فيصل الأول

فيصل الأول

(1883 – 1933)

جاسم محمد صالح - باحث ومؤرخ

[email protected]

ولد فيصل الاول سنه 1883 في مدينه الطائف وهو ثالث أنجال الشريف حسين , اما الرابع فهو الامير زيد (من زوجته التركية) ‘ وأم فيصل الاول هي الشريفه : ( عبديه) ابنه الشريف عبدالله بن محمد بن عون ‘ وأخواله هم : الشريف هاشم والشريف حازم والشريف سالم  .

لقد بدأت علائم الذكاء والنبوغ عليه منذ طفولته , وكان أكثر أخوته ذكاء وتميزا , وقد عاش مع عشائر العبادله وعتيبة سبعه أعوام تعلم خلالها أخلاق البادية وطبائعها .

درس فيصل الابتدائية مع أخويه (علي) و(عبدالله) , حيث تعلموا اللغة التركية قراءة وكتابة ... وفي عام 1896م سافر مع والده الشريف حسين الى الاستانه بدعوة من السلطان العثماني عبد الحميد ، وأقام الجميع في قصر العدالة في الاستانه إقامة جبرية قرابة خمسة عشر عاما ... وهنالك درّسه المدرس: (صفوت العوا) احد أساتذة المدرسة الحربية في الاستانه مع الأميرين : (علي) و (عبدالله) , حيث أتقن بتفوق اللغتين التركية والانكليزية وبعضا من اللغة الفرنسية, وبعد عودته مع والده الى مكة في عام 1908 وتحديدا بعد  مجيء حزب الاتحاد والترقي عينه والده قائدا للسرايا العربية التي تقوم بقمع القبائل العربية المتمردة على السلطة العثمانية, حيث أدّى فيصل واجبه بشكل متميز, وفي سنه 1909 اُختير فيصل نائبا في البرلمان العثماني ممثلا عن مدينة جده .

اشترك فيصل مع القوات التركية سنه 1910 م في محاربه المتمردين في جنوب الجزيرة العربية وتمكن من القضاء على ثوره ( إمام عسير ) في مدينه (أبها) وطرده منها   .

في سنه 1911 م تمرد( محمد علي الإدريسي) على الدولة العثمانية فاْنتدبه  والده لقمع ثوره ( الإدريسي ) , وعلى اثر هذا الغزو وفي 21/3/1912 م رُزق من زوجته الشريفه ( خزيمة بنت ناصر ) ولدا سماه : ( غازي) تيمنا بالمناسبة وغازي ابنه الوحيد هو الذي أصبح فيما بعد ملكا على العراق بعد أبيه باسم  :    ( غازي الاول ) .

ولشجاعة فيصل المتميزة في الحروب فكثيرا ما كان أخوه عبد الله يسميه ويشبهه (بخالد بن الوليد )  .

فيصل الثاني

 اما أخوه زيد فأنه كثيرا ما كان يعاونه في حروبه ولاسيما في معركة دخول دمشق , وكان زيد في كثير من الأحيان ينوب عن فيصل في حال سفره .

   ا ن كثره سفرات فيصل الى الاستانه ومروره بمصر وفلسطين ولبنان زودته بكثير من المعلومات عن هذه الأمكنة العربية التي مرّ بها وأتيح له فيها المجال لإقامة علاقات شخصيه مع ابرز الرجال الوطنيين والذين جندهم فيما بعد لخدمه الثورة العربية الكبرى ضد المحتلين الأتراك ولاسيما أولائك الضباط العراقيين المتواجدين في الشام .

 فيصل ... والسفاح

لقد صادف إثناء وجود فيصل في دمشق رغبة جمال باشا السفاح بإعدام كوكبة من الوطنيين العرب , لهذا فانه توسط لدى السفاح حاكم دمشق لإطلاق سراح المعتقلين العرب القابعين في سجون الأتراك المحتلين, إلا أن جمال باشا السفاح وهو الحاقد على العرب والكاره لهم لم يستجب لذلك التوسط , حيث كان رده على التوسط بان أعدمهم في ساحة ألمرجه في 6/5/1916 م , وعندها غضب فيصل غضبا شديدا , لكنه كتم ذلك الغضب وقال قولته الشهيرة :

- ( إن العرب لا يمكنهم السكوت عنها ) .

