الدكتور أحمد العسال الذي عرفته

الدكتور أحمد العسال

الذي عرفته

الدكتور أحمد العسال

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

يرحمه الله فقد كانت صحيفة أحواله نيرة مشرقة في كل مجالات الجهاد والمعرفة .      

وتقول هذه الصحيفة أنه   :

· ولد في 16 مايو 1928 .

· حفظ القرآن كاملا في سن العاشرة  .

· حصل على جائزة الملك فاروق التي خصصها لمن يتم حفظ القرآن كاملا قبل سن الثانية عشرة .

· حاصل على الدكتوراه في أصول الفقه من إنجلترا عام 1968م

· عمل بالجامعة الإسلامية العالَمية بباكستان نائبًا فرئيسًا فمستشارًا .

· متخصص في الثقافة الإسلامية، وله باعٌ طويل في تأليف المناهج الإسلامية .

· له العديد من المؤلفات في مختلف المجالات الإسلامية  .

· وكان قد أسَّس دار الرعاية الإسلامية في إنجلترا .

· كما رافق الدكتور يوسف القرضاوي في الدراسة بالأزهر الشريف .

*********

وفي السطور التالية أسجل ما رأيته بنفسي في الدكتور أحمد العسال على مدى أربع سنوات عشتها معه مدرسا في الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد .

وقبل ذلك أشير إلى معلومة تلزمني بها الأمانة ، وتتلخص فيما دأب عليه الأخ الأستاذ صلاح عبد المقصود  صاحب مركز الإعلام العربي  من تكريم "الشخصيات" ، وأنصف إذ استهل بتكريم أستاذنا الدكتور حسن الشافعي ، وطبعت الكلمات والدراسات التي قيلت في كتاب فاخر ، وكان الدور في التكريم على الدكتور أحمد العسال رحمه الله ، ولكن المرض اشتد به ولم يسمح له بمغادرة الفراش ، فاستبدل الأستاذ صلاح بيومه يوما لتكريمي ، وكان ذلك مساء الثلاثاء 13 من إبريل سنة  2010  .                                                                                       

على أمل أن يشفي الله أستاذنا الدكتور العسال ، فنحتفي به جميعا ، ويكرمه مركز الإعلام العربي  . ولكن يشاء الله أن يجعل تكريمه في دار البقاء  لا  دار الفناء ، ويتغمده برحمته الواسعة ليعيش مكرما في العالم الآخر مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا .

*********

وعايشت الدكتور أحمد العسال في الجامعة الإسلامية في إسلام أباد  كما أشرت آنفا  ، كان رحمه الله نائبا لرئيس الجامعة ، والواقع يقول إنه كان الرئيس الفعلي للجامعة برعايته لها ، وحرصه على إدارتها والنهوض بها على نحو مثالي.

وعاش سنوات الجامعة محبوبا من الجميع : من الأساتذة ، والإداريين ، والطلاب على اختلاف جنسياتهم ، من مصريين وعرب وفلسطينين وأفغان وأسيويين،وغيرهم . وكان يرحمه الله واسع الصدر في الاستماع لأي مشكلة تتعلق بالجامعة ، أو بعلاقة جهاز العمل من أساتذة وإدرايين وطلبة وعمال . وكان دائما يقول ( فلتعلموا أن لكل باب مفتاحا ، والحب هو مفتاح القلوب ) .  لذلك وصف الله المؤمنين بأنهم إخوة  " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " الحجرات 10

وعرض علينا سورة سيدنا رسول الله والمؤمنين في الآية الآتية   "  مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " الفتح (29).  

وكان رحمه الله يتسم بالوعي المتيقظ والذكاء الوقاد ، ولكنه كان يؤمن بالحكمة المعروفة : "  اللبيب من تغافل لا من غفل "  وهو يعني بهذا النهج أن هناك من تافهات الأمور ما يوجب على المسلم    وخصوصا إذا كان في موقع القيادة والداعية   أن يغض النظر عنها لسببين :

الأول : أن إغفالها لن يضر بشيء .

والثاني : أن الوقوف عندها والمحاسبة عليها يهدر الكثير من وقت القيادة الحكيمة .

وفي عهده عاشت الجامعة  بحق    أزهى سنواتها علما وتعليما ، ونشاطا أدبيا وإسلاميا . لأنه كان يؤمن أن الجامعة هي المفْرخ الحقيقي لإنتاج رجل المستقبل،  وربما قادة المستقبل ، وقد قيل لا تسأل عن الطالب ما هو ؟ ، ولكن سل عن الأستاذ من هو ، وما هو ، ويكفي أن الدكتور العسال تعلم على يد الشيخ محمود شلتوت رحمه الله  . وزامل الدكتور القرضاوي في الجهاد الإسلامي .

وكان الدكتور العسال ينعي دائما على " الفقر الفكري والتربوي " الذي تردينا إليه ، ويعترف لأصحاب الفضل بفضلهم ، حتى لو لم يكونوا من ديننا ، ومن حديثه قوله :  حينما ذهبت الى جامعة كامبردج رأيت هناك شيئاًَ مختلفاً تماماً عن جامعتنا فالطالب هناك يختار كل سنة المادة التى يرغب فى دراستها على حسب ما يحب لذلك يتخرج هناك الطالب طالباً حياً وقوياً .

