خالد السّعيد

خالد السّعيد

(1379 هـ – ....) (1959 م – ....)

حسني جرار

  * تقديم

  * حياته ونشاطه

  * شعره

  * آثاره الأدبية

  * قصائد مختارة من شعره

تقديم

خالد السّعيد أديب مسلم معاصر .. وشاعر مُجيد من شعراء الدعوة الإسلامية، وخطيب مؤثّر من خطباء الحركة الإسلامية الذين يتصدّرون المواكب والمحافل في فلسطين . عاصر مرحلة النكبة الثانية وعاشها بكل آلامها ، ورأى أنه لا بد من المعالجة المنهجية الناضجة من خلال وسيلة الشعر الصادق ، فجاء شعره وسيلة إعلامية صادقة تعالج القضايا اليومية لأبناء وطنه ..

شعره ملتزم وهادف في جميع قصائده التي قالها في الدعوة وفلسطين .. وهو ينطلق لتتسع دائرة همومه واهتمامه لتشمل الوطن العربي ولتستوعب قضايا أمته الإسلامية.

 حياته ونشاطه

ولد الشاعر خالد عبد القادر السعيد عام 1959 في بلدة كفر راعي بمحافظة جنين بفلسطين ، ونشأ في أسرة ريفية متديّنة .. ولم يكد يبلغ الثامنة من عمره حتى حلّت بفلسطين نكبة عام 1967 والتي ما زالت مستمرة حتى هذه الأيام .

درس خالد في بلدته ، وأكمل دراسته في مدرسة عرابة الثانوية ، وحصل على الثانوية الأدبية عام 1978 ، والتحق بكلية الآداب بالجامعة الأردنية وحصل على البكالوريوس في اللغة العربية بتفوق عام 1981 ، والماجستير في النحو العربي عام 1984 بتفوق أيضاً .

وبعد تخرجه في الجامعة الأردنية عاد إلى فلسطين ليرابط في أرض الإسراء والمعراج ، وليقوم بواجب الرّباط ويشارك إخوانه في تربية وتعليم أبناء فلسطين وإعدادهم ليوم موعود .. وعمل مدرساً في قسم اللغة العربية بالجامعة الإسلامية بغزة من عام 1985 حتى عام 1994 .

وفي عام 1989 أشرف على مراكز تحفيظ القرآن الكريم التابعة للجنة أموال الزكاة في مدينة جنين ، واستمر في هذا العمل حتى عام 1995 .. وفي تلك الفترة اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي ثمانية أشهر عام 1991 ، وستة أشهر عام 1994.

وفي عام 1995 عمل مدرساً لمادة اللغة العربية في مدرسة قباطية الثانوية .. وفي عام 1997 عمل مدرساً في المدرسة الثانوية بمدينة جنين ، وعمل مشرفاً غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة - جنين .

وفي عام 2002 عمل أستاذاً في الجامعة العربية الأمريكية بجنين ، ثم عمل أُستاذاً في جامعة القدس المفتوحة .

وفي أوائل عام 2006 رشحته الحركة الإسلامية في جنين لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني ، والتي أجريت في 25/1/2006 م ، فكان ترتيبه الأول في محافظة جنين ، فقد حصل على (30863) صوتاً .

وفي 29/6/2006 م اعتقلته السلطات الإسرائيلية مع إخوانه أعضاء المجلس التشريعي عن الحركة الإسلامية في جنين واعتقلت معهم رئيس بلدية جنين .

وقد حفلت حياة خالد بنشاطات متنوعة في أثناء دراسته وفي أثناء عمله ، فقد رئس النادي الأدبي في الجامعة الأردنية عام 1983 ، وحاز على القصيدة الأولى في مهرجان الشعر في الجامعة الأردنية عام 1983 ، وشارك في ندوات وأمسيات شعرية عديدة في الأردن وفلسطين ، وله نشاطات ثقافية متنوعة في الجامعة الإسلامية . كما أنه يشارك في اللقاء الشعري السنوي الذي يقام في حرم جامعة النجاح كل عام . وهو من خطباء محافظة جنين والمتحدثين في الاحتفالات والمهرجانات والمناسبات الدينية والوطنية .

*  *  *

من خلال هذا العرض لحياة شاعرنا نستطيع أن نلمس مؤثرين كان لهما الأثر البالغ في تكوين شخصيته الشاعرة ..

المؤثر الأول ارتباطه بالحركة الإسلامية ، التي وجد فيها ما يحقق آماله وآمال إخوانه المرابطين بأرض الإسراء والمعراج في تربية الشباب على الإسلام والدفاع عن تلك الأرض المقدسة ..

والمؤثر الثاني هو نكبة عام 1967 ، وصور المأساة التي حلّت بشعب فلسطين ، والتي شاهدها واكتوى بنارها منذ طفولته ، وما زالت تعيش معه حتى هذه الأيام .

شعره

خالد السّعيد شاعر مُجيد له عطاء مؤثّر فعّال ، وشعر عذب هادف رصين ، فيه قوة وإبداع وروعة تعبير ، وأداء يحسّ معه القارئ بدفء الكلمة وقوة التعبير وصدق الانتماء لقضية العقيدة والإيمان وقضية تحرير الأرض من العدوان والطغيان .. شاعر صهر الإسلام روحه وعقله وتأملاته ، وأعطاه القدرة على التفكير الموزون، ومنحه نعمة اختيار الألفاظ للتعبير عن المعاني ، فاستغلّ هذه الموهبة الفذة وعبّر عن افتعالاته بتعابير منمقة فأحسن الصياغة وأجاد الخطاب ، وعرف الجهة التي يصوغ لها أحاسيس قلبه وعرف لماذا يصوغها .. فهو لم يصغ قصائده الشعرية ليرضي بها السلاطين ، ولا صاغها من أجل مغنم زائل أو شهرة مؤقتة أو جمع مال أو مادة ، وما صاغها ليتزلف بها إلى وزير أو كبير .. إنما صاغها ليعبّر عن معاناة الأمة بأصدق الحديث ..