      يذكر أن(فيصل ) بعد هذه الحادثة أمسى حذرا جدا في تعامله مع السفاح حتى لا يثير شكوكه وارتيابه في أمر الثورة العربية التي كان أبوه يتهيأ لإعلانها في الحجاز , وللتمويه عن ذلك قام فيصل بنقل مطالب والده الى العثمانيين حيث جاء في تلك المطالب:

- (ليس للشريف حسين وأولاده او للأسرة الهاشمية أية مطامع في الحجاز, سوى ألمحافظه على تراث العرب وعروبتها من التتريك) .

 علما بان الشك والارتياب بدأا يدبان في نفس جمال باشا السفاح بشكل خاص و القيادة العثمانية في الاستانه بشكل عام .

زار فيصل دمشق في أيلول 1915م ونزل ضيفا على عائلة آل البكري, وبعدها سافر الى الاستانه وإثناء وجوده في دمشق كان يفاوض سرا الوطنيين السوريين في دار السادة البكرية ,حيث أدى يمين الإخلاص لجمعية العربية الفتاة,  حيث كان فيصل معجبا ومؤمنا بأفكارها ومفاهيمها تجاه القضية العربية, علما أن ميثاق دمشق كان قد صدر عن جمعيتي العهد والفتاة  .

على الرغم من توتر العلاقة بين فيصل وجمال باشا السفاح فقد استأذنه فيصل للعودة الى مكة , فوافق جمال باشا على طلب فيصل بالعودة الى مكة , وقد حمل فيصل إثناء عودته الى مكة بنود ميثاق دمشق الى والده الشريف حسين بعد أن استدعاه والده في أوائل من يناير 1916م للتباحث معه في كثير من الأمور لاسيما تلك الأمور التي تهم الثورة العربية وجوانب التهيؤ لها وإعلانها .

 لورنس ... فيصل شخصيه قويه   

  إن فيصل يمتلك مواهب فذة وعقلية نادرة , وهذه الحقيقة أكّدها الجميع وأضافوا لها أن له شخصية قويه جدا , وانه متميز على جميع أبناء الشريف حسين , حيث كان هادئا جدا في إثناء قيادته للمعارك وانه كان يتلقى الأخبار السارة وغير السارة ببشاشة ورحابة صدر, وقد وصفه لورنس في كتابه  : (أعمدة ألحكمة ألسبعة) بأنه : (لم يرَ شخصا خرج من حضرته ناقما او متذمرا) ... وشهادة لورنس هذه وهو الخبير بأمور الجزيرة العربية ومشايخها شهادة يُعتد بها لأنها صدرت عن عقليه متمرسة في معرفه الأذواق والمشاعر والعقليات لدى شيوخ ووجهاء الجزيرة العربية, وفي خضم الأحداث المتلاطمة توجّه فيصل الى القاهرة وعاد مع (سايكس بيكو) الى (جدة) في 18 مايو 1917 على متن الباخرة مع (ولسن) , وقد عاد فيصل الى ميناء ينبع يوم 23 مايو 1917م قبل يوم واحد من عودة والده الشريف حسين الذي عاد في 24 مايو 1917 .

فيصل ... والثورة العربية 

أعلنت الثورة العربية ألشريفية في 5 يونيو 1916 م, حيث أعلنها فيصل وأخوه علي وسط قوه من المتطوعين الذين كانوا سيرسلون لمساعده الأتراك في حروبهم , وبعد خمسة أيام أعلنت الثورة في مكة يوم السبت المصادف 10 يونيو 1916 م , حيث حُوصرت القوات التركية فيها واستسلمت للقوات العربية  في 13 يونيو 1916 .

لقد نجحت الثورة العربية في الاستيلاء على (الوجه) عام 1917م, بعد ان أرسل (فيصل) شيوخ الخويطات الذين كان من أبرزهم الشيخ (عوده ابو قايه) وتبعها سقوط العقبة في 6 يونيو 1917 م بواسطة قوات فيصل الذي كان على إمرتها (الشريف ناصر) , وقد احتل أخوه (زيد) الطفيلية في 13 يناير 1918م وقد أُسندت مهمة احتلال (معان) الى فيصل .

