محمد أركون

مفكر إسلامي من طراز رفيع

حسين علي محمد حسنين

كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر

[email protected]

* يشدد أركون على أن ( أنهم خير أمة أخرجت للناس) ، أنها كانت وستظل مقولة معوقة لفهم الآخر، والاعتراف به.. ومن النتائج السلبية لذلك عدم القدرة على فهمنا لأنفسنا وذلك علي خلاف المجتمعات الأخرى التي لا تتخذ مقولة مثلها..

* خلاصة نبؤته أن المجتمعات الإسلامية في طريقها إلي العلمانية، وذلك بسبب غياب الفكر الفلسفي، والعقلي التحليلي عن أصحاب النزعة الأصولية السلفية، فهم في الطريق إلي الاختفاء لنضوب معينهم الفكري ذاتياً..

القاهرة:حسين حسنين:

* لد أركون فى عام 1928 بمدينة تاوريرت ميمون بمنطقة القبائل الكبري الأمازيغية بالجزائر، وكانت لغته الوحيدة  هى الأمازيغية .  وانتقل مع عائلته إلى بلدة عين الأربعاء (ولاية عين تموشنت) حيث بدأ دراسته الإبتدائية بها فى مدرسة كاثوليكية صغيرة بين جبال منطقة القبائل الجزائرية بشمال الجزائر ، ثم رحل برفقة أسرته إلى ضواحى وهران  بغرب الجزائر وواصل دراسته الثانوية في وهران لدى الآباء البيض ، كما تعلّم اللغة العربية خلال مرحلة التعليم الثانوي. بعد حصوله على شهادة البكالوريا  إلتحق بكلية الآداب ، قسم اللغة العربية في الجزائر العاصمة ..

* وفي عام 1954 غادر أركون الجزائر إلى  باريس لإستكمال دراسته العليا وتحضير رسالة الدكتوراه .. ويذكر أنه خلال دراسته بجامعة السوربون تعلّم أركون منهجية البحث على أيدي مستشرقين كبار من أمثال شارل بيلا، وهنري لاوست، وريجيس بلاشير المتخصص في فقه اللغة، والذي تعلَّم منه منهجية تحقيق النصوص وتدقيقها ودراستها على الطريقة التاريخية الوضعية. وكان موضوع رسالة الدكتوراه هو:  الممارسات الدينية في منطقة القبائل الكبرى تحت إشراف جاك بيرك . لكنه غير هذا الموضوع إلى البحث فى  القرن الرابع الهجري ونزعة الأنسنة في الفكر العربي الإسلامي .  وقد ركز فى رسالته على أبى حيان التوحيدى(923-1023) .. وكان أركون يعتبر التوحيدي أباه الروحي ومعلـمه الأول. فالتوحيـدي كان بمثابة اللحظات الأساسية في تاريخ العقل الإسلامي عند أركون .
لذلك يؤمن أركون بأن الحداثة التي تضمنها فكر أبو حيان قامت على عقلانية منفتحة متعددة، وعلى فهم للإنسان لم تبلغه الحداثة الغربية إلا مع المتأخرين من رواد ما بعد الحداثة، من أمثال ميشال فوكو وجاك دريدا وعليه كان الإنسان هو كلمة السر فى علاقته بأبو حيان..

* بعد حصوله على الدكتوراه عين أستاذا لتاريخ الفكر الإسلامي والفلسفة بجامعة السوربون فى عام 1980م وحتى وفاته .  كما عمل باحث مرافق في برلين عام 1986 و1987. وفى عام 1993 شغل منصب عضو في مجلس إدارة معهد الدراسات الإسلامية في لندن ..

-- -----------------

فكر أركون:

* ساهم أركون بقدر كبير فى العمل على تجديد في الفكر الإسلامي، وقد عمل على إستمرارية إحياء ذكري المجددين أمثال: (1) محمد عبده"(1849ـ 1905م). (2) فرح أنطون"(1874ـ 1922م) .  (3) شبلي الشميل"(1850ـ 1917م) . (4) محمد عابد الجابري"(1936ـ 2010م) .  (5) نصر حامد أبو زيد(1943ـ 2010م) ..  

* ويعد مشروع الإسلاميات التطبيقية الذي حاول أركون أن يقطع به مع «الإسلاميات الكلاسيكية» التي كرستها كتابات المستشرقين أهم إنجازاته الفكرية.
فقد حاول أركون إخضاع النص الدينى للنقد التاريخي المقارن.
على الرغم من أنه كان مقتنعاً بأنّ المسلمين لم يمارسوا بعد تاريخ الأديان ..