فهو شاعر نظر ببصيرته الإيمانية فرأى أكثر الشعراء قد هانت عليهم إنسانيتهم ، وتبلد حس الكفاح في أرواحهم ، وسكتوا على المهانة والتشرد والضياع، وتحطمت روح الرجولة والمقاومة فيهم .. فثار على هذا الواقع المهزوم ، ثار ليعيد إلى العقل ثقته بنفسه ، ونظم شعراً يدفع المواطن المقهور إلى أن تكون له طاقة حركية وقدرة على تغيير الواقع وصنع الأحداث وصياغة القرارات ، ولتكون له قدرة على العطاء والابتكار .. ثار شاعرنا على هذا الواقع وخرج عن المألوف ، ونظم شعراً قد لا يستسيغه شعراء الأدب الرّخيص .. لقد خرج عن المألوف لتكون له ولمن ينهجون نهجه مدرسة شعرية جديدة ، تعيد صياغة وتشكيل وترتيب العقل المسلم ، وتضع ملامح فكرية جديدة ورؤيا مستقبلية جديدة ، تعيد بناء التصميم الذهني الإسلامي وتوفير الطاقات المخزونة لدى الإنسان الفلسطيني على وجه الخصوص والمواطن العربي على وجه العموم ، ثم هندسة هذه الطاقات ووضعها في المجال المجدي .. فجاء شعره ليدل بوضوح تام على أن تاريخ الإسلام الخصب غنيٌّ وقادر على العطاء في كل ميدان وفن ..

وصف الدكتور جبر خضير شعره فقال : ([1]) "أكثر في شعره من الرّبط بين ماضي الأمة وتصوير حاضرها من خلال مفهومية الإسلام وقدسية القضية . وتميّز شعره بالجزالة الشعرية وقوة الجرس الموسيقي ، كما تميز بالنبرة الخطابية غالباً وهذا يتوافق مع قوة الجرس الشعري والحماسي الملتهب عند الشاعر" .

وشاعرنا خالد السعيد شاعر ملتزم بالشعر العمودي الأصيل ، إلا أنه يبدع فيما يتخذ من شعر التفعيلة أحياناً ليعبر عن مكنون نفسه وخفايا ضميره ونبضات قلبه فيجيء شعراً معبراً صادقاً .. ويزداد شعر التفعيلة لديه قوة إلى قوة وهو يعبّر به واضح الصورة ، صريح الهدف ، رفيع المستوى في اللغة والعاطفة وحسن الأداء .

*  *  *

هذا الشاعر شارك في رسم صورة صادقة لحياة أبناء فلسطين خاصة وأبناء الأمة الإسلامية بوجه عام ، بكل ما تحويه هذه الحياة من آمال وطموحات وآلام وأحزان ، وهجرة وجهاد ، ونصر وفتح وسيادة وتمكين .. فشعره مرآة تعكس بصدق هموم أبناء شعبه في فلسطين ، وتعبر بعمق عن مشاعر أمته وأحاسيسها وتجلو أحزانها ، وترسم معاناة ملايين المسلمين واهتماماتهم وطموحاتهم .. فالشعر عند خالد السعيد صرخة مدوّية تدعو إلى الإيمان والاستقامة ، وشعلة تستمد وقودها من دموع العين ومن دماء و ريد القلب ، لتغيّر الواقع المتخم بالجراح ، فيقول ([2]) :

هذي القصائد ليست سهرةً ثَمِلَتْ
كلاّ ! وليستْ من الحُكّام طالبةً
هذي القصائدُ من دمعٍ ومن عَرَقٍ

 

في قلب باريسَ أو إحدى لياليها
حُثالةَ الكأس كي تَسري قوافيها
ومن دماءِ وريد القلب نُسقيها

 

لقد فهم شاعرنا الواقع وعرف أنه لا سبيل لعزتنا إلا من خلال شعلة الإيمان.

ونراه يوقظ الأحاسيس النائمة عبر حديث الأقصى الحزين إلى مكة المكرمة ، حديث الشكوى والأنين من جراء ذل الأسر وجفاء الأحبة والأهل ، فيقول في قصيدة بعنوان "اسمعوا الأقصى" ([3]) :

 

اسمعوا الأقصى يُنادي أمَّهُ
إنّني ما زلْتُ أدعو قوْمَهُ
فإذا قومٌ يُسمّونَ اسْمَهُ
فأجابتْ مكّةٌ يا شُؤْمهُ
يا بُنيّ انظر تحقَّق رسمهُ
بعثر القَبْرَ وأمضى سَهْمَهُ
يَحْرمُ الوجه الـمُعَنّى بسْمَهُ

 

مكّةً يا أمّ قولي للرّسولْ
قبلَ أنْ أغدو بقايا من طُلولْ
ولهم فِعْلٌ كفعلِ ابن سَلولْ
من ترجّى النصرَ من أهل الطبولْ
ذا صلاح الدين من فوق الأصيلْ
يملأُ الأرض سيوفاً وخيولْ
طالما المنبرُ في أسرٍ ذليلْ

 

عبر هذه المناجاة والحديث الباكي بين الأقصى ومكة ، حيث يبث الأقصى شكواه وأنينه إلى مكة لتخبر سيد المرسلين بأن الأقصى ما زال يدعو قومه قبل أن يصير أشتاتاً وأشلاء ..

لقد عبّر الشاعر عن واقع الأمة المنكوبة بعدم معرفة الحقيقة وتشخيص الداء ومعرفة الدواء، فصوّر حالها القائم على الباطل والتهريج، وذكّرها بماضيها وبرجل المهمات الصعبة القائد المجاهد صلاح الدين ليقتدي به الشباب وينهضوا بأمتهم من كبوتها.. فالشاعر لم يكتف بالندب والعويل وإقامة المأتم على واقعنا بل إنه نظر إلى المعضلة وشخّصها وأعطى الأمل والحل "إنه الحل الإسلامي" أن يكون الإسلام هو القائد والموجه للمجتمع في كل الميادين وكل المجالات..

ولهذا فهو يكمل دور صلاح الدين فيقول :

يعشقُ المحرابَ يبغي لثمهُ
واسْتَمِعْ عَبْرَ الفيافي نَغْمهُ :
هلْ رأيت النخْل يحني جِسْمَهُ

 

بعدما فارقهُ الدّهرَ الطويلْ
"نحنُ أَهلُ القدس عنها لا نحول"
نحن يا قُدْسُ خُلِقْنا كالنّخيلْ

هكذا عبّر خالد السعيد بشعره الإسلامي عن معالم الحل ووجه الأمل المشرق .. بأن الأمة هي التي تصنع مَعْلم التغيير من خلال بناء الذات ومن خلال تهيئة النفوس وربطها بالعقيدة الإسلامية .