في الاول من سبتمبر 1918 م نقل فيصل مقر قيادته الى (الأزرق) , وفي 7 تشرين الاول 1918 م ألقى فيصل خطابا أعلن فيه تأسيس حكومة عربية في دمشق وعين (علي رضا ألركابي) حاكما عسكريا لدمشق واللواء (شكري الأيوبي) حاكما عسكريا لبيروت وعين (جميل المدفعي) حاكما على عمان و(عبد الحميد الشالجي) قائدا لموقع الشام و (علي جوده الأيوبي) حاكما على حلب , علما ان حكومة فيصل هذه استمرت سنتين وانتهت بخروج فيصل من دمشق بعد سقوطها على يد الجنرال الفرنسي المحتل (غورو).

فيصل ومؤتمر الصلح في فرساي

في أول الأمر لم يرغب فيصل في حضور مؤتمر الصلح في فرساي , إلا انه استجاب أخيرا لرغبة والده فحضر المؤتمر حيث طلب منه والده ان يكون ممثلا للعرب وناطقا بلسانهم فتوجه فيصل الى بيروت في 17 نوفمبر 1918 للتوجه الى مرسيليا على متن باخرة انكليزية .

في نهاية المؤتمر رفض فيصل التوقيع على مقررات المؤتمر , لأنها كانت مجحفة بحق العرب ... ويذكر ان طرادا حمله إثناء توجهه الى ميناء مرسيليا عام 1919 , وعند وصوله الى مرسيليا اخبره الفرنسيون ان لا فائدة من ذهابه الى باريس , فتوجه الى لندن وبعد ذلك عاد الى باريس لحضور المؤتمر وقابل في باريس ( كليمنصو ) وكذلك قابل ( بون كاريه ) الرئيس الفرنسي وبقي في فرنسا حتى عاد الى دمشق بباخرة فرنسيه في 28 اوغسطس بعد ان انعم عليه الجيش الفرنسي بوسام الحرب ... وقد اقترحت لجنه ( كنج كراين ) في 28 اوغسطس 1919 م ان يكون فيصل رئيسا لحكومة سوريه .

المؤتمر السوري ومناداة فيصل ملكا على الشام

في 8 آذار عام 1920 نادى المؤتمر السوري بالأمير فيصل بن الحسين ملكا على سوريا , بعد سلسله من المباحثات المكثفة التي أجراها المؤتمر مع أنصاره وكان أخوه ( زيد) أول المبايعين له على عرش سوريا .

في 16 آذار 1920 قرر المؤتمر الوطني تعيين فيصل ملكا على سوريا , وفي نفس الوقت تقريبا تم تعيين أخيه عبد الله بن الحسين ملكا على العراق , وفي 20 نيسان 1920 دُعي لحضور مؤتمر ( سان ريمو ) , لكن (فيصل) رفض حضور هذا المؤتمر لأنه تصوره كسابقه (مؤتمر فرساي) , الذي رفض التوقيع على مقرراته لأنها برأيه كانت مجحفة بحق العرب .

فيصل والثورة العربية  

اختاره والده الشريف حسين لان يكون قائدا للكتيبة الغربية في الحملة العربية ضد الأتراك في فلسطين وسوريا , فقاتل فيصل الجيش العثماني والذي كان مقره غرب المدينة المنورة وإثناء الثورة العربية الكبرى كان فيصل يقاتل مع أخيه( علي ) القائد التركي ( فخري باشا ) والذي كان يتمركز مع قواته جنوب المدينة المنورة بعد التعزيزات التي أرسلها إليه ( جمال باشا السفاح ) .

عند إعلان الثورة تقدم فيصل مع شقيقه ( علي ) بقوه عسكريه تُقدر بسته آلاف رجل على ( محطة المحيط ) وهنالك اشتبكوا مع الجيش التركي والحقوا به هزيمة نكراء , ثم تقدم بعد ذلك نحو ( الحسا ) حيث دارت رحى معركة رهيبة مع القائد التركي ( فخري باشا ) , بعد ذلك استمر فيصل بالتقدم نحو الشام فاسقط (حوران) و(درعا ) وشهد من قبل معارك (الطفيلية) و(معان) و(وادي موسى) ... ودخل دمشق منتصرا على صهوة جواده في 3 تشرين الاول سنه 1919 م  .