ويرى أركون أنه يجب علينا اليوم العمل بجدية فكرية ودقة منهجية على التاريخ الإسلامى  الروحاني الذي يختلف كثيراً عن التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي للإسلام.
 وذلك فى محاولة لتطبيق المناهج العلمية على القرآن والنصوص المؤسسة، كل ذلك من أجل التركيز على مشروع الإسلاميات التطبيقية ..

* ويحسب لـ أركون أنه قام بالبحث عن نتائج مناهج العلوم الإنسانية الحديثة فى أوربا ، وقام بإنزالها علي التراث الإسلامى العربي خاصة علوم الانثروبولوجيا، واللغويات، والتاريخ ... لكنه لم يسلم من التصادم مع العقلية الرجعية السلفية المسيطرة علي العالم  الإسلامي المعاصر .. وقد إستطاع  أركون بذلك أن يعيد قراءة الخطاب الديني الإسلامي، من خلال نصوصه التأسيسية عبر هذه العلوم الأوربية الحديثة ، وهنا إكتشف أركون وجود ثغرات كبيرة فى العقل العربي.. وعليه  دعا أركون  في كتابه (ملامح الفكر الإسلامي الكلاسيكي) إلي ضرورة الاهتمام بالتاريخ الروحاني، أي كيف نحيا حياتنا كمؤمنين بالله، ونفصل ذلك عن التاريخ السياسي، حتي نتمكن من التفاعل المنسق مع الواقع، وننتج حضارتنا الخاصة..

* لقد درس أركون الإسلام بإعتباره ظاهرة دينية تاريخية معقدة ضمن منظور أنثروبولوجي مقارن .. وقد إعتمد فى ذلك على التحليل النقدى لتاريخ الإسلام وفكره .. وفى هذا الخصوص كتب كتابه بعنوان «تاريخ الإسلام والمسلمين في فرنسا منذ العصور الوسطي وحتى اليوم»، وفيه بحث بإستفاضة عن تاريخ الروابط التي جمعت العالم الإسلامي بفرنسا منذ معركة بواتييه (1356) مروراً بالحروب الصليبية وانتهاءً بالوجود الإسلامي في فرنسا حتى عهد الرئيس ساركوزي..

* دعا أركون إلى تجديد الفكر الإسلامي، وإلى ضرورة البحث عن قراءة جديدة للتراث الإسلامى الدينى ولكن بمنهج عصرى حديث..

* لقد حاول أركون دراسة الإسلام باعتباره ظاهرة دينية تاريخية معقدة، وذلك ضمن منظور أنثروبولوجي مقارن..

* كما دعا أيضا فى مشروع خاص بتنقية المعتقد الدينى من التشدد والتعصب التاريخي الذي علقت به، وذلك من خلال البحث عن نزعة أنسانية تفكر في الإنسان وقضاياه وقيمه وحقوقه الدنيوية..

* يري أركون أن أزمة العالم الإسلامي  ترجع إلى إعتماده علي كلام الفقهاء لفهم الإسلام .. وهنا يرى أركون أن ذلك الإعتماد هو اعتماد متغير يخضع للظرف التاريخي، والثقافي، والاقتصادي، ولما تمليه القوي السياسية المسيطرة علي المجتمع، ولذا كان فهم كلام الله ليس بالفهم الحقيقي له ..

* العلمانية عند"أركون": يرى أركون أنها نتاج مشروع فكري غربي من أجل التقدم، والحداثة. ويرى أن العلمانية لا تعني القضاء علي الدين، وإنما هي من أجل منع الخطاب الديني الغيبي من السيطرة علي المجتمع..   والحرية والعلمانية عند أركون  هما مفهومان مترادفان ..

* ويؤكد أركون أن الإسلام لم يكن منغلقا في وجه العلمانية، ويدلل على ذلك بأن القرون الأربعة الأولي عقب الهجرة النبوية كانت أكبر تجربة إسلامية علمانية، فقد حدث فيها تمرد علي السلطة الدينية .. فيري"أركون" أن المعتزلة عالجوا مسائل الوحي، عبر نموذج فكري يوناني، وأقروا بدور العقل، وأهميته في فهم الوحي ..

