الأستاذ أنور الجندي

الأستاذ أنور الجندي

بقلم: محمد المجذوب

قبل ثلاثين سنة، وكنا مجموعة من أساتذة العربية، قد حضرنا للمشاركة في تدقيق الامتحانات بثانوية جودة الهاشمي في دمشق.. وفي إحدى فترات الراحة دار الحديث حول مختلف الشئون وكانت لي هناك كلمة عابرة، ولكنني لا أزال على يقين من صحتها، إذ قلت: من غرائب الأشياء أن معظم الذين نؤثرهم بمحبتنا هم الذين لم نرهم قط...

وكانت هناك مدرسة من المأخوذات بكل جديد من أسباب التطور، فلم يعجبها ما قلته وقالت فيما قالت: وكيف يكون ذلك ؟.. فقلت: أعلم ذلك من خلال تعاملي مع الذين أحبهم، فأحب هؤلاء إليّ إطلاقاً هم الذين عرفتهم عن طريق مآثرهم المتفوقة، وعلى رأسهم محمد رسول الله والراشدون من بعده حكاماً وعلماء وأبطالاً في مختلف ميادين الحياة...

ولم تستطع المُدرّسة الصبر على مواصلة الحديث فتركتنا وانصرفت.. وفي ظل هذه القاعدة الواقعية أتحدث عن الصديق الفاضل الأستاذ أنور الجندي، فقد عرفت الرجل من خلال مقالاته الطريفة التي يعالج بها الحسَّاس من مشكلات الجيل المسلم.. وحفزني ذلك على قراءة بعض كتبه فازددت له تقديراً وبه إعجاباً... ثم لقيته لأول مرة أثناء زيارتي " دار الاعتصام " في القاهرة، فلم أجد في هيئته وحديثه ما يخالف الصورة التي كونتها عنه، ثم شاء الله أن نتلاقى في مؤتمر السيرة والسنة، الذي عقدته مصلحة الشئون الإسلامية في دوحة قطر عام 1400 هـ وأتيح لنا أثناء هذا اللقاء أن نتناول من الأحاديث ما لم يتسع له لقاؤنا العابر في القاهرة..، فكان ذلك مدعاة لعمق المعرفة، واكتشاف ما بيننا من توافق في الخط الإسلامي الذي اتخذه كل منا..

أول ما يلفت نظرك في الأستاذ أنور الجندي بساطة مظهره، وصفاء نظره، الذي يصور لك ما وراءه من صفاء النفس. وخلال لحظات قصيرة تشعر بأنك تلقاء إنسان سلمت طبيعته من التعقيد والالتواء، فلا تلبث أن تنساق إلى مودته والثقة به.

ودفعت إليه بورقة الأسئلة التي أعددتها له..

فلم يلبث أن وافاني في اليوم التالي بالأجوبة على نحو من الإيجاز لا يكاد يفي بالمنشود، فكان علي أن أقرأ كلماته وما وراءها مما اكتفى بالإشارة إليه دون أن يقول فيه شيئاً.

م: لو تفضلت بتقديم نفسك إلى القارئ: الاسم والمولد والنشأة الأولى.

ج: اسمي أحمد أنور سيد أحمد الجندي.. ولدت في الخامس من ربيع الأول من العام خمسة وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة، في مدينة ديروط من مديرية أسيوط بمصر، ولقد نشأت في بيت علم ودين، وتفتحت عيناي منه على كتب التراث الجميلة مكتوبة بالمداد الشيني الأسود، وقد مُيّزت عنواناتها باللون الأحمر، مما ترك في نفسي هوى خالصاً لهذا النوع من كتب التراث.

وكان والدي رحمه الله إلى جانب عنايته بتلك الأسفار متابعاً للحديث من مقالات المعاصرين التي تنشرها الصحف والكتب الجديدة .

