الداعية الإسلامي الدكتور سعيد رمضان

clip_image002_bb51e.png

الأستاذ سعيد رمضان من مواليد طنطا عام 1926م ومن تلامذة البهي الخولي، ومن المقربين للإمام الشهيد حسن البنا، حيث زوجه كبرى بناته، وهو داعية موفق، وخطيب مفوه، وسياسي محنك، يشد قلوب الجماهير وهو يخطب، ويأخذ بمجامع القلوب في أحاديثه الروحية بالكتائب والأسر، كما كان له دور فاعل ومؤثر في أوساط الفلسطينيين، الذين وجدوا فيه الصورة الصادقة للأخ المسلم، الذي تسمو عنده رابطة العقيدة والدين على رابطة الجنس والطين، ويعيش للإسلام جندياً من الجنود في أي موقع كان.

تولى إدارة مجلة "الشهاب" الشهرية التي أصدرها الإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله – عام 1948م، وقد شارك في حرب فلسطين مع كتائب الإخوان المسلمين، وكان من قادتها في منطقة صور باهر والقدس، ثم غادرها بعد الهدنة حين أجبرت الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا الجيوش العربية على إلقاء السلاح وإيقاف الحرب والانسحاب من فلسطين، وتركها لقمة سائغة لليهود، يعيثون فيها فساداً، يقتلون أهاليها ويخربون بيوتهم، ويقيمون المجازر الدموية لشعب فلسطين، الذي خذله الحكام العرب، ومُنعت الشعوب الإسلامية من الوقوف بجانبه والمساهمة في الدفاع معه عن ارض المقدسات، ارض الإسراء والمعراج، حيث قام الجيش المصري بأوامر من فاروق باعتقال المجاهدين من الإخوان المسلمين، وقد ذاق اليهود الأمرين من الجهاد البطولي للإخوان المسلمين الذين كانوا يقتحمون على اليهود حصونهم ويلقون بأنفسهم في خنادقهم ويقتلونهم بالسلاح الأبيض، حتى فرّ اليهود من كل موقع للإخوان فيه وجود، واستغاثوا بالإنجليز ليحموهم من هؤلاء المجاهدين الذين لا يخافون الموت ولا يُبالون باليهود ولا بأسلحتهم الفتاكة، بل يتسابقون إلى الشهادة، وكم من معاقل لليهود سقطت بأيدي الإخوان المسلمين، وكم من معارك فرّ منها اليهود كالأرانب أمام كتائب الإخوان المسلمين الفدائية، وكم من معارك شرسة خسر فيها اليهود المئات من قواتهم، بل كان الإخوان المسلمون يحررون الجيوش العربية التي تقع في أسر اليهود، وما موقعة التبة 86، والفالوجة التي خسر فيها الجيش المصري، ووقع ضباطه فيها أسرى بين اليهود إلا مأثرة من مآثر الإخوان المسلمين.

توجه إلى بغداد عام 1949م عائداً من فلسطين، حيث كانت الحكومة العميلة بمصر تطالب باعتقاله، وقد استقبله الإخوان المسمون في العراق أحسن استقبال بما يجب نحوه، كأخ مسلم مجاهد، وداعية من دعاة الإخوان المسلمين، حيث تصدوا للحكومة العراقية التي كانت تريد تسليمه لمصر بناء على طلب حكومتها، واستقر الرأي على أن يغادر العراق إلى باكستان، حيث وافقت حكومة العراق على عدم تسليمه لمصر، على أن يغادرها بأقرب وقت فقرر الإخوان المسلمون في العراق تأمين سفره، وكان السفر إلى باكستان من مطار البصرة الدولي آنذاك.

وبعد أن بات ليلة أو ليلتين في فندق المطار بالبصرة، غادر إلى باكستان، مودعاً من جماهير غفيرة من الإخوان المسلمين احتشدت بالمطار.

تنقل في بلاد عربية كثيرة، وكان للمغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود موقف كريم نبيل، حيث رحب به وآواه وأصدر له جواز سفر خاصاً يتنقل به حيث شاء بعد إسقاط الجنسية المصرية عنه ومحاولة خطفه واغتياله من المخابرات.

وقد ساهم د. سعيد رمضان في تأسيس رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، كما كان الأمين العام للمؤتمر الإسلامي للقدس، وأسس المركز الإسلامي في جنيف، وواصل إصدار مجلة "المسلمون" كبديل لمجلة "الشهاب" واستمراراً لها، وشارك في العمل الإسلامي على الساحة الإسلامية الواسعة، واستقطب الكثير من العلماء والمفكرين من أنحاء العالم أمثال د. محمد ناصر، والسيد أبي الحسن الندوي، والسيد أبي الأعلى المودودي، ود. محمد حميد الله، ود. مصطفى السباعي، ومصطفى الزرقا، ومحمد المبارك، ومعروف الدواليبي، ومحمد أسد، وحيدر بامات، وعليم الله الصديقي، ود. زكي علي، ومحمود بوزوزو، وعلال الفاسي، وكامل الشريف، وعبد الله كنون، ومحمد أبي زهرة، ومحمد يوسف موسى، وغيرهم.

حتى كانت مجلة "المسلمون" أرقى مجلة إسلامية شهرية في الخمسينيات والستينيات، تستقطب جماهير المسلمين في جميع أنحاء العالم، ويكتب فهيا أساطين العلم وقادة الفكر، وكبار الدعاة والزعماء المصلحين، وينتظر المسلمون صدورها بفارغ الصبر، وقد صدرت بسورية فترة من الزمن بإشراف الدكتور مصطفى السباعي – المراقب العام للإخوان المسلمين بسورية – ثم في جنيف بإشراف د. سعيد رمضان.

إن الأستاذ د. سعيد رمضان داعية مرهف الإحساس، كريم الطباع، جياش العاطفة، ويتفانى في الإخوة الروحية، يبكي ويُبكي إذا تحدث أو خطب، أو حاضر، أو ناظر، ويرجع عن الخطأ إذا عوتب، ويستسمح إخوانه، ولا يحمل الحقد ولا الضغينة لمسلم، بل يؤثر الاعتزال إذا ما أخطأ معه أحد ولا يعاتبه أو يحاسبه على إساءته له.

عاش معظم حياته في المهجر، وأبى العودة إلى وطنه مصر، لأنه وجد في الحكام المتعاقبين نسخاً مكررة للطغاة، وإن تفاوتت مراتب طغيانهم، وآثر العيش في ديار الغرب أواخر أيامه مع زوجه وأولاده، وتفرغ للقراءة والكتابة، ووجد من زوجنه "أم أيمن" ابنة الإمام الشهيد حسن البنا، خير السند والمعين – بعد الله – مما خفف عنه غربته، وأعانته على تنشئة أولاده، وواجه فيها محنة الجحود والنكران من بعض من أحسن إليهم، ووقف إلى جانبهم وساعدهم.

وكان إلى جانب كونه داعية موفقاً وخطيباً مصقعاً، ومحاضراً ناجحاً، يغوص في أمهات المسائل العلمية السامية للكون والإنسان والحياة، لقد كان الأستاذ "أبو أيمن" رحمه الله محبوباً من جماهير الإخوان المسلمين، وبخاصة الشباب، وله في كل قطر إخوان وخلان يذكرونه بخير، ويحبونه غاية الحب، ويدعون له لأنه من أسباب هدايتهم إلى طريق الحق والخير.

وعن دور الأستاذ سعيد رمضان في القضية الفلسطينية وجهاد الإخوان المسلمين البطولي فيها منذ سنوات طويلة، يقول الأستاذ كامل الشريف في كتابة القيم "الإخوان المسلمون في حرب فلسطين":

(.... حين وضحت نيات الحكومة البريطانية وسياستها في فلسطين، أخذ الإخوان المسلمون يعقدون المؤتمرات تباعاً، ويبينون للشعوب والحكومات حقيقة هذا الخطر الذي يهدد كيانهم ومستقبلهم، حتى نجحوا في إشراك العالم الإسلامي كله في هذه القضية، وباتت قضية فلسطين والعرب لا قضية أهل فلسطين وحدهم، وحين قامت القلاقل في فلسطين اخذوا يمدون المجاهدين الفلسطينيين بما يقع تحت أيديهم من مال أو سلاح، حتى نجح الإخوان في تسلل عدد من شبابهم للالتحاق بثورة الشيخ عز الدين القسام عام 1934م، وثورة 1936م، وبخاصة في المناطق الشمالية، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، اخذ الإخوان المسلمون يعملون للقضية الفلسطينية عملاً ايجابيا فأرسلوا وفوداً لتدريب الفلسطينيين تدريباً سرياً، ولقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد، حتى أصبحت شُعب الإخوان ومراكزهم ودورهم هي مراكز القيادة وساحات التدريب، ولا يزال أهل فلسطين الأوفياء يحمدون للداعية الإسلامي سعيد رمضان موقفه الكريمة وأثره البالغ في توجيه الشباب العربي وجهة صالحة، ويذكرون بالفخار والإكبار جهوده وجهود إخوانه الأساتذة عبد الرحمن الساعاتي، وعبد المعز عبد الستار، وعبد العزيز أحمد، وغيرهم من كرام دعاة الإخوان المسلمين ومدربيهم).

توفي الدكتور سعيد رمضان يوم 5 آب 1995م، وكان يتمنى أن يدفن بالبقيع بالمدينة المنورة، ولكنه دفن بمصر التي لم يدخلها منذ خرج منها عام 1954م.

وسوم: العدد 877