لقد علّمنا التاريخ أن أمتنا أمة متجدّدة وأنها كلما عثرت سرعان ما تنهض من عثرتها .. وإن ّهذه الكبوة تحتاج إلى فارس يقود جند الإيمان ، ويستثير هممهم .. وشاعرنا يستنهض الأمة قائلاً ([4]) :

 

خيل الكرامَةِ والشهامة أسْرجوا
هيّا ابْعَثوا خيلَ التّحرُّر ضُمّراً
قَدَحَتْ سنابكُها قِلاعَ حُصونِهم
فلَعَلّ من بين الفوارس فاتحاً

 

هاهم فوارِسُها الكُماةُ تَدَجّجوا
تطوي الفيافي في الظلام وتُدْلِجُ
وتُثيرُ نَقْعَ المَعْمعان وتُرْهِجُ
يمضي إلى الأقصى الأسير ويَعْرُجُ

وعبر شعر الحماس الإسلامي الذي يثير في النفس كوامن العزة والنهوض بعد الكبوة يصرخ الشاعر خالد السعيد حاثاً على التحدي أصحاب الهمم والشهامة ورافعي راية  الحق ليسيروا مع الركب .. لعلّ ركبهم يصل إلى الأقصى الأسير فيفك أسره ويفكّ قيد المأسورين ، ثم يواصل الشاعر هذا النغم الصاخب والإيقاع القوي قائلاً([5]) :

يا ربّ يسّر قائداً لا يَنْثني
ويقودُ خيلاً عاديات جُرّبتْ
وخيولُهم كانت هجاناً عُلّمتْ
حَمَلَتْ رجالاً تائهينَ وأغْفَلَتْ

 

ويكون في يُمنى يديه المخْرَجُ
فخيولُ من سبقوه كانت تعرُجُ
دَرْبَ الفِرار وفي الفرارِ تُهرّجُ
معنى القداسَةِ لم يَقُدْها المنهجُ

إلى أن يقول :

السيفُ مَنْطِقهُ قَوِيٌّ أبْلَجُ
ولقاءُ خَصْمِكَ بالسُّيوف حصانَةٌ

 

والقولُ دونَ السيفِ مَزْرٍ أعْوَجُ
ولقاؤُهُ دونَ الأسنَّةِ مُحْرِجُ

فالشاعر يرى أنّ المخرج بالقائد المسلم الذي يعبر بجنده الميادين .

ويوضح شاعرنا حال الإعلام العربي قبل النكبة والهزيمة وكيف كان يصور حال اليهود ، فيقول في قصيدة جميلة بعنوان "قال المهرّج" ([6]) :

هم حفنةٌ في البحر نُلقيهم إذا كُنّا نريدْ
فَتَجوعي أسماكَ ذاكَ البحر والدّاعي سعيدْ
ماذا عساهم يفعلون ونحنُ في الهيجا أسودْ

 

وبعد النكبة يتغيّر الخطاب فيصف هذا ويقول ([7]) :

قد جاءنا النبأ الموثقُ والمصدَّقُ والأكيد
"ليس اليهودُ كما يظُنُّ البعضُ فالدُّنيا يهود"
"لسنا نقاتلُ دولَةً صُغرى فأمريكا تجود"

وأمام هذا الواقع المرير يدعو شاعرنا إلى الثبات في أرض الرباط ، ويَرُدّ على هذا الواقع فيقول ([8]) :

إنّا باقونْ ..

لا يأسَ أخي لا بؤْسَ أخي ...

إنّا باقون ..

ما بقي الزّعتر والزّيتون ...

إنّا باقون ..

ما بَقيتْ آياتُ الإسراء وما بقي اللّوْحُ المكنونْ ..

*  *  *

من جبل النار وغزة هاشم اسمعها

إنّا باقون ..

سَجَدات الفجر توحِّدنا

وتُفجّرنا ألماً وشجون ..

آتونَ زُحوفاً مؤمنة

تجتثُّ الغرقد والطاعون

فجراً آتونْ

وعْداً آتونْ

زحْفاً آتونْ

ولما قامت الانتفاضة واكبها شعرٌ إسلامي مجاهد ، كان ثمرة طبيعية للظروف والأحوال التي عاشتها القضية الفلسطينية ، والواقع المحيط من حولها .. وكان تجربة أدبية وفنية جديدة عبرت عن قضايا الإنسان الفلسطيني والعربي وواقعه وهمومه ، وأصبح هذا الشعر صوتَ الجماهير والناس ، فهو لم يخدم الحياة التي عاش فيها فحسب ، بل ارتفع بذوق الإنسان وهمومه ، من حياة التشرد والضياع والاغتراب ، إلى الأمل العذب من خلال بث الحماس والعزيمة والرّجولة .. وكان خالد السعيد فارساً من فرسان هذا الشعر ، فسجل بشعره أحداث الانتفاضة حدثاً حدثاً .. استمع إليه وهو يصف ابن الانتفاضة الذي تربّى على القرآن وحدّد الهدف الذي من أجله يحيى و يعيش ، فقال في قصيدة بعنوان "مرابطون" ([9]) :

صَحِبَ القرآن للقلب طويلا
فَصَنعتُ الحرفَ في الشعر فتيلا
فامتَشَقتُ البيتَ رشّاشاً أصيلا
والقوافي دُمْدُمٌ يُردي قتيلا
كُلّما أقرأ آياتي ذليلا
وغدا القرآن للفتح سبيلا
لَسْتُ أرضى عن ذُرى القدس بديلا

 

فغدا بالله يَقْوى ويُقاتلْ
فإذا الألفاظُ في الشعر قنابلْ
فغدا الشّعبُ بأشعارٍ يُقاتل
كُلَّ من يُنكرُ حقّي ويُماطل
فكّتِ الآياتُ من قيدي سلاسل
ولأعدائي نذيراً وزلازل
لو غدت أرضي سُجوناً ومعاقِلْ

وعلى درب الانتفاضة يسقط في الميدان شهداء ويُعتقل شباب ويودعون السجن ، ويكون خالد السّعيد واحداً من هؤلاء الشباب .. ويأتي عيد الفطر فينظم قصيدة يلقيها على المعتقلين في سجن مجدّو (في مرج ابن عامر) بتاريخ 15/4/1991 ، يقول فيها([10]):  

سل حادي الركب المهاجر إذْ حدا
واسأل حمام الأيك أين أحبّةٌ
واستخبر النسمات عند هبوبها
قادوه منفيّاً يعاني قلبُه
ويُسَكّنُ الرّوعَ المسعّرَ سجدةٌ
يا مَنْ يرى ذئباً يُثابُ إذا عوى
العيد جاء وفي السجون شبابنا

 

هل نلتقي بجموع أهلينا غدا
منهم سجينٌ أو طريدٌ شُرّدا
إذْ داعبت طفلاً لِحُرّ أُبْعدا
ألم الفراق ودونه طعم الرّدى
هَمَستْ بأنّا لن نضيع هنا سدى
والبلبلُ الصداحُ يُذْبَحُ إن شدا
يا مَنْ يعيدُ العيدَ من أسْر العِدا

 ويأتي عيد الأضحى ولا يزال الشباب في المعتقلات ، فينظمَ خالد قصيدة بعنوان "رسالة العيد" يقول فيها ([11]) :

عيد يجيء وراء عيدْ
من دمعةِ الفطر السعيد
مأساتنا تزداد يوماً
هذي ألوف قُيّدتْ
في كلّ يومٍ قادم