   فيصل .... وغورو   

رفض فيصل الإنذار الذي وجهه إليه الجنرال الفرنسي (غورو) بحل الجيش العربي والمؤسسات الحكومية والتنازل عن العرش , وعلى اثر رفضه هذا قام (غورو) بمهاجمه(دمشق) بوحشيه لا مثيل لها والحق بها أفدح الأضرار مما اضطر فيصل في 25/7/1920 لان يغادر (دمشق) بعد معركة (ميسلون) الشهيرة والتي استشهد فيها وزير حربيته (يوسف العظمة) .

فيصل يغادر سوريا  

بعد أحداث معركة (ميسلون) واحتلال القوات الفرنسية لدمشق غادر فيصل سوريا مضطرا , فاتجه مع حاشيته الى ميناء (حيفا) الفلسطيني حيث مكث فيه بعض الوقت ثم توجه الى (حيفا)ومنها الى (كومو) في ايطاليا ومنها الى(لندن ) في تشرين الثاني 1920 بدعوة خاصة من العائلة البريطانية المالكة, حيث استُقبل هنالك كملك عربي كبير … وفي لندن عرض عليه الانكليز الدعم المباشر للوقوف بوجه التوسع الفرنسي ... وكان الانكليز يبغون من وراء ذلك تحقيق مصالحهم الاستعمارية في المنطقة العربية .

فيصل ومؤتمر القاهرة

 في آذار عام 1921 م عُقد مؤتمر القاهرة الذي حضره (ونستون تشرشل) وزير المستعمرات البريطاني وفيصل , حيث سافر فيصل بعد انفضاض المؤتمر الى مكة حيث مقر والده(الشريف حسين) لإبلاغه بمقررات المؤتمر الذي نصت فيما نصت على تعيين فيصل ملكا على العراق ولأخذ موافقته على ذلك حيث كانت زيارة فيصل من قبلُ الى لندن تمهيدا لهذا التعيين .

فيصل متوجها الى العراق

في 12 حزيران 1921 م غادر فيصل ميناء( جده ) في الحجاز متوجها الى العراق على متن الباخرة (نورث بروك) , وفي الخميس 23/6/1921 م وصل ألبصرة وجاء معه على نفس الباخرة كل من (المستر كرنواليس) و(يوسف السويدي) و (محمد الصدر) و (علي البزر كان) و(محسن ابو الطبيخ) و (نور الياسري) و(هادي المكوطر) و(علي جوده) , حيث استقبلهم (جون فيلبي) ومتصرف البصرة (احمد الصائغ) , وحدث لقاء جاف بين فيصل و(فيلبي) الذي كان لا يؤيد مجيء فيصل وتعيينه ملكا على العراق , وبعدها سافر فيصل بالقطار الى الحلة وزار الكوفة والنجف وكربلاء , ووصل بغداد الأربعاء في 29/6/1921م واستقبله في المحطة (السير برسي كوكس) المندوب السامي البريطاني والجنرال (هولدن) قائد القوات البريطانية في العراق ورئيس الوزراء العراقي المؤقت (السيد عبد الرحمن النقيب) وكان برفقه فيصل من (جدة) الى بغداد مجموعه من ثوار ثوره العشرين الذين ذهبوا الى الحجاز حاملين تواقيع ومضابط عدد كبير من وجهاء العراق وشيوخهم يدعونه فيها للحضور كملك على العراق, باعتباره احد أنجال الشريف حسين.

