية «كوللوجه»التابعة لولاية «أرضروم»، من علماء الأناضول الأفاضل يكبر الشيخ محمد فتح الله سناً لكنه صديقه في المدرسة الدينية ، له مؤلفات عديدة منها : ما القدر ؟ ، ما الروح ؟ .

Gurbetteki öğretmen ,S.37-38. (3)

M. kirkinci hoca, Sohbet 6.10.2001. (4)

M. Fethullah Gülen,Sohbet , 25.5.1995. (5)  

Himmeti milleti olan insan,S.37. (6)  

(7) انظر : «صيقل الاسلام» ص 545 لبديع الزمان سعيد النورسي و«سعيد النورسي رجل القدر في حياة أمة» للاستاذ اورخان محمد علي . 

(8) حضر القائد العام الياباني الجنرال Nogi Maresuke اسطنبول سنة 1907 م. أي أواخر حكم السلطان عبد الحميد الثاني، ووجّه جملة من الأسئلة حول العقيدة وعلامات الساعة إلى المشيخة الإسلامية، فوجّه العلماء بدورهم تلك الأسئلة مع أسئلة أخرى إلى الأستاذ النورسي، أورد قسماً من أجوبته التي تخص العقيدة في المقالة الثالثة في مؤلفه " المحاكمات"، وفصله في رسالة " نقطة من معرفة الله جل جلاله"، وخصّ "الشعاع الخامس" للأجوبة التي تخص أشراط الساعة والدجال.(انظر: صيقل الاسلام – المحاكمات ، لبديع الزمان سعيد النورسي).

Gurbetteki öğretmen, S.38. (9)  

M. Fethullah Gülen, Sohbet-i Canan , S.40. (10)

(11) ليلة الرغائب: أول ليلة جمعة من شهر رجب (انظر:محمد ابو زهرة : زهرة التفاسير ،ص4322،دار الفكر العربي، بيروت) .

Gurbetteki öğretmen ,S.38. (12)   

Küçük dünyam,S.46. (13)    

Küçük dünyam,S.46. (14)

Gurbetteki öğretmen,S.38, Küçük dünyam,S.46. (15)

Küçük dünyam,S.47. (16)   

M. Fethullah Gülen,Sohbet 1.4.1996. (17) 

M .Fethullah Gülen,Fasıldan fasıla(4)-S.4-5. (18)  

M. Fethullah Gülen, Sohbet, 22.11.1996. (19) 

M. Fethullah Gülen, Vidio Nu.100. (20)    

(21) تفسير قيم لسورة الفاتحة وآيات من سورة البقرة ..ألّفه بديع الزمان باللغة العربية في ساحة القتال مع الروس في الحرب العالمية الأولى. وفي أثناء تلك المعارك كان يعود إلى الخندق ويملي على طالبه النجيب الملا حبيب هذا التفسير بل كان يملي احياناً وهو على صهوة جواده أو في خط الدفاع الأول حتى اتمّ القسم الأعظم من ذلك التفسير الجليل وطبق فيه نظرية النظم تطبيقاً تفصيلياً شاملاً من حيث هي منظومة متكاملة تشمل ترتيب السور والآيات والألفاظ سورة بعد سورة وآية بعد آية ولفظا بعد لفظ ومن حيث المباني والمعاني..(انظر :السيرة الذاتية لبديع الزمان سعيد النورسي ،ص 124).

(22) إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز، ص62 ، والمقصود بالحبيب هنا : هو الملا حبيب من طلاب بديع الزمان .