أيام ذهبية في الخرطوم

سليم عثمان

كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر

[email protected]

إنه بن لادن ، كل شيء عنه بلسان وابنه

يقولون أن كتابا جديدا يحمل عنوان No Easy Day "ليس يوما سهلا" سيتضمن معلومات مغايرة لما تم تداوله على أنه الحقيقة فيما يتعلق بالطريقة التي قتل بها زعيم تنظيم القاعدة( أسامة بن لادن) الذي أثار الدنيا ولم يقعدها ،حتي مقتله في ظروف غامضة ، بن لادن أرهق وأتعب ودوخ الأمريكان ،حيث يذكر الكتاب أن القوات الخاصة التي قامت بالعملية، وجدت بن لادن أعزل، في وقت كانفيه يحتضر إثر إصابته بعيار ناري في رأسه.

مؤلف الكتاب "مات بيسونيت" والذي استخدم اسما مستعارا هو (مارك أوين) في تأليفه للكتاب وذلك خوفا من المطاردة من قبل انصار بن لادن ، هو عنصر سابق في القوات الخاصة البحرية، وقد شارك في عملية اقتحام المنزل المحصن لزعيم التنظيم في 2 مايو 2011 في أبوت آباد بباكستان ، وكان يقف حينها خلف الرجل الذي كان يقود المجموعة المداهمة، يقول قاتل بن لادن ومؤلف الكتاب : في ثانية، أطلقت النار عليه مرتين في جبهته، وكانت المرة الثانية وهو يسقط، فتكوّم على الأرض أمام سريره، فضربته مرة أخرى، في الموضع نفسه، ولم يستمر الأمر أكثر من 15 ثانية ، ويضيف أنه بعد أن أطلق زملاؤه النار، اندفع هو بسرعة عبر مدخل غرفة النوم الواقعة في الطابق الثالث، ليجد بن لادن يتحرك في الغرفة ممسكًا بأحدى زوجاته، راكضًا نحو بندقيته من نوع أي كي 47، التي كانت موضوعة على رفّ في الغرفة.

وأشار رجل القوات الخاصة إلى أنه لم يكن لديه حينها أي شك في أنه كان وجهًا لوجه مع الهدف المطلوب إذ (كان في البيوت التي تدربنا فيها أهداف وضعت عليها صور وجهه، وكانت تلك لحظة تكرار واستعادة للذاكرة، وتَمّ الأمر).

بن لادن ولد في 10مارس 1957 وأغتيل على أيدي القوات الأمريكية في الثاني من مايو 2011 في الباكستان ، ألقت تلك القوات بجثته سراً في البحر من على متن حاملة الطائرات ، ترددت قصة إغتيال بن لادن بعد أسبوع واحد فقط من إعلان الرئيس الأمريكي بارك أوباما أكثر من 84 مليون مرة ، تعتبر قصة إتياله ثالث أكبر قصة أخبارية في العالم في القرن الحادي والعشرين ، والده رجل الأعمال المليادير السعودي محمد عوض بن لادن ، ترتيب بن لادن وسط أخوته السابع عشر من 52 أخ وأخت ، تخرج ببكاوريس الإقتصاد من جامعة الملك عبد العزيز ليتولي أعمال والده الذي ترك ثروة تقدر بأكثر من 900 مليون دولار، في عام 1988 أسس بن لادن مجموعة جديدة أطلق عليها اسم (القاعدة )في 1991 وصل الرجل الي السودان ، وتحت ضغوط دولية، غادر إبن لادن السودان في سنة 1996م متوجّهاً إلى أفغانستان نتيجة علاقته القوية بجماعة طالبان، التي كانت تسيطر على أفغانستان. وهناك بان وجهه الحقيقي إذ أعلن الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية. وفى سنة 1998م تلاقت جهود أسامة بن لادن مع جهود أيمن الظواهري الأمين العام لتنظيم الجهاد الإسلامي المصري المحظور، وأطلق الاثنان بياناً يدعو إلى: قتل الأمريكان وحلفائهم أينما كانوا، وإلى إجلائهم من المسجد الأقصى والمسجد الحرام. ونتيجة لبيانه ارتكبت القاعدة تفجيرات الخبر وتفجيرات نيروبى ودار السلام وفي 1999 وضع اسم بن لادن ضمن قائمة المطلوبين التي أصدرها مكتب التحقيقات الفدرالية الأمريكي.

وفي 11 سبتمبر 2001 تم تفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ،ومبنى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ، من قبل 19 شابا من أتباع بن لادن، ما أدى في نهاية ذلك اليوم إلى قتل نحو ثلاثة آلاف

الكتاب الجديد الذي يطرح في الأسواق في الذكرى الحادية عشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر ، ربما يسلط الضوء على رواية جديدة ومغايرة للرواية الرسمية الأمريكية حول إغتيال بن لادن ، وهو ما قد يسبب له متاعب قانونية نظرا لكشفه بعض المعلومات التي قد تعتبرها الحكومة مساسا بالأمن الوطني، وخيانة للأمانة العسكرية..

قيل كلام كثير حول بن لادن، وحول الطريقة التي إغتيل بها ، كتبت عنه الاف المقالات وبشتي اللغات، وألفت فيه عشرات بل مئات الكتب ،حتى بدت شخصية الرجل أسطورية، أمريكا ودولا كثيرة كانت تصفه بأنه لم يكن سوى أرهابي كبير، بينما أنصاره كانوا يرونه فيه رجلا مجاهدا عظيما ، لكن ما هي حقيقة الرجل ؟ طالعت كتابا اخر تتحدث فيه زوجته الأولي نجوي وإبنه عمر عن الرجل، أردت أن أشرك معي القراء في مطالعته عنوان الكتاب : ( إنه بن لادن ) لجين ساسون، تجد فيه السيرة الكاملة لأسامة بن لادن كما رواها إبنه عمر وزوجته نجوى، ودوَّنتها جين ساسون صديقتهما الموثوقة الكتاب يقع في 490 صفحة من القطع المتوسط ، تتناول مؤلفته من خلاله شخصية بن لادن وأسراره الدفينة، من خلال أقرب الناس إليه إنها تحاول الدخول إلى عمق تفكير أسامة بن لادن، يتناول الكتاب تمركزه في أفغانستان ومغادرتها ،وعودته إلى السعودية، وارتباطه الملتبس بأحداث 11 سبتمبر، كما يرصد تحركاته المعلنة والسرية ،وإقامته الاختيارية والقسرية في مختلف المدن والكهوف، يطرح شبكة علاقاته وتعرُّضه للمخاطر، ومحاولات الاغتيال التي إستهدفته وأفراد أسرته، يتحدَّث عن حياته الزوجية،مع جميع زوجاته، يفصّل علاقته بأبنائه، الذين كان يطلب إليهم القيام بعمليات انتحارية، والذين حرمهم العلم والطعام! إنه بن لادن كتاب يذهب إلى أبعد من ذلك ،مؤرِّخاً للقاعدة ولأسامة بن لادن شخصيًّا ،ويحدِّد مصير أفراد عائلته،كما يتحدث الكتاب عن أيام ذهبية لبن لبن لادن وأسرته الكبيرة في مدينة الرياض بالعاصمة السودانية الخرطوم ، ويتناول إستثمارات الرجل الرجل الفاشلة في السودان وشبكة علاقاته هناك ومحاولة إغتياله من قبل مجموعة تكفيرية وهواياته الخ.

تقول مؤلفة الكتاب :أنه يتضمن معلومات تنشر لأول مرة عن الرجل، وعائلته، وتهدي كتابها الي جميع الأبرياء الذين عانوا أو فقدوا حيواتهم ،في هجمات إرهابية عبر العالم، والي الأسر التي لا زالت تتألم وتتفجع عليهم،وتبدي الكاتبة بعض الملاحظات حول بن لادن، مشيرة الي أن الرجل حرص منذ اللحظة التي إسترعى فيها إنتباه العالم على إخفاء حتي أدق التفاصيل غير الشخصية، المتعلقة به وبزوجاته وأولاده،حيث غذي غياب المعلومات الخاصة عنه وعن عائلته المباشرة مخيلة العالم منذ 11 سبتمبر 2011 وقد نشر كثير من الكتب عنه وعن تنظيمه ، وتشير المؤلفة الي أن كتابها هو الأول الذي يكتب من داخل حياة عائلة بن لادن ويتضمن روايات شخصية مباشرة من زوجته الأولي نجوي، وإبنهما الرابع عمر، وتنوه بأن الكتاب يتعلق بالحياة الخاصة بأسامة بن لادن وعائلته وتشير الي أن زوجته نجوي عاشت في عزلة إنصياعا لرغبات زوجها ورغم ذلك لا تعرف نجوى زوجة بن لادن سواه ، أما الغرب فلا يعرف عنه سوى الإرهابي.