في 16 تموز 1921 أذاع المندوب السامي البريطاني (السير برسي كوكس) قرار مجلس الوزراء العراقي بمناداة فيصل ملكا على العراق في ظل حكومة دستوريه نيابيه , وفي 23 آب 1921 المصادف 18 من ذي الحجة 1339هـ  توج الملك فيصل ملكا على العراق باسم (الملك فيصل الاول) بعد تصويت حصل فيه على نسبه 97 % … وصادف تتويجه يوم الغدير حيث عُزف السلام الملكي البريطاني (يحيا الملك),لأنه في ذلك الوقت لم يكن سلام ملكي دولة العراق , واختير العلم العربي الحجازي (علم الثورة العربية) علما مؤقتا للعراق للفترة من 29/6/1921 الى آب 1924 , حيث استبدل بالعلم الملكي الجديد الذي أُدخلت فيه نجمتان سباعيتان , وقد القى (محمود النقيب) اكبر أنجال (عبد الرحمن) النقيب رئيس وزراء العراق دعاء موجزا بعد تعيين فيصل , علما انه فيما بعد ساءت العلاقة وبدأت روح عدم الاطمئنان بين فيصل الاول وعبد الرحمن النقيب , لان فيصل كانت له قناعه تامة بان( النقيب ) له مطامع بعرش العراق وانه منافس له, علما أن (النقيب)هو الآخر غير مرتاح لقدوم فيصل الأول , حاله حال (جون فيلبي) مستشار وزارة الخارجية البريطانية , حيث كان هو الآخر غير مرتاح لقدوم فيصل الاول وتعيينه ملكا على العراق ,لان فيلبي كان يدعو الى نظام جمهوري… والجدير بالذكر ان السيد ( كورنواليس ) هو أول من عرض على فيصل عرش العراق باسم الحكومة البريطانية في لقاء شخصي تم بينهما في فندق (هايد بارك) , فتردد فيصل بقبول ذلك العرش باعتبار ان أخاه عبد الله كان مرشحا لعرش العراق , لكن الانكليز وعدوه بترضية عبد الله في حاله قبوله .

انبثاق ألدولة العراقية

 

في 23 آب 1921م انبثقت الدولة العراقية وجرى العمل الحثيث على تقويه أركانها, ففي 27 كانون الاول 1921م وبناء على توصية مباشرة من فيصل الأول تم اعتبار اللغة العربية لغة رسمية في دوائر ألدولة العراقية , وفي 16 تموز 1925 م تم افتتاح أول مجلس امة عراقي , وفي 2 آب 1924 م شُرع القانون الأساسي الذي اقره المجلس التأسيسي في 20/7/ 1924 وتم نشره  في 21/3/1925م , وفي 16 تموز 1925 شارك الملك فيصل الاول في افتتاح  مجلس الامة ببزه عسكريه حيث حمل سيفا ذهبيا وأُطلقت له تكريما في هذه المناسبة (101) إطلاقه .

في ذلك الوقت لم يكن هناك ولي للعهد , فحينما مرض فيصل الاول في آب 1922م قام بأعماله المندوب السامي البريطاني السير( برسي كوكس) , وفي 20 أيلول 1924م سافرت الى عمان ثلاثة وفود تمثل البلاط والحكومة والشعب لغرض مرافقه سمو الامير غازي الى العراق  بعد تعيينه وليا للعهد , حيث وصل بغداد في 25 تشرين الاول 1924م وعُين العقيد (طه الهاشمي) لتربيته وتعليمه,           ولقد واجه فيصل الاول إثناء حكمه عده مشاكل أمنيه من أهمها :

1- قضيه الموصل

2- غارات الأخوان على العراق

وكان هناك منافسون لفيصل على عرش العراق كان من أبرزهم : (طالب النقيب ، عبدا لرحمن النقيب ، الشيخ خزعل ( شيخ المحمرة ) ، الامير برهان الدين (احد سلاطين آل عثمان) ، هادي العربي( الذي كان (ارنولد ولسن) يسانده من خلال استفتاء عام 1919م , لكنه بقي في تركيا وساهم في عده وزارات عثمانيه )، أنصار أخيه عبد الله بن الحسين ، الأمير سعيد الجزائري( الذي  سافر إليه وفد عراقي لمفاتحته على عرش سوريا )… وآخرون , ولكن( فيصل الاول) بذكائه المعروف عنه وبحنكته السياسية استطاع أن يجلس على عرش العراق في سنه 1921 م ( وستكون لنا دراسة مفصله في هذا الموضوع ) .  