 

والشعب يرسف في القيودْ
لحرقة الأضحى المجيدْ
بعد يوم لا جديد
خلف الحواجز والحديدْ
نزجي الشهيد إلى الشهيدْ

ولما كثُر الحديث عن الأسرى والمعتقلين الذين يزيد عددهم على خمسة آلاف معتقل من الشيوخ الصابرين والشباب الثابتين والنساء المجاهدات ، والذين ما زالوا يعانون قسوة التعذيب وظلم الأعداء وتخاذل الأهل والأصدقاء .. كان لشاعرنا دور واضح ومؤثر في التعبير عن غضبة الشعب المرابط من خلال المهرجانات الأدبية واللقاءات الشعرية ا لتي تصف هذا الحال ، فنظم قصيدة بعنوان "قصة الأسرى" ، قال فيها ([12]) :

في المرة الأولى وفي الأُخرى
صفحاتُ سيرتهم لنا نورٌ
الصابرين بعزّة شمَخَتْ
فالقابضون على الجمار همُ
من يدّعي نصراً ويُهْمِلُهمْ
والمنجزاتُ بغير فرحتهم
صنعوا لنا مجداً بتضحيةٍ

 

سنظلّ نقرأُ قصّة الأسرى
لا تُغْفِلَنْ من سِفْرهم سطرا
فوق الجراح تُعلّمُ الصّبرا
والصانعونَ لشعبنا الفخرا
جعَلَ الهزيمة تشبه النّصرا
مهما عَلَتْ لن تَبْلُغَ الصِّفرا
وغداً سنكسرُ قيْدهم كَسْرا

ولمّا خرج شيخ فلسطين الشيخ أحمد ياسين من المعتقل في الشهر العاشر من عام 1997 ، بعد سجن دام طويلاً ، عمّت الفرحة أبناء فلسطين وخاصة عندما رأوا الشيخ بينهم .. وشارك خالد السّعيد أبناء وطنه هذه الفرحة بقصيدة قال فيها([13]) :

يأبى المهيمنُ أن تظلّ مقيّدا
حَكَمَ العزيزُ بأن يحطّم قيدهم
فخرجتَ من سجن البغاة مكرّما
وأعزّ ربّ العرش فيك شعوبنا
سيظلّ سجْنُكَ وَصْمَةً من حقدِهم
حنّت إليك مساجدٌ ومنابرٌ
يكفيك أنّ الناس طُراً أجمعوا
تبغي صيانةَ شعبنا ودمائِهِ
يكفي حماساً أنّ قائدَ سَيْرها
ما هابَ طغيانَ اليهود ومكرَهُمْ
ظلّت حماسَتُه مثالاً يُحْتَذى

 

قد خاب من حكموا عليك مؤبّدا
فقضى وقدّر للخروج وأيّدا
شعبي بيوم خروجكم قد أُسْعدا
وأذلّ بنيامين ذلاً أسودا
خِزْياً يلاحقهم على طول المدى
ومجامعٌ قد كنت فيها السّيّدا
بسداد رأيك إذ كُسيتَ السُّؤْدَدا
ليُصَبَّ كلّ البأس في وجه العِدا
شيخٌ قعيدٌ بالمهابة أُسْنِدا
ما هادَنَ الـمحْتَلّ لمّا هدّدا
للقاعدينَ الخائِفينَ من الردى

وفي عام 1996م انتقل إلى رحمة الله تعالى الشيخ توفيق جرّار عالم جنين ومفتيها ، وهو يؤمّ جموع المصلين في صلاة عيد الفطر في المسجد الكبير بمدينة جنين في اليوم الأول من شوال عام 1416هـ .. فنظم شاعرنا قصيدة بعنوان : "دمعة على قبر مفتي جنين المرحوم الشيخ توفيق جرّار" ، وصف فيها هذه الوفاة التي أكرمه الله بها ، بعد صيام وقيام شهر رمضان المبارك ، والوقوف في محراب المسجد الكبير يؤم المصلين في العيد .. وذكر في القصيدة بعضاً من مناقب الفقيد ومواقفه ، وثباته في نصرة الإسلام ، فقال ([14]) :

جُدْ بدمع العيون بعد الفقيد
جاءك الموتُ في صلاةٍ وذِكرٍ
كنت تفتي لنا برأي رشيدٍ
لك في الفضل سابقات توالت
أسأل الله أن يعوّض خيراً

 

ودّع المحاريبَ في يوم عيدِ
فهنيئاً لك اختيار المجيدِ
كنت تبدي لنا بنصح سديدِ
قد نصرتَ الإسلام منذ عقودِ
ولك الأجر في جنانِ الخلودِ

 

ولشاعرنا قصائد في الحوار تدلّ على خيال خصب ، وروعة في التعبير ، وقدرة فذّة على العطاء والابتكار .. قدّم فيها لوحات رائعة وصوراً أخّاذة ، نظمها بأسلوب مؤثر جميل .. منها قصيدة بعنوان "الشيخ الشركسي والفتى الفلسطيني" ، أجرى فيها حواراً على لسان شيخ شركسي يقدّم لشاب فلسطيني خلاصة تجربته في الحياة، ويحثه على أن يدافع عن عقيدة التوحيد وأن يتبنى فكر أمته وحضارة دينه الذي لا يعرف النكوص ولا الخذلان .. ويدعوه إلى الثبات في أرض الإسراء والمعراج ، والاستعداد ليوم الثأر وتحرير الأقصى من الأسر .. يقول فيها ([15]) :

شيخٌ جليلْ

رجلٌ طويل

عيناه زرقاوان أشْقَرُ شَعْرُه زانته لِحْيَهْ

بِوُقوفِهِ : أبْصرتُ أشجارَ النّخيلْ

برُكوعِهِ : أبصرت حيفا والجليلْ

بِسُجودِهِ : أبصرتُ يافا والخليلْ

بِخُشوعِهِ : أبصرتُ أحزانَ القُدُسْ

بِثَباتِهِ : أبصرتُ زيتوناً وتينا .

ظنّي بِه قدْ جاوَزَ التّسعينَ عاما

وخلالَها لم يَحْنِ إلاّ للذي أحْياهُ هاما

 

*  *  *

 

بِلِسانِهِ أحْسَسْتُ لُكْنَةَ شَرْكَسِيّ

بدمائِهِ أَحْسَسْتُ روحَ المسلمين

ووقفتُ أنْظُرُهُ بتوقيرٍ وَوُدْ

ورأيْتُهُ بِشُموخِهِ السّامي كَطَوْد

فَسَأَلْتُهُ مُتَلَطِّفاً : يا جَدُّ قل لي قِصّتَكْ

أغضى قليلاً ثم قال : وقصَّتُكْ ‍!