تتحدث نجوى بن لادن هكذا تسميها الكاتبة جين ساسون حسبما هو متبع لدي الغربيين حيث ينسبون الزوجة الي زوجها لكن إسمها الحقيقي نجوى غانم ،تتحدث عن طفولتها بقولها : لم أكن في ما مضى زوجة لبن لادن بل كنت طفلة بريئة، ترادوها أحلام الفتاة الصغيرة،، أتذكر الفتاة الصغيرة التي كنتها ، والأيام السعيدة التى تمتعت بها، ، عشت وأخوتي وأهلي في فيلا متواضعة في اللاذقية السورية تلك المدينة الساحلية الجميلة،حيث عاش سبعة أشخاص في ذلك المنزل كنت الثانية من حيث الترتيب كان والدي تاجرا وكان يوفر لهذه الأسرة التي هاجرت من اليمن الي سوريا من مهنة التجارة الشاقة حياة مرفهة،ولما كنت الإبنة التي تجلب الفخر لوالديها وأصبحت ناضجة كفاية لأفهم ما يقوله الناس من حولي،صرت أدرك الحديث الودي المتعلق بكل من الجمال الداخلي والخارجي لعائلتي ،وفي طريقة إرتداء ملابسها تقول:لم توافق والدتي وأنا في سن المراهقة على طريقتي في اللبس فهي مسلمة محافظة تغطي شعرهابوشاح وترتدي ملابس تلفها من عنقها الى أخمص قدميها، وأنا تمردت على هذا اللباس التقليدي ، قاومت توسلاتها بإرتداء ملابس محتشمة ، بل رفضت أن البس البلوزات التى تغطي ذراعي أو التنانير التي تصل الي رسغي،وأنا خجلة لأني كنت أجادلها في هذا الشأن وسببت لها مثل هذا الأسى، وتضيف نجوى، لقد شكلت المدرسة لذة فتحت ذهني،وعن هواياتها في الصغر تقول: كنت لاعبة كرة مضرب ماهرة، كما أحببت ركوب دراجتي الملونة،، كنت أرسم المناظر الطبيعية على القماش والأواني الفخارية الناعمة ، تقول أنها فنانة بلا لوحات.

عن كيفية زواجها من أسامة بن لادن تقول:سمعت عرضا أهلي وهم يتحدثون عن زواج عمتي عليا سرا من زوجها الأول الموسر السعودي الكبير محمد بن لادن،بفضل صداقته المميزة مع الملك السعودي عبد العزيز،كان الزواج قصيرا،رزقت منه عمتي عليا بصببي أسمياه أسامة ثم تزوجت عمتي بعد الطلاق بمحمد العطاس وهو سعودي عمل لحساب عمتي عليا والدة بن لادن وتصف نجوي طفولة أسامة بن لادن بقولها:كان فخورا لكنه لم يكن متغطرسا،لطالما بدا رقيقا بلا ضعف ورزينا بلا قساوة ، لم التق أبدا مثل هذا الصبي الناعم الكلام ، لم يفكر أحد في أسامة على أنه ضعيف الإرادة برغم مشكلة الوداعة لأن طبعه قوي وحاسم،تقول نجوي أن عمتها عليا والدة اسامة بن لادن كانت تزورهم رفقة اسامة في سوريا فكانت واخوانها يلعبون مع بعض وكانت لهم مغامراتهم الصبيانية ،وتضيف مرت علينا أوقات حزينة، ففي الثالث من سبتمبر 1967 كان والد أسامة بن لادن (محمد)راكبا في طائرة صعيرة سقطت وتحطمت وقتل بسببها وهو في الحادية والستين ومعه أشخاص عديدون اخرون، صدمني أن أسامة فقد والده تقول نجوي، وتضيف :فقدت الإنفعال ، مرت أيام الطفولة السعيدة بسرعة كبرى دخلت سنوات مراهقتي فأخذت عواطف غير متوقعة تسري كالدوامة بين إبن عمتي أسامة وبيني ، لم يتفوه أسامة بأي شئ لكن عينيه البينتين أخذتا تشعان بالسرور كلما دخلت الغرفة إرتعشت بسعادة عندما شعرت بإهتمام إبن عمتي الشديد وسرعان ما ستطفو مشاعرنا الخفية الي السطح وتغير حياتنا الي الأبد .

في الحلقة الثانية نتعرف على كيف تزوجت نجوى ببن لادن وكيف توالت زيجات الرجل حتي وصلت الي أربع زيحات .