لقد عمل فيصل ما بوسعه لإعادة الحرية والاستقلال الى العراق , لهذا فان جهوده الحثيثة أسفرت عن إنهاء الانتداب البريطاني على العراق في 3 تشرين الاول 1932م  .

فيصل يرفض الانتداب

لم يرضَ فيصل الاول عن الانتداب البريطاني وهيمنة الانكليز على مقدرات العراق, ففاوض الانكليز عام 1927 في بغداد لإنهاء هذا الانتداب , كما انه في الوقت نفسه رفض رفضا قاطعا تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين , مما أثار نقمه الانكليز عليه .

يُذكر عن فيصل الاول انه عندما انتحر المرحوم (عبد المحسن السعدون) رئيس وزراء العراق في 13 تشرين الثاني عام 1929 م,أسرع فيصل ليلة الانتحار الى دار السعدون ووقف على جثمانه وقال :

- ( لقد خسرتُك وخسرتْكَ البلاد )  .

المشاكل واجهت فيصل في العراق

لقد واجه فيصل الاول إثناء حكمه للعراق كثيرا من المشاكل بدءا بالمشكلة ألاقتصاديه التي عصفت بالعراق في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي ومن أهم تلك المشاكل :-

1-  6 أيلول 1930 : حدثت اضطرابات كردية في السليمانية بقياده الشيخ محمود وأرسلت قوات كثيرة الى السليمانية تمكنت من محاصره الشيخ محمود واستسلامه في بنجوين 13 أيار 1931  .

2-   كانون الاول 1931 : باغت احمد البارزاني قائمقام الزيبار وأسَرَه مع مجموعه من الشرطة وموظفي الدولة, وفي 12 كانون الثاني 1932 تم إجراء تطهير للمنطقة والقضاء على تمرد احمد البارزاني .

3-    تموز 1931   :  قامت الأحزاب العراقية بإضراب عامٍ في بغداد وشمل كل العراق احتجاجا على التدخل البريطاني في شؤون العراق , وكان ذلك الإضراب مرافقا للازمة الاقتصادية التي عصفت بالعراق .

4-   حزيران 1932 :  تمرد الجنود الاثوريون العاملون في خدمه الجيش الانكليزي وانضووا تحت لواء زعيمهم الديني( مار شمعون) حيث تمكن الملك فيصل الأول و بواسطة ولي عهده (غازي) و( القائد بكر صدقي) من إخماد هذا التمرد الذي جاء بمساعدة الانكليز والفرنسيين.

 فيصل وعلاقاته مع دول الجوار

ان الحنكة السياسية التي جُبل عليها فيصل الاول منذ ان كان أميرا في الحجاز تحت إمرة والده الشريف حسين جعلته يفكر جديا في بناء علاقات جيده ووطيدة مع دول الجوار, بغض النظر عن توجهات تلك الدول , حيث انه في شباط 1921م ابرق الى(عبد العزيز آل سعود) والى إمام اليمن (يحيى حميد الدين) والى أخيه (عبد الله بن الحسين) أمير شرقي الأردن طالبا منهم عقد معاهدات صلح وصداقه بين دولهم والعراق , تضمن السلام وحسن الجوار بين الجميع ... وفعلا كان له ما أراد.

· في 25/3/1931م عُقدت في (عَمان) معاهدة صداقه وحسن جوار مع الأردن .

· في 7 نيسان 1931 عُقدت معاهده صداقه مع السعودية وقعها الأمير فيصل آل سعود ( نائب الملك ) وقتها .

· في 10 أيار 1931 تم توقيع معاهده صداقة مع (اليمن).

وعلى نفس النهج فقد قبل جلالته دعوة الرئيس التركي (كمال أتاتورك) وزار تركيا في 6/7/1931 وبقي فيها عشره أيام .

·   في 15/7/1931 توجه من (أنقرة) لزيارة (استانبول) ومنها توجه الى( فينا)عاصمة النمسا , ومنها توجه الى (باريس) حيث عاد الى بغداد في 29/9/1931م .