حُدِّثْتُ أَنَّكَ من فِلَسْطينَ الذّبيحهْ

ومضى يقول :

أبُنَيّ إنّا قد فَرَرْنا من مذابحَ بلشفيهْ

لا ذنبَ إلا أننا إِسلامُنا فيه بقيَّهْ

لكننا سنعودْ ..

مفتاح بيتي يا بُنَيّ مُعَلَّقٌ حتى نعودْ

أغضى قليلاً ثم قال : وقِصَّتُكْ !

حدّثْتُهُ أنّي الفِلِسْطينيّ

ومَضَيْتُ أحكي :

جَدّي العجوزُ لطالما قد شدّ زَنْدي

فرأيتُ مفتاحاً قوياً مِن نحاسْ

ويقولُ جدّي : وسْطَ يافا بَيْتُنا

فبكى العجوزُ الشَّرْكَسِيّ

وبَكَيْتُ لكن ليس دمْعَ الـمُسْتكينْ

فدموعُنا ستكون طوفاناً حكى طوفان نوحْ

طوفانَ ثأرٍ غاسِلٍ عارَ الهزيمة والـجُروح

طوفانَ نارٍ حارِقٍ كَرْتَ الإغاثةِ والنزوحْ

*  *  *

سنعودُ فوقَ الدَّمْعِ والدَّمِ والعَرَقْ

سنعودُ نتلو آية الإسراء

في المسجد الأقصى وظلّ الصّخرة الشمّاء

وشاعرنا المربّي الفاضل حريص على تربية براعم الإيمان وتقديم النصائح والتوجيهات التي ترسم لهم طريق الاستقامة وتعلمهم أدب الحياة .. فنراه ينظم أنشودة تعليمية للأطفال والأشبال ، يقول فيها ([16]) :

يا أحْبابي أنتم ذُخري
يا ثمرات الغصن الزّاهي
يا لحن الأطيار بروضي
للإيمان تعالوا نشدو
مدرسة شمخت وازدانت
هيّا هيّا اقتربوا مِنّي
أوصيكم فاستمعوا قولي
ربّ الكون لنا معبودٌ
ولنا خير الخلقِ رسولٌ
أوقاتُ صلاتي أحفظها
إن صلّيْنا وتزكّينا
أوصيكم بالأمّ حناناً
فأطيعوها وأعينوها

 

فيكُم يحلو قول الشّعر
يا أمواجاً فوق البحر
يا أنغاماً عند الفجر
فيها نقضي أحلى العمر
واحتضنتنا نحو الصدر
كي أسْمعكم أغلى الفِكر
لأحفّظكم لبّ الأمر
يعلم جهري يعلم سِرّي
أحمدُ يدعونا للخير
لا أغفلُ عن فرضِ الفجرِ
فلنا الجنة أبد الدّهرِ
منها العطفُ ونبعُ الطُّهْرِ
فلها منكم حقّ البِرّ

والشاعر خالد السعيد يرى أن للمرأة دور كبير في بناء المجتمع وصلاحه ، وحتى تقوم المرأة بهذا الدور فلا بدّ أن تكون قدوة للفتيات الناشئات ، وصانعة للمستقبل وبانية للأجيال .. وقد نقد في شعره الواقع الاجتماعي ، وأشار إلى مشكلة الحجاب والسفور .. وهو يرى أن الجلباب سمة من سمات المرأة المسلمة ، ورمز من رموز عزة الإيمان ، فهو علامة صلاح وتقوى ، ونور يبدو شعاعه جليّاً في دياجير الظلمة والانحراف التي تعيشها أمتنا في هذا العصر .. وهو يصف هذا اللباس الشرعي ، ويختار له أجمل الألفاظ وأجلّها ، فيقول في قصيدة بعنوان "رسالة الخنساء" ([17]) :

كيفَ أُخفي سعادتي وانتشائي
وهو كاللّيل سابغٌ برُسوخٍ
وهو كاللّيل جُنحُه يتثنّى
قيلَ هذا الجلبابُ شيءٌ غريبٌ
غرباءٌ في قومهمْ قرباءٌ

 

عند مرأى الجلباب رَغم العراءِ
خانقٌ صرخةَ الجهول الـمُرائي
حاضنٌ شمس الهدى والعطاءِ
قلتُ طوبى الفردوسُ للغرباءِ
من جواد الرحمن يوم القضاءِ

 

وشاعرنا بهذه القصيدة أعطى قيمة كبيرة للتجربة الشعرية الإسلامية الحديثة، فقد استطاع أن يصور الجلباب بصور جميلة رائعة ، نستطيع أن نقول أنها نقلة كبيرة في سيرة هذا الشعر .. فقد صوّر الجلباب في البيت الثاني أنه كالليل راسخ كرسوخ الجبال الشماء ، وهو كالليل الذي يحمل تحت جناحيه شمس العفاف والعطاء ..

ويستمر الشاعر في إعطاء الصورة المتكاملة للجلباب فيقول :

إنّ هذا الجلبابَ رمزُ انتصارٍ
إن جيلاً ترعاهُ أمُّ خمارٍ
وشبابٌ ترعاهُ أم سفورٍ
إنّما الخمارُ ترسٌ ودرعٌ
فخماري عقيدتي وشعاري

 

وثباتٍ وهمّةٍ وإباءِ
لحريٌّ بالنّصر يوم اللقاءِ
مقرئٌ وجههُ سماتِ الفناءِ
فارتديه لصدّ سهم العداءِ
زينتي عفتي رَمْزُ بقائي

آثاره الأدبية

1- ديوان "كيف السبيل" ، [الزرقاء : مكتبة المنار] ، 1985م . وقد كتب مقدمة الديوان الأستاذ يوسف العظم فقال : "استمعت يوماً إلى قصيدة يلقيها شاب بين جمع من أصحابه فوقر في نفسي وهتفت بلساني لمن حولي : ليكونن شاعراً بإذن الله . ومن يومها توطدت بيننا العلاقة ، وتوثقت عرى الصداقة ومجالات الصلة في الفكر والأدب ، وفي كل يوم كنت ألمح في الشاب ما يبشر بخير وما يؤكد أن مستقبلاً مشرقاً ينتظره ، وهو يسير مع من يسير من شعراء الخير على خطى حسان!" . عدد صفحات الديوان 69 صفحة ، عدد القصائد 16 قصيدة .

2- ديوان "حجر وشجر" ، صدر عام 1990م ، وقدّم له الأستاذ خالد أحمد مهنا . عدد صفحات الديوان 110 صفحات ، عدد القصائد 38 قصيدة .

3- ديوان "الأسرى أوّلاً" ، صدر عام 1999م . عدد الصفحات 80 صفحة ، عدد القصائد 37 قصيدة .

