العالمة الأمية

محمد فاروق الإمام

مباركة أم الخير

محمد فاروق الإمام

[email protected]

اشتهرت بشاعرة الصحراء وعرفت بالعالمة الأمية، إنها مباركة أم الخير، المعروفة بعائشة مسعود، التي رحلت عن هذه الدنيا يوم 26 كانون الثاني عام 2004م.

عائشة مسعود امرأة لم يجد الدهر بمثلها. كانت توقد النار وعلى نورها تحفظ الأشعار، عن طريق السمع. جالست العلماء وأخرست الشعراء وقهرت الفقهاء. رزقت لبا خارقا وعقلا فائقا. اشتهرت بحفظها للقرآن وموطأ مالك وأشعار البردة والهمزية وقرة الأبصار والأحاديث النبوية بدون لوح ولا كتاب. كما دونت العالمة الأمية في ذاكرتها ابن عاشر والأخضري والمعلقات السبع.

لم تعرف عائشة مسعود السنة التي ولدت فيها نظرا لطبيعة المجتمع الذي ولدت فيه، والمعروف بقلة التدوين وكثرة الترحال.

ولما سئلت مباركة أم الخير عن سنة ولادتها قالت: (ولدت لما توفي شيخنا المجاهد الشيخ ماء العينين الكبير، كان عمري ثماني سنوات أو ما يزيد) ومن المعروف تاريخيا أن الشيخ محمد المصطفى ماء العينين بن محمد فاضل ولد عام 1830 وتوفي عام 1910م.

وبناء عليه فعمر العالمة الأمية مباركة أم الخير الافتراضي أصبح الآن قرناً من الزمن. ويرى بعض أحفادها أنها بلغت قرنا وحوالي خمس وعشرين سنة.

ولدت مباركة في موريتانيا عند نخلتين تدعيان: (تِجَبات) و(أعمر الضاية)، على مقربة من (زيرات تناقل) تركها والدها صغيرة ورحل إلى مراكش، وقيل إنه كان يعمل في حمام ثمة. ومنذ ذلك العهد لم يظهر له أثر ولم يسمع عنه خبر. كانت توقد النار للشرفاء، الذين يقرؤون المصاحف على ضوئها، هذا وهي لم تزل صغيرة. كانت العالمة الراحلة تدون كل ما تسمع في ذاكرتها القوية. وكان للأطفال موعد يومي مع درس من دروس الفقيه المعلم، فيكتب كل طفل لوحه، فيحفظ ما كتب من الذكر الحكيم ليستظهره عن ظهر قلب أثناء فترة الحفظ على الفقيه. فطوبى لمن أفلح، والويل كل الويل لمن لم يستظهر ما كتب، تطمئن مباركة أم الخير الصغار بقولها: (لا تخافوا، ولا تحزنوا، فإني سألقنكم ما عجزت ألبابكم عن حفظه) فينشرح صدر الصغار لما سمعوا فتلقنهم مباركة ما عجزوا عن حفظه، وينجون من عقوبة الفقيه المعلم.

لما رحلت الأسرة التي كانت مباركة أم الخير تحيا في كنفها من موريتانيا صوب المغرب، رحلت أم الخير صحبة القوم، راكبة ناقة. وكاد العطش أن يفتك بها، لولا نجدة أمها التي جاءت بقدح من الدهن، قابلته مع أشعة الشمس وبدأت تسقيه لصغيرتها. وبقر رجال من القوم بطون الجمال بحثا عن الماء، فنجا من نجا وهلك من هلك.

بعيد ذلك عاشت مباركة أم الخير مع القوم دهرا، ثم انتقلت لتحيا في كنف أسرة مبارك (ولد عبل) وتعني ابن عبد الله. هذا الرجل الذي أعجب وانبهر بعلم العالمة، وأراد أن يتخذها ابنة، إلا أنها رفضت ذلك، وأطلق عليها اسم عائشة. انبهر بعلمها عندما أجرى لها امتحانا ليتأكد من حفظها للقرآن وللأشعار والأحاديث. كما انبهر بها الفقهاء الذين امتحنوها بأكادير تيسينت بقصر مبارك (ولد عبل).

لما سجن مبارك (ولد عبل) من قبل أحد قواد طاطا آنذاك، تدخلت العالمة لإطلاق سراحه من سجن بوجريف بمراكش، فهددها القائد بالقتل، فهربت إلى مراكش ومكثت به دهرا، وكانت تدرس الصبيان، ولم تعد إلى طاطا إلا بعد وفاة القائد، عادت إلى تيسينت، واستقر بها المقام بقرية أم الكردان التي توفيت بها رحمها الله، والجدير بالذكر أن العالمة كانت فنانة في دباغة الجلود، وكذا طبيبة متخصصة في التداوي بالأعشاب.