فكان من إيحاء ذلك الجو أن بدأت اتصالي بالكتب عن طريق مقدمة ابن خلدون ودائرة معارف فريد وجدي وما إليهما من مؤلفات بعضها في مكتبة الوالد، وأستعير بعضها من الآخرين.. فكنت أقرأ ما يتيسر من هذه الكتب دون الإحاطة الكاملة بما تحتويه، وكان لذلك أثره البعيد في تكويني الإنشائي والفكري، حتى لقد أقدمت على إلقاء محاضرة عن الأدب العربي الحديث أثناء دراستي الابتدائية، كان لها ردود فعل غريبة، إذ تعذر على مستمعيها أن تكون من عملي، ولذلك عمد بعضهم إلى إجراء البحث عن مصادر هذه المحاضرة، وقد علمت ذلك من أوضاع الغرفة التي أسكنها، إذ عدت ذات يوم فوجدت آثارهم درجي وأوراقي. فقد قدروا أن المحاضرة منقولة لا محالة، لأن أسلوبها الأدبي فوق طاقة تلميذ من تلك المرحلة، فأرادوا التيقن من ذلك ..".

ويذكرني حديث الصديق عن محاضراته تلك بالوضع الذي بلغه التعليم الابتدائي والإعدادي أثناء الأربعينات في مصر وسورية، وفي خريجي الأزهر في تلك العهود أمثلة حية لارتفاع مستوى تلاميذه في المرحلة الابتدائية، إذ كان من شروط القبول فيه أن يكون التلميذ من حفظة القرآن، ولا يتصور أن يتم هذا الحفظ دون أن يصاحبه زاد مناسب من القراءة والكتابة والفقه في الكُتّاب الذي أهله لتلك المرحلة.

ولا أزال أذكر جيداً أن بعض تلميذاتي في المرحلة الإعدادية بسورية قبل أربعين سنة قد بلغن في الإنشاء الأدبي مستوى أهلهن لتقدير بعض الأدباء، الذين تحدثوا عن إنتاجهن ضمن مذاعاتهم عن الأدب الحديث في إذاعة الشرق الأوسط..

فالجو المدرسي الذي عايشه الأستاذ أنور الجندي أيامئذ كان مهيئاً لترقية المواهب ومشجعاً للأذكياء من التلاميذ على المحاولات الأدبية...

فلا يستغرب أن يوجد بين أفراده الناشئين من يحسن الكلام عن الأدب العربي الحديث... ذلك لأنهم لا يجدون ما يشغلهم عن التحصيل الجدي، بشيء من العوامل الصارفة التي تواجههم هذه الأيام في المسلسلات التلفازية، ومشاهدة الكرة، ورسوم الرقعاء على أغلفة المجلات وصدور الصحف... فتستهلك أوقاتهم دون فائدة، وتقطعهم عن روافد العلم الذي لا سبيل إليه عن طريق الكتاب الجاد .

ويتابع الأستاذ الجندي حديثه عن نشأته وعوامل تكونه الفكري قائلاً:

كانت صلتي وثيقة بأئمة المساجد في بلدنا، وهي التي ساعدت على اتجاهي في اختيار نوعية الأصدقاء الذين تركوا آثارهم عميقة في سلوكي الشخصي.. ففي ذاكرتي صور لا تنسى عن ذلك الوسط الطيب يتمثل في أجواء المساجد وهيئات المصلين ومواسم العبادات... وما زلت أتذكر مجلساً للعلم في مسجد ديروط الكبير بين العصر والمغرب من كل يوم، وألمح من وراء السنين ذلك الشيخ الوقور الذي يمس بإشراق وجهه وملامحه أعمق المشاعر..، وأستعيد ذكرى والدي وأنا أصاحبه إلى حلق الذكر، وأستشف تلك النشوة الروحية التي كانت تغمرنا نحن الصغار إذ نتنادى للخروج إلى المسجد، قبيل الفجر، فنرافق المؤذنين إلى المنائر، وندير السواقي القائمة على البئر لنستخرج المياه للمتوضئين.

ولا أتمالك وأنا أراجع كلمات الأستاذ الصديق عن ذلك الجو الآمن الآسر، الذي لم يكن ليفقده بلد إسلامي في هاتيك الأيام، فأجدني مسوقاً إلى التساؤل: كم بقي لأبنائنا وأحفادنا من جمال ذلك الماضي حتى الآن ؟!..