2-4

دفعني قلبي المختلج الي التفكير في الزواج من أسامه بن لادن ( تواصل نجوى غانم الزوجة الأولي للرجل قصة زواجها منه ) وتقول:في ثقافتتنا تتزوج معظم الفتيات باكرا،لا أعرف الكثير عن حياة البالغين ، الإ أنني أحببت كل شئ في أسامه ،وأنبهرت بمظهره الأنيق ،ومسلكه اللطيف ، وشخصيته القوية ، إعتقدت من الطريقة التي ينظر فيها أسامه إلي أنه يحبني، لكن لم تدر بيننا أي مناقشة صريحة،في أي أمر يتعلق بالعاطفة، أو الزواج ،سرعان ما أصبح صمت أسامه مغيظا،أردته أن يقول شيئا،أن يسر الي أنه سوف يفاتح أهلي بشأن الخطبة، لكنه ظل عنيدا في لباقته،أذكر تحديقي في عينيه اللطيفتين،وأنا أفكر على نحو لاذع، أن إبن عمتي أسامه خجول أكثر من عذراء وراء النقاب، أخيرا وقد أصبحت في الرابعة عشر، أستجمع أسامه شجاعته ، حصل ذلك بعد زيارة عائلية مطولة في الصيف الي منزل أسرتي في سوريا ، حيث بدأنا نلتقي يوميا، وبعودته الي والدته في السعودية ،ناقش معها موضوع الخطوبة ، سرت عمتي لإحتمال الزواج بين أبنها وإبنه أخيها ،على إعتبار أن هذا الرباط سوف يعمق علاقات الأسرتين، توسلتني أمي بقولها : نجوي أرجوك لا توافقي على هذا الزواج ، لأنها ما كانت تريدني أن أكون بعيدا عنها بعد الزواج ،وليس لأنها لا تحب أسامه، حدقت لحظة في عيني أمي ،قبل أن أجيب ، فهي على حق، ما أن أصبح في السعودية فيصبح زيارتي لها نادرة، ويعني زواجي بأسامة أن حياتي سوف تتغير بطرائق أخري ، أكثر درامية، فسأرتدي بعد إنتقالي الي السعودية نقاب الوجه، وأسامه محافظ جدا، الي درجة أنني سأعيش في خدر، أي في عزلة، ولن أغادر منزلي الإ فيما ندر، أجبت بحزم أنها حياتي وسوف أتزوجه،وهكذا تزوجت أسامه بن لادن عام 1974 وأنا في الخامسة عشرة ، وعلى مشارف السادسة عشرة من العمر،وزوجي في السابعة عشرة، كنت يوم زواجي ناضحة في تفكيري، رغم صغر سنى، لم أكن متوجسة، فكل شئ على ما يرام ، ثوب زفافي أبيض وأنيق، وشعري على اخر طراز، ومصفف على نحو مميز،عرفت أنني أبدو كأبهي ما يمكن أن أكون، من الجمال ، كانت أمنيتي الوحيدة الأثيرة، أن يعجب عريسي بمظهري، تقرر أن يكون حفل زواجي هادئا وبسيطا، لم اكل في ذلك اليوم الا القليل، فالأمسية بأسرها بدت أشبه بالحلم، وهاأنا أمرأة متزوجة بالرجل الذي أحب ،منع كل أنواع المرح،وغاب عن الحفل الموسيقيون،وأبلغ محبو الرقص على عدم تحريك أقدامهم،ولم يرحب اسامه بالضحك والنكات،وهكذا تزوجت تقول نجوي غانم.
و تضيف /هانذا في مقعد الطائرة ، الي جانب زوجي في طريقي الي السعودية مقمطة من الرأس ألي أخمص القدمين، كان زوجي مسرورا لأنني غطيت جسدي، بالحجاب، دون كثير من الإثارة، تقول نجوي : يقال أن سكان جده التي سأقيم فيها كان عدد سكانها عام 1945 خمسة وعشرين ألفا، لكن يسكنها الان في عام 1974 نحو أكثر من مليون مواطن ، قررنا معا أنني لن أستمر في تعليمي الرسمي، لكن أسامه علمني أمورا دينية كثيرة، بحيث أنه كان نعم المعلم،أستمرت جده مدينة التناقضات الجذابة ، تشكل متعة كبيرة لي،جلب زوجي الي خادمة أثيوبية لمساعدتي في البيت،كان أسامه يستيقظ فجر كل يوم من تلقاء ذاته للذهاب الي المسجد للصلاة، كنت أؤدي صلواتي في المنزل، كنا نتناول فطورنا ثم يخرج هو الي مدرسته ،حيث كان يدرس في مدرسة التاجر النموذجية للنين ، وسوف يتخرج فيها 1976، أي بعد عامين على زواجنا ، ثم كان زوجي يعمل أيضا في أعمال والده بعد الدراسة ، وكان يجد ويشقى كثيرا في عمله،أذكر مرة أنه في إحدي الإجتماعات النسائية ، أن إحدي شقيقات أسامه الأكبر سنا،أخبرت نكته عائلية مفادها،أن ثلاثة من أبناء بن لادن مجانين، ضحكت الشقيقة وهي تقول:الأول بالسماء وهو الطيار المتهور سالم، الثاني بالبحر وهو لادن،الذي يبحر بمركبه في لجة البحر ،دون إنقطاع، الثالث بالأرض وهو أسامه ، الذي يقود سيارته بسرعة فائقة في الصحراء،عرفت أن النسوة يمزحن، وأن زوجي وشقيقيه ليسوا مجانين، تعلق زوجي بالطبيعة أكثر من أي شخص اخر، شكل عيشي في مكة أقدس المدن الإسلامية واحدة من النعم الكثيرة في حياتي، أخذت في غضون عام من الزواج ، أشعر بالغرابة في جسمي، فأسرعت الي العمة عليا أخبرها فقالت لي: أن كل الدلائل تشير الي أنني حامل،شكل إنتظار المولود إحساسا جميلا، استقبلت مولودا جميلا في 1976 سميناه عبد الله ، أستخدم اسامة بعد ولادة عبد الله خادمة اثيوبية ثانية أسمها نعيمة، وفي سن العشرين أنعم الله علي بحمل ثان، فأنجبت صبيا في عام 1978 سميناه عبد الرحمن، وفي مطلع 1989 شعرت أني حامل للمرة الثالثة، وقتها التحق زوجي أسامة الذي سيبلغ الثانية والعشرين، بمعهد في جامعة الملك عبد العزيز،لدراسة الإقتصاد والإدارة، وفي يناير 1979 أجبر شاه ايران على الهرب من بلاده ،مفسحا المجال للخميني لحكمها، لاحظت وعي زوجي السياسي، وهو يتابع تلك الأنباء، عاد زوجي أسامه في إحدي الأمسيات بأعلان مفاجئ ( نجوي سوف نسافر الي الولايات المتحدة الأمريكية)وسيرافقنا ولدانا، صدمت لأنها ستكون المرة الأولي، التي سأرافق فيها زوجي الي الخارج، لا أذكر تفاصيل كثيرة عن السفر، لأني كنت حامل، ومشغولة بطفلين ، مررنا بلندن في طريقنا الي ولاية انديانا، أبلغني أسامه أنه سوف يلتقي هناك برجل إسمه (عبد الله عزام ) لم أطرح عليه أي سؤال لأن أعمال زوجي لا تعنيني أو هكذا هو طلب مني .
شهدت سنة 1979 أحداثا درامية (تقول :نجوي) بعد ولاده إبننا الثالث سعد ، حيث إجتاح الإتحاد السوفيتي أفغانستان،سار بن لادن في طليعة الحملة السعودية لتقديم الإغاثة للشعب الأفغاني،حصلت حملة ناجحة لجمع التبرعات في السعودية، وداخل عائلة بن لادن السخية، خطط اسامة للسفر الي باكستان لتقديم المساعدات للأفغان فاجأني أسامة قبل السفر بشراء مبني مؤلف من 12 شقة ، قرب منزل والدته،قال أنه سيصبح منزلنات الجديد، وأخذني الي رؤيته، ثم سافر الي باكستان،وهكذا وجدت نفسي وحدي مع ثلاثة أطفال، وإضافة الي أتعابي وجدت نفسي حاملا من جديد للمرة الرابعة،في يوليو 1980 تلهفت الي أنثي جميلة، وعاد أسامه قرب موعد الوضع من باكستان في 1981 فأخذني بسرعة بسيارته الي المستشفي فوضعت طفلي الرابع عمر، تقول جين ساسون :في ملاحظتها عن أهتمامات بن لادن السياسية أنه التقي بمرشده الأول الناشط الفلسطيني، عبد الله عزام المولود في 1941 في الحارثية في فلسطين، فاصبح عضوا في إئتلاف المقاومة الفلسطينية في الاردن،حيث هرب إليها بعد إحتلال إسرائيل الضفة الغربية 1976إثر إنتصارها على العرب في حرب الأيام الستة، استهوت أسامة رسالة عبد الله عزام الرامية الي ضرورة الجهاد في افغانستان، ضد السوفيت المحتلين لها ، سرعان ما غادر معهده للانضمام الي المجاهدين هناك ،حيث التقي عزام في بيشاور الباكستانية،وبعد ذلك قرر أسامه اصطحابي معه الي بيشاور ، لم يسبق لي زيارتها غير أنني تشوقت للقيام بالرحلة، بدت حياة بن لادن في السنوات الثلاث الأخيرة أشبه بحياة طائر مجتهد، ينتقل من موطن لاخر ، مضى على هذا النظام ثماني سنوات على زواجي،وكان الجزء الأكبر من زواجنا دافئا،وبرغم بعض التوتر نتيجة ضغوط عمله ، الا أنني كنت راضية عنه ، وقد دل مسلكه أنه سعيد معي أيضا،وكيف لي أن أعلم بأن حياتنا الزوجية على وشك أن تتغير الي الأبد؟
