أحمد زكي عبد الله باشا

أحمد زكي عبد الله باشا

شيخ العروبة

حسين علي محمد حسنين

كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر

[email protected]

   ولد أحمد زكى عبد الله بالإسكندرية فى عام 1866 . وكان والده ينتمي إلى آل النجار بمدينة عكا الفلسطينية ، وهناك رواية أخرى ترى أن والده جاء من بلاد المغرب بشمال أفريقيا وحط رحاله أولا بمدينة يافا الفلسطينية ثم جاء إلى مدينة رشيد المصرية وعاش فيها وتزوج من فتاة رشيدية من عائلة سويدان أنجب منها عدد من الأطفال ، ثم رحل مع أسرته الصغيرة إلى مدينة الإسكندرية  وإستقر هناك .

   ولما توفى والد الفتى وهو صغير السن كفله شقيقه الأكبر محمود رشاد الذي كان يكبره بثلاثة عشر عاماً وكان يعمل باحثاً حقوقياً وصاحب رحلات وأبحاث ، وقد بدأ حياته ضابطاً في الجيش، ثم مفتشاً بوزارة المعارف،  وقاضياً في المحاكم الأهلية، ولعل ذلك المناخ الأسرى هو  الذي أتاح لأخيه الصغير أحمد  نشأة  فكرية مميزة .

   التحق الفتى أحمد بمدارس التعليم بالإسكندرية إلى أن تخرج من مدرسة الإدارة والحقوق بالإسكندرية.  ثم عمل فى بداية حياته مترجماً بمديرية السويس وإنتقل بعدها إلى المدرسة الخديوية بالقاهرة ليعمل مدرساً للترجمة حيث كان متفوقاً في اللغتين العربية والفرنسية ، ويجيد الأسبانية والإنجليزية والتركية . عمل بعد ذلك أستاذاً للغة العربية في الإرسالية العلمية الفرنسية، ثم مترجماً لمحافظة الإسماعيلية . وفى تلك الفترة قام بترجمة كتاب  " الرق في الإسلام " من الفرنسية إلى اللغة العربية وترجمه إلى اللغة التركية أيضا ، لذلك أختير للعمل مترجماً لمجلس النظار " أى الوزراء " ، فسكرتيراً ثانياً ثم سكرتيراً عاماً وظل بهذا المنصب إلى أن استقال في عام  1918 ، وفي تلك الفترة عمل مدرساً للغة العربية للبعثة الفرنسية في مصر.

   كان " أحمد زكى "  على علاقة وثيقة بالمجمع العلمي المصري وهو في العشرين من عمره أى عام 1886 ، كما اتصل أيضاً بـالعالم  "ماسبيرو" وعلماء الآثار الآخرين . وذلك نتيجة لإهتمامه بالبحث  في مجال الآثار كجزء من خطته الفكرية العامة وقد شجعه ماديا ومعنويا على ذلك الخديوي عباس حلمي الثانى (نصير المفكرين والمبدعين كما كان يقال عنه فى ذلك الوقت) .

   ومع توسع إهتماماته بالآثار المصرية سافر أحمد زكى في مطلع حياته إلى بلاد كثيرة بحثاً عن القبور والمساجد والمسكوكات والمحاريب والأواني والزخارف دارساً وفاحصاً ومصمماً أسماء مدنها وأعلامها والخرافات المرتبطة بها.   كما إتصل بالعديد من المستشرقين وشده اهتمامهم بالتراث العربي والإسلامي ، وقرأ ما قاموا  بترجمته إلى لغاتهم وما طبعوه بمطابعهم، وقد دفعه ذلك الإهتمام الشديد والغيرة على وطنه إلى وضع مشروع متكامل أطلق عليه " مشروع إحياء الآداب العربية "  وبذل كل ما لديه من أمكانات ووقت للدراسة من أجل بعث وتحقيق ذلك المشروع والدفاع عنه والرد على كل من يحاول تحريفه أو تزويره ، وقد ساعده على ذلك الخديوى عباس حلمى الثانى .

   وقد تميز أحمد زكى بحس وطني وعربي عال وعرف  بـ " شيخ العروبة "  وذلك لحافظه على عروبته ووطنيته ، وإهتم بتصحيح أعلام الأندلس وردها إلى أصولها العربية بعد أن كانت قد لحقها التحريف. وجعل من " دار العروبة " مجمعاً للفنون العربية بهندستها ونقوشها وزين جدرانها بالصور والأشعار العربية .