لقد تغير كل شيء، ويا ليته تغير للأفضل، فإن التغير سنة الحياة، ولكنه تغير موشك أن يقطع صلتنا بكل ذلك الماضي، حتى لنستشعر الغربة الكالحة تضرب بسدودها بيننا وبين أبنائنا بله أحفادنا.. فلا يكادون يفهمون عنا شيئاً، ولا يتصورون أن لدينا ما يستحق أن يُستمع إليه.. ولا غرو فقد بدأنا أول الحروف التي تعلمناها من كتاب الله في كتاتيب تؤديها صباح مساء بألحان القرآن، وترعرعنا في أحياء يكثر فيها الآمرون بالمعروف ويقل فيها الراغبون في المنكر.. ثم انتقلنا إلى مدارس كان معظم مدرسيها من شيوخ الكتاب أنفسهم ومن زملاء لهم لا يختلفون عنهم من حيث الالتزام بأخلاق الإسلام، ثم تدفقت علينا أمواج الشواذ من أخلاق لا عهد لنا بها، وتصرفات لا مسوغ لها في مواريثنا، وتولى تربية أبنائنا أناس من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ولكنهم آمنوا بغير أفكارنا ونشئوا على غير سبيلنا، فإذا نحن تلقاء هذه الأجيال التي غلب عليها الاستهتار بتراث الآباء والأجداد، إلا من رحم الله وقليل ما هم، وكثير بلاؤهم في سبيل الحق الذي هداهم الله إليه..

ويتابع الصديق سرده لمؤثرات النشأة فيذكر اتصاله بمصادر الفكر الحديث عن طريق الصحف والمجلات، التي كانت معرض التطورات الثقافية، التي يمثلها أفراد من كبار كتاب تلك السنين، وكان لهذا الاتصال أثره العميق في إثارة التفاعل بين قراءاته السابقة والحديثة..

ويقول الأستاذ: لقد بدأت هذه الخيوط تتجمع لتشكل نوعاً من التركيز الفكري حتى هدى الله قلبه إلى المفهوم الإسلامي الجامع، ومن ثم تفتحت له آفاق السنة والسيرة النبوية بعد القرآن، وفي ضوء هذه المصادر العليا جاءت مؤلفات الإمام الغزالي لتثبت له المؤشر الحاسم بأن الإسلام منهج حياة ونظام اجتماعي عالمي متكامل...

وهنا لا بد من وقفة قصيرة نقارن خلالها بين اتجاهه الفكري هذا، وبين دراسته وعمله.. فقد كانت دراسة الأستاذ كما يفهم من الاستطلاع، مقصورة على التجارة والاقتصاد، فساقه التخصص إلى العمل في " مصرف مصر" وهو مسلك لا يكاد يتصل بالاتجاه الذي صار إليه، ولا ندري كيف استطاع التخلص من التناقض بينه وبين عمل في مصرف يقوم على أساس الربا، الذي يلعن الإسلام آكله وكاتبه وشاهديه... وهي نقطة لا تزال غامضة المفهوم بالنسبة إلينا، على الرغم من قوله في ذلك الاستطلاع إن دراسته وعمله لم يكونا سوى مرحلة من مراحل التكوين التشكيل، ولعلنا نجد فرصة لاستيضاحه عن هذا الإشكال قبل تقديم هذه الترجمة إلى النشر..

وسألنا الصديق عن أكثر الشخصيات تأثيراً في تكوينه الفكري، وعن أهم الأحداث التي ساعدت على هذا التكوين.. فأجاب بما خلاصته:

لقد قابلت عشرات من أعلام الفكر والكفاح أثناء رحلاتي في البلاد العربية، وتابعت دراسة الكثيرين من أعلام الإسلام المعاصرين، أمثال شيخ العروبة أحمد زكي باشا، وأحمد تيمور، وشكيب أرسلان، ومصطفى صادق الرافعي، وحسن البنا، وعبد العزيز الثعالبي، وعبد العزيز جاويش، وأمين الرافعي، ومحمد فريد وجدي، ومن لا أحصي من طبقتهم، فكان لرحلاتي ومقابلاتي ودراساتي لأعمال هؤلاء الأفذاذ آثارها العميقة في كياني كله..

ويتابع: في مرحلة تكوني عرفت رجلاً جليلاً هو الشيخ فخر الدين، وكانت معرفتي إياه عاملاً أساسياً في إعطائي الاتجاه الفكري لونه الأصيل ومنهجه الصحيح، وبخاصة في الإنتاج الذي كنت أنشره في الصحافة العامة، ثم في الصحافة الإسلامية التي أواصل الكتابة فيها..

أما من هو الشيخ فخر الدين.. فما نعلم عنه إلا اسمه هذا..