يتحدث عمر الولد الرابع لبن لادن قائلا:أحب والدي العراء ، فحرص على إقامه بستان ،زرعه بمئات الأشجار، بما فيها النخيل،وأنشأ واحة اصطناعية مكلفة، زرع فيها القصب والنباتات المائية الأخرى، كانت عيناه تتوهجان لرؤية نبتة جميلة أو زهرة، ويفتخر بمنظر واحد من فحوله المتبخترة، كانت المزرعة ملعبا لنا حيث منعنا الألعاب الأخرى، رغم توسلاتنا اليه،كان يعطينا بعض الماعز لنلعب بها ،قائلا: أننا لا نحتاج لأكثر من عطايا الله الطبيعية، لنكون سعداء،كان والدى يحب كرة القدم ،وكان يشاركنا اللعب حيننلعبها وكان يلعب معنا لعبة تسمي القبعةوكان يفوز علينا دائما،ومرة إنخلع كتفه ،وهو يسابقنا في هذه اللعبة،وإغتاظ مني أشقائي لأنني كنت السبب في ذلك ،وذلك بسبب بقاء والدي في جده للعلاج،حيث كانوا يكرهون بقاءه فيها ، لتشدده معنا، لكنني أحببته برغم بطشه،عندما يكون أبي في المنزل يأمر أبناءه بمرافقته الي المسجد، وذات يوم نسيت أن أرتدي حذائي في هجير رمل حار، فصعقني والدي حينما أنحني علي وحملني بين ذراعيه الي الجامع،جف فمي من عدم التصديق،كنت يوم ذاك في الرابعة أو الخامسة فقط.
*مفاجات الزواج:
تتحدث نجوي غانم قائلة : في الوقت الذي حملت فيه بطفلي الخامس، أفضي الي أسامه بخبر غير متوقع، قال :أنه يفكر في إتخاذ زوجة ثانية،وقليلات هن الزوجات اللواتي يرقصن فرحا ، حينما يعلمن بمشاركة أزواجهن مع إمرأة أخرى ، برغم أنزعاجي من الأمر، أدركت أنني أكثر حظا من كثيرات ،فقد سمعت أن أزواجا سعوديين ،يتزوجون بنساء اخريات، حتى دون أخطار زوجاتهن، وشعرت بإرتياح لأنه وعدني بعدم إدخال إمراة أخري ،علي دون رضائي، وكشف لي أسامه أن الهدف من رغبته في الزواج ،هو أنه يريد أبناء كثر، وقال لي: أنني أذا رضيت من قلبي سأدخل الجنة،عادت السكينة ثانية الي قلبي ،وهكذا تزوج أسامة بن لادن ثانية، لم أحضر الزواج،تزوج بإمرأة سعودية، أسمها خديجة،قيل لي أنها تنتمي الي عائلة الشريف ، التي تنحدر من نسل النبي عليه الصلاة والسلام ،وتحظى بأحترام كبير،وهى تكبر اسامه ببضع سنوات،ومدرسة للبنات في إحدي مدارس جدة ،كان يعدل بيننا في كل شئ،أعطيت التعليمات لأولادي، بضرورة أحترام ضرتي، وأن ينادوها(خالتي) سرعان ما أصبحت العلاقة بيني وبينها جيدة،كنا نتشارك قراءة الكتب، ونقوم بزيارات روتينية، ولم يمض وقت طويل ،على ذلك حتي وضعت طفلي الخامس (عثمان) ووضعت خديجة بعد سنوات طفلها الأول (علي)ولم يمر وقت طويل، على ولادة علي، حتى أخذنا بن لادن الي بيشاور الباكستانية، عشنا هناك في فيلا جميلة ، فيها ما يكفى من الغرف، لعائلته المتنامية أمضينا فيها أشهر الصيف الثلاثة، قال بن لادن: أنه سوف يرافقنا بعدها الي جدة، وجدت نفسي حاملا من جديد للمرة السادسة،وتيقنت أنني سأرزق هذه المرة ببنت، غير أني أنجبت (محمدا) هنا فاتحني أسامة بن لادن برغبته في إتخاذ زوجة( ثالثة) حان الوقت بحسب أسامة الي المزيد من الأتباع، لنشر رسالة الله في الأرض وقال :أنه سوف يسر إن بحثت له عن زوجة ثالثة، فوافقت بعد تفكير أستمر بضعة أيام، وفي غضون أسابيع ألتقيت أمرأة سعودية رائعة أسمها (خيرية) مختصة في تدريس الصم والبكم من الأطفال ، يهمني أن تكون النساء اللواتي يتزوج بهن زوجي ورعات، وخيرية متدينة جدا، كانت لديها فضائل كثيرة، ووجه ساحر، تعرفت على عائلتها الرفيعة ،وعرضت عليها الأمر ، أحببتها بمرور الوقت، مثل شقيقتي عزيزة ، وتزوج أسامه بن لادن بها في 1985، تركز إهتمامنا كزوجات على اطفالنا فقط، حتى بلغوا سن الدراسة، وأصبح منزلنا بمثابة قفير نحل ،بوجود ثلاث زوجات ،وسبعة صبية نشطين ،وخادمات كثر،وفتيات لإعداد الشاي ،وطباخين وسائقين،إعتادت زوجتا بن لادن الأخريان ،القول على سبيل المزاح : أن منزلنا بمثابة أمم متحدة صغيرة، حملت من جديد فى 1986، وفي ذلك الوقت أخبرني زوجي أنه سوف يتخذ زوجة (رابعة) كانت الزوجة الجديدة شقيقة أحد المحاربين السابقين في أفغانستان، طلب مني العثور عليها، وأسمها (سهام )أ بلغنا بعد زواجه الرابع أننا سننتقل الي المدينة المنورة شرق جدة ،انتقلنا فيها الي فيلا رحبةأكبر بأربع مرات من المنزل العادي، أقمت في الطابق العلوي، كوني الزوجة الأولي، والاخريات كل واحدة حصلت على طابق مستقل،أستقبلت بعد 13 سنة، وستة أبناء (طفلة جميلة ) حينها إجتاحت جسمي رعشة جميلة، وبدا أسامة مسرورا أيضا لكنه قال: أن سعادته جاءت بغير زهو، كانت تلك السنة مع إبنتي الأولي من أجمل سني حياتي حيث أنشغلت فيها بحياكة الملابش الزاهية لها.
*نشأتي كولد لبن لادن:
يتحدث عمر الأبن الرابع لبن لادن ،عن تجربته الأولي مع الحب قائلا:كنت في السادسة حينما تزوج والدي زوجته الرابعة، وقعت للمرة الأولي في الحب وأنا صغير، شعرت بأن شرارة صاعقة عصفت بقلبي،أغرمت بإمرأة أكبر سنا، كانت فتاة في الثامنة،طويلة القامة ذات شعر كستنائي،وبشرة زيتية نضرة،وعيني ظبية غريبتين، بلغت جاذبيتها بحيث أكتفيت بالتحديق فيها،ولم يثمر ذلك أي علاقة طبعا بيننا، كنت وقتها أحب ركوب الخيل أيضا، كان والدي يحدثنا عما يسميه شرور الحياة العصرية ،عانينا جميعا من مرض الربو، بسبب العيش مع والدى في الصحراء، أفتى والدى بحرمة كل شئ ،عدا وسائل النقل الحديثة، كان يدعونا دائما لنعيش كما عاش نبينا عليه الصلاة والسلام، منعنا كثيرا من تناول الأدوية الحديثة، نصحنا بأن نتناول قرص عسل نحل، فمنذ أن أصبحنا ناضجين طلب منا التزام قواعد محددة كصبيان مسلمين، كان يأخذنا الي الصحراء مع سائقنا اليمني، وكان يحرمنا من شرب الماء ،حتي نخشوشن كما يقول،حتى كاد السائق اليمني المسكين أن يهلك عطشا، كان يطلب منا عدم الأفراط في الكلام،وأن نكون جادين في كل شئ، ، بل ما كان يريدنا أن نظهر أسناننا أمامه،كانت السنوات التي سبقت التحاقي بالمدرسة هي الأفضل في حياتي،غالبا ما أمعنت النظر في تعامل والدى مع إخواني الأصغر فكان يسمح لهم بالشقلبة فوقه واللعب على صدره، بل كان يحتضنهما ويقبلهما.
*أولاد كثر لأسامة:
أنجبت سهام أحدث زوجات أسامة إبنة أخرى 1988أصبحت عائلتنا المؤلفة من (أربع زوجات، وتسعة أولاد ) وبوركت في السنة التالية بطفلين إضافيين وحملت سهام ثانية سريعا وولدت مرتين في سنتين،فيما وضعت خيرية الزوجة الثالثة مولودها الأول (حمزة ) وأصبحت سفرات بن لادن الي باكستان وأفغانستان قليلة في أعقاب إنسحاب السوفيت من أفغانستان،في فبراير 1989 تتحدث نجوى الزوجة الأولي عن فرحتها لذلك الحدث قائلة:قيل لي أن زوجي بطل في عيون كثير من المسلمين، لكن أسامه لم يكن أبدا راغبا في الحديث عن جهاده هناك ، لكنه سرعان ما أستقر في السعودية، وبدا يتابع أعماله ومن المؤكد أنه حقق رغبته في إنجاب أبناء كثر، وجاءت سنة 1990 بثلاثة أطفال أضافيين (دفعة واحدة ) حيث أنجبت زوجته الثانية مولودها الثاني عمر، وحملت أنا بطفلي الثامن في الوقت الذي حملت فيه الرابعة والأحدث طفلها الثالث،فانجبت أنا وسهام في يوم واحد بل في لحظة واحدة ،كانت ظروفا لا تصدق، حملت نهاية 1990 أخبارا سيئة بإجتياح صدام حسين للكويت
في الحلقة الثالثة نستعرض موقف بن لادن من هذا الموضوع . وغيره من تطورات حياة بن لادن ،من خلال سرد زوجته الأولى نجوي وإبنه الرابع عمر لتلك الاحداث وغيرها .