4- مجموعة شعرية صادرتها قوات الاحتلال في إحدى مداهماتها لبيت الشاعر (قبل أن تطبع) .

*  *  *

    قصائد مختارة من شعره

  1

  صوت المخيم

هذه القصيدة نظمها الشاعر عام 1983م ، وصف فيها المخيم واللاجئ الذي أُجبر على الرحيل عن أرضه وبلده وأهله ، ليعيش في ظروف قاسية معيشة الذل والخوف والبؤس والمهانة ، وعبّر فيها عن واقع حياة الفلسطيني الذي وقع تحت الاحتلال وعانى حياة التشرد والضياع .. بأسلوب أخّاذ وعاطفة صادقة ، وأفكار ناضجة من خلال التصور المعبر لواقع المأساة ..

وقد أجاد شاعرنا في تجربته الشعرية هذه من خلال تصوير الكوخ المهدم في المخيم ، وتذكر الدّيار التي أُجبر أهلها على الرحيل عنها إلى هذا المخيم .. ووصف فيها حياة اللاجئ ، وجعل من صوت المخيم الحزين الباكي لعنة تطارد جميع المتخاذلين حتى يتحرر أطفال المخيم من هذا الواقع ..

والشاعر وهو يصور الخيمة والكوخ الصغير جعل من واقع الطفل الجائع الراقد كحياة المخيم الواقفة الساكنة دون حراك .. جعل من حياته في الكوخ وما يعانيه من البرد الشديد صورة معبرة متعدّدة الجوانب ..

ومع هذا فإن شا عرنا لم يعش في قمم اليأس بل إنه جعل من شعره أملاً يشع وفجراً يقترب من أجل غدٍ أفضل تتحرّر فيه الأرض والإنسان .

أبيات القصيدة    ([18])

تَطْرُقُ الكوخَ رصاصاتُ البَرَدْ
يَفْزَعُ الطِّفْلُ فَيَهْوي مُسْرِعاً
بَرَدٌ ! خُذْها التَقِطْها مُصَّها
عَلَّها مَرَّتْ عَلى زَيْتونَةٍ
عَلَّها مَرَّتْ على حَيْفا وَقَدْ
كَيْفَ أُنْسي صِبْيَتي عَلَّمْتُهُمْ
كَيْفَ أُنْسي صِبْيَتي عاهَدْتُهُمْ
كَيْفَ أَنْسى وَسْطَ حَيْفا مَسْجِداً
لَسْتُ أَرْضى بِجِنينٍ وَحْدَها
إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تُنَسُّوا صِبْيَتي
وَاعْلَموا أَنَّ فِلَسْطينَ غَدَتْ
يَعْصِفُ الرّيحُ وَرَعْدٌ قاصِفٌ
يَهْجم الماءُ مِنَ السَّقْفِ على
تَأْخُذُ الطِّفْلَ الـمُعَنّى رِعْشَةٌ
مَدَّ جِسْماً ناحِلاً ثُمَّ انْثَنَى
قُلْتُ هاتي ناوِليهِ لُقْمَةً
يا إِلهي لَيْسَ يَخْفى حالُنا
لَيْسَ إِلاّ أَنْتَ يا رَبّي لَنا
فَمَتى جُمْعَتُنا تَأْتي لَنا
لَمْ أُرَعْ إِلاّ بِصَوْتٍ هاتِفٍ
سَوْفَ يأتي فَجْرُ شَعبي قاصِماً
أَلْمَحُ النَّصْرَ بِجِيلٍ مُؤمِنٍ
سَتَعودُ القُدْسُ يَوْماً للحِمى

 

توقِظُ الطِّفْلَ الذي جوعاً رَقَدْ
فَوْقَ صَدْري وَإِلى كتِفي اسْتَنَدْ
عَلَّها مَرَّتْ عَلى أَرْضِ صَفَدْ
كانَ يُرْوي زَيْتُها أَهْلَ البَلَدْ
أَصْبَحَتْ ذِكراكِ حَيْفا تُبْتَعَدْ
أَنَّ بَيْتي وَسْطَ يافا لَنْ يُهَدْ
سَوْفَ نَمْضي إِنْ غَداً أَوْ بَعْدَ غَدْ
طالَما وَجْهي بِرُكْنَيْهِ سَجَدْ
بَيْتُنا في اللُّدِّ لِمْ لا يُسْتَرَدْ
ذِكْرَ حَيْفا فَارْقُبوا لَعْنَ الأَبَدْ
في دَمِ الأَطفالِ حَلَّتْ كُلَّ يَدْ
وَتَرى ابْني فَوْقَ صَدْرِيَ يَرْتَعِدْ
خَدِّ طِفْلٍ فَوْقَهُ الدَّمْعُ جَمَدْ
صاحَ "بابا" ثُمّ "ماما" ثُمَّ قَدْ
وَدَنا مِنْ أُمِّهِ ... ثُمَّ قَعَدْ
فَتَّشَتْ في كُلّ بَيْتي لَمْ تَجِدْ
نَحْنُ نَحيا في عَناءٍ وَنَكَدْ
حَسْبُنا اللهُ هُوَ الفَرْدُ الصَّمَدْ
هَلْ سَنَبْقَى بَيْنَ سَبْتٍ وأَحَدْ
يَمْلأُ الرّوحَ ثَباتاً .. وَجَلَدْ
ظَهْرَ لَيْلٍ قَدْ تَمَطّى واسْتَبَدْ
بِرُكوعٍ وَسُجودٍ .. وَعُدَدْ
ما بَقي في أَرْضِنا أُمٌّ تَلِدْ

قصائد مختارة من شعره

  2

كيف السبيل([19])

هذه القصيدة نظمها الشاعر عام 1404هـ ، بيّن فيها الواقع المهزوم لهذه الأمة في هذه الفترة من الزمان ، و أشار إلى الأوضاع السياسية والهزائم العسكرية التي عاشتها القضية ، وعرض مآسي شعب فلسطين .. من مطاردة وتشريد ومذابح ومصادرة للأراضي و.. و..

وأمام هذه المآسي والأهوال تساءل شاعرنا عن السبيل الذي نسلكه لنسترد حقوقنا ونحرّر أرضنا ونطرد منها المحتل . وذكّر الأمّة بتاريخها المجيد وبأبطالها الميامين وقادتها المجاهدين الذين خاضوا معارك حطين وعين جالوت . ودعا الأمة إلى تربية جيل جديد وإلى إعداد كتائب الإيمان التي تحمل المصحف في يد والبندقية في يد .. وتمضي مع الفجر لتخوض معركة التحرير . وبيّن أن هذا الدرب ومع أنه شائك وطويل إلاّ أنه لا درب غيره يوصلنا إلى الهدف المنشود ..

