طارق الهاشمي

طارق الهاشمي «حرق مراكبه»..

وثبت قدميه في العملية السياسية العراقية

(سياسي الخيارات الصعبة)

مينا العريبي

مع تدهور العلاقة بين الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي و«جبهة التوافق» التي علقت مشاركتها في الحكومة وسحبت وزراءها منها، يبرز دور نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي مجدداً على الساحة السياسية في بغداد، إذ يعتبر الهاشمي ربطة وصل بين «التوافق» التي ينتمي اليها، والحكومة العراقية التي تربطه بأعضائها علاقات وطيدة. إلا ان الوضع السياسي المعقد في العراق، اضافة الى ما يملكه الرجل من قابليات لمواجهة التحديات من جهة، وما يعيقه من ان يصبح ممثلا لكافة الاطياف العراقية من جهة أخرى، يضع عقدا أخرى امام مهمته الصعبة.

ومنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، واجه الهاشمي خيارات صعبة في العراق بعضها كان مصيرياً بالنسبة له ولـ«الحزب الاسلامي» العراقي الذي يتولى أمانته العامة منذ عام 2004. فهناك مواقف سياسية استعدتْ اتخاذه خيارات جلبت له الكثير من الانتقادات والاعداء، لكنه استمر في طريقه وكان جريئاً دوما في اعلان تغيير بعض مواقفه، بناءً على تغير قناعاته. وكان قراره المشاركة في العملية السياسية بحد ذاته صعبا عليه وعلى «الحزب الاسلامي» الذي أعلن رفضه للوجود الاجنبي في العراق. لكن بعدما فرضت المحاصصة الطائفية على النظام السياسي العراقي وباتت المشاركة في العملية السياسية مبنية على أسس التمثيل الطائفي، جعل الحزب الاسلامي وهو اكبر حزب يمثل السنة في العراق، على الاقل العرب منهم، امام خيار صعب لا بد من مواجهته. وعلى الرغم من ان هذا القرار جلب اليه كثيرا من المصائب والمصاعب منها فقده لعدد من افراد عائلته، الا انه اعلنها داوية «ان لا شيء يخيفه» بعد ان حرق مراكبه.. وسيواصل مسيرته السياسية الى النهاية. يحمل الهاشمي هويات سياسية عدة في العراق اليوم، إذ يرأس اكبر حزب في جبهة «التوافق»، وله نفوذ في الجبهة التي باتت تمثل ابرز اقطاب المعارضة غير المسلحة للحكومة، ومن جهة اخرى له علاقات قوية مع كافة الاطياف السياسية في البلاد ويمكنه مواصلة الحوار معها بعد تأزم العلاقات مع قياديين آخرين في الجبهة بموجب منصبه كنائب للرئيس منذ ابريل (نيسان) 2006. ومن اللافت ان في حالات عدة اثناء حديثه مع الصحافيين، يختار الهاشمي ان يتحدث كـ«قيادي في التوافق»، بدلاً من منصبه الرسمي كنائب للرئيس. ويبرر ذلك بأنه يريد ان يكون اكثر حرية في الحديث وتقديم وجهة نظر الناخبين الذين اختاروه نائباً في البرلمان العراقي ودعموا «الحزب الاسلامي» في الانتخابات الاخيرة في العراق. وللهاشمي خصال عدة تجعله متميزاً بين الساسة العراقيين في بغداد اليوم. فهو ينحدر من عائلة سياسية معروفة لها تاريخها في المجال السياسي، فقد كان احد اسلافه وهو ياسين الهاشمي رئيس الوزراء العراقي لفترات متعاقبة حتى عام 1936 طه الهاشمي كان وزير الدفاع مرات عدة ورئيساً للوزراء عام 1941. ولد طارق الهاشمي عام 1942 في محلة البارودية في العاصمة العراقية، القريبة من مقر وزارة الدفاع القديم. ومع تاريخ عائلته في السياسة والمؤسسة العسكرية، التحق الهاشمي بالكلية العسكرية عام 1959 وتخرج منها عام 1962 برتبة «ملازم ثاني». وواصل خدمته في الجيش حتى تركها برتبة مقدم ركن عام 1975. ويمزج الهاشمي بين التاريخ العسكري والولع بالتعليم والثقافة، وقد عمل معلماً في كلية الاركان والقيادة العراقية، بالاضافة الى التحاقه بدورات تدريبية عسكرية في بريطانيا والهند وتشيكوسلوفاكيا السابقة. وقد حصل الهاشمي على الماجستير في العلوم الادارية والعسكرية من كلية الاركان والقيادة عام 1971، ليحصل بعدها على الماجستير في العلوم الاقتصادية من جامعة بغداد عام 1978. وقد اثرت خدمته العسكرية على شخصيته وعمله حتى اليوم، كما انها جعلته من اقوى الاصوات المعارضة لحل الجيش السابق الذي امر به الحاكم المدني الاميركي السابق للعراق بول بريمر. ويطالب الهاشمي حتى اليوم بإعادة وحدات الجيش القديمة الى الخدمة. ومن الصفات الايجابية التي رسخها الجيش في شخصية الهاشمي هي النظام والدقة في عمله وفي حياته الشخصية. قال أحد الموظفين في المكتب الخاص لنائب الرئيس العراقي: «انه نظامي جداً ويحب ان تكون الامور في ترتيبها الصحيح». وأضاف المصدر الذي طلب من «الشرق الاوسط» عدم كشف هويته: «انه يستيقظ من الفجر ويؤدي صلاة الفجر ويمارس الرياضة ويكون في مكتبه من الثامنة والنصف صباحاً وحتى منتصف الليل». ولفت الى ان الهاشمي يلتزم بمواقيت الصلاة وبمواعيده ويحرص على الوقت. ويعاونه في مكتبه بالرئاسة مستشارون عديدون، كل واحد منهم مختص في مجال معين. وتقوم ابنته لبنى بإدارة المكتب الاعلامي له وترافقه في سفره وفي عمله اليومي.