3-4

إنه إسامه بن لادن كل شئ عنه بلسان زوجته نجوى وإبنه عمر

طرح عبد الله عزام المرشد الروحي لأسامه بن لادن ، فكرة إنشاء مؤسسة واسعة يمكن للمؤمنين من خلالها إطلاق كفاحهم في سبيل عالم إسلامي ، وافقه بن لادن كليا الرأي ، ودعا الى إجتماع تخطيط ،سيطلق عليه القاعدة العسكرية، وأختصر في ما بعد بتنظيم القاعدة، أقيم الأجتماع الأول في منزله العائلي في بيشاور الباكستانية في أغسطس 1988، قرر الأعضاء المؤسسون، أن تنظيم القاعدة التابع لبن لادن، كناية عن حملة جهادية، ذات ذراع إسلامية وأخرى عسكرية ،بحيث يمكنه مساندة الحركات الإسلامية، بالوسائل العنفية والاعنفية،ومن بين الأهداف تخليص العالم الإسلامي من النفوذ الغربي،وقلب الأنظمة الملكية والحكومات العلمانية،وجعل الإسلام الديانة الوحيدة في العالم، وبعد تولى بن لادن زعامة الحركة ،حصلت توترات بين بعض إتباعه ،خاصة بين عزام والدكتور أيمن الظواهري، الطبيب المصري ،حيث تنافس الرجلان ،على نيل دعم أسامه المالي وغيره،في حين لم يؤيد عزام العنف ضد المسلمين، وبرحيل اخر جندي سوفيتي من أفغانستان ، شرع أمراء الحرب هناك في التخاصم، تقول نجوي
غانم زوجة بن لادن الأولى ،أن محاولات عديدة جرت لإغتيال عبد الله عزام نجحت إحداها في نوفمبرحيث قتل مع إبنيه1989 ، في سن 49، بتفجر ثلاثة ألغام في قافلته ،حينما كانوا متوجهين الي الصلاة في بشاور، ويعتقد أن الظواهري هو العقل المدبر لها، عاد بن لادن بعد ذلك الي جدة ،رجلا إستفاقت فيه كل رؤاه السياسية والدينية والعسكرية ،ومن ذلك الوقت بدأ يدفع بإتجاه نمو القاعدة
يقول نجله الرابع عمر أن والده لم يؤيد أبدا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ،نظرا الى حكمه العلماني الديكاتوري على بلد إسلامي ، فقام بتوزيع أشرطة تسجيل لتعميم مشاعره هذه في المساجد وغيرها ، صحت تحذيرات والدي في أطماع صدام ضد جارات العراق الثريات ،حينما قام بغزو الكويت في فبراير ،1990فطالب بإعفاء السعودية والكويت من ديون قيمتها 40 مليار دولار،قدمت له لمحاربة الخميني وايران، رفضت الحكومتان ذلك ، كان والدى في تلك الأيام مخلصا لوطنه وملكه ،وطالما أثارت تعليقاته ضد صدام العائلة المالكة ، حافظ أبي على علاقة متقلقلة مع العائلة المالكة في السعودية ،وطرح عليها أفكاره الخاصة بخطر صدام على بلاده ، سرعان ما أقنع أحد الأمراء والدى لمغادرة السعودية ،الي باكستان في عمل مهم ، وسرعان ما أبلغت والدتى بأن أبي لن يعود أبدا الي المملكة وعلينا أيضا مغادرتها.
*بن لادن الي السودان.
تقول زوجته الأولى نجوى غانم وهى تحكي قصة سفرهم الى السودان للمرة الأولى: شحنت أغراضنا الشخصية في سفينة نقل ،بينما كنا ثمانية عشر شخصا، نستعد للإقلاع على متن طائرة ،وقد خصص لكل زوجة وأولادها مقاعد في أماكن مختلفة من الطائرة ، أنا الزوجة الأولى وأبنائي ، والزوجة الثانية خديجة وولديها و خيرية الزوجة الثالثة ، وسهام الزوجة الرابعة لبن لادن وأولادها الثلاثة ، وهانحن أربع زوجات وأربعة عشر ولدا ،في طريقنا الي بن لادن ، كان وجه زوجي ماثلا في ذهني تقول نجوى غانم :وأشتدت بي الرغبة الي رؤيته ،وكنت أعلم أنه سيكون في إنتظارنا، حدقت النظر من الكوة الصغيرة للطائرة، ونحن نقترب من مقرنا الجديد في الخرطوم،وقد إعتراني الفضول،لأنه لم يسبق لي أبدا أن زرت هذا البلد، الذي سأدعوه منذ الان موطني،بدت الخرطوم كناية عن أسطح لوحتها الشمس ، ومبان مشادة من القرميد الطيني،لا تعلو أكثر من بضعة طوابق،وبدا معظم الطرق غير معبد ، السودان هو البلد الأكبر مساحة في أفريقيا ،تجاوره مصر وأثيوبيا وإريتريا،وكينيا ويوغندا ( المحرر، هذا الكلام قبل الإنفصال إذ لم تعد يوغندا وكينيا تجاوران السودان حاليا) وتواصل نجوى حديثها عن السودان وتقول :أن الخرطوم هي عاصمتها وقد تأسست عام 1921،يمر النيل الابيض الذي ينساب من بحيرة فيكتوريا، والنيل الأزرق ،من غرب أثيوبيا معا كتوأمين لكنهما يغادران المدينة نهرا واحدا ،يجري شمالا الي مصر،في الوقت الذي خطوت فيها خارج باب الطائرة، لمحت وجه زوجي بن لادن، من خلال قامته الطويلة ، وهو يقف الى جانب سيارة سوداء طويلة،يقرنها عادة المرء بالزائرين المهمين جدا ،وأحاط حراس أمنيون، مدججون بالسلاح المنطقة،وقد عتمت نوافذ السيارة، للحفاظ على الخصوصية،وهي عادة من عادات بن لادن، وقد أصطفت سيارات مماثلة أخرى تنتظر كلها، لنقل عائلة زوجي الكبيرة، الى منازلنا الخاصة، لم نتبادل أنا وزوجي أكثر من هزة الرأس، وبعض إيماءات السلام العابرة ، فالرجال والنساء المسلمون لا يعبرون عن العواطف ،ولا يتلامسون في العلن تصف نجوي غانم لحظة لقائها بزوجها ،بن لادن في مطار الخرطوم الدولي،تم تدبير كل شئ مسبقا، وبفضل نفوذ زوجي، إنتفت الحاجة الي أن تعاني العائلة شكليات التدقيق في الجوازات والجمارك،في اللحظة التي أستقر فيها الجميع في سياراتهم السوداء الطويلة،أحاطت عربات الأمن بقافلتنا ،وأسرع سائقونا مبتعدين عن المطار، دخلنا فجأة منطقة فارهة المباني،شاهدت فيها الكثير من المنازل الجذابة،وأبلغت بأننا سنعيش في هذا المركز ،وهي ضاحية موسرة من الخرطوم تعرف بأسم (قرية الرياض) هكذا تسميها نجوي غانم ،تقصد (مدينة الرياض) إن جاز لنا التسمية ، حيث تدبر فيها بن لادن أربعة منازل ،لعائلته الكبيرة ،ورجال أمنه ، الذي يحمموننا ،ويضمنون سلامتنا ، فكان المنزل مؤلفا من ثلاث طبقات فأقمت كالعادة في العلوي ،في حين سكنت صديقاتي الزوجات الاخريات ، في الطوابق الأخرى تحتي ، بدأنا نعيش في الخرطوم روتينا يشبه حياتنا في السعودية، تدبر بن لادن فتاتين سودانيتين، للمساعدة في المنزل،ولرعاية الأولاد، برغم أنه كان يلمح الي ضرورة أعتنائي بأطفالي بنفسي،لكنني أقتنعت بضرورة وجود من يساعدني في الإعتناء بوجود ثمانية أطفال ، بعضهم بالكاد يمشي ، كنا ننهض باكرا لأداء صلاة الفجر، ثم نعاود النوم ، أدخل بن لادن أولاده في مدارس المجلس الأفريقي للتعليم الخاص،وهي مدارس يرتادها أبناء الأثرياء في السودان، كنت أمارس بعض الرياضات في بيتي، وأتلو القران ،وأقوم ببعض الرسوم ،لأنني لا أزال أجد متعة في الرسم ،كانت الخادمتان تنهيان عملهما ،فتلعبان في حديقة المنزل مع إبنتي،لم يكن زوجي بن لادن مهتما باللعب الحديثة للأطفال، لكن الصبية وجدوا الكثير من النشاطات ليمارسوها،أصبح لبن لادن الكثير من الوقت في الخرطوم ليقضيه معنا ، كرس ساعات عديدة ،يشرح فيها لأبناءه أهمية زراعة خضر وغيرها، شكل لهم قدوة ،بمزارعه الكثيرة التي يزرع فيها الذرة وحبوب الصويا ،وحتي دوار الشمس،سررت لذلك فقد عاش أبنائي في السعودية حياة متوحدة جدا،وسررت أيضا لأن زوجي لم يعد يسافر