* ويؤكد أركون أن الإسلام عرف الفرق بين الدين والسياسة.. فعندما استولي"معاوية بن أبي سفيان(عام 78هـ) علي السلطة السياسية، خلع عليه رجال الدين الشرعية الدينية، فكان ذلك ميلادًا لتكييف الدين مع السياسة. وعليه  عرفت المجتمعات الإسلامية رفض العلمانية علي سبيل رفض الحرية، والميل إلي القمع، ورفض تبعات محاولات حرية المعرفة.. ومن ثم إحتكر الساسة السلطة، وموهوها بالدين..

* وفي كتابه ( القرآن من التفسير الموروث إلي تحليل الخطاب الديني)  نجد أن أركون يلوم علي المسلمين عدم اهتمامهم بعلوم الغرب  خاصة علم الأنثروبولوجي، وعلوم اللسانيات، حيث أنها علوم تتيح لهم فرصة التعرف علي ثقافات المجتمعات الأخري.. وهنا يشدد أركون على أن ( أنهم خير امة أخرجت للناس) ، أنها كانت وستظل تلك المقولة معوقة لفهم الآخر، والاعتراف به.. وقد كان من النتائج السلبية لذلك عدم القدرة على فهمنا لأنفسنا وذلك علي خلاف المجتمعات الأخرى التي لا تتخذ مقولة مثلها.  ولسوء الطالع وقف المسلمون عند حدود المعاني السطحية، إلي حد إلغائهم للتاريخ، وحتميات تفاعله مع الواقع، فابتعدوا بالتالي عن واقعهم، وراحوا يحملون النصوص فوق ظهورهم، ويطوفون بها، دون ربطها بواقعهم.  لقد عمل أركون على التحرر من ذلك التفكير علي أمل تغير ذلك الواقع فى العالم الإسلامى..

* وخلاصة نبؤته أن المجتمعات الإسلامية في طريقها إلي العلمانية، وذلك بسبب غياب الفكر الفلسفي، والعقلي التحليلي عن أصحاب النزعة الأصولية السلفية، فهم في الطريق إلي الاختفاء لنضوب معينهم الفكري ذاتياً..

* أركون وطه حسين:

يقول أركون: عملت علي طه حسين لسنوات طويلة‏,‏ وكان  طه حسين  العنوان الذي حاولت التعبير به في السنوات الأول عن فكري‏ . ويذكر أركون أنه ألقى محاضرة فى خمسينيات القرن الماضى عن (الوجه الإصلاحي‏ عند طه حسين أو‏ مظاهر الإصلاح في مؤلفات طه حسين‏) . ويضيف : لكن لسوء الحظ أن تلك الفترة كانت تشهد صعود الفكر العروبي من القاهرة إلي الشام إلي الجزائر وهو ما حال دون تفهم الجالسين في القاعة لفكرة الإنسانية في هذه الفترة المبكرة‏,‏ خاصة‏‏ أنني انتمي بجذوري إلي القبائل الأمازيغية بالجزائر‏,‏ وكان علي أن أؤكد إذن وأنا ابن هذ الفئة‏,‏ أن الوعي العربي في مواجهة الغرب يجب أن يجاوز الإثنيات والأقليات إلي‏‏ الخطاب العالمي‏ .. ‏

* كان أركون  يذكر دائما الإصلاح‏‏ الإسلامي عند طه حسين‏,‏ وكثيرا ما كتب عن محمد عبده قائلا: ‏ انظروا الفرق بين المواقف الفكرية لمحمد عبده وتفتحه وفكره البراجماتي حتي فيما يخص الإفتاء في الشريعة وبين مواقف من نسميهم اليوم بالإسلاميين‏ الذين يخضع لهم ويسجد لهم الملايين من المسلمين‏ ..

* وفي كتابه الذي كان يعتز به أركون كثيرا والذي ترجمة محمود العزب‏ (‏ نزعة الأنسنة في الفكر العربي في القرن الرابع الهجري‏).. فى هذا الكتاب يحتفي أركون بالمثقف المستنير في التاريخ الإسلامي‏ " ابن رشد‏ " الذي‏ يتكرر كثيرا في كتاباته‏ ليست فقط لأن إبن رشد  ترجم فلسفة غربية وإنما لقدرته العالية علي التحرر من تقاليد المثقف  الإسلامى التقليدي‏..

