عبد الرحمن الكواكبي

محمد فاروق الإمام

الشيخ الذي قاوم الاستبداد

حتى الرمق الأخير من حياته

محمد فاروق الإمام

[email protected]

عبد الرحمن الكواكبي مفكر وعلامة سوري رائد من رواد التعليم ومن رواد الحركة الإصلاحية العربية وكاتب ومؤلف ومحامي وفقيه شهير، ولد في حلبسورية سنة 1271هـ/1848م وكانت لعائلته شأن كبير في حلب.

والده هو أحمد بهائي بن محمد بن مسعود الكواكبي، ووالدته السيدة عفيفة بنت مسعود آل نقيب وهي ابنة مفتي إنطاكية في سورية..

في مدينة حلب التي كانت تزدهر بالعلوم والفقهاء والعلماء درس الشريعة والأدب وعلوم الطبيعة والرياضة في المدرسة الكواكبية التي تتبع نهج الشريعة في علومها، وكان يشرف عليها ويدرّس فيها والده مع نفر من كبار العلماء في حلب.

كما أنه لم يكتفِ بالمعلومات المدرسية، فقد اتسعت آفاقه أيضا بالاطلاع على كنوز المكتبة الكواكبية التي تحتوي مخطوطات قديمة وحديثة، ومطبوعات أول عهد الطباعة في العالم، فاستطاع أن يطلع على علوم السياسة والمجتمع والتاريخ والفلسفة وغيرها من العلوم.

بدأ الكواكبي حياته بالكتابة إلى الصحافة وعين محرراً في جريدة الفرات التي كانت تصدر في حلب، وعُرف الكواكبي بمقالاته التي تفضح فساد الولاة، ويرجح حفيده سعد زغلول الكواكبي أن جده عمل في صحيفة "الفرات" الرسمية سنتين تقريبا، براتب شهري 800 قرش سوري.‏

وقد شعر أن العمل في صحيفة رسمية يعرقل طموحه في تنوير العامة وتزويدها بالأخبار الصحيحة، فالصحف الرسمية لم تكن سوى مطلب للسلطة، ولذلك رأى أن ينشئ صحيفة خاصة, فأصدر صحيفة "الشهباء" عام 1877م وهي أول صحيفة تصدر باللغة العربية وقد صدرت في حلب وسجلها باسم صديقه كي يفوز بموافقة السلطة العثمانية أيامها وبموافقة والي حلب،‏لم تستمر هذه الصحيفة طويلاً، إذ لم تستطع السلطة تحمل جرأته في النقد، فالحكومة كما يقول الكواكبي نفسه "تخاف من القلم خوفها من النار".‏

بسبب حبه للصحافة والكتابة تابع جهاده الصحفي ضد الاستبداد فأصدر عام 1879م باسم صديق آخر جريدة الـ"اعتدال" سار فيها على نهج "الشهباء" لكنها لم تستمر طويلاً فتوقفت عن الصدور.

بعد أن تعطّلت صحيفتاه الشهباء والاعتدال، انكبّ على دراسة الحقوق حتى برع فيها، وعيّن عضوا في لجنتي المالية والمعارف العمومية في حلب، والأشغال العامة (النافعة) ثم عضواً فخرياً في لجنة امتحان المحامين للمدينة.‏

بعد أن أحس أن السلطة تقف في وجه طموحاته، انصرف إلى العمل بعيداً عنها، فاتخذ مكتباً للمحاماة في حي الفرافرة، أحد أحياء مدينة حلب قريبا من بيته، كان يستقبل فيه الجميع من سائر الفئات ويساعدهم ويحصل حقوق المتظلمين عند المراجع العليا ويسعى إلى مساعدتهم، وقد كان يؤدي عمله في معظم الأحيان دون أي مقابل مادي، حتى اشتهر في جميع أنحاء حلب بلقب (أبي الضعفاء)‏.

تقلد عبد الرحمن الكواكبي عدة مناصب في ولاية حلب فبعد أن عين عضواً فخرياً في لجنتي المعارف والمالية، عين مديراً رسمياً لمطبعة الولاية، ورئيسا فخرياً للجنة الأشغال العامة في حلب وحقق في عهده الكثير من المشاريع الهامة التي أفاد بها حلب والمناطق التابعة لها وفي عام 1892م عين رئيساً لبلدية حلب.

استمر الكواكبي بالكتابة ضد السلطة التي كانت في نظره تمثل الاستبداد، وعندما لم يستطع تحمل ما وصل إليه الأمر من مضايقات من السلطة العثمانية في حلب التي كانت موجودة آنذاك، سافر الكواكبي إلى الهند والصين وسواحل شرق آسيا وسواحل أفريقيا وإلى مصر حيث لم تكن تحت السيطرة المباشرة للسلطات الحاكمة في اسطنبول، وذاع صيته في مصر وتتلمذ على يديه الكثيرون وكان واحداً من أشهر العلماء.

أمضى الكواكبي حياته مصلحاً و داعية إلى النهوض والتقدم بالأمة العربية وقد شكل النوادي الإصلاحية والجمعيات الخيرية التي تقوم بتوعية الناس، ودعا المسلمين لتحرير عقولهم من الخرافات، وقد قسم الأخلاق إلى فرعين فرع أخلاقي يخدم الحاكم المطلق و فرع يخدم الرعية أو المحكومين، ودعا الحكام إلى التحلي بمكارم الأخلاق لأنهم الموجهون للبشر، ودعا لإقامة خلافة عربية على أنقاض الخلافة التركية، وطالب العرب بالثورة على الأتراك، وقد حمل الحكومة التركية المستبدة مسؤولية الرعية.

ألف الكواكبي العديد من الكتب، وترك لنا تراثاً أدبياً كبيراً، فمن كتبه: (طبائع الاستبداد) و(أم القرى). كما ألف (العظمة لله) و(صحائف قريش). وفقد مخطوطين مع جملة أوراقه ومذكراته ليلة وفاته، له الكثير من المخطوطات والكتب والمذكرات التي طبعت. ومازالت سيرة وكتب ومؤلفات عبد الرحمن الكواكبي مرجعاً هاماً لكل باحث.

توفي في القاهرة متأثرا بسم دس له في فنجان القهوة في 2 حزيران عام  1902م حيث دفن فيها.

رثاه كبار رجال الفكر والشعر والأدب في سورية ومصر، ونقش على قبره بيتان لحافظ إبراهيم:

هنا رجل  الدنيا هنا مهبط  التقى*** هنا خير مظلوم هنا خير كاتـب

قفوا وأقرأوا (أم الكتاب) وسلموا*** عليه  فهذا  القبر  قبر   الكواكبي