الأمير شكيب أرسلان في ديوان الصحافة الجزائرية

الأمير شكيب أرسلان

في ديوان الصحافة الجزائرية

أ.د مولود عويمر

أستاذ التعليم العالي بجامعة الجزائر2

لقد مرت هذه الأيام الذكرى الخامس والستون لوفاة داعية الإصلاح والتحرير والتنوير في العالم الإسلامي المعاصر الأمير شكيب أرسلان الذي توفي في بيروت يوم الاثنين 15 محرم 1366 هـ/ 9 ديسمبر 1946. فبهذه المناسبة أحببت أن أقدم للقارئ صفحة من نضاله من خلال ما ورد في بعض الصحف الجزائرية.

تراث أرسلان في الصحافة الجزائرية:

كتب شكيب أرسلان في معظم الصحف العربية والإسلامية، وراسل عددا كبيرا من العلماء والزعماء في كل الأقطار الإسلامية، فيكفي أن أشير هنا إلى أنه بلغت عدد رسائله مع الشيخ محمد رشيد رضا أكثر من مائتي رسالة. فمن الصعب إذن أن أتطرق لهذا التراث أو من المستحيل للصحف الجزائرية المضايقة والتي لم تكن تملك إلا إمكانيات مادية وبشرية ضعيفة أن تتابع كل نشاطات وأعمال رجال الإصلاح، وتكتب عن زعماء التحرير والتنوير في العالم العربي أو تنقل عنهم. ولهذا سأقتصر هنا على أشهر كتبه وهو: "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟"، ومجلته الشهيرة: "الأمة العربية".

قرظ الشيخ عبد الحميد بن باديس كتاب "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟" في مجلة الشهاب فأشاد به ودعا إلى ترجمته لتعم فائدته [1] على الرغم من محاصرة حكومة الاحتلال لهذا الكتاب والتضييق على تداوله بين الجزائريين لما يحمله من أفكار جديدة. ونشرت الشهاب أيضا فصلا منه.[2]

وراسل شكيب أرسلان العديد من الجزائريين وذكروا في رسائلهم تأثير هذا الكتاب في "إرجاع بعض الشبان المتفرنجين الملحدين" في الجزائر إلى الإسلام.

أما مجلة الأمة العربية التي كان يصدرها شكيب أرسلان بجنيف في الثلاثينات من القرن العشرين فكان لها رواج في الجزائر، واستطاعت أن تكسب قراء دائمين مثل مالك بن نبي[3]، وتجد أنصارا أوفياء مثل أحمد توفيق المدني الذي كان يجمع لها الاشتراكات ويوزعها في البلاد.[4] ولعل القارئ يتساءل هنا: هل كتب فيها مالك بن نبي أو أحمد توفيق المدني؟ سأجيب عن هذا السؤال في مقالة قادمة بحول الله مخصصة لـ "قضايا المغرب العربي في مجلة الأمة العربية".

ونقلت الشهاب من صحف عربية مقالات عديدة لشكيب أرسلان، ونشرتها في مناسبات مختلفة، لكنها لم تقتبس مقالا واحدا من مجلة "الأمة العربية". هل كان السبب يتمثل في أن معظم مقالاتها مكتوبة باللغة الفرنسية وبالتالي لم تستطع الشهاب أن تنقلها لقرائها بعد الترجمة والاختصار لما تتطلبه هذه العملية من وقت وجهد فوق طاقتها وإمكانياتها المحدودة؟ والحق هو أن الشهاب قامت بما تقدر عليه وهو التعريف بهذه المجلة والترويج لها[5]بين النخبة الجزائرية.

لقد نشرت الشهاب 39 مقالا لأرسلان مقتبسة من 9 جرائد ومجلات عربية منها الفتح والزهراء لمحب الدين الخطيب والمنار لمحمد رشيد رضا والهلال لجرجي زيدان. أما الجرائد والمجلات الأخرى فهي: الأهرام، الجهاد، الشباب، العلم، القبس.

كما أعادت جرائد جزائرية أخرى مثل: وادي ميزاب والمغرب والأمة لأبي يقضان نشر بعض مقالاته وقصائده الشعرية. منها قصيدة رثى فيها جاحظ القرن العشرين الأستاذ مصطفى صادق الرافعي.

ويعتبر الأمير شكيب أرسلان أكثر الشخصيات الأدبية والسياسية المشرقية حضورا في الصحافة الجزائرية، فلا ينافسه في المرتبة الأولى من حيث اقتباس المقالات أي مفكر أو سياسي من المشرق العربي. فقد نقلت هذه الصحف مقالات محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب وأحمد حسن الزيات ومصطفى صادق الرافعي... لكن عددها محدود ولا يرقى إلى ما نشرته من نصوص الأمير أرسلان.

