الشيخ عبد القادر المغربي

الشيخ عبد القادر المغربي

(1867-1956)

أ.د مولود عويمر*

محطات وانجازات

ولد عبد القادر درغوث المعروف بالمغربي في اللاذقية عام 1867. وتوفي في 7 جوان 1956 في دمشق. كان جده الأول الشيخ يوسف درغوث المفتي الحنفي غادر تونس في النصف الثاني من القرن السابع عشر، واستوطن مدينة طرابلس بلبنان.

درس عبد القادر المغربي مختلف العلوم الشرعية والآداب على كبار علماء الشام في ذلك الوقت منهم الشيخ حسين الجسر والشيخ بدر الدين الحسني والشيخ إبراهيم الأحدب...الخ. وكان من أقرب زملائه في الدراسة محمد رشيد رضا الذي سيبقى على صلة قوية به إلى آخر حياته متبادلا معه عددا كبيرا من المراسلات بعد استقرار الشيخ رضا في القاهرة.

وتأثر عبد القادر المغربي بالعلامة عبد الرحمان بن خلدون، وتجلى هذا التأثير في عدة كتاباته، ولعل أبرزها مقاله الرائع الذي نشره في مجلة "المقتبس" السورية عنوانه: "قواعد العمران من بين آيات القرآن". كما تأثر المغربي مبكرا بدعوة الشيخ جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده، وكان من شدة تعلقه بهما أنه كان ينسخ بقلمه جريدة "العروى الوثقى" من ألفها إلى يائها حتى بلغت عنده خمسمائة صفحة، ثم طبعها بعد ذلك في بيروت على نفقة الشيخ حسين الحبال صاحب جريدة "أبابيل". وسافر إلى تركيا من أجل اللقاء بالشيخ الأفغاني، فحضر مجالسه، وسمع دروسه، وقد لخص كل ذلك في كتابه: "جمال الدين الأفغاني: ذكريات وأحاديث".

وبالإضافة إلى هذا الكتاب المنشور في القاهرة، ألف الشيخ المغربي عدة مؤلفات في مجالات متعددة ونشر مقالات كثيرة في جرائد ومجلات كثيرة، ومازال تراثه غير مجموع لحد الآن.

ذكر الدكتور عدنان الخطيب الذي خلفه في مجمع العلمي السوري أن الشيخ المغربي ترك 12 كتابا مطبوعا و11 كتابا مخطوطا. وسأقتصر هنا على ذكر مؤلفاته المطبوعة حسب تسلسلها التاريخي، وهي متنوعة حيث شملت التفسير والسيرة والفقه والتاريخ والأدب والإصلاح الاجتماعي: الاشتقاق والتعريب، السفور والحجاب، البينات، الأخلاق والواجبات، محاضرات عن محمد (ص) والمرأة، مناظرة أدبية ولغوية بين المغربي والبستاني والكرملي، شرح وتحقيق تائية عامر بن عامر البصري، تفسير جزء تبارك، على هامش التفسير، عثرات اللسان، تحقيق رسالة التنبيه على غلط الجاهل والنبيه".

كما تعلم اللغة الفرنسية وترجم رواية "غادة كاميليا" للأديب الفرنسي الكسندر دوما، وسماها: "النجم الآفل".

رجل العلاقات والمؤسسات

أدرك الشيخ عبد القادر أهمية إنشاء المؤسسات لتأسيس قاعدة صلبة لمشروع النهضة الذي كان هاجسه الأكبر. وكان متأثرا بحراك العلمي السائد في بعض الدول الإسلامية بداية ببلده تونس التي ظهرت فيها المدرسة الخلدونية منذ نهاية القرن التاسع عشر للجمع بين الأصالة والمعاصرة، مرورا بكلية عليكرة في الهند ودار العلوم ومدرسة القضاء الشرعي بالقاهرة. ففي 1914، ساهم مع الأمير شكيب أرسلان والشيخ عبد العزيز جاويش في فتح كلية إسلامية بالمدينة المنورة.

كما ساهم المغربي في الإشراف العلمي على الكلية الصلاحية التي أنشأتها وزارة الأوقاف العثمانية في القدس عام 1915 وكان هدف الكلية الصلاحية هي تكوين علماء الدين " قادرين على القيام بوظائفهم في خدمة أبناء ملتهم من حيث جمعهم بين فهم تعاليم الإسلام فهما صحيحا، وتدبر طبيعة العمران الحديث تدبرا رجيحا." ودرَّس فيها الشيخ المغربي الآداب العربية والسيرة النبوية إلى أن احتلت بريطانيا فلسطين فخرج إلى سوريا. وواصل التدريس بعد ذلك في كلية الحقوق بجامعة دمشق.

وشارك الشيخ المغربي في تأسيس المجمع العلمي العربي في سوريا في سنة 1919، وانتخب نائبا للرئيس في عام 1941، ثم رئيسا وبقي في هذا المنصب إلى غاية وفاته. ونشر عدة مقالات ودراسات في مجلتها في قضايا اللغة والأدب والتاريخ والتراجم وتقريظ الكتب. كما اختير عضوا في مجمع اللغة العربية في مصر سنة 1934، وعيّن عضوا مراسلا في مجمع اللغة العربية في العراق سنة 1949. وزوّد هذه المجامع ببحوث لغوية وشارك في وضع مصطلحات كثيرة.

في عالم الصحافة

وكان الشيخ المغربي مدركا أيضا لدور الصحافة في نشر المعرفة وقدرتها على التوعية وصنع الرأي وتوجيه القرار. ولكل هذه الاعتبارات، كتب خلال إقامته في مصر بين 1905 و1908 في أشهر الصحف المصرية خاصة في صحيفة "المؤيد" أين اشتهر بركنه: " أمالي الأدب". كما كتب في هذه الجريدة سلسلة من مقالات نقدية في الدين والأخلاق والاجتماع على لسان "حمامة الأزهر".

وبعد عودته من القاهرة في سنة 1908، أصدر الشيخ المغربي جريدة في طرابلس باسم "البرهان"، وكانت تدعو إلى الإصلاح والتجديد على منهج الإمامين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. كما كان يراسل الصحف والمجلات المصرية (المؤيد، الظاهر، اللواء، الشعب، القلم، الرسالة، الهداية)، ويشارك في بعض الصحف والمجلات الشامية ك "المقتبس" للأستاذ محمد كرد علي، ومجلة "الزهور" لأنطون الجميل وأمين تقي الدين...

وفي سنة 1916 أصدرت السلطات العثمانية جريدة "الشرق" للدعاية لها في بلاد الشام، فأسندت رئاسة التحرير للأمير شكيب أرسلان، وإدارة التحرير للشيخ عبد القادر المغربي. ونشر فيها "المباحث الأدبية واللغوية والإصلاحية وبعض المقالات السياسية" طوال الحرب العالمية الأولى. وبعد هزيمة العثمانيين واحتلال الجيش الفرنسي لسوريا " انزوى في بيته منصرفا إلى التأليف وكتابة مقالات في العلم واللغة والأدب."

المغربي في نظر رجال جمعية العلماء

وفيما يتعلق بصلة الشيخ المغربي بالعلماء الجزائريين، فقد كانت تربطه علاقات متينة بالشيخ محمد البشير الإبراهيمي الذي كان يعتز بصداقته، ويعترف بفضله وسعة علمه. ووصفه جوهرة  من الجواهر الحسان التي يزخر بها سجل حركة الإصلاح والتجديد في العصر الحديث. كما كان يوصي كل من يراسل من رجال الفكر والسياسة بسوريا أو لبنان بإبلاغ السلام الخاص للشيخ المغربي.

ووفاء لهذه الصداقة وتدعيما لأواصر المحبة والأخوة بين الحركتين الإصلاحيتين في الجزائر وبلاد الشام، استقبل الشيخ المغربي العالمين الجزائريين الإمام الإبراهيمي ومرافقه الشيخ محمد الغسيري في دار المجمع العلمي العربي بدمشق في عام 1954 حينما زارا سوريا، وأهدى لجمعية العلماء الجزائريين مجموعة من الكتب الصادرة عن هذه المؤسسة العلمية .

واعتبر الأستاذ عبد الرحمان شيبان الشيخ المغربي أحد رواد الإصلاح الديني والاجتماعي إلى جانب جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ورافد من روافد الحركة الإصلاحية الجزائرية، وذلك لنشاطه الدؤوب في سبيل إحياء الدين الإسلامي وترقية اللغة العربية. وكان الشيخ شيبان معجبا أيضا بمنهجه الإصلاحي الذي بشر به في كتابه "البينات" الصادر في القاهرة سنة 1925. وهو كتاب ضخم تبلغ عدد صفحاته 600 صفحة موزعة على جزأين. وهو يضم مجموعة مختارة من مقالاته المنشورة في الصحافة حول الدين والاجتماع والأدب والتاريخ.

كما نال كتابه "الأخلاق والواجبات" الصادر في القاهرة في سنة 1926، رواجا في المغرب العربي، وتعلم منه جيل كامل من المثقفين والعلماء المغاربة. وقد راسله القراء المغاربة لاستفسار والاستفتاء في قضايا عديدة فأجاب عن بعضهم في رسائل خاصة، ورد على بعضهم في الجرائد والمجلات.

اهتماماته بالمغرب العربي

اهتم الشيخ عبد القادر المغربي بتراث المغرب العربي، فكتب مقالات عن شخصيات مغربية مثل الشيخ طاهر الجزائري، والشيخ بدر الدين الحسني، ... وعرّف بمعالم مغربية مثل جامع القرويين، وقرظ كتبا في التاريخ المغربي مثل "الدر الفاخرة بآثار ملوك العلويين بفاس الزاهرة"، و"تاريخ مكناس" لعبد الرحمان بن زيدان، و "التقويم التونسي" لمحمد الشاذلي بلحسن.

ولم يكن الشيخ عبد القادر المغربي منعزلا عن محيطه المتغير، ولم تشغله بحوثه الكثيرة في الدين واللغة، أو انهماكه في تجسيد مشروعه التربوي على غرار شيخه محمد عبده، على متابعة الأحداث السياسية في المغرب العربي والتفاعل معها بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مقتديا بأستاذه جمال الدين الأفغاني، وفي هذا السياق، وقف إلى جانب الملك محمد الخامس حين أنزلته السلطة الفرنسية عن العرش ونفته خارج المغرب، فراسله الشيخ المغربي وعبّر عن تعاطفه معه، ومؤازرته للشعب المغربي في محنته.

ولعل هذا الموقف الشجاع والوفي لبلاد المغرب الإسلامي هو الذي دفع الملك المغربي إلى المبادرة بإرسال برقية تعزية إلى أسرة الشيخ المغربي مباشرة بعد إعلان عن وفاة هذا الأخير. فرحمهما الله رحمة واسعة وطيب ثراهما.

               

* أستاذ التعليم العالي بجامعة الجزائر 2