عبد الحميد باشا الدروبي

محمد فاروق الإمام

زعيم حمص في زمانه

محمد فاروق الإمام

[email protected]

عبد الحميد باشا الدروبي هو ابن الحاج "سليم الدروبي"، ولد في حمص عام 1848م وتوفي سنة  1917م وكان من أكابر رجالات حمص وأعيانها ووجهائها وذواتها وله أياد بيضاء كثيرة على أهل حمص وقراها، وقد قال عنه محمد علي باشا في كتابه (الرحلة الشامية): (وأنا أعرف أن سعادة عبد الحميد باشا الدروبي قد اشترى من جميع هؤلاء الناس (أهل حمص) أفئدتهم وملك نفوسهم بما يسديه إليهم من معروفه وماله، فهو في تلك المدينة بمثابة والد شفيق لكل الناس).

عمل خلال حياته بالتجارة وشغل مناصب حكومية عدة منها منصب القائم مقام ورئيس بلدية حمص عدة مرات ورئيس غرفة التجارة بحمص ثم بعد منحه لقب الباشوية من قبل السلطان عبد الحميد الثاني شغل أيضاً منصب ناظراً للأملاك السلطانية.

 ويتحدث عنه الباحث التاريخي نعيم الزهراوي في كتابه (الجذر السكاني الحمصي): (بعد أنه تلقى تعليمه على يد علماء حمص وتسلّم عدة مناصب رفيعة في حمص، واستلم رئاسة غرفة التجارة. امتاز ببعد النظر ورجاحة الرأي، وكان له حظوة تامة لدى رجال الدولة العثمانية حاز على لقب الباشوية من الباب العالي العام 1901م. وكان محط أنظار رجال الدولة وقد وجه أولاده إلى العلم فكان محي الدين بك عضو مجلس إدارة في حمص عام 1867م، وصبري بك ومحمد نوري بك، وعلاء الدين، الذي تلقى علومه في حمص وتابع تحصيله في المكتب الملكي في الأستانة، وبعد تخرجه عيّن قائم مقام في تركيا، ثم متصرفاً، ثم عاد إلى وطنه، وعمل مع الوطنيين على تأسيس الدولة السورية، واشترك في الوزارة التي شكلها هاشم الأتاسي، ثم أصبح رئيساً للوزراء في عهد الملك فيصل.

لعب دوراً هاماً في إدارة شؤون البلدة إذ انتخب عدة مرات لمجلس الإدارة، وترأس البلدية عدة مرات، وبتعليماته تم إشادة الكثير من المشاريع العمرانية أهمها جامع خالد بن الوليد بشكله الحالي، حين أوفد السيد نايف خزام إلى مصر لينقل تصاميم جامع محمد علي باشا في القلعة وقد تم تنفيذ ذلك بكل إتقان، وهو من الروعة بحيث يعتبر مفخرة لكل أبناء المدينة.

وكان قد حصل خلاف بين القائم مقام ووجهاء المدينة في حمص نتيجة الأعمال التعسفية التي كان يقوم بها القائم مقام، فبادر عبد الحميد الدروبي (لم يكن باشا آنذاك) إلى تنظيم عريضة وقعها الحمصيون من كل الطوائف والأديان، وعدد فيها الأعمال الجائرة التي ارتكبها القائم مقام، وأخذها بيده إلى الأستانة في 15 آذار عام 1889م، ولقد أسفرت هذه العريضة عن عزل القائم مقام إحسان بك ورحيله عن المدينة في 14 تموز ليحل محله محمود بك الشلبي الحيفاوي الأصل، كقائم مقام جديد.

وكان عبد الحميد الدروبي محبوباً من قبل أهالي حمص للكثير من مواقفه الإنسانية النبيلة، ومن القصص الإنسانية التي تروى عنه كما ورد في كتاب (حوارات في عالم الغيب) للأستاذ "إدوار الحشوة" أنه: دخل مرة منزل عبد الحميد الدروبي فقراء من فلاحي قرية الدوير المتاخمة لمدينة حمص وقد كانوا مسيحيين، استنجدوا به وطلبوا مساعدته، وكانوا خائفون على حياتهم، فاستقبلهم وسمع قصتهم. حيث كانوا يعيشون ويعملون في قريتهم ذات الأرض الخصبة، والإنتاج الوفير، هذه القرية أثارت الطمع لدى عائلة إقطاعية في المدينة، فاعتدت على أهلها وهجرتهم، تحت ستار من التعصب الأعمى، لإخفاء رغبتهم في الاستيلاء على أملاك الغير دون أدنى حق. فجاء عبد الحميد الدروبي برجل مسيحي حمصي هو المعماري سليمان الحشوة، كان مقرباً من الدروبي، وكان يعمل في حفر أساسات الرواق الشمالي لجامع خالد بن الوليد، وأعطاه تنكة وقال له: تعال غداً إلى منزولي (مضافتي)، وأعطني هذه التنكة أمام الناس وقل أنك وجدتها أثناء الحفر وانصرف. وفعلاً قام سليمان بالواجب وأحضر التنكة أمام عليّة القوم، وسلّمها لعبد الحميد الدروبي، فمسح عنها التراب، ثم أظهر الدهشة، ولم يبلغ الناس بفحواها.

فدعا الدروبي فوراً كبار الإقطاعيين من العائلة الغاصبة، واختلا بهم في الغرفة المجاورة، وأبلغهم بمحتوى ما كتب في التنكة، حيث فيها، أن عدة قرى من أخصب قراهم (أي الغاصبين) هي لوقف مسجد خالد، فرفضوا ذلك لملكيتهم لها منذ عقود، فقال الدروبي أن ما وجد في أرض المسجد، لا أحد سيجادل بصحته، وعليهم تسليمها للوقف، فطلبوا منه حلاً ليتجنّبوا ألسنة الناس، كون العدوان على الوقف بالدين من الكبائر. فأخبرهم بأن الحل جاهز: تعود الدوير لأهلها.. تعود التنكة لأساساتها. فوافق الإقطاعيون على ذلك، وعاد أهل الدوير إلى قريتهم مكرّمين، يدعون لعبد الحميد الدروبي بالخير وطول العمر.