سعيد السوقي

أحمد الجدع

إذا عددت العائلات القديمة في مدينة جنين عددت آل السوقي، وهي عائلة أنجبت لمدينة جنين عدداً من المتعلمين، كان منهم أستاذي ومديري سفيان السوقي.

علمني الأستاذ سفيان السوقي علوم الزراعة عندما كنت طالباً في مدرسة جنين الثانوية وعندما عينت مدرساً في مدرسة جنين الابتدائية عام 1959م عين هو مديراً للمدرسة.

ومن آل السوقي أيضاً الأستاذ سعيد السوقي، وهو الأخر من الأساتذة الذين علموني اللغة العربية في مدرسة جنين الثانوية.

كانت المدارس في أيام دراستي في المدرسة الثانوية تعج بالأحزاب، يميناً ويساراً... وربما شمالاً وجنوباً!!

كان هناك أحزاب قومية وأخرى شيوعية وثالثة اشتراكية.... وكان هناك حزبان إسلاميان: الإخوان المسلمون وحزب التحرير.

كان أستاذنا سعيد السوقي يميل إلى الأحزاب الإسلامية، وأرجح أنه كان يفضل حزب التحرير، وبسبب من هذا الميل سمعنا منه قصائد إسلامية متفوقة، كنا نردد أبياتها أو بعضاً من أبياتها استمتاعا بها وإعجاباً بشاعرها.

وعندما هممت أن أكتب كتاباً شاملاً عن شعراء جنين المعاصرين خططت على ورقة أسماء من عرفوا بالشعر فيها، كان منهم سعيد السوقي، وعندما حاولت أن أتذكر له شعراً مما كنت أحفظ لم أجد في ذاكرتي من شعره الإسلامي إلا مطلع قصيدة قالها في مدح رسول الله  والثناء  عليه، وهذا المطلع هو:

ماذا تقول وتنطق الأفواه

 

في مدح من أثنى عليه الله

وعندما استغثت بمن أعرف من أصدقائي في جنين لأحصل على ما خلف سعيد من الشعر لم يسعفوني بشيء ، قالوا إنهم استنجدوا بأقربائه ولم ينجدهم أحد .

ليس هذا الشاعر بدعاً في الشعراء في هذه البلاد فكثيرا ما ضاع شعر الشعراء بعد موتهم بسبب من إهمال ذويهم أو بسبب من عدم تقديرهم لما بين أيديهم من نفائس هذا الشعر،لهذا أنصح كل شاعر أو كاتب أن يطبع ما أنتج حتى يحفظه كتاب جامع، وإلا فليوص من يعرفه من أصدقائه أو ذوية ممن له اهتمام بالأدب أو الشعر حتى يتصرف بالذي هو أفضل لحفظ ما استؤمن عليه.

كان واحد من طلاب صفنا المترفين مهملاً إهمالاً مطلقاً لدروسه، لا يدرس، لا يطالع، لا ينتبه أثناء الشرح...لا...لا...

وكان أستاذنا في الرياضيات الأستاذ عارف عزوقة(كما أرجح) وكان فاضلاً متديناً، وكان آل عزوقة في جنين من جذور متدينة، وكان يطلق على الرجل منهم لقب (شيخ)، وفي جنين لم يكونوا في زماننا يطلقون كلمة شيخ إلا على المتدينين، ولم نكن قد سمعنا بعد بشيوخ البترول...

مالنا ولهذا، كنا نطلق على أستاذنا عارف عزوفة : الشيخ عارف، وكان لا يعترض على ذلك، بل كان يبتسم له.

وكان طالبنا المترف لا يستطيع أن يتجاوز درجة الصفر في الرياضيات، ولم يكن يستطيع أن يناقش الشيخ عارف في هذا الأمر، فشكى أمره إلى الشاعر: سعيد السوقي، فاستجاب سعيد إلى هذا الطالب، وكتب له أبياتاً بالعامية يستعطف بها قلب الشيخ عارف حتى يعتدل مع الطالب  ويأخذ بيده في صعود سلم النجاح....!

كتب له بضعة أبيات نسيت معظمها ولكني لا زلت أذكر منها الجزء الأول من مطلع النداء: يا سيدي يا شيخ عارف!

ولا زلت أيضاً أذكر البيت الأخير:

حط لي على الغلط "صح"

 

واعمل حالك مش شايف

باختصار لم يستجب الشيخ عارف للنداء... وصفّر للطالب المترف!

الشاعر الجنيني سعيد السوقي ممن ظلمه ذووه فأهملوا شعره، كنت أتمنى لو حصلت على ترجمة له وعلى عدد من قصائده حتى أكتب عنه.... وحتى كتابة هذه السطور لم تتحق الأماني.

أما ما أرجحه من سيرته فقد ذهب إلى الكويت مدرساً وفيها توفي... ولا أعرف أكثر من ذلك.

رحم الله هذا الشاعر المسلم وغفر له

وبعد:بعد أن أتممت كلمتي هذه عن أستاذي الشاعر سعيد السوقي أهداني أخي وصديقي مؤرخ مدينة جنين مخلص محجوب كتابه : "جنين ماض وحاضر" فوجدته قد كتب عن سعيد السوقي معلومات مفيدة ، أود أن أسجل هنا الأهم منها :

ولد الشاعر سعيد السوقي في مدينة جنين عام 1923م ، عمل في أكثر من عمل ، لكن أهم ما عمل به التربية والتعليم في جنين ، ثم في بلدية جنين ، وفي عام 1961م ، ارتحل إلى الكويت ، وعمل في بلديتها ، وفيها توفي بالسكتة القلبية عام 1983م.

وأحب أن أنقل هنا ما وصف به الشاعر خالد نصره شعر سعيد السوقي ، قال: "سعيد السوقي الشاعر الصامت ، أمير الكلمة ، المقل المبدع ، الزاهد بالظهور والنشر ، كان يغوص إلى محارة المعنى فيخرج بالدرر".

أما قصيدته التي مدح بها رسولنا الكريم وأوردت مطلعها ، فإن صاحب كتاب "جنين ماض وحاضر" قد أورد منها الأبيات التالية، أسجلها هنا لندرتها ونفاستها:

ماذا تقول وتنطق الأفواه
وحياتنا ووجودنا ومعادنا
لكن قولاً في مديح محمد
وعليه جئتك مادحاً متوسلاً
قد جئتَ غيثاً من إله راحمٍ
والغيث فوق الصخر منزلق سدىً
فالناهلون من الهدى طوبى لهم
قد جئتَ نوراً في ظلام دُجنةٍ
وإذا من الوطواط قُرِّب مشعلٌ
كم كذبوه بقولهم :قرآنُه
لكنما صَبَرَ الرسولُ عليهمو
وأتى لمجتمع مريض آسياً

 

في مدح من أثنى عليه الله
في خيبة وضلالة لولاه
يعلو ويبدو سامياً معناه
ولمن توسّل فيك نال مناه
والفكر قفرٌ والبريّة تاهو
وإذا أتى سهلاً فقد أحياه
ولمن تولى عنك ما أشقاه!!
يمشي ذوو الأبصار نحو هداه
يسعى ليطفئه بكل قواه
من أعجمين معلمين أتاه
ومضى يجاهد، ربُّه يرعاه
وبدولة الإسلام تم شفاه

كما أورد أبيات أخرى من شعر الشاعر، ولكنها لا تروي غلة من يهيم بالشعر الأصيل الذي كان يقوله سعيد السوقي، ولازلت أتمنى أن نحظى بأكثر مما قرأنا في كتاب مؤرخ جنين.