الشاعر الداغستاني الشهير رسول حمزاتوف

محمد فاروق الإمام

الشاعر الداغستاني الشهير رسول حمزاتوف

محمد فاروق الإمام

[email protected]

ولد الشاعر رسول حمزاتوف عام 1923م في قرية تسادا الداغستانية من عائلة الشاعر المعروف حمزة تساداسا . وعمل معلماً في شبابه. في عام 1950م تخرج من معهد غوركي للآداب. صدر أول ديوان له عام 1943م. كما صدرت له ملحمتا حوار مع أبي 1953م والبنت الجبلية 1958م ودواوين عام ولدت فيه 1950م و النجوم العالية 1962م وكتابات 1963م ونجم يحدث نجماً 1964م والسمراء 1966م ومسبحة السنين 1973م. كما نظم قصة شعرية بعنوان داغستان بلدي. ويتميز شعر حمزاتوف المكرس لحياة داغستان المعاصرة بالصبغة القومية الساطعة والنزعة الغنائية. في عام 1959م منح حمزاتوف لقب شاعر الشعب في داغستان. كما منح جائزة لينين, وأصبح منذ عام 1974م شاعر وبطل الاشتراكية والعمال. ورأس نقابة الكتاب في داغستان 50 عام وبقي رئيساً لها حتى وفاته.

إن الإنسان في حاجة إلى عامين ليتعلم الكلام وإلى ستين عامًا ليتعلم الصمت، وأنا لست ابن عامين ولا ابن ستين عامًا.. أنا في نصف الطريق، ومع ذلك فيخيل إلي أني أقرب إلى الستين؛ لأن الكلمات التي لم أقلها أغلى على قلبي من كل الكلمات التي قلتها".

رسول حمزاتوف هو قائل هذه الكلمات أو هي التي قالته!! فلا تقديم لهذا الرجل أفضل من كلماته. إنه شاعر من داغستان؛ أرض الجبال التي صهرت كل شيء، فلم يعد هناك فرق بين الحبيبة والوطن، ولا بين النشيد الوطني ونشيد العاطفة والنفس.

يقول حمزاتوف: ".. نحن لا نملك إلا حياة واحدة، ولو كان لنا أكثر من حياة لأمكنني أن أزرع حبي حتى يعم الجميع.. يكفيني أن يظل حبي حيًّا في كل قصائدي.. لم يعد أمامي الكثير من الوقت لأكتب عن التفاهات".

لم يكن الحب عند حمزاتوف مقصورًا على معنى دون غيره بل اتسع ليطال الجميع؛ فلا الأوطان وحدها تستحق الحب، كما أن المرأة ليست الوحيدة التي نكتب أشعارنا من أجلها.. لقد أحب حمزاتوف الصديقَ، ورأى فيه مصدرًا للدفء والقوة.. يقول رسول: "إذا شد صديق طيب على يدك فإن يدك لا تذوب في يده بل تصبح أكثر دفئًا وقوة".

لقد تعدى الحب عند حمزاتوف كل قوانين الوجود؛ فأصبح قادرًا على حب من لا يعرفهم ومن لم ير وجوههم.

كتب حمزاتوف قصيدة حب إلى المسافر الغريب وإلى الضيف الذي لا يعرفه .

هكذا كان رسول حمزاتوف الذي رحل عن عالمنا عام 2003م يحمل أغنيته معه أينما ذهب‚ ويوصي كل إنسان بأن يحمل أغنيته معه أينما ذهب‚ فحملها ليس ثقيلا‚ أما الأغنية فهي الوطن الذي يغسل ندى صباحه البارد أقدام المتعبين‚ وتغسل مياه أنهاره وسواقيه وجوه أبنائه‚ الأغنية هي الإنسان‚ ينشدها شاعر يشعر بمسؤولية‚ ليس عن بلده فقط وإنما عن كل شبر من الأرض يعيش عليه إنسان في هذا الكوكب‚ فالشعر كامن في قلوب كل البشر‚ «نعم ‚‚ نحن جميعا شعراء‚ بعضنا ينظم الشعر لأنه يعرف كيف ينظمه‚ وبعضنا ينظمه لأنه يظن أنه يستطيع‚ وبعضنا لا ينظم الشعر على الاطلاق ‚‚ ومن يدري؟ فلعل هذه الزمرة الأخيرة أن يكونوا فعلا هم الشعراء حقا.