كثيرا، فقد أجرى ترتيبات مع مسؤوليين حكوميين كبار في السودان، لبناء طرق ومصانع ،وأعمال متنوعة،بما فيها المزارع ، التي أتيت على ذكرها، وأبتسم كلما تذكرت تلك الأيام المجدية،خاصة وقت قطاف دوار الشمس ،وحصاد الذرة، حيث كنا وأبناءنا نشارك في ذلك ، بلغ حجم بعض أزهار دوار الشمس، أضعاف رؤوسنا،وغالبا ما تفحصتها بإعجاب ،وأنا أعرف أن أسامه بن لادن هو سبب مثل هذا الجمال،تلك أفضل ذكريات حياتي، أن أنشغل ،وأكون جزء من رسالة لها قيمتها، سافرنا كثيرا الي القطينة ، أحببت كثيرا ثمار المانغا السودانية،وغالبا ما قمنا برحلات الى مزرعة خيول بن لادن، على مقربة من الرياض، بينما نستمتع نحن النساء بحوض السباحة الخاص ،وما إن يذهب الرجال بأحصنتهم ،حتى نغطس في المياه الباردة، لم نملك طبعا أثواب سباحة ، بل كنا نترشش في المياه، ونحن مرتديات أثوابنا الطويلة،، عشنا في السودان تجارب غير مألوفة ،وتعلم أبنائي السباحة في النيل، في مرة من المرات أخذنا بن لادن جميعا الى منطقة ،على تخوم الخرطوم صحراوية، لم يسمح لنا بأخذ مؤونتنالرحلة ليلية ،فحمل معه أدوات حفر وغيرها، ونزلنا بمكان معزول في الصحراء، فقال لنا :أننا سنمضي الليلة هنا،تحت السماء والنجوم،و طلب منا الحد من تناول السوائل،والمغذيات الأخري ،ولم يجلب لنا أسرة ولا أغطية،ولا ناموسيات، تقينا شر الباعوض، قال :لا تقلقوا، نادرا ما يأتي البعوض الي الصحراء، وقفت الزوجات والبنات مراقبات ،بينما طلب أسامه من أكبر أبنائه وأشدهم قوة،إستخدام أدوات الحفر، لنبش فجوات كبيرة كفاية ، ليتمدد فيها كل منا ،وكان يعظنا بقوله :عليكم أن تكونوا بواسل، لا تفكروا في الثعالب والثعابين، تذكروا أنكم تخضعون لتدريب ، فالمحن التي ستختبرونها اتية ،وسيأتي يوم لن تجدوا فيه مأوى فوق رؤوسكم، ولن تملكوا غطاء، تلفون به أجسامكم،نمنا تلك الليلة الطويلة، تحت التراب بملابسنا، تذكروا أن بلداننا مثل السودان تتلظي بحر الشمس نهارا ،ولكن ما إن تسقط الشمس، من السماء حتى تصبح الصحراء باردة، ذكرت نفسي وأنا مستلقية تحت التراب ،في تلك الحفرة، ومحدقة بعيني الي السماء أن زوجي يعرف أكثر مني ،عن هذا العالم الكبير، فنحن جميعا لالئ بالنسبة اليهوهو يريد أن يحمينا.
تواصل نجوي حديثها قائلة: أصبح كبار أبنائنا شبانا خلال سنوات إقامتنا في الخرطوم،تميزوا في الرياضات، التي يستمتع بها الرجال،من كرة قدم وفنون قتالية،أو هوايات مشابهة أخرى، وكانوا جميعا سباحين ، وصيادين ماهرين، حلت بنا أوقات مفزعة، فللمرة الأولى منذ زواجنا تقول نجوى: بلغ المرض بأسامه حدا خشيت فيه على حياته،فقد أصيب بملاريا ، أصابني مرضه الفجائي بذعر كبير، لأن زوجي أشتهر بأنه الأفضل صحة في العالم، خفق قلبي بشدة، لتشخيص الطبيب لمعرفتي كيف ينتهي كثير من ضحايا الملاريا،ولم يسلم منها أيضا أبنائي الأربعة الكبار،عبد الله ،وعبد الرحمن، وسعد، وعمر، تقول نجوى: أنها لم تتمكن من السفر الي سوريا ،لرؤية والدها المصاب بسرطان الرئة ،مشيرة الي أنه كان محبا للتدخين منذ صغرة ،ولم يستطع الاقلاع عنه، حتى بعد مرضه ، فمات دون أن تراه ، وتتحسر بقولها : هذا جرح كبير بقلبي، لأن كل فتاة تشعر بالقرب من الأب، الذي يهتم بها ، لم تحصل حالات حمل كثيرة بين نساء زوجي بن لادن ،خلال السنوات الأربع التي عشناها في الخرطوم،حدثت ثلاث حالات فقط،حملت سهام الزوجة الرابعة،وأنجبت ولدها الرابع، وإبنتها الثالثة سمية ،ثم حملت زوجة بن لادن الثانية خديجة، بعيد وصولنا الي السودان، وأنجبت إبنتها الأولى عائشة ،وهى اخر طفل لها مع زوجي ، أصيبت العائلة بصدمة ،فلم يمض وقت طويل ،على إنضمام عائشة حتي قررت خديجة العودة الي السعودية ،وافق زوجي على مخططها ،وقد تكهن كثير من الناس بطلاقها ،وبرحيلها أصبحنا فجأة ثلاث زوجات ،وثلاثة عشر ولدا، ومن حسن الحظ أنني حملت مطلع 1993، بطفلي السابع ،وطلب مني بن لادنالسفر الي جدة للولادة، لأكون مع والدته عليا ،لم يتمكن أسامه من السفر معيحيث رافقني إبننا البكر عبد الله ،وصيا علي ،وهو سيصبح في السابعة عشرة ،خلال السنة، ويتعاطى مع الأمور بنظرة مسؤولة، لكن رغم سروري بالعودة الي جدة ،روعتني فكرة ترك عائلتي في الخرطوم،قرر أسامه قبل مغادرتي الخرطوم أن أسمي إبننا لادن، ثم عدت به الي الخرطوم بعد الولادة، أحب الجميع لادن، لأنه كان على قدر من الجمال ،ويتميز بحركاته الظريفة ، لكن بن لادنغير رأيه وقرر أن لادن يجب أن يدعى بكر ، ثم عرفت أن إمرأة إضافية ستنضم الي عائلة نساء زوجي أسامة ،فبعد سنة أو ما يقاربها على طلاق خديجة، إتخذ زوجي لنفسه إمرأة أخرى، لكن هذا الزواج إنتهي سريعا،بسبب سر ما،ولكونه الزواج على الورق (أي أنه لم يتم فعليا)فإنها لم تنضم الي مجموعتنا العائلية.
*أوقات ذهبية في الخرطوم.
من كان يعرف أن السعادة التي سعيت اليها ستكون في إنتظاري في السودان الأفريقي؟ يتساءل عمر الإبن الرابع لبن لادن ،وهو في العاشرة من العمر، يقول: ساحر هو السودان ،الذي بت أدعوه الان موطني، كنا نرتاد مدرسة المجلس الأفريقي ،وفي البيت كان لدينا أستاذ مغربي ،يدرسنا أصول الدين، أمتلك والدى أضافة الي بيتنا الخاص، وبيت الضيوف ،الذي كنت أتلقي فيه دروسي الخاصة منزلين في الرياض، كانا قريبين من منزلنا، وكانت هاتان الفلتان كبيرتين أيضا وخصصتا لإقامة بعض موظفي والدى، وبخاصة الإداريين منهم، والسائقين أو الحراس الأمنيين، ومعظمهم من مجاهدي الحرب في افغانستان، سهل علينا العيش في حي مكتظ ،عملية التملص، من الحراس ،بالرغم من أن لأبي عددا كبيرا من الرجال ،يحرسون أبناءه ،وذلك لإنغماس والدى، في أعماله الكثيرة، وتعلقت ولاءاته بالسودان ،أصبح مفتونا بالإرتقاء بهذا البلد الفقير، الي المعايير الحديثة ، أراد للسودان ذات البحبوحة التي لمسها في السعودية، إن مناطق السودان الخصبة هى الحل لإنتشال أفريقيا من الفقر ، كانت لأبي مزارع كثيرة، في المنطقة الممتدة من الخرطوم وحتي الحدود الاثيوبية، لم يكن والدنا يسمح لنا بتشغيل البراد( الثلاجة) في منزلنا، سمح لنا باستخدام الانارة فقط ، أمضيت وأشقائي وقتا نفكر في كيفية الهروب من الرياض، والتخلص من العالم المجنون لوالدنا، لكنه أشترى لأخي عبد الله، دراجة نارية، من النوع الذي يسير على أربعة إطارات ، على أن يحصل الصبية الاخرون على دراجات هوائية ، إنعزلت أمي في حياتها الي أقصى الحدود، وهى الزوجة التي تطيع زوجها في جميع رغباته.
في الحلقة الرابعة والاخيرة نتناول علاقة أبناء بن لادن بجيرانهم المسيحين وقصة بن لادن مع جاره أسامة داوود، الذي يملك قاربا سريعا ، وقصة محاولة إغتيال بن لادن من خلال الهجوم على منزله من قبل فئة تكفيرية ،ورحلته الى المجهول.

