الكاتب المصري الساخر محمود السعدني

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

محمود السعدني  صحفي وكاتب مصري ساخر يعد من رواد الكتابة الساخرة في الصحافة العربية، شارك في تحرير وتأسيس عدد كبير من الصحف والمجلات العربية في مصر وخارجها، ترأس تحرير مجلة صباح الخير المصرية في الستينات كما شارك في الحياة السياسية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وسجن في عهد أنور السادات بعد إدانته بتهمة الاشتراك في محاولة انقلابية.

أصدر وترأس تحرير (مجلة 23 يوليو) في منفاه في لندن، عاد إلى مصر من منفاه الاختياري سنة 1982م بعد اغتيال السادات وأستقبله الرئيس مبارك، كانت له علاقات بعدد من الحكام العرب مثل معمر القذافي وصدام حسين، اعتزل العمل الصحفي والحياة العامة سنة 2006م بسبب المرض.

ولد السعدني في منطقة الجيزة بالقاهرة الكبرى في 28 شباط عام 1928م. عمل السعدني في بدايات حياته الصحفية في عدد من الجرائد والمجلات الصغيرة التي كانت تصدر في شارع محمد علي بالقاهرة عمل بعدها في مجلة (الكشكول) التي كان يصدرها مأمون الشناوي حتى إغلاقها. ثم عمل بالقطعة ببعض الجرائد مثل جريدة (المصري) لسان حال حزب الوفد وعمل أيضاً في (دار الهلال) كما أصدر مع رسام الكاريكاتير طوغان مجلة هزلية أغلقت بعد أعداد قليلة.

أيد السعدني ثورة يوليو/تموز عام 1952م، وعمل بعد الثورة في جريدة الجمهورية التي أصدرها مجلس قيادة الثورة وكان رئيس مجلس إدارتها أنور السادات ورئيس تحريرها كامل الشناوي. بعد تولي السادات منصب رئاسة البرلمان المصري، تم الاستغناء عن خدمات محمود السعدني من جريدة الثورة أسوة بالعديد من زملائه منهم بيرم التونسي وعبد الرحمن الخميسي.

عمل بعد ذلك في مجلة (روز اليوسف) الأسبوعية مديرًا للتحرير عندما كان إحسان عبد القدوس رئيس التحرير وكانت روز اليوسف حينها مجلة خاصة تملكها فاطمة اليوسف والدة إحسان.

أثناء زيارة صحفية قام بها السعدني إلى سورية قبيل الوحدة بين البلدين، طلب أعضاء الحزب الشيوعي السوري من السعدني توصيل رسالة مغلقة للرئيس جمال عبد الناصر فقام بتسليمها لأنور السادات دون أن يعلم محتواها. وكان في الرسالة تهديدا لعبد الناصر، لذا تم إلقاء القبض عليه وسجن ما يقارب العامين أفرج عنه بعدها فعاد ليعمل في روز اليوسف بعد أن أممت ثم تولى رئاسة تحرير مجلة (صباح الخير).

انضم إلى التنظيم الطليعي، الذي كان مكلفاً برفع تقارير عن معارضي النظام، وكان له في تلك الفترة نفوذ كبير.

عقب وفاة عبد الناصر حدث صراع على السلطة بين الرئيس أنور السادات وعدد من المسؤلين المحسوبين على التيار الناصري مثل شعراوي جمعه وسامي شرف ومحمود فوزي وغيرهم. انتهى الصراع باستقالة هؤلاء المسؤولين واعتقال السادات لهم وتقديمهم للمحاكمة بتهمة محاولة الانقلاب وكان اسم محمود السعدني من ضمن أسماء المشاركين في هذا الانقلاب وتمت محاكمته أمام (محكمة الثورة) وأدين وسجن.

كما يقول محمود السعدني فإن القذافي حاول التوسط له عند السادات إلا أن السادات رفض وساطته وقال (أن السعدني قد أطلق النكات علىّ وعلى أهل بيتي (زوجته جيهان السادات) ويجب أن يتم تأديبه ولكني لن أفرط في عقابه).

بعد قرابة العامين في السجن أفرج عن السعدني ولكن صدر قرار جمهوري بفصله من صباح الخير ومنعه من الكتابة بل ومنع ظهور اسمه في أي جريدة مصرية حتى في صفحة الوفيات. بعد فترة قصير من المعاناة قرر السعدني مغادرة مصر والعمل في الخارج.

غادر السعدني مصر متوجهاً إلى بيروت حيث استطاع الكتابة بصعوبة في جريدة السفير وبأجر يقل عن راتب صحفي مبتدء، والسبب في صعوبة حصوله على فرصة عمل هو خوف أصحاب الدور الصحفية البيروتية من غضب السادات. قبل أندلاع الحرب الأهلية غادر السعدني إلى ليبيا للقاء القذافي والذي عرض عليه إنشاء جريدة أو مجلة له في بيروت إلا أن السعدني رفض ذلك خوفاً من اغتياله على يد تجار الصحف اللبنانيين والذين سيرفضون بالتأكيد هذا الوافد الجديد والذي سيعد تهديداً لتجارتهم الرائجة.

أثناء الحوار وبدون قصد سخر السعدني من جريدة القذافي الأثيرة (الفجر الجديد) ونعتها بالـ(الفقر الجديد) عندما عرض عليه القذافي الكتابة بها وانتهى لقاءه معه بدون نتيجة ولم يبد القذافي حماس كبير لإصدار مجلة (23 يوليو) التي اقترح السعدني إصدارها في لندن بل سخر من فكرة إصدارها هناك كما لم يرق له إصدار مجلة ساخرة.