هذا الشاعر عاش مع أرضه ووطنه ، وتوجّع وتألّم لكنه لم ييأس ، ولم يعش في دائرة الحزن تأكله الآلام ، بل جعل من قصيدته أرجوزة لحن الأمل المرجو عبر التأسّي بماضٍ لم يمت ، ومستقبل زاهر لأمة عظيمة لا ترضخ ولا تستكين .. وأظهر من خلال الكلمة الشعرية مفهوم الارتباط بالأرض ، وقدسية تحرير أرض الإسراء ، وبيّن أن جوهر الصراع مع يهود ليس أرضاً فحسب ، إنما هو صراع عقيدة .. ودعا في قصيدته إلى أن يكون الإسلام هو الموجّه والقائد للمجتمع في كل الميادين .

أبيات القصيدة   

                                               =======================

مَعَ كُلِّ مَذْبَحَةٍ تَجِدُّ وَلا جَوابَ سِوى العويلْ
مَعَ كُلّ جُرْحٍ في عُروقِ عُروبَتي أَبداً يَسيلْ
يَأْتي يُسائِلُني صَديقٌ مِنْ بِلادي ما السّبيلْ ؟
كَيْفَ السَّبيلُ إِلى كَرامَتِنا إِلى الـمَجْدِ الأَثيلْ
مَعَ كُلِّ تَشريدٍ لِشَعْبٍ صارَ جلْداً للطُّبولْ
كَيْفَ السَّبيلُ إِلى الـخَليلِ إِلى الـمُثلَّثِ والـجَليلْ
كَيْفَ السَّبيلُ إِلى اجْتِثاثِ الـحِقْدِ والدّاءِ الوبيلْ
كَيْفَ السَّبيلُ لِنَطْرُدَ الـخِنْزِيرَ والقِرْدَ الدَّخيلْ
كَيْفَ السَّبيلُ لـحَرْقِ غَرْقَدِهِمْ وإِنْباتِ النَّخيلْ
لا تَنْصَحَنّي بالرُّكونِ لِكُلِّ مَهْزومٍ هَزيلْ
لا تَنْصَحَنّي بالصُّمودِ الزائِفِ القَذِرِ العَمِيلْ
تَبْقى شِعاراتُ الصُّمودِ سَليمةً وأَنا القَتيلْ
تَبْقى شعاراتُ الصُّمودِ تَخونُنا : أَيْنَ العُقولْ ؟
شَرِبوا دمائي مِنْ عُروقي نَخْبَ سِلْمِهِمُ الذَّليلْ
رَسَموا طَريقَ القُدْسِ مِنْ صَنْعاءَ حَتّى الدَّرْدَنيلْ
مَرْمى الحصى عَنْكُم أَريحا لا تَدوروا أَلْفَ ميلْ
وَلَمَسْتُ قَلْبَ مُحَدّثي وَهَتَفْتُ مِنْ قَلْبٍ عَليلْ
قَلْبي مَليءٌ بالأَسى وَحَديثُ مَأْساتي يَطولْ
أَسْمَعْتُهُ آياتِ قُرْآني بِتَرْتيلٍ جَميلْ
حَدَّثْتُهُ عَنْ قِصَّةِ التَّحْريرِ جيلاً بَعْدَ جيلْ
وَوَقَفْتُ في حِطِّينَ أَقْطِفُ زَهْرَةَ الأَمَلِ النَّبيلْ
وَرَأَيْتُ في جالوتَ ماءَ النّيلِ يَبْتَلِعُ الـمَغولْ
وَهَتَفْتُ لَيْسَتْ وَحْدَةُ الرَّشاشِ تَكْفي يا خَليلْ
أَرَأَيْتَ كَيْفَ ارْتَدَّ رَشّاشُ الزَّميلِ عَلى الزَّميلْ
بَلْ وَحْدَةُ الدّينِ القويمِ وَوَحْدَةُ الهَدَفِ الأَصِيلْ
وَبِناءِ جيلٍ مُؤْمِنٍ وَهْوَ الصَّواعِقُ والفَتيلْ
بِكتائِبِ الإِيمانِ تَحْمي الـمُصْحَفَ الهادي الدّليلْ
تمضي كتائِبُنا مَعَ الفَجْرِ الـمُلَثَّمِ بالصَّهيلْ
نَمْضي وَلا نَرْضى صَلاةَ العَصْرِ إلاّ في الخَليلْ
هذا السَّبيلُ ولا سبيلَ سِواهُ إِن تَبْغِ الوُصولْ
هذا السّبيلُ وإِنْ بَدا مِنْ صاحِبِ النَّظَرِ الكَليلْ
درباً طَويلاً شائِكاً أو شِبْهَ دَرْبٍ مُسْتَحيلْ
لا دَرْبَ يوصِلُ غَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ دَرْبٌ طَويلْ

قصائد مختارة من شعره

  3

  ورود الجراح

هذه القصيدة نظمها الشاعر عام 1996م بمناسبة ذكرى الإسراء وتجدّد الانتفاضة .. وبعد تسع سنوات مرّت على بدء الانتفاضة التي شاهد فيها أبناء فلسطين العبر والحقائق التي فضحت أساطير العدو وكبْره ، وملأت قلوب جنده قلقاً ورعباً . وفي هذه القصيدة دعا الشاعر إلى الجهاد لتحرير أرض الإسراء ، وأشاد بالشهداء الذين قدّموا أرواحهم فداء لدينهم ووطنهم ، ودعا الشباب إلى الاقتداء بهؤلاء الروّاد الذين سبقونا إلى الشهادة ، ووجّههم إلى التعلّق بالمساجد . وطالبهم بالتمسك بالقدس ووحدتها ، ودعاهم إلى تحرير الأقصى الأسير .. وأخبرهم بأنهم ليسوا وحدهم في الميدان ، وأن أحجار فلسطين وأشجارها ستكون معهم في معركة التحرير .. وهذا إشارة إلى حديث الرسول عليه السلام حيث قال: [لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتُلُهُم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهوديٌّ خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود] ([20]) .