توفي رسول حمزاتوف - الشاعر الذي عاش أشهر من وطنه وكان وطنه الصغير "داغستان " الواقع في القوقاز بجنوب روسيا ينسب إليه، فيقال في العالم " داغستان حمزاتوف ". ومع ذلك لم يعشق حمزاتوف أرضاً كما عشق أرض بلاده الصغيرة الجبلية التي فتحها العرب في القرن السابع وظلت الثقافة العربية تسودها نحو ألف عام. يقول حمزاتوف في إحدى قصائده عن بلده التي لا يزيد تعداد سكانها عن مليوني نسمة:

" نجوم كثيرة .. وقمر واحد ..

نساء كثيرات .. وأم واحدة ..

بلاد كثيرة .. ووطن واحد " .

ولد حمزاتوف عام 1923م في قرية بين أحضان الجبال ، وكان والده شاعرا ينظم الشعر باللغة العربية وباللغة " الآفارية " القومية . ويروي أن والده كان يكتب كل قصائد الغزل في النساء الأخريات باللغة العربية لكي لا تفهمها أمه إذا عثرت عليها. ورث حمزاتوف عن أبيه موهبة شعرية خارقة استوعبت كل أساطير الجبال العملاقة وبساطتها وحكمتها.

ومكنته دراسة الأدب في موسكو من الإلمام بتراث الشعر العالمي وقوالبه فصب فيه خبرته الخاصة التي لا تتكرر، دون أن يفقد بكارة تجربة بلاده، ولا تاريخها، ولا صراعها الذي دام ضد القياصرة ثلاثين عاماً متصلة كانت الرصاصة خلالها أعز على القوقازي من جرعة الماء ورغيف الخبز.

ولمع اسم حمزاتوف مع صدور أول ديوان له عام 1943م، ثم واصل اسمه رحلة الصعود، إلي أن حصل على جوائز دولية وسوفيتية عديدة وترجمت قصائده ودواوينه وكتبه التي تربو على الأربعين كتابا إلي أغلب لغات العالم.

وبعد أن تفكك الاتحاد السوفييتي، وقف حمزاتوف يدافع عن نفسه وتاريخه قائلا : " لم تكن قصائدي عضوا في الح** الشيوعي " . وفضل في سنواته الأخيرة أن يقيم في محج قلعة عاصمة بلده داغستان في بيت صغير من طابقين مع زوجته فاطمة. وكان أبناء وطنه إذا اقتربوا من الشوارع المحيطة ببيت حمزاتوف يشرعون في الحديث بصوت منخفض، فإذا ارتفع صوت أحدهم. نهره الآخر قائلا: نحن بالقرب من بيت الشاعر.

رحل حمزاتوف عن عمر يناهز الثمانين عاما. وكان يبدو أنه شخص لا يرحل، أو لا يجوز أن يرحل، أو لا يصح أن يرحل، لأن رحيله يحدث خللا شديدا في موازين الخير والشر في العالم .

في سنواته الأخيرة توفيت زوجته فاطمة، وكانت سيدة جميلة ورقيقة. وتزايدت عليه وطأة مرض عصبي كالشلل الرعاش، ولكنه لم يفقد روح المرح والحكمة والنبل. في آخر حديث له قال: (ظهرت لدينا في روسيا الآن ما يسمى بالسوق، ودخلنا مرحلة من حرية الجوع الوحشية أصبحت فيها أسعار الطماطم أغلى من البشر، وأصبح ممكنا شراء كل شيء في روسيا: الضمير والبطولة، الموهبة والجمال، الشعر والموسيقى، الأرض والأمومة أحيانا. وقد بدل الكثيرون من مواقفهم. ربما يمكن للمرء أن يبدل قبعته، ولكن لا يمكن لشخص شريف أن يبدل رأسه).

توفي الشاعر الذي كان يسخر من كل أشكال العظمة قائلا: "الحمد لله لا أحد يقول لي إنني عبقري لأن العباقرة هم أولئك الذين يفعلون ما يعجز الناس عن فعله " وقبل أن يموت بأيام قليلة قال حمزاتوف : " حياتي مسودة كنت أتمنى لو أن لدي الوقت لتصحيحها " . ترى كم من البشر يتاح له أن يحيا مسودة عظيمة كتلك كل لحظة فيها شعرا خالصا ومحبة للعالم ..