عين زكى عضواً  بكثير من الجمعيات والمجامع . وإشترك فى إنشاء الجامعة المصرية وكان عضواً بمجلس إدارتها وأميناً لها . واختير عضواً بالجمعية الجغرافية الخديوية وسكرتيراً لها.

إهتم أيضا بدراسة التراث العربي وعاون اللجنة التي قامت بترجمة دائرة المعارف الإسلامية وقدم لها المخطوطات والدراسات المطبوعة والوثائق والأسانيد التي تعينها في أعمالها .

أيضا اهتم بالحضارة العربية وكون " الرابطة الشرقية ". وقام بدراسة موفقة عن قضية " البراق " في فلسطين . وقد أختير عضواً بالمجمع العالمي العربي بدمشق . وكان له نشاط سياسي ، وقد كتب العديد من المقالات والأبحاث باللغة العربية والفرنسية في الجرائد والمجلات والكتب.  

إهتم به  الخديوي عباس حلمي الثاني بدرجة كبيرة لتمسكه الشديد بمصريته وعروبته ، لذلك جعله يمثل مصر في مؤتمرات المستشرقين، كالمؤتمر التاسع في لندن 1893 ، وفي أثينا سنة 1910 . وطلب منه الخديوى أن يقوم بزيارات إلى أوروبا والأستانة واليمن عدة مرات منقباً عن الكتب النادرة.

ويحسب لأحمد زكى تاريخيا إهتمامه المنقطع النظير بمشروعه الخاص بإحياء الآداب العربية  حيث بذل كل ما لديه من إمكانات ووقت لتحقيقه دون المساعدة من أحد ، كما يحسب له أيضا دفاعه عن مشروعه بقوة. ولعل ذلك هو ما دفع الخديوى عباس حلمى الثانى إلى دعمه المطلق ماديا ومعنويا لتنفيذ مشروعه الخاص بإحياء الآداب العربية وإستمراره فى بحوثه عن المخطوطات العربية في مكتبات الغرب والمكتبات العربية والإسلامية، ثم نقلها بالتصوير ومراجعتها والتعليق عليها وطبعها . ويذكر فى هذا الصدد أن استخدامه للتصوير الشمسي في نقل المخطوطات كان عملاً جديداً فى ذلك الوقت لم يسبقه إليه أحد من العرب، فقد كان أحمد زكى حريصا على أن يحصل العالم العربي على مخطوطات تراثه الأصلية التى سرقت منه أو بيعت رغما عنه .

وفي أيامه الأخيرة ضعف سمعه مما سبب له بعض المتاعب مع زواره ورواده ورحل إلى رحاب الله في عام  1353هـ - 1934م وترك خلفه مكتبته الخاصة المسماة بالخزانة الذكية والتى إحتوت علىمؤلفات فريدة ليس لها نظير في مكتبة دار الكتب أو غيرها، وقد تم نقلها من مكان إلى آخر حتى استقرت في مدرسة السلطان قنصوة الغوري بعد أن أوقفها أحمد زكي باشا وقدمها هدية للأوقاف عام 1921م شرط أن تبقى بإسمه ولا تضاف لدار الكتب أو تخلط بها ، إلا أن ذلك لم يحدث بعد وفاته فى عام 1934م إذ تم نقل المكتبة إلى دار الكتب عام 1930م بمجلداتها الـبالغ عددها تحديدا  " 18700 " والتي تضمنت مجموعات كاملة من المصورات والخرائط والفرمانات الشديدة الندرة، إضافة للكتب النفيسة في الطب والفلسفة والعلوم والقانون الكيمياء والطبيعة وآلاف المخطوطات المطبوعة والمصورة . وما يقرب من ألف مقالة ، وقد ضم إلى مكتبته العديد من الكتب العربية والأفرنجية. وقد كلفته هذه المكتبة أموالاً طائلة لشراء المكتبات النفيسة مثل مكتبة "البرنس محمد إبراهيم" و "محمد بك واصف" و "علي باشا إبراهيم" و "حسن حسني باشا" وغيرها، وكان يتطلع إلى كل ما يكتب عن الإسلام والعرب مؤمناً بأن هذا التراث هو البذرة الأولى في يقظة الشرق وبعث وبناء الأمة، وهو أيضاً ولع لم ينحصر بجمع وشراء الكتب بل بمراجعتها والتعليق على هوامشها، وتلخيصها في قصاصات بحيث يستطيع الباحث فيها أن يجد ضالته بأسرع وقت على حسب الباب الذي يرجع إليه .  ولا شك أن هذه المكتبة العامرة بكل هذه الدرر الفكرية كانت أحد أهم أسباب شهرة أحمد زكي باشا في العالمين العربي والإسلامي.