وعن مجالات هذا الاتجاه الأصيل يقول الأستاذ الجندي:

لقد تعددت أنحاء هذا الاتجاه ولكن الإطار الذي يضمها جميعاً هو الأدب والصحافة ثم الدراسات الإسلامية.

ويحدد أهم منتجاته في الموسوعات التالية:

1 ـ معالم الأدب المعاصر، وقد بلغت حتى الآن سبعة عشر مجلداً.

2 ـ تراجم الأعلام في ثلاثة مجلدات.

3 ـ مقدمات العلوم والمناهج في أربعين جزءاً يقدر لها عشرة مجلدات.

4 ـ مَعْلَمة الإسلام، وقد ظهر منها حتى تاريخ هذا الاستطلاع خمسون جزءاً.

ويقول الصديق معقباً على ما تقدم: إن هذا العطاء، عطاء القلم الذي أقسم الله تبارك اسمه به، قد بدأت بواكيره منذ السنوات الأولى من حياتي الفكرية، ثم أخذ سمته نحو التكامل والعمق، ثم شاء الله أن يخلصه لوجهه الكريم ودعوته المنقذة...

وأهم التحديات التي واجهتها خلال هذه المراحل هي قضية الغزو الفكري الهادف إلى تغريب التصورات والمناهج والصيغة الاجتماعية، بالتشويش عليها أولاً، ثم باستبعادها عن المرتكزات الإسلامية في النهاية وقد استخرت الله، فوهبت نفسي لمقارعة هذا الغزو بالحجة والمناقشة وتعرية الأهداف المبيتة من خلفه وهكذا يكاد ينحصر جهدي في معالجة قضايا الاستشراق والتبشير، والتهجمات الموجهة إلى الإسلام في نطاق الشريعة والاقتصاد والسياسة والتربية جميعاً.

يقول أبو غسان ـ المسجل لهذا الاستطلاع ـ إن القارئ المتتبع لإنتاج الأستاذ أنور الجندي لا تفوته رؤية هذه الملامح في سائر ما يطالعنا من آثاره سواء في مقالاته المتلاحقة بمختلف الصحف الإسلامية، أو كتبه على اختلاف أحجامها، بل إنه ليشعر أن أجوبته على أسئلتنا كانت مسرفة في الإيجاز، وكان بمقدوره أن يتوسع في بسط بعض النقاط أكثر مما فعل، ولعله آثر هذا الإيجاز استحياء من إطالة الحديث عن نفسه أو اكتفاءً بما يحمله إنتاجه القلمي من موضوعات تغني عن المزيد من التفضيل.

والحق أن قارئ الأستاذ الجندي ليشعر بقوة أنه تلقاء كاتب شديد الإحساس بمسئوليته تجاه الأصالة الإسلامية في كل ما يتناوله من بحوث.. وكأنه حارس على ثغرة لا يلمح شبحاً ولا حركة إلا تناولها بالتحليل والتصوير والاستنباط والتحذير...

وهذه العناية الدقيقة بمتابعة الوافدات الدخيلة قد أفرغت على الأستاذ الجندي طابعه المميز، الذي يصلك بملامحه الشخصية من خلال أي مقال يكتبه، أو رأي يعرضه في أي مشكلة..

إن في طبيعة هذا الكتاب الإسلامي خصائص المحلل الكيميائي، الذي لا يكتفي بالنظر إلى ظواهر المادة، حتى يتغلغل إلى أعماقها، فيفصل بين جزئياتها، فيعين لكل منها نسيتها ووظيفتها وأثرها.. وبهذه الخاصة التحليلية تنفرد بحوثه بطابع الطرافة والجدة، وتنفرد شخصيته بالملامح التي تميزها فلا يختلط بغيره من حملة الأقلام.

وقدر الله لي زيارة القاهرة، وسعدت بلقاء الأستاذ الجندي في دار الاعتصام، فقدمت إليه صورة من ترجمته ليرى إذا كان لديه ما يزيده فيها، فلما كان ضحى الغد جاءني بالتعقيب التالي:

في أواسط الصفحة الثالثة ألفيتكم تقفون عند عملي في مصرف مصر.. وحق لكم أن تجدوا في ذلك إشكالاً يقتضي الاستيضاح.. وقد فتح موقفكم هذا في ذاكرتي صفحات مطوية رأيت أن ألخصها في ما يلي:

الحقيقة أنني مررت بمحنتين لