قصة إسلام القس انسيلم ترميدا

قصة إسلام القس انسيلم ترميدا صاحب كتاب

(تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب )

(2-2)

موسى بن سليمان السويداء / السعودية

[email protected]

تتمه لم سبق وفي هذا الفصل قصته مع أحد أصحابه القساوسة السابقين يطلب منه العودة إلى النصرانية !

قال عبد الله الترجمان :

[ فيما أتفق لي في أيام مولانا أبي العباس أحمد وولده مولانا أبي فارس عبد العزيز ]

وبعد خمسة أشهر من إسلامي قدّمني السلطان لقيادة البحر بالديوان فكان مراده بذلك أن أحفظ اللسان العربي فيه بكثرة ما يتكرّر علي من ترجمة التراجمة بين النصارى والمسلمين فحفظت اللسان العربي في مدة عام وحضرت لعمارة الجنويز ولفرانسيس على مدينة مهدية(1) وكنت أترجم للسلطان ما يرد من كتبهم وارتحلت مع السلطان إلى حصار " قابص "(2) وكنت على خزائنه ثم إلى حصار " قفصة "(3) وفيه ابتدأ مرضه الذي مات فيه ثالث شهر شعبان عام ستة وتسعين وسبع مئة .

 ثم تولى الخلافة بعده ولده مولانا أمير المؤمنين وناصر الدين أبو فارس عبد العزيز فجدد لي في أيامه بالديوان وأنا قائد البحر والترجمة وأن مركباً قدم موسوقاً بسلاع المسلمين فلما أرسى بالمرسى دخل عليه مركبان من " صقلية " فأخذاه لحينه بعد أن هرب المسلمين منه برقابهم واستولى النصارى على أموالهم فأمر مولانا أبو فارس صاحب ولاية الديوان وشهوده أن يخرجوا إلى حلق الواد ويتحدثوا مع النصارى في فداء أموال المسلمين فخرجوا وطلبوا الأمان لترجمان كان معهم فأمنوه فصعد إليهم لمراكبهم وتحدث معهم في الوزن فغلوا في ذلك ولم يحصل منه شيء وكان قد ورد مع هذا المركب قسيس كبير القدر في " صقلية " وكانت بيني وبينه صداقة كبيرة كأنها أخوّة إذ كنا نطلب العلم معه جميعاً وسمع بإسلامي فصعب عليه فقدم في هذه المراكب ليستدعيني للرجوع إلى دين النصارى ويأخذني بالصداقة التي كانت بيننا .

 فلما أجتمع بالترجمان الذي صعد إليهم للمراكب قال لهُ : ما أسمك ؟ قال : علي , فقال لهُ : يا علي خذ هذا الكتاب وبلّغه للقائد عبد الله قائد البحر عندكم بالديوان وهذا دينار فإذا رددت لي جوابه نعطيك دينار آخر فقبض منه الكتاب والدينار وجاء لحلق الوادي فأخبره بما قال لهُ القسيس وبالكتاب الذي أعطاه وبالدينار الذي أستأجره به فأخذ صاحب الديوان الكتاب وترجمه لهُ بعض التُجّار الجنوبيين فبعث بالأصل والنسخة لمولانا أبي فارس فقرأه ثم بعث إلي فحضرت بين يديه فقال لي : يا عبد الله هذا كتاب وصل من البحر فاقرأهُ وأخبرنا بما فيه فقرأته وضحكت فقال لي ما أضحكك ؟ فقلت لهُ : نصركم الله هذا كتاب مبعوث إلي من قسيس كان من أصدقائي في الأول وأنا أترجمه لكم الآن - إنشاء الله تعالى – .

 فجلست في ناحية وترجمته بالعربية ثم ناولتهُ أي المترجمة فقرأها ثم قال : لأخيه المولى إسماعيل والله العظيم ما ترك منه شيئاً فقلت لهُ : يا مولي وبأي شيء عرفت ذلك قال : بنسخة أخرى ترجمها الجنويّون ثم قال لي : يا عبد الله وماذا عندك أنت في جواب هذا القسيس فقلت يا مولاي الذي عندي ما علمته منّي من كوني أسلمت باختياري ورغبة في دين الحق ولست أجبه إلى شيء مما أشاره إلي قطعاً , فقال لي : قد علمنا صحة إسلامك ولا عندنا فيك شك أصلاً ولكن (( الحرب خدعة ))(4) فأكتب إليه في جوابك أن يأمر صاحب المركب أن يفادي سلع المسلمين ويرخص عليهم وقل لهُ إذا اتفقتم مع تجار المسلمين على سعر معلوم فإني أخرج مع الوزَّان بقصد وزن السلع ثم أهرب إليكم بالليل ففعلت ما أمرني به وأجبت القسيس بهذا ففرح وارخصوا على المسلمين في فداء متاجرهم وخرج الوزَّان مراراً ولم أخرج معه فأيس مني ذلك القسيس فأقلع مركبه وأنصرف إلى خذلان الله .

 وكان نص كتابه أما بعد : " السلام من أخيك فرنصيص القسيس نعرفك أني وصلت إلى هذا البلد برسمك لأحملك معي وأنا اليوم عند صاحب " صقلية "  بمنزلة أن أعزل وأولي وأعطي وأمنع وأمر جميع مملكته بيدي فاسمع مني وأقبل إلي على بركت الله تعالى ولا تخف ضياع مال ولا جاه وغير ذلك فإن عندي من المال والجاه ما يغمر الجميع وأعمل لك كل ما تريد . انتهى ".

              

1/ يقصد أنه كان من جملة المسلمين الذين دافعو عن المهدية عندما حصارها الأسبان ، والمهدية : مدينة بقرب القيروان اختطها المتغلب على تلك البلاد في سنة ثلاثمائة . آثار البلاد وأخبار العباد ، زكريا القزويني , دار صادر بيروت .

2/ قابص أو قابس كما عند الحموي : مدينة بين طرابلس وسفاقس على ساحل البحر .معجم البلدان ، ياقوت الحموي ، حرف القاف .  

3/ قفصة : بلد صغير من ناحية المغرب قريبة من القيروان ، معجم البلدان ، حرف القاف .

4/ هذه العبارة أصلها حديث صحيح رواه مسلم عن عمرو بن العاص وجابر بن عبد الله – رضي الله عنهما - .