وحول أهم منجزاته : قام بتأليف 31 كتاباً  منها :

1- ألف مقالة ومقالة . 2-  آثار العرب الخالدة في أوربا . 3-  إحياء الآداب العربية . 4- الأسباب التي ارتقى بها الإسلام . 5- التجارة في الإسلام . 6-  تحقيق أول سنة الهجرة . 7-  تحقيق جغرافي تاريخي عن أهل الكهف . 8-  تقرير عن الكتب التي خلفها العرب بالأندلس . 9- تسامح المسلمين مع أهل الأديان الأخرى . 10- الحضارة الإسلامية. 11-  ابن زيدون.   12– القاهرة صدرت فى عام  1914م. 13- الترقيم في اللغة العربية ، صدر بالقاهرة عام  1912م وهذا الكتاب كان يهدف إلى إرشاد القارئ على مواقع الوقوف القليل والمستطيل، ومواقع التعجب والحيرة والاستفهام ونحو ذلك ، وهذه الإشارات خير مرشد للقارىء في حسن التلاوة وعدم خلط الجمل مع بعضها .   14- الحضارة الإسلامية صدر فى عام  1911م.

15-  الدنيا في باريس مصر.   16- عجائب الأسفار في أعماق البحار "لم يطبع" .    17- قاموس الأعلام القديمة .     18-مفتاح القرآن .   

ولم يقتصر تأليفه للكتب على الكتابة بالعربية فقط، فله عشرة مؤلفات باللغة الفرنسية تناولت موضوعات تراثية وتاريخية ودينية منها: 

1-  الطيران في الإسلام . 2- علاقة المصريين مع الأندلسيين .     3- العهدة النبوية الموجود صورتها في دير الطور .     

 أما الكتب التى قام بترجمتها فهي ستة مؤلفات لاقت تقديراً كبيراً من النقاد والباحثين وهم : 1-  تاريخ المشرق في الأزمان القديمة .     2-  رسالة في المعارف العمومية . 3- الرق في الإسلام عن "أحمد شفيق باشا" . 4-  غادة الكاميليا لجنة التأليف والترجمة والنشر .    5- مصر والجغرافيا . 6-  تاريخ الإسلام في تقويم العرب قبل الإسلام.   

وفي مجال تحقيق المخطوطات فهو أول مصري عرف وكتب البحث والتحقيق العلمي، وأول من استطاع أن يتنافس مع المستشرقين في الجامعة فى البحث والتحقيق . وبخصوص كتبه المحققة فقد كانت من أوائل الكتب التي صدرت على أحدث المناهج العلمية للتحقيق، مع استكمال المكملات الحديثة من تقديم النص للقراء، ووصف النسخ والرمز لها عند الاختلاف ومن إلحاق الفهارس التحليلية ومن هذه الكتب:    1- الأدب الصغير لابن المقفع . 2- الأدب الكبير .

 3- أنساب الخيل في الجاهلية والإسلام . 4-  التاج في أخلاق الملوك للجاحظ . 5-  تجارب الأمم لابن مسكوية . 6-  نهاية الأرب للنويري .   

ويقال أنه قد شرع بالعمل على طبع موسوعتي " نهاية الأدب في فنون الأدب " و " مسالك الأبصار" إلا أن المشروع توقف بوفاته رغم عمله عليه لسنوات طويلة.

وقد عرف عنه أنه كان محباً للحياة حتى الثمالة رغم إنفاقه عشرات الألوف من الجنيهات على زخرفة مقبرته التي بناها بجوار المسجد الذي يحمل اسمه على نيل الجيزة والذى يحتوى على روائع فن الزخرفة وطرائف الأحجار من كل مكان في العالم العربي الذي زاره وأحبه، وسعى لنهضته ورحل " شيخ العروبة " إلى رحاب الله ودفن بالقاهرة في 1253هـ ، 1934م .