· في اليومين التاسع والعاشر من كانون الاول 1932عُقدت معاهدة صداقه بين العراق وتركيا .

 اما بالنسبة لإيران فان طبيعة تحسين العلاقات معها قد شابها نوع من التعثر لكثير من الاعتبارات , لان إيران وطيلة ثمان سنوات رفضت الاعتراف بالدولة العراقية الفتية وأبقت علاقاتها مع المندوب السامي فيما يتعلق بشؤون العراق , ولكن في 1 نيسان 1925م حدث نوع من التغيير باتجاه إنشاء علاقات ودية بين الطرفين , فرد على التهنئة التي بعثها إليه الشاه ( رضا بهلوي) بتهنئة, وبعث رسالة شخصيه الى ( رضا شاه ) بواسطة ( رستم حيدر ) رئيس الديوان الملكي .

· في 25 نيسان 1929 اعترفت دولة إيران بالعراق رسميا حيث دعا      ( رضا شاه ) الملكَ فيصلَ الأول لزيارة إيران  …فتوجه فيصل الاول الى هناك ملبيا الدعوة.

 سفر الملك وموته الغامض

سافر الملك فيصل الاول الى (برن) في سويسرا في 1/9/1933م للعلاج ولكنه بعد سبعه أيام أُعلن عن وفاته وكانت بريطانيا وراء عمليه قتل فيصل الاول خِلسة وبشكل دقيق ومدروس , لأنه أصبح يشكل خطرا على مصالحها ألاستعماريه في المنطقة ولاسيما في العراق وفلسطين ,حيث دست له السم مع العلاج بواسطة فتاة باكستانية , مما أدى الى وفاته بسرعة .

الصحف العراقية  ... بريطانيا هي القاتل 

اتهمت الصحف العراقية وقتها بريطانيا بأنها هي التي قتلته وأنها كانت وراء عمليه الاغتيال المبطنة, حيث كانت وفاته في برن في الساعة 11.45 من مساء الخميس وعمره لا يتجاوز 49عاما… وعلى الفور حُنطت جثته وأُرسلت الى ايطاليا ومنها الى ميناء حيفا ومنه الى (عكا) ومنها الى مدينه الرطبة العراقية عن طريق الجو… والى بغداد حيث وصلت بغداد في 15 أيلول 1933م , أي بعد ثمانية أيام من عمليه الوفاة المدبرة على أيدي عملاء بريطانيا في سويسرا ... ووقتها هاج الناس وأكدوا بان (فيصل الأول ) مات مسموما ودُفن في المقبرة الملكية في بغداد , وكان المشيعون يرددون إثناء التشييع :

 ( ساعة يا لندن مرهونة)

( يا سفينة التايههْ وطَْرَهْ الفلكْ       انغدرْ فيصل, يا غريبْ اذكرْ هَلَكْ )

الأسباب التي كانت وراء قتل فيصل الاول   

ان هناك كثيرا من الأسباب التي دعت الانكليز لكي يتخلصوا من فيصل الاول منها:

* انه ملك ذو شخصيه قويه ويرفض الانصياع لأوامر الانكليز وسياستهم .

* انه ملك وطني يحب شعبه ووطنه وأمته وانه غير مستعد للتفريط بأي حق من تلك الحقوق .

*انه كان يعادي التوسع الصهيوني في فلسطين وكذلك التغلغل اليهودي في العراق .

*  انه التقى بالشاه الإيراني ( رضا بهلوي ) … وانه ربما عرض عليه كثيرا من أفكاره أعلاه , حيث قام ( رضا بهلوي) وعلى الأرجح بإيصال تلك الأفكار والتطلعات التي تخص العراق والمنطقة الى أسياده الانكليز ,مما دعاهم  لان يعجلوا بتنفيذ خطة التخلص منه , وكان سفر فيصل الأول بعدها الى سويسرا للعلاج فرصة ذهبية لتنفيذ تلك الخطة .

ان عمود نسب فيصل الاول هو :

فيصل بن الحسين بن علي بن محمد بن (عبد المعين) بن عون بن محسن بن عبدالله بن حسين بن الامير عبدالله ( جد العبادله )... صعودا الى الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي عليهما السلام ).