في عام 1976م وصل السعدني إلى أبو ظبي للعمل كمسؤول عن المسرح المدرسي في وزارة التربية والتعليم في الإمارات، ويبدو أنه لم ترق له الفكرة، لذا قبل بالعرض الذي تقدم به عبيد المزروعي وهو إدارة تحرير جريدة الفجر الإماراتية.

كان العرض مقامرة سياسية جازف بها عبيد المزروعي بخاصة وأن السعدني وضع شروطاً مهنية قاسية أهمها عدم التدخل في عمله وهو الشرط الذي يبدو أنه تسبب بعد أقل من أربعة أشهر بمصادرة أحد أعداد جريدة الفجر من الأسواق بسبب مانشيت أغضب السفارة الإيرانية في أبوظبي وكانت إيران يومها تطالب بالإمارات كلها وتعتبرها من (ملحقيات إيران). لذا لم تغفر سفارة إيران للسعدني رفعه شعار (جريدة الفجر جريدة العرب في الخليج العربي) وطالبت السفارة الإيرانية صراحة حذف صفة (العربي) عن الخليج لأنه (خليج فارسي) كما يقولون.

تعاقد محمود السعدني مع منير عامر من مجلة (صباح الخير) القاهرية، ليتولى وظيفة سكرتير التحرير وليدخل إلى صحافة الإمارات مدرسة صحافية مصرية جديدة هي (مدرسة روزاليوسف) بكل ما تتميز به من نقد مباشر وتركيز على الهوية القومية والابتعاد قدر الإمكان عن التأثير المباشر للحاكم وصانع القرار.

بعد ضغوط إيرانية على حكومة الإمارات أضطر السعدني إلى مغادرة أبو ظبي إلى الكويت حيث عمل في جريدة السياسة الكويتية مع الصحفي أحمد الجار الله ولكن تلك الضغوط لاحقته هناك أيضاً فغادر إلى العراق ليواجه ضغوط من نوع جديد، وهي ممارسات الموظفين العراقيين المسؤولين في مكتب مصر بالمخابرات العراقية الذين مارسوا ضغوطاً كبيرة عليه لإخضاعه فكان قراره بعد لقاء مع نائب الرئيس العراقي في ذلك الوقت صدام حسن بمغادرة العراق إلى لندن.

بتمويل غير معلن من حاكم الشارقة الحالي تمكن السعدني بالاشتراك مع محمود نور الدين (ضابط المخابرات المصري المنشق على السادات) والكاتب الصحفي فهمي حسين (مدير تحرير روز اليوسف الأسبق ورئيس تحرير وكالة الأنباء الفلسطينية) وفنان الكاريكاتير صلاح الليثي وآخرين من إصدار مجلة (23 يوليو) في لندن (وكانت أول مجلة عربية تصدر هناك) والتي حققت نجاحاً كبيراً في العالم العربي وكانت تهرب إلى مصر سراً. التزمت المجلة بالخط الناصري وكان السعدني يتوقع أن تلقى المجلة دعماً من الأنظمة العربية الرسمية إلا أن ذلك لم يحدث وحوصرت المجلة مالياً من أنظمة دول ترفع شعارات عروبية في الظاهر مثل العراق وليبيا وسورية، وعلى حد تعبير السعدني (كان يجب علي أن ارفع أي شعار إلا 23 يوليو لأحظى بالدعم).

انهارات 23 يوليو وتوقفت عن الصدور، وعاد السعدني وحيداً يجتر أحزانه في لندن إلى أن اغتيل أنور السادات في حادث المنصة الشهير في 6 تشرين الأول عام 1981م.

عاد السعدني إلى مصر بعد اغتيال السادات بفترة وأستقبله الرئيس حسني مبارك في القصر الجمهوري بمصر الجديدة ليطوي بذلك صفحة طويلة من الصراع مع النظام في مصر.

تعتبر (مذكرات السعدني) من أروع ما كتب في أدب السيرة الذاتية في الأدب العربي، وقد كتبها في سلسلة من الكتب (من نهاية الستينات وحتى منتصف التسعينات) وحملت عناوين:

·                    الولد الشقي ج1 : قصة طفولته وصباه في الجيزة.

·                    الولد الشقي ج2 : قصة بداياته مع الصحافة.

·                    الولد الشقي في السجن : صور متنوعة عن شخصيات عرفها في السجن.

·                    الولد الشقي في المنفى : قصة منفاه بالكامل.

·       الطريق إلى زمش (وكلمة زمش اختصار من ثلاثة حروف للتعبير العامي المصري (زي مانت شايف) بمعنى (كما ترى): ذكرياته عن الفترات التي قضاها في السجون في عهدي عبد الناصر والسادات.

السعدني حكاء عظيم ويمتاز بخفة ظلة كما أن تجربته في الحياة ثرية للغاية وله العديد من الكتب التي تناولت مواضيع متنوعه منها:

·                    مسافر على الرصيف: صور متنوعة عن بعض الشخصيات الأدبية والفنية التي عرفها.

·                    ملاعيب الولد الشقي: مذكرات ساخرة.

·                    السعلوكي في بلاد الإفريكي: رحلات إلى إفريقيا.

·                    الموكوس في بلد الفلوس: رحلة إلى لندن.

·                    وداعاً للطواجن: مجموعة مقالات ساخرة.

·                    رحلات أبن عطوطه: رحلات متنوعة.

·                    أمريكا يا ويكا: رحلة إلى أمريكا.

·                    مصر من تاني: مجموعة مقالات عن تاريخ مصر.

·                    عزبة بنايوتي: مسرحية.

·                    قهوة كتكوت: رواية.

·                    تمام يا فندم: مجموعة من المقالات المجمعة في كتاب.

وكانت وفاة محمود السعدني يوم الثلاثاء 4 أيار عام 2010م عن عمر يناهز 82 عاماً إثر أزمة قلبية حادة.