العلاَّمة عبد الرحمن الباني

رجل جمع أحسنَ الصفات

د. صالح الضويحي

يأخذك العجَب وأنت تسمع عبارةَ من يقول: ((فلان وحيد زمانه)) ولكن هكذا كان شيخُنا عبدالرحمن الباني؛ بما امتازَ به من صفات كثيرة جعلته من نوادر عصره.

فالناظر في الزمن الذي عاش فيه يرى من الصُّوَر الكثيرة التي تختلف به عن غيره من العصور؛ إذ يتجلَّى فيه الاعتدادُ بالرأي، وعدم سماع الآخر، والنظرة الشخصيَّة المُفرطة للنفس، والاعتزاز بها، وحبُّ الظهور.

ولكنَّ شيخنا الكريم عبدالرحمن الباني - رحمه الله - كان على النقيض من تلك الصِّفات؛ فهو لا يرى لنفسه حقًّا أبدًا، مع ما جمع الله له من العلم والفضل؛ إذ هو عالم التربية الذي مزج فيها بين أصالة الإسلام وتجارِب الأُمَم الأخرى، وأخرج لنا منهجًا تربويًّا متميِّزًا، من أخذ به فقد وضع تعليمه على أُسُس ثابتة ذات نتائجَ واضحة.

وهو عالمُ اللغة الذي لا يكتفي بتقويم لسانه، ولكنَّه يقوِّم كلَّ متحدِّث عنده، ويُظهر له اعتزازه بلغته العربيَّة التي تتميَّز عن غيرها من اللغات، ويشجِّع في مجالسه على ضرورة الحفاظ عليها وأهميَّة التحدُّث بها.

وهو الداعية المتمرِّس الذي لا يكِلُّ ولا يمَلُّ في سبيل دعوته، فأينما وجدتَّه تراه يحمل دعوته للصغير والكبير والمسؤول، في كلِّ شأن من شؤون الحياة؛ في المظهَر والمخبَر والقول والفكر.

وهو الأبُ الحنون لكلِّ الأطفال؛ فتراه يُلاعب هذا، ويشجِّع ذاك، ويُنصت لحديثهم فالجميع منهم في سعادة لا يجدونها عند غيره.

وهو طالبُ العلم الذي لا يتوقَّف عن تحصيله؛ فليس لديه فضلُ وقت؛ بل يصرف جهده للقراءة والعلم والاطِّلاع، فهذه فكرة يدوِّنها وهذا مقطعٌ يجدِّده، وهذه فائدة ينقلها، وذلك خطأ يصحِّحه، وتلك ملاحظة يعلِّقها.

وهو صاحبُ معروف لا يتردَّد في خدمة المحتاج أو السائل.

وكان في حواره كأنه الطالبُ لا الشيخ؛ فهو لا ينتصر لفكرته، ولا يردُّ فكرةَ غيره، ولكنَّه يُفهِم محدَّثه بأهمية قوله ورأيه.

وفي المواقف العامَّة تجده متهلِّلَ الوجه يُعطي كلَّ مُلاق له حقَّه أو أكثر من التَّرحاب والثناء وبيان الفضل، فهو دائم البشر والبشاشة.

أما حين يتحدَّث في مجالسه فلا يُملُّ حديثه وذلك لجِدَّته على السامع؛ فهو يبدأ بالموضوع، ثم يغوص في بحور عدَّة؛ فمن حقيقة علميَّة، إلى نكتة بلاغيَّة، ثم ينقلك إلى تجرِبة شخصيَّة ويصوِّر لك قضيَّة تاريخية.

وأما غيرتُه على أمَّته فقد لاقى في سبيلها العَنَتَ فصبر، حتى حقَّق الله له مُرادَه فيما رآه من أثر جهده ونشاط طلابه.

فجزاه الله خيرًا عن أمَّته وعوَّضها الله بفقدها له.