4-4

إنه بن لادن كل شئ عنه بلسان زوجته نجوي وإبنه عمر

يتحدث الإبن الرابع لبن لادن ( عمر) عن أيامهم الأخيرة في الخرطوم قائلا:كان تسكن قبالة منزلنا اسرة مسيحية لاحظنا اولادهم فترة من الزمن لكنني افتقرت شجاعة التعرف عليهم ولم يكن مسموحا لنا الاختلاط بهم ، سمح لنا والدنا باصطحاب افراسنا الي نهر النيل للسباحة وكان هو نفسه يرافقنا وذات يوم ركب مركبا صنعه له احد المصريين العاملين معه وحينما توغل الي الاخل رمى به ذلك المركب ركض رجال ابي الي جار اسمه اسامه داوود كان يملك قاربا سريعا جدا ومن حسن الحسن ان الرجل كان في المنزل وشرع في مطاردة سريعة ولحق بقارب والدى وربطه الى زورقه ليتمكن من جره عائدا وذهلت لرؤية الخجل باديا في وجه والدي لعدم السيطرة على مركبه مما دفه للانزلاق الي الماء مختبئا.

*رائحة الموت :

بدا يوم الرعب عاديا مثل أي يوم أدينا صلواتنا وذهبنا الي مدارسنا وفي المدرسة سمعنا اصوات رصاصهرع بنا اساتذتنا من غرفة التعليم الي الممشى كنا مكتظين مثل سمك السردين في علبه لما سمعنا صدى اطلاق الناريقترب واضح ان هؤلاء المسلحين يريدون قتل احد منا وربما طلب منهم اغتيال عائلة بن لادن جميعها واكتشفنا بعد اسابيع كيف تمت محاولة الاغتيال فقد تمكن اربعة مسلحين من دخول منطقتنا في النهار وجلسوا متأهبين في سيارة بيك أب تحت شجرة كبيرة قبالة بيت ضيافتنا وشرعوا بعد مدة في اطلاق النارعشوائيا على الفيلا وركزوا على النوافذ المفتوحة املا منهم في اصابة بن لادن سمع والدى الجلبة فامسك الكلاشينكوف الروسي الصنع من طراز AK-47 وما ان بدا اطلاق النار حتي ردت جميع القوى الامنية في المنطقة بزخات عنيفة حتي تبخرت مخططات المهاجمين في اغتيال والدى هرب احد الرجال واختبأ الاخر في الجامع وقفز ثالث وراء مقود البك أب وأدار المحرك ورمى الرابع بنفسه في مؤخرة العربة ذاتها، سرت تكهنات عديدة عمن يقف وراء ذلك الهجوم.

ثم علمنا في تلك الأوقات أن السعودية وحكومات إقليمية أخرى لا تريد وجود أسامة بن لادن في السودان،وقيل لنا أن الرئيس الأمريكي بيل كلنتون وحكومته يريدان طردنا من الخرطوم، والغريب أن أبي لم يهتم في البداية بالدعوات لطرده ، فهو على أرتباط وثيق بالحكومة،وأكبر أحزابها،وكذلك بالرئيس عمر البشير، بل إنه هنئ أكثر بالعلاقة مع الدكتور حسن الترابي،الرجل القوي جدا في السودان،ووفرت أعمال والدي منافع كبيرة جدا الى درجة أنه أعتقد أن الحكومة السودانية لن تطرده أبدا، بغض النظر عن الضغوط السعودية والأمريكية، والمصرية، لكن والدى كان مخطئا، فثمة ضغوط لأى حكومة أن تتحملها، بل أن حادثة حصلت في السنة السابقة ستؤدي في نهاية المطاف الى وضع حد للأيام السعيدة في السودان، ففي 26يونيو 1995 توجه الرئيس المصري حسني مبارك في موكب سيار للمشاركة في إحدي القمم الأفريقية في أديس أبابا،لما قطع مسلحون الطريق على الموكب،وأطلقوا النار على سيارته، قتل أثنان من حراسه ، لكن سائقه كان ماهرا الى درجة أنه دار بالسيارة في أرضها وأسرع يطلب الأمان في المطار منقذا راكبه الأكثر شهرة.

المحققون تحروا أمر القتلة فعرفوا أنهم يتبعون تنظيم الجماعة الإسلامية التابعة للشيخ عمر عبد الرحمن وهم الرجال أنفسهم الذين يقيمون حاليا في السودان،ويرتبطون إرتباطا وثيقا بتنظيم القاعدة،وكان مسؤولا عن إغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات في حادث المنصة الشهير 1981وفي الواقع فإن شوقي الإسلامبولي وهو أحد القتلة في الفريق المكلف إغتيال مبارك في أديس أبابا وهو شقيق خالد الإسلامبولي الذي إغتال السادات وقد حوكم خالد لاحقا وأعدم رميا بالرصاص أما شوقي فلم يتم إعتقاله، بعد هذه الحادثة أصبحت الضغوط على الحكومة السودانية كبيرة لطرد والدى من السودان حيث شاركت فيها معظم حكومات المنطقة تقريبا، لكن الأمر استغرق عاما حتى أصبحت حكومة الخرطوم وحيدة ي مواجهة مع جاراتها ، وشعرنا نحن أنفسنا بتلك الضغوط، على مدى بضعة أشهر قبل إنتهاء إقامتنا في الخرطوم،أن والدنا مغلوب على أمره،لم يتحدث معنا ‘ن مشاكله،الا أننا شاهدنا مسؤولين سودانيين منقبضي الوجوه،يأتون ويذهبون،ولا يتطلب الأمر عبقرية لمعرفة أن أمرا جللا يجري على قدم وساق، وأستنتجنا أنه يحتمل أن نغادر السودان، وقد أجفل والدنا بن لادن قبل ذلك ببضعة أشهر، أكبر أبناءه بعرضه وثائق قانونية ، تفيد أن عبد الله وعبد الرحمن وسعد هم الموقعون عنه، أي أنهم الأبناء الذين سيخلون سلطة العمل نيابة عنه في حال العجز، استشطت غضبا لعدم إدراج إسمي يقول عمر إبنه الرابع ،وسالـ والدي (لماذا لا يحق لي التوقيع؟) فرمقني بنظرة حادة ولم يجب هكذا أصبح ثمة أمر اخر للقلق،جاءت النهاية التعيسة في يوم في أواخر ربيع 1996 عندما جلسنا جميعا بحزن في حجرة أمي نجوى ، أذكر ذلك اليوم لأنه كان مضجرا كثيرا، شعرت بسلاسل السجن تلفني بإحكام،حتى يصعب علي أخذ نفس بسيط،وأصبحت أكثر غضبا حيال كل وجه من أوجه حياتي، تحول حراسنا الأمنيون الي صقور، تتبع أعينهم الجاحظة كل حركاتنا، كما لو كنا عصافير صغيرة على وشك أن تلتهم،، شعرت في مثل تلك الأوقات بأن حياتنا كعائلة بن لادن ستكون أقل تعاسة، لو أننا لم نذق طعم الحرية،ويمكنني أن أؤكد بأن إشتياقنا الى الحرية المفقودة صار أكثر حدة، جلسنا هناك نفور يأسا لما دخل علينا والدى ، بلغ الوجوم على وجهه حدا شعرت معه للمرة الأولى في حياتي بالأسى عليه أشار علينا بأن نفسح له في المجال ليجلس بيننا وهانحن نجلس وأعيننا على الأرض تردد ثم قال بصوته الهادئ ( لدي ما أقوله لكم. أنا مسافر فى الغد) ألقيت ، موقتا، نظرة سريعة لاراه يتطلع ناحيتى، فأبعدت عيني سريعا. وأعلن . ( ساخذ إبنى عمر معي). نظرنا جميعا بصدمة من إلتبس عليه الأمر، والأسئلة ذاتها تتسارع في أذهاننا : السفر ؟ الي أين؟ لماذا تأخذ عمر؟ أحتج أشقائي (لكن لماذا يذهب عمر؟ لماذا لا يمكننا الذهاب؟ استجمعت قواى لتلقى العنف من أبي الذي لم أتعود الإعتراض على قراراته، لكنه لأول مرة ، لم يرفع عصاه ، بقي قاسيا ومتباعدا وأجاب بجفاء (تعرفون أنه يجب أن لا تعارضوني)أحتفظ أشقائي بالصمت وهو يصدر تعليماته( لا توضب أغراضك يا عمر، لا تأخذ فرشاة أسنان، لا تأخذ مشطا، ستذهب أنت وحدك) وقف واستدار مشيرا الى والدتنا (نجوى) لتلحق به إلى غرفة نومهما) جف حلقي ودار رأسي، فجلست كالمشلول، لقد تم إختياري سأذهب بعيدا مع والدى! وجه الى أشقائي نظرات حادة، لكني تجاهلت سلوكهم الفظ، حضرت فراشي وحاولت الإسترخاء، من يدري كيف نسافر؟ فمن خلال معرفتى بوالدى ، لا أستغرب أن نغادر الخرطوم على صهوة جواد! هجرني النوم،وأنا أفكر بما قد يأتى به الصباح، تساءلت في نفسي هل سنعود الي الخرطوم ثانية؟ استعرضت أماكن قد ينتقيها والدى لإقامتنا الجديدةن هل سننتقل الي اليمن؟وهي موطن جدود كل من عائلتي أبي وأمي. وربما نحن عائدون الي باكستان، فقد انشأ والدي شبكة واسعة من الشركاء في ذلك البلد، بعد صلاة الفجر أصبحت حاضرا ذهنيا لمغادرة السودان، مع أنني عانيت وخزات متقطعة أسفا على أن أتخلى عن هذا البلد،ماذا سيحصل لجيادنا هل سنتركها كما تركنا أخرى في السعودية؟كم سيمر من وقت قبل أن أرى أمي ثانية؟ فقد أحببتها أكثر من أى شخص في حياتي وأضطربت معدتي لفكرة أفتقاد حضورها اليومي، ومسلكها الهادئ الذي جلب السلام الى عائلتنا بأكملها،ولما ودعتها ، احتضنت يدها الصغيرة في يدي ولامستها بقبلة حنونة، تغضن وجهها الجميل بإبتسامة بطيئة عذبة(إنتبه الي نفسك يا عمر. إذهب على بركة الله )نظرت الى وجهها نظرة أخيرة طويلة قبل أن أنظر في وجوه إخوتي الواقفين الى جانبنا وفي عجلتى للرحيل تمتمت بوداع سريع لكل منهم.