أبيات القصيدة   

بابُ الجهادِ مُفَتَّحٌ لا يُغْلَقُ
والمسلمون خَصيبةٌ أجيالُهُمْ
(يحيى) مضى واللهُ ربٌ قادرٌ
يمضي الشهيدُ فنَقْتَفي آثارَهُ
منا الأواخرُ تَقْتَدي بِأَوائلٍ
ديباجةُ الشهداءِ تلْمَعُ جِدَّةً
ودُروعُنا نُسِجَتْ بِأهْدابِ التُّقى
وتَعَلَّقَتْ أجْيالُنا بمَساجدٍ
والعُرْبُ حَوْلَ الموبِقاتِ تَجَمَّعوا
وَغَدَتْ مَطاياهُمْ هِجانَ مَذَلَّةٍ
تِسْعٌ مِنَ السَّنَواتِ مَرَّتْ وانْقَضَتْ
ذِكرى انْتِفاضَةِ شَعْبِنا عِبَرٌ لَنا
فَضَحَتْ أَساطيرَ العَدُوِّ وكِبْرَهُ
ومصيرُ أعداءِ الشُّعوبِ جَهَنَّمٌ
هَلْ يَسْتوي مَنْ في لَظىً مُتَقَلِّبٌ
وإذا انْتَمى كُلٌ إلى حَسَبٍ لَهُ
مِنْ صَبْرِهِ وثَباتِهِ ويَقينِهِ
ياسينُ شَيْخَ الصامِدين تَحيَّةً
يا قُدْسُ إنَّ بَنيكِ حَقّاً مَنْ أَبَوا
يا قُدسُ أنت القلبُ في أجسامِنا
صَفَدٌ لنا كَتِفٌ وعَكا هامَةٌ
حِطّينُ تاجُ الـمُسْلمينَ لِهامَةٍ
وجِبالُ هذي الأرضِ عَظْمُ جُسومِنا
والـمَسْجِدُ الأَقْصى كِتابٌ مُنْزَلٌ
فيهِ الأذانُ حَزينَةٌ أَنْفاسُهُ
وبُراقُنا والسّورُ مِثْلُ سِجِلِّهِ
يا قُدسُ جُنْدُكِ كالجِبالِ رُسوخُهُمْ
يا قُدسُ يَحْميكِ الإلهُ بِجُنْدِهِ
يا قدسُ ماؤُكِ سَلْسبيلٌ رائقٌ
يا قُدسُ تَفْديكِ الجِباهُ نَقِيَّةً
القَيْدُ أَدْماها ودنّسَ طُهْرَها ،
يا قُدسُ كَمْ مِنْ هَجْمَةٍ هَمَجِيَّةٍ
وَلآخِرِ الـهَجَماتِ يَوْمٌ قادِمٌ
مَسْرى النَّبِيِّ غَدا أَسيراً مالَهُ
أحْجارُنا أَشْجارُنا سَتُقاوِمُ الـ

 

كالشمسِ تَغشاها الغيومُ وتُشرِقُ
ومَنْ ابْتَغى سُبُلَ العطاءِ سيُرْزَقُ
أمثالُ (يحيى) للجهادِ ستُخلَقُ
جيلٌ قضى منّا وجيلٌ يَلْحَقُ
حَبْلُ التّواصُلِ في الجهادِ مُوثّقُ
نَرِدُ المنايا راغبين فنَسْبِقُ
ومَنْ ارتَدى ثَوْبَ التُّقى سَيُوَفّقُ
إن كانَ يَسْتَهوي سِوانا الفُنْدُقُ
وإذا دعا داعي الجِهادِ تَفَرَّقوا
فَمتى سَيَصهَلُ في رُباها الأَبْلَقُ
ولِحُلْوِها ولِمُرِّها نَتَذَوَّقُ
فيها الحَقائِقُ والرُّؤى والـمَنْطِقُ
قَذَفَتْ بِهِ رُعْباً يَشِلُّ ويُقْلِقُ
وشَهيدُنا في الـخُلْدِ حَيٌّ يُرْزَقُ
مَعَ مَنْ يَطيرُ بِجَنَّةٍ ويُحَلِّقُ
كانَ السَّجينُ هُوَ الأصيلُ الأعْرَقُ
نَسَجَ الصَّباحُ خُيوطَهُ والـمَشْرِقُ
عَلَّمْتَنا كَيْفَ الـحُقوقُ تُحَقَّقُ
تَمْزيقَ جِسْمِكِ ، والأعادي مِزَّقوا
حيفا ويافا كالعيونِ تُحَدِّقُ
والزَّنْدُ غَزَّةُ ، والخَليلُ البَيْرَقُ
وَعْداً سَتُنْصَرُ والكِتابُ مُصَدَّقُ
وِدْيانُها بِعُروقِنا تَتَدَفَّقُ
أَحْجارُهُ آياتُهُ تتألَّقُ
فَمَتى يَهُزُّ الخافِقَيْنِ ويَخْفِقُ
فإذا اسْتَهَنّا بالسِّجِلِّ يُمَزَّقُ
وسُيوفُهُمْ في الـمَعْمَعانِ سَتُبْرِقُ
يَحْميكِ ربّي أنْ يَبيعَكِ سُرْسُقُ
مَهما شَرِبْنا مِنْ سِواكِ سَنَشْرَقُ
لِسُجودِها وخُشوعِها تَتَشَوَّقُ
لِيَدٍ تُحَطِّمُ قَيْدَها تَتَحَرَّقُ
كانتْ عَلى أَعْتابِ سورِكِ تُسْحَقُ
تَتَجَمَّعُ الأَهْوالُ فيهِ ويُطْبِقُ
إلاّ الدِّما تُفْني القُيودَ وتُعْتِقُ
ـمُحْتَلَّ يُنْطِقُها الإلهُ فَتَنْطِقُ

              

 المصادر والمراجع 

1- ديوان "كيف السبيل" .

2- ديوان "حجر وشجر" .

3- ديوان "الأسرى أوّلاً" .

4- الدكتور جبر خضير : التيار الإسلامي في الشعر الفلسطيني المعاصر .

5- مقابلة مع الشاعر خالد السعيد في 4/11/1997 .

([1]) التيار الإسلامي في الشعر الفلسطيني المعاصر ، ص298 .

([2]) ديوان "كيف السبيل" ، ص11 .

([3]) ديوان "كيف السبيل" ، ص31 .

([4]) ديوان "حجر وشجر" ، ص58 .

([5]) ديوان "حجر وشجر" ، ص58-59 .

([6]) ديوان "كيف السبيل" ، ص45 .

([7]) ديوان "كيف السبيل" ، ص46 .

([8]) ديوان "كيف السبيل" ، ص46-47 .

([9]) ديوان "حجر وشجر" ، ص25 .

([10]) ديوان "الأسرى أولاً" ، ص43 .

([11]) ديوان "الأسرى أولاً" ، ص31 .

([12]) ديوان "الأسرى أولاً" ، ص57 .

([13]) ديوان "الأسرى أولاً" ، ص15 .

([14]) ديوان "الأسرى أولاً" ، ص45 .

([15]) ديوان "حجر وشجر" ، ص37-42 .

([16]) ديوان "الأسرى أوّلاً" ، ص28 .

([17]) ديوان "كيف السبيل" ، ص27-28 .

([18]) ديوان "حجر وشجر" ، ص107 .

([19]) ديوان "كيف السبيل" ، ص57 .

([20]) صحيح مسلم الجزء الثامن عشر ص44 .