يقول المقربون من الهاشمي إنه تميز عن غيره من الساسة العراقيين في الظروف الراهنة التي عادة ما تدفع الى التعصب الى الطائفة او الدين، بأنه متدين ومنفتح على ثقافات اخرى ويتفهم الرأي الآخر في آن واحد. ويوجد في مكتبه الخاص موظفون يمثلون كافة الاطياف العراقية، فهناك سنة وشعية واكراد ومسيحيون يعملون جنبا الى جنب. وحسب المقربين منه تتميز شخصية نائب الرئيس العراقي بالقوة وله القدرة على إقناع الاخرين والاستماع له، حتى وان لم يتفقوا معه. ولفت المصدر من مكتبه الى ان الهاشمي «رسمي وجدي.. يحب الاستماع الى الآخرين». واضاف انه «منفتح جداً ومتدين من دون ان يكون متزمتاً في آرائه ويسأل آراء الاخرين، حتى الذين يعملون معه». ومعروف عن الهاشمي انه يهوى القراءة ولديه مكتبة واسعة ويحرص على الاطلاع على الكتب الجديدة. وتنعكس طبيعته في التشاور من خلال تفاعله مع الحزب الاسلامي. وقال ممثل الحزب في لندن فريد صبري ان «الهاشمي دائماً يأخذ بالرأي والرأي الاخر.. ويأخذ بمشورة اعضاء الحزب الاسلامي ومجلس الشورى». وأضاف «انه يعمل في كل الساعات ولكن يحدد لكل فترة عملا معينا ولا يحب الفوضى». وعرف عن الهاشمي ايضا طريقته المباشرة في الحديث وطرح القضايا، وهذا سيف ذو حدين، كما يقول المقربون منه، وبسبب هذه الصفة واجه كثيرا من المصاعب والانتقادات خاصة من بعض الساسة العراقيين.

وقال سياسي عراقي، طلب عدم الكشف عن اسمه: «عندما اتحدث الى طارق الهاشمي اعلم بأنني اتحدث مع شخص يمثل آراء جزء من الشعب العراقي، وهو مباشر ولا يخجل في طرح هذه الآراء حتى وان كانت مثيرة». ويعتبر الهاشمي ان قرار حزبه الموافقة على الدستور العراقي من اصعب القرارات السياسية. اذ كانت هناك معارضة واسعة من اوساط سنية وعربية للدستور، لكن الهاشمي أيقن ضرورة المشاركة في وضع الدستور الدائم للبلاد. وكان دور الهاشمي جوهرياً في فرض المادة 142 على الدستور العراقي، التي توصي بتعديله، وهذا ما يجري حالياً، وقد اضيفت هذه الفقرة في اللحظات الاخيرة لضمان موافقة الحزب الاسلامي عليه.

وبعدما كان الهاشمي من ابرز الاصوات المعارضة لوجود القوات المتعددة الجنسية في العراق، اصبح يطالب ببقائها في العراق لحماية الشعب من الميليشيات وفرق الموت التي طالت ايديها أعز المقربين له. واعلن الهاشمي العام الماضي هذا التغيير في نهجه من خلال بيانات «الحزب الاسلامي» ومقابلاته مع المسؤولين والاعلاميين.