*رحلة في المجهول:

تبعت والدي فى كل خطوة من خطواته، وأنا لا أعرف وجهتي أو الفترة التى سأبقى فيها بعيدا علق كل منا سلاحه الكلاشينكوف التقليدي فى كتفه بالرغم من أننا محاطان بقوة أمنية كبيرة، مع حراس أصطفوا كتفا الى كتف الى أن أصبحنا في أمان داخل السيارة،ذات النوافذ المعتمة، حتى أنطلق موكب السيارات في وقت واحد،وزاد من سرعته سائقنا لما إجتاز مدينة الرياض السودانية،وربما كانت معجزة أنه لم يصدم العمال السودانيين الغافلين الذي كانوا يعبرون الطرق الضيقة،إنغمس والدى أسامة بن لادن في تفكير عميق ولم يحادثني ولو بكلمة واحدة،في طريقنا الي المطار، نقلنا بسرعة الي طائرة(ليرجت) مستأجرة،عومل والدي ومن معه كالشخصيات السياسية والدبلوماسية،بدون أية حاجة الى الإجراءات المتعلقة بالجوازاتأو الجمارك، كان على متن الرحلة الي جانبي أنا ووالدى ثمانية ركاب سبعة منهم يعملون لدى والدى وقد سافر معنا سيف العدل رئيس جهاز الأمن الخاص بأبى ومحمد عاطف أفضل أصدقائه وقائده الأعلى، أما المسافر غير المتوقع فهو أحد الأعيان السودانيين الرجل الذى دعاه أبي محمد إبراهيم شعرت بنفسي حارسا لأبي بالرغم من أنني صبي في الخامسة عشرةولم تنبت لي حتي شعرة واحدة في وجهي الناعم،لكنني كنت مستعدا للموت، شعرت بحماسة لوضعي كأبن مفضل لبن لادن،أختار والدى مقعدا فى الممر الأول من مقدمة الطائرة،محتفظا بسلاحه في حضنه،جلست وراءه في المقعد في هذه السيارة الغالية الإجرة،وفي الجوار جلس رجل ثالث اسمه حاتم،ويداه تمسكان بخارطة وبوصلة،وجلس الرجال الاخرون الاربعة في مؤخرة الطائرة، سرعان ما اختفى من الكوة منظر المدينة الأفريقية التى تعج بالحركة،ولم أعد أري شيئا من ذلك المكان الذي أحببته،أخذ التوتر يزداد على متن الطائرة،أحببت أن اسأل عما سيحص لكن صمت والدى المطبق جعلني أمتنع، لم يسق لوالدى أن فاتح أحدا حتى أفراد عائلته بأفكاره وعرفت برغم ذلك أن مزاجه عصيب على غير العادة،بل ربما كان غاضبا،لم يعتقد أبدا أنه سيطرد من السودان،لكن هذا ما حصل ، تساءلت داخل الطائرة، هل باع المسؤولون السودانيون والدى،هل أعطيت الأوامر للطيارين بنقلنا الي الرياض أو حتى الى امريكا،لنواجه الإعتقال والسجن،أم ثمة من يخطط لإسقاط طائرتنا في الجو؟ قررت أن وجود حاتم برباطه جأشه في الطائرة إشارة مطمئة ولابد أنه كان سيرفض مرافقتنا لو أنه إرتاب في وجود أي غدر،وقررت أن وجوده في الرجلة إشارة مطمئنة، إجتزنا البحر الأحمر والخبر السار أنه ما من طائرة حربية إعترضت طريقناحتى الان، أما الفأل السيئ فهو أننا دخلنا المجال الجوي السعودي، عند هذا الحد تحدث والدى بصوت جهير قائلا( فلنصمت عن مزيد من الكلام! صلوا الي الله بصمت الى أن نغادر الأجواء السعودية،ازداد التوجس وتسمر كل رجل في مقعده، القيت نظره على والدى فرأيته يصلى بخشوع واضعا كل شئ في عهده الله صليت انا أيضا صلى والدى طويلا قبل أن يسأل حاتم هل تعلم الى أين نحن متجهون ؟ هز حاتم رأسه(لا) توقف قلبي للحظة الا يعرف حاتم حقا وجهتنا؟ بدا رئيس جهاز أمن والدى سيف العدل متوترا وينسل من وقت الى اخر من مقعده للدخول الي الكابينه والتشاور مع الطيارين، أخذ والدى نفسا عميقا قبل أن يستدير ويتوجه الي مباشرة بالكلام( يا بني صليت كي لا يعرف السعوديون أنني على متن هذه الطائرة؟ ولو عرفوا أنني أعبر سماءهم لأمروا طائراتهم الحربية بإسقاطنا ربما أعتقدوا بوجود دبلوماسي سوداني على متنها) أصيب جسمي كله بهزات فرح ، ربما أن الوقت الأكثر خطورة قد مر وسينتهي النهار في النهاية بسلام، في الوقت الذي غادرنا فيها السعودية مررنا فوق مياه الخليج العربي او الخليج الفارسي،بحس ما اذا كان المرء من السعودية أو إيران،وفوجئت لما أخذت طائرتنا في الهبوط في مطار شيراز الإيراني،لأنني لم أفكر في أن تكون إيران موطنا لنا، لكنني سرعان ما علمت أننا توقفنا للحظات فقط للتزود بالوقود،وما أن لمست إطاراتنا المدرج أوصاني أبي ( عمر لا يعرف الإيرانيون بوجود أحد من ال بن لادن على هذه الطائرة فلا تتفوه بكلمة) وبالفعل فقد صعد الايرانيون الي الطائرة قفز مواكبنا إبراهيم على قدميه والتقى الرجال قاطعا عليهم طريق الدخول وكان أبي ومن معه جاهزون لإطلاق النار عليهم إن إقتربوا منا،لكن ابراهيم باسلوبه الحريري الناعم اقنعهم بأننا مجرد رجال أعمال مهمين يمرون عبر بلادهم،وقال لهم: ان التفتيشالرسمي غير ضروري لأن أقدامنا لن تطأ أرض بلادهم،وربما دس ابراهيم مبلغا كبيرا من المال في أيدي أولئك الرجال لأنني سمعتهم يتبادلون الحديث ويضحكون كما لو أنهم أصدقاء منذ الطفولة، لم يكمل ابراهيم الرحلة معنا بل ودعنا وابلغني والدى انه سوف يستقل طائرة تجارية الى الخرطوم،ومن ايران واصلت طائرتنا مسارها الغامض سرعان ما قال حاتم (لقد عبرنا ايران ونحن فوق افغانستانوقال بثقة اعتقد أن وجهتنا هي افغانستان هز والدى برأسه لكنه لم يؤكد بكلمة نعم وحينما هبطت الطائرة قال والدى في النهاية ( انت محق يا حاتم وجهتنا هى افغانستان سنهبط في جلال اباد .

*نشاطات بن لادن السياسية والعسكرية:

تقول جين ساسون في ملاحاتها الاخيرة عن حياة بن لادن أن نشاطاته العسكرية والسياسية ازدادت فى وقت أخذت فيه زوجته الأولى نجوى تربي أولادها في السودان ازدادت فالقي بن لادن بالائمة على مغادرته السودان على امريكا والسعودية وضاعف تصميمه على توجيه ضربات لكليهماواعترف بجميل البلد الذي وفر له الملجأ فطورا خططا لتحسين الوضع الاقتصادي في السودان وسرعان ما بدا في انشاء المصانع وافتتاح الاعمال وشق الطرق وتقول ساسون ، عرض المسؤولون السودانيون في البداية تسليم بن لادن للسعودية الا ان الحكومة السعودية عرفت ان اسامه لا يزال يحتفى به على نطاق واسع في بلدهم بصفته بطل حرب ثم عرض السودانيون بن لادن على امريكا لكن بما انه لم يصدر في ذلك الوقت اى حكم قضائي ضده افتقرت الحكومة الامريكية الى الاساس القانوني لتوقيف الرجل عند ذلك الحد ابلغت الحكومة السودانية اسامة بن لادن بأن عليه أن يغادر السودان ، لم يكن بن لادن متأكدا من المكان الذي يحظى فيه بالرحيب فسعى وحصل على دعوة من بعض الاحزاب القوية في افغانستان وهكذا غادر الخرطوم في مايو 1996برفقة ابنه عمر وبعض المستشارين الموثوق بهم الي افغانستان.