سطور من حياة الداعية الرباني عمر التلمساني (11)

سطور من حياة الداعية الرباني

عمر التلمساني (11)

بدر محمد بدر

[email protected]

وهذا درس لجميع العاملين.. كل في موقعه ومسئوليته, وعلى كل فرد أن يسأل نفسه: هل أنا من تلاميذ حسن البنا بحق أم لا؟ فإن كانت الأولى فهذا هو منهجه الواضح. إن كل فرد في هذه الدعوة المباركة, له أهميته ومكانته, وله دوره ومسئوليته, وله أيضاً كرامته وإنسانيته, وعلى الجميع إدراك ذلك والحرص عليه, مهما صغر الميدان الذي يتحركون فيه, ومهما علت المسئولية التي تناط بهم, والمسئول الذي بسببه يبتعد البعض أو ينفلت أو يتسرب آخرون هو مسئول غير مناسب, وعليه أن يترك الأمانة لمن هو أقدر منه على استيعاب إخوانه وإفساح صدره لهم والحرص على مشاعرهم واحترام آرائهم ومواقفهم ومكانتهم, كما كان يفعل مؤسس هذه الدعوة المباركة.

البناء الداخلي

كان الإمام حسن البنا يعد الرجال الأمناء الأشداء لمستقبل يرى أنه محفوف بالمخاطر, ملبد بالغيوم, مليء بالعراقيل والمصاعب, فالوطن لايزال محتلاً, والأحزاب السياسية القائمة مختلفة ومتناحرة فيما بينها, والإنجليز بدأوا يدركون خطورة وجود حركة مؤثرة في الجماهير, ترفع الدين شعاراً, وتملك قيادة واعية, والحكومة في الداخل تدرك أن انتشار الإخوان المسلمين في أنحاء الوطن يهدد مستقبلها السياسي, ويؤثر على شعبيتها بين الجماهير, ومن هنا كان اهتمام الأستاذ البنا بالبناء الداخلي للجماعة كأشد ما يكون الاهتمام, وكان حرصه على التأثير في القلوب والمشاعر والنفوس, بما يجعلها ترتبط بالله وبدعوة الإسلام, كأشد ما يكون الحرص, وهو ما أثمر هذا الصمود والتحمل والجلد والتضحية منذ أواخر الأربعينيات, وأوائل الخمسينيات وحتى الآن, وبقيت الجماعة راسخة في نفوس أبنائها وقادتها رغم قسوة المحن التي واجهتها, ورغم شدة العداء الذي لاقته من الأنظمة بعد ذلك, ورغم ضراوة الفتن التي كانت كفيلة بإنهاء وجودها وسحقها تحت وطأة الحروب السياسية والنفسية والفكرية, والضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي شنت عليها, خصوصاً بعد استشهاده مرشدها عام 1949 رحمه الله.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية (39 ـ 1945م) تحالفت المؤامرات على دعوة الإخوان المسلمين, وصدر قرار الحكومة في 8/ 12 / 1948 بحل الجماعة ومصادرة ممتلكاتها وإغلاق مركزها العام, واعتقال أغلب المعروفين من رموزها وأعضائها وكانوا بالآلاف, وتركت السلطة المرشد العام وحيداً بعد أن سحبت سلاحه الشخصي الذي يدافع به عن نفسه, بينما كان المئات من شباب الإخوان يخضبون ثرى فلسطين الحبيبة بدمائهم وأرواحهم, ويحرزون الانتصار تلو الانتصار في معاركهم ضد العصابات الصهيونية, قبل وبعد إعلان دولة "إسرائيل" وصدور قرار التقسيم من الأمم المتحدة, وسارعت قوات الأمن المصرية باعتقال العائدين من ميدان القتال, سواء من الجرحى أو القادة أو الجنود المتطوعين البواسل, وهو ما ساعد العصابات الصهيونية في إحكام قبضتها على أجزاء كبيرة من الأرض الفلسطينية, وإلحاق الهزيمة بالجيوش العربية المشاركة في الحرب.

وقبل أن ينتهي ديسمبر 1948 اغتيل محمود فهمي النقراشي رئيس مجلس الوزراء في مصر, رداً على قراره بحل الإخوان المسلمين, ولم يمر سوى أيام قلائل, وفي الثاني عشر من فبراير 1949, بينما كان المرشد العام حسن البنا يغادر المركز العام لجمعية الشبان المسلمين وسط القاهرة, في المبنى الكائن بشارع رمسيس الآن, أطلقت عليه أجهزة الأمن رصاصات الغدر لكنها لم تقتله, وصعد حسن البنا بنفسه إلى المركز العام للشبان المسلمين وطلب الإسعاف, لكن المؤامرة كانت واضحة ومتواصلة, فتركوه ينزف حتى الموت, وتبين بعد ذلك أن مؤامرة الاغتيال رتبت لها ونفذتها الحكومة المصرية, من خلال ضباط وجنود وزارة الداخلية.

دوامة الأزمات

وعقب استشهاد الإمام المؤسس حسن البنا, دخلت الجماعة في دوامة الأزمات مع السلطة, المدعومة من الاحتلال الإنجليزي والمتحالفة مع الفساد والاستبداد, خصوصاً وأن هذه الفترة شهدت عدداً من حوادث الاغتيال والتفجيرات وضبط متفجرات, والحوادث التي قام ببعضها منتسبون للجماعة ضد الاحتلال وبعض عملائه, وهو ما أدى إلى تداعيات سلبية كبيرة, على الجماعة وعلى الوضع السياسي العام.

وفي عام 1951 اختار الإخوان المستشار حسن الهضيبي وكيل محكمة النقض, مرشداً عاماً للجماعة خلفا للإمام الشهيد حسن البنا, لتشهد نوعا ما من الاستقرار والتماسك بعد نحو ثلاث سنوات من غياب القيادة, وعلى المستوى الوطني بدأت محاولات التخلص من النظام السياسي القائم الذي ارتمى أكثر في أحضان الاحتلال بعد انهيار شعبيته, وتحركت بعض قيادات الجيش في 23 / 7 / 1952, واستولت على السلطة, وطردت الملك فاروق خارج الوطن, وساهم الإخوان بقوة في تعبئة الشعب المصري فكريا وسياسيا واجتماعيا, للتخلص من هذا الواقع المضطرب, وقبول الشعب للتغيير, وكان لهم أيضا دورهم الميداني أثناء الحركة عن طريق ضباطهم وأفرادهم بالجيش المصري في دعم حركة الضباط الأحرار واستيلائهم على السلطة.

ورغم اتفاق الإخوان مع قادة الحركة على العمل من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق الإصلاح السياسي وبناء حياة ديمقراطية حقيقية واحترام إرادة الشعب, إلا أن بريق السلطة أغرى هؤلاء الضباط بالبقاء في الحكم والتنكر لهذا الاتفاق, وسرعان ماظهرت بوادر الخلاف بين الطرفين, حتى وصل الأمر إلى ذروته عقب حادث المنشية (وهو حادث إطلاق النار على الرئيس جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية, أثناء إلقائه خطاباً أمام الجماهير في السادس والعشرين من أكتوبر عام 1954 واتهمت فيه جماعة الإخوان المسلمين), وهو الحادث الذي يؤكد كثير من المؤرخين والباحثين والسياسيين وشهود العيان أنه ملفق, وتم التخطيط له بعناية للتخلص من الإخوان المسلمين, ويصفه الأستاذ عمر التلمساني بأنه "تمثيلية".