فهو يتمتع بمكانة خاصة في قلوب النخبة الجزائرية بمختلف أطيافها والسبب في ذلك في نظري يعود إلى انخراطه الكلي في نضال وكفاح شعوب المغرب العربي بمشاركته في مقاتلة الجيش الاستعماري الايطالي في ليبيا وقيادة حملة دعائية قوية على الظهير البربري في المغرب الأقصى، واستقبال مصالي الحاج خلال هروبه إلى سويسرا... ومساعدة الفضيل الورتلاني المطارد على الخروج من فرنسا إلى مصر... فلم تقتصر مساندته على الكتابة عن قضايا المغرب العربي وإنما خاض في سبيلها معارك خطيرة، وسخر كل ما يملكه من مال وحظوة ونفوذ وعلاقات لمساعدة الزعماء المغاربة على تجاوز محنهم، وفتح لهم قنوات لإيصال أصواتهم إلى العالم. فهو رجل قول وعمل، ومجاهد في ميادين متعددة، ومكافح في جبهات مختلفة.[6]

علاقات أرسلان مع الزعماء الجزائريين

كان شكيب أرسلان يتابع النشاط العلمي والفكري والسياسي للجزائريين، فكان معجبا بكتاب "تاريخ الجزائر في القديم والحديث" للشيخ مبارك الميلي.

كما أشاد بشعر محمد العيد آل خليفة وشبهه بالشاعر الكبير البهاء زهير المهلبي حيث قال بهذا الصدد في جريدة الشهاب: " كلما قرأت شعرا لمحمد العيد الجزائري تأخذني هزة طرب تملك علي مشاعري. وأقول: إن كان في هذا العصر شاعر يصح أن يمثل البهاء زهير في سلامة نظمه وخفة روحه ودقة شعوره وجودة سبكه واستحكام قوافيه التي يعرفها القارئ قبل أن يصل إليها. وأن التكلف لا يأتيه من بين يديه و لا من خلفه. فيكون محمد العيد الذي أقرأ له القصيدة مرتين وثلاثا ولا أمل، وتمضي الأيام وعذوبتها في فمي. كان يظن أن القطر الجزائري تأخر عن إخوته سائر الأقطار العربية في ميدان الأدب ولا سيّما الشعر، ولعله بعد الآن سيعوّض الفرق، بل يسبق غيره بمحمد العيد."[7] وقال عن مصالي الحاج الذي زاره في مكتبه بجنيف في عام 1935 : " لو كانت الشبيبة الإسلامية كلها على نمطه – أي مصالي- لتحرر الإسلام منذ زمن طويل."[8]

كان يراسل عبد الحميد بن باديس بقسنطينة[9]، وأحمد توفيق المدني وأبا يعلى الزواوي بالجزائر، والطيب العقبي ببسكرة، ومبارك الميلي بالأغواط، وأبا يقضان بغرداية ومحمد السعيد الزاهري بوهران ومصالي الحاج بفرنسا.

ولا ضرر أن أنقل هنا للقارئ هذه الشهادة لأحمد توفيق المدني التي عبّر من خلالها عن علاقته المتينة بأرسلان: " كنت وثيق الصلة بالكاتب العظيم والمفكر الإسلامي الكبير شكيب ارسلان. وكانت المراسلات الأدبية والسياسية والاجتماعية تترى بيننا منذ أمد طويل...وكنت أمده طوال سنوات عدة بالمعلومات الغزيرة الصادقة عن بلادنا المغربية الكبيرة، وعن مشاكلنا السياسية ومقاومتنا للاستعمار ومقاومته لنا."[10]

أما عن صلة أرسلان بأبي يعلى الزواوي فقد كشف عنها أحد تلامذته المقربين في جريدة البصائر حين قال: " وهذا صديقه شكيب أرسلان رحمه الله قد أعجب به وأثنى على خدماته الاجتماعية هناء منصف نزيه في رسائله الخاصة إليه التي أطلعني على بعضها وهي بخط يده."[11]

والشيء الذي نأسف له كثيرا هو بقاء هذه الرسائل المتبادلة بين أرسلان والعلماء والزعماء الجزائريين بعيدة عن الباحثين، ويعلم الله كم التمست من بعض العائلات الجزائرية التي تملك هذه الرسائل أن تضعها في متناول البحث العلمي كما هو معمول به في كل المجتمعات المتحضرة والمتفتحة، إلا أن الوعود التي أعطيت لي لم يلتزم بها أصحابها رغم مرور عدة سنوات.