* كان أركون واعيا اشد الوعي بالفكر المتخلف الذي يدعيه الدعاة الجدد‏,‏ هؤلاء الذين ينتمون إلي النظام بشكل عضوي‏ وهو تعبير جرامش للمثقف‏ لا لكونهم واعين بقدر كونهم داعين إلي الفكر السائد‏,‏ لا لأنهم يرجون الإفادة من الفكر المستنير في مجتمعهم الذي ينتمون إليه بقدر دعوتهم إلي الفكر الذي ينتمي لمنظومة المعرفة المتخلفة لدي الكثيرين..

* إهتم أركون بفكر ابن رشد ، وكذلك الفارابي وابن سينا والتوحيدي ... لكنه فى نفس الوقت كان ينتمي أكثر إلي الوعي المنهجي المعاصر في التعامل مع القضايا الكبري في زمن سيادة الحضارة الغربية بمعطياتها المعاصرة‏..‏

* بالإضافة إلى ما سبق كان يشير فى كتاباته وأحاديثه إلي الأفكار الإصلاحية التي عرفها المثقفون العرب في العصر الحديث‏ ، وحتي في السنوات الأخيرة من حياته كان يذكر أفكار طه حسين والشيخ محمد عبده ، وكذلك أفكار وأسماء الأفغاني والكواكبي وعلي عبد الرازق و الجابري وعبد الله العروي وغيرهم‏..‏

--------------

مؤلفاته:

* كتب محمد أركون كتبه باللغة الفرنسية ، وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات من بينها العربية والهولندية والإنكليزية والإندونيسية.. ويذكر أن محمد أركون إحتفظ بالجنسية الفرنسية التي ولد بها في الجزائر التي كانت جزءا من فرنسا فى ذلك الوقت ‏,‏ لكنه فى نفس الوقت لم يتخلي عن انتمائه للجزائر وللتراث العربي الإسلامي بشكل عام‏,.. وبقدر ما اجتهد أركون في امتلاك اللغة الفرنسية وتراثها الأدبي والفلسفي اجتهد أيضا  في امتلاك العربية وتراثها الأدبي والفلسفي ..ومن مؤلفاته المترجمة إلى العربية التالي :

1- الفكر العربي ..

2- الإسلام: أصالة وممارسة..

3- تاريخية الفكر العربي الإسلامي أو "نقد العقل الإسلامي..

4- الفكر الإسلامي: قراءة علمية..

5- الإسلام: الأخلاق والسياسة..

6- الفكر الإسلامي: نقد وإجتهاد..

7- العلمنة والدين: الإسلام، المسيحية، الغرب..

8- من الإجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي..

9- من فيصل التفرقة إلى فصل المقال: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟..

10- الإسلام أوروبا الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة..

11- نزعة الأنسنة في الفكر العربي..

12- قضايا في نقد العقل الديني. كيف نفهم الإسلام اليوم؟ ..

13- الفكر الأصولي واستحالة التأصيل. نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي..

14- معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية..

15- من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني..

16- أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟ ..

17- القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني..

18- تاريخ الجماعات السرية ..

---------------

* الجوائز التى حصل عليها:حصل أركون على عدد من الجوائز منها:

(1) جائزة ضابط لواء الشرف الفرنسية..

(2) جائزة "بالمز" الأكاديمية.. 

(3) جائزة "ليفي ديلا فيدا  لدراسات الشرق الأوسط في كاليفورنيا.. 

(4) جائزة "ابن رشد" للفكر الحر في عام 2003م ..

(5) دكتوراه شرف من جامعة أكستر عام 2002..

-----------

وفى 14 سبتمبر 2010 توفى أركون عن عمر ناهز 82 عاما بعد معاناة مع مرض السرطان. ورحل أركون بعد رحيل المفكّرَين، المغربي محمد عابد الجابري والمصري نصر حامد أبو زيد في السنة نفسها.

---------------

المراجع:

* أحمد عبد المعطي حجازي: من يكون محمد أركون ، جريدة الأهرام، 22 سبتمبر 2010..

* عمرو على بركات : محمد أركون .. الإسلامى الكلاسيكى، جريدة القاهرة، 21 سبتمبر 2010..

* مصطفى عبد الغنى: بعد رحيل أركون.. مازال بيننا الفكر الإسلامى المستنير، جريدة الأهرام، 23 سبتمبر 2010..

* ويكيبيديا: مجمد أركون، الموسوعة الحرة..

* ياسين عدنان:الفلسفة العربية تودع وريث ابن رشد، جريدة الأخبار، 25 سبتمبر 2010..