*********

وقد قال لأحد محاوريه في صراحة  :  ليس هناك حل سوى أن يتغير المجتمع ، فاذا كانت البلد فى حالة طوارىء واضطراب ويخيم عليها هذا الذل والخوف فكيف يمكن أن نخلق انساناً مبدعاً طموحاً وهو محروم من ابسط حقوقه وهى الحرية ؟ ولننظر الى حالة المجلس التشريعى ونائب به يطالب باطلاق الرصاص على المتظاهرين ، ولم يحاكم . فالقضية قضية كبيرة وليست صغيرة . ويا ليتهم ينظرون الى عظمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وحكمته فى كل الأمور ، ويتعلمون منه كيف يخلقون أناساً حقيقيين ؛ لأن هذا الجو يفنى المجتمع ولا يبقيه ، ونتيجة كل هذا أن سيطر على الجو الدراسى :  فمدارسنا بأسرها أصبحت مدارس شكلية لأن جميع الطلبة تعتمد على الدروس الخصوصية ، والدولة لا تبالى ولا تفكر فى العلاج ،  فبلادنا حقاً مصابة بالشلل والاستبداد ، والاضطراب الذى تحياه بلدنا بطبيعتهما قاتلين للإبداع والموهبة ، ويخلقون الكبر والرياء ، وفى ظل كل هذه الأجواء الموبوءة لا تنتظر أن تحقق النهضة الحقيقية المرجوة .

وهذه الكلمات تقودنا لأهم ما في منهج الدكتور العسال في الكتابة وهي :

1-     السهولة والوضوح مع التركيز البعيد عن الغموض .

2-  الربط بين أمور الدنيا والدين ، منطلقا من إيمانه بالإسلام دينا شاملا :    فهو دين ودولة وجندية وقيادة ، ومصحف وسيف ، وحكمة وسياسة . وكل أولئك بصمة من بصمات تربيته في الحقل الإخواني ، ومن ناحية أخرى عطاء لمن يوجههم على مستوى الجامعة ، بل مستوى العالم الإسلامي .

  ومن سماته النفسية  كما رأيت   أنه كان متواضعا إلى أقصى حد ، وأذكر أنني لم أسمع منه طوال السنين التي عشتها معه كلمة " أنا " ، بل كان يقول : وإخوانك إن شاء الله سيعملون كذا وكذا ، أو يعزمون على زيارة المكان الفلاني ، وكأنه واحد من الجنود ، لا واحد من القادة في المجاليين الجامعي والإسلامي .

وأذكر أنني ما سمعته مرة يعلي من صوته ، بل كان إذا تكلم كان كلامه كأنه همس ؛ وذلك من فرط أدبه . ومع أنه حصل على الدكتوراة من انجلترا لم نجده يفخر ذات يوم بأنه حصل على مؤهله من الخارج ... من أرقى بلاد أوربا ، إلا في الضرورة القصوى . وهذا يذكرني بمثال النقيض ، وهو أحد أساتذتي بالجامعة في الخمسينيات كان لا يستهل كل محاضرة إلا بقوله متعاليا : أنا أيام ما كنت في ( ... ) ويذكر البلد الأجنبي وأطروحة الدكتوراة التى حصل عليها منه ، كان كل محاضرة يبدؤها بهذا الاستهلال الكريه . وفي إحدى المحاضرات لم يذكر هذا الاستهلال . فهمس طالب ضحوك في أذنه : يا دكتور سيادتك نسيت أن تذكر جامعة ( ... ) .    

وأذكر أنني ما رأيته يوما ثائرا هائجا على أي عضو في الجامعة من أساتذة حتى طلاب . لذلك كانت توجيهاته تتسلل إلى النفس دون شعور بالحرج ، مع الاقتناع الكامل بما يقول .

وكان له اتصالات دائمة مع الدكتور عبد الله عزام رحمه الله الذي تفرغ للجهاد بعد ذلك . وكان آخر لقاء لي مع الدكتور عزام وأنا ألقي محاضرة في الجامعة عن       ( رائد الجهاد الإسلامي ) وكان معه الشيخ الصواف والدكتور أحمد العسال رحمه الله .

ومع هذه الجدية الصادقة في العمل لم يكن الدكتور العسال متزمتا ، ففي أوقات فراغه نذهب إلي مكتبه أنا وبعض الإخوة ، ويسألني عن آخر نكتة ، فأرويها له ( وهي غالبا سياسية ) فيضحك من أعماقه ( ولكن بصوته الهادئ ) ثم أروي له الثانية فيواصل الضحك ويقول للإخوة " حوشوا الجدع ده عني " . والسبب أنه لا يستطيع مواصلة الضحك الذي يأخذ منه مجهودا .   

*********

إن ما ذكرته لا يتعدى أن يكون إضاءات سريعة جدا عما عرفته مباشرة عن أستاذنا الدكتور أحمد العسال ، والمقام يتسع لما هو أكثر بكثير ، ويبقى من أحمد العسال جوانب متعددة سيتناولها من هم أوعى مني من الإخوة والأساتذة مثل :      أحمد العسال في ركب الإخوان  أحمد العسال مفكرا  أحمد العسال وآثاره في الشباب الإسلامي ... الخ .