كما ان زيارة الهاشمي الى الولايات المتحدة في ديسمبر (كانون الاول) 2006 مهدت لقرار الرئيس الاميركي جورج بوش زيادة عديد القوات الاميركية في العراق. فقد حث الهاشمي مسؤولين وإعلاميين اميركيين، وبعدها بريطانيين، خلال لقاءاته في واشنطن ولندن، زيادة عدد القوات الاجنبية من اجل استقرار الاوضاع في العراق. وقال الهاشمي في لقاءات صحافية عدة حينها ان الحاجة للقوات الاجنبية تأتي من الحاجة للحماية من الميليشيات والمسلحين في العراق. وقد ادت تصريحات الهاشمي المتكررة المعارضة للحكومة العراقية، وخاصة ما يخص قوات الامن واختراق الميليشيات لها، الى صدامات عدة مع رئيس الوزراء نوري المالكي، ادت في بعض الاحيان الى تبادل انتقادات علنية وشخصية من خلال وسائل الاعلام. ولفت سياسي مطلع على العلاقة بين الهاشمي والمالكي ان المشكلة بين الرجلين «عادة تكون شخصية». واوضح السياسي الذي طلب عدم الكشف عن هويته: «المالكي والهاشمي يتشابهان، إذ انهما يأخذان الاختلافات السياسية بشكل شخصي، مما يصعب الامور ويقطع العلاقات الشخصية التي تعيق عودة الامور الى مجراها الاعتيادي». وقال صبري ان الهاشمي حريص على اتباع مسؤولياته ضمن منصبه في الدولة على الرغم من الاختلافات مع الحكومة، موضحاً: «يبقى لدى السيد طارق الهاشمي قاعدة سياسية ودور في ادارة العملية السياسية التي اصبحت دكتاتورية تابعة لرئاسة الوزراء وهذا ما يشغله». ولفت سياسي عراقي الى ان الهاشمي «لن يصبح سياسياً قابلاً على كسب تأييد كل الشعب العراقي لأنه بقي منحصراً في الاطار السني والحزبي وهذا يعيقه من ان يصبح شخصية وطنية للجميع». الا ان هذا الانتقاد قد ينطبق على معظم الساسة في العراق اليوم الذين تخندقوا في الاطار الطائفي والحزبي للحصول على جزء من السلطة في البلاد.

ويتميز الهاشمي بميزة لا توجد لدى العديد من السياسيين البارزين في بغداد، فهو من القلائل الذين عاشوا في العراق في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين ولم يترك العراق خلال سنوات الحصار في التسعينيات من القرن الماضي. وقد عاش مع زوجته التي رافقت دربه منذ عام 1975 واولاده الخمسة، 3 ابناء هم اياد واحمد وابوعبيدة وبنتين، لبنى وسمارة، معه في العراق منذ 1991. وكان بين عام 1978 و1991 في الكويت حيث عمل مديراً عاماً لمنطقة الشرق الاوسط في شركة الملاحة العربية المتحدة ولا يزال يتمتع بعلاقات صداقة مع دولة الكويت. وربما اكثر ما يقرب الهاشمي الى قلوب كثير من العراقيين هو معاناته الشخصية معهم من جراء العنف في البلاد. وهناك غضب خاص والم شخصي في صوت الهاشمي عندما يتحدث عن القتل العشوائي في العراق منذ عام 2003، فقد فقد الهاشمي اثنين من اشقائه واخته جراء هذا العنف الذي طال غالبية العائلات العراقية خلال السنوات الماضية وخاصة منذ سقوط النظام العراقي السابق. وتضاف هذه الاغتيالات الى ما تعرض له «الحزب الاسلامي» من اعتداءات عدة طالت اعضاءه، منهم الشيخ اياد احمد عطيه العزي، عضو المكتب السياسي للحزب، ومسؤول فرع الكرخ الشمالي الحاج جواد احمد الفلاحي، والشيخ عبد الصمد اسماعيل الاعظمي عضو في الحزب منذ 1963.

ويبقى الوقع الاكبر على الهاشمي فقدانه اقرب المقربين له، وهو شقيقه محمود الهاشمي الذي اغتيل في مايو (ايار) 2005 وشقيقته ميسون الهاشمي، وآخرهم شقيقه الثاني عامر الهاشمي، الذي كان فقدانه أكبر صدمة على نائب الرئيس العراقي. وقال احد المقربين من الهاشمي الذين كانوا معه عندما وصله نبأ مقتل شقيقه عامر: «كانت الصدمة الاكبر بالنسبة له، وقد اثرت عليه بشكل خاص ويحمل جرحه معه دوماً». ولكن الاستهداف الشخصي له لم يضعف الهاشمي. وقد ابدى عزيمته في مواصلته عمله السياسي على الرغم من استهداف عائلته في رسائل تهديد واضحة منذ انخراطه في العملية السياسية. وأكد الهاشمي تكراراً ان قراره في المشاركة السياسية بات مصيرياً ولن يتراجع عنه، وان الاغتيالات التي طالت عائلته ستزيد من عزيمته على الاستمرار. وفي رسالة مفتوحة كتبها بعد مقتل اخته ميسون، وجه الهاشمي كلامه الى القاتلين قائلاً: «خاب فألكم، فأنا لست ممن يغيّر قناعاته او يبدّل موقفاً استجابة لإرهاب او ابتزاز، فقد اجمعت أمري وأحرقت مراكبي، وانا ماضٍ في سبيلي متوكلاً على الله وهو حسبي في المصيبة والابتلاء».