ولم يبق أمام الباحثين إلا السفر إلى فرنسا للاطلاع على مجموعة من هذه الرسائل التي استولت عليها الرقابة الاستعمارية في بريد الجزائر، وهي محفوظة اليوم في بعض مراكز الأرشيف الفرنسية.

كيف استقبلت الصحافة الجزائرية وفاته؟

ولم تمر وفاة الأمير أرسلان في يوم 9 ديسمبر 1946 دون أن ينتبه لها الجزائريون. فإذا كانت الشهاب أو البصائر أو الإصلاح غير موجودة في تلك الفترة التاريخية، فلم تتأخر الصحف الأخرى عن القيام بواجبها تجاهه.

فلقد أبنته معظم الصحف الجزائرية من مجلة المرشد لرشيد محمد الهادي إلى جريدة المساواة (Egalité) لفرحات عباس الصادرة باللغة الفرنسية التي خصصت صفحتها الأولى والثالثة لهذا المصلح العربي الكبير ونشرت معها صورة كبيرة لأمير أرسلان.[12]

وقد حرص كاتب المقال -وهو ابن تومرت- على إبراز دوره في خدمة قضايا المغرب العربي، والكشف عن العلاقة التي تربطه برجال الإصلاح في الجزائر كالشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ مبارك الميلي.

وفي الذكرى الأولى لوفاة أرسلان نشرت جريدة الإصلاح[13] للشيخ الطيب العقبي في صفحتها الأولى صورة كبيرة لأرسلان وهو يرتدي القشابية المغربية أثناء زيارته السرية للمغرب عام 1930، ونشرت تحتها قصيدة طويلة للشاعر جورج صيدح جاء في مستهلها:

أزفت ساعة الكفاح فيها          استفز الأمير أن يتهيا

غفوة العام لا تغير قلبا          بمصير الأوطان كان حفيا

وبالمناسبة نفسها، نشرت جريدة المغرب العربي[14] للشيخ محمد السعيد الزاهري قصيدة كتبها الشاعر اللبناني شبلي ملاط يمدح فيها " الأمير شكيب أرسلان الموصوف بـ "علم الأعلام وفخر العروبة والإسلام".

كما نشرت البصائر قصيدة طويلة نظمها الشاعر أحمد سحنون عنوانها: " حارس الشرق غاب."[15] وتقريظ الشيخ محمد البشير الإبراهيمي لكتاب " ذكرى الأمير شكيب أرسلان" لمحمد علي الطاهر

وأقيم حفل تأبين له في نادي الترقي بالجزائر حضره نخبة من العلماء والأدباء الجزائريين، وألقيت فيها الخطب والقصائد الشعرية، وكان من أبلغها خطبتي الشيخ الطيب العقبي والأستاذ أحمد توفيق المدني وقصيدة الشاعر عبد الكريم الفكون.[16]

والحق أن نضال الأمير شكيب أرسلان ودوره في الحركة الوطنية والإصلاحية المعاصرة  أصبح منذ سنوات موضوعا للبحث، وأنجزت حوله دراسات كثيرة في الغرب والشرق، وكلها أقرت بجهوده، وبيّنت بصماته خاصة في مسار كفاح المغرب العربي من أجل التحرر والاستقلال في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين.

                

[1]الشهاب، مج 7، ج3، ص 211.

[2]الشهاب، مج 9، ج2، ص 91.

[3] مالك بن نبي. مذكرات شاهد القرن، ص

[4] أحمد توفيق المدني، حياة كفاح، ص 233.

[5]الشهاب، مج 6، ج4، ص257.

[6]عن نضال الأمير شكيب أرسلان في سبيل تحرير المغرب العربي، أنظر كتابنا: أعلام وقضايا. دار الخلدونية، 2007، الجزائر، ص 30ـ42.

[7] الشهاب، ج 1، مج 13، 1937.

[8]  محمد قنانش ومحفوظ قداش، نجم الشمال الإفريقي. 1926-1937. ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1994، ص 118.

[9] الشهاب، ج 8، مج 6، سبتمبر 1930.

[10] أحمد توفيق المدني. حياة كفاح. المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ج2، ص 233.

[11] البصائر، العدد 195.

[12] Egalité, n°56, 20 décembre 1946.

[13] الإصلاح، العدد 73، 3 مارس 1948.

[14] المغرب العربي، العدد 14، 28 نوفمبر 1947، ص 4.

[15] البصائر، العدد 1، 23 جويلية 1947.

[16] البصائر، العدد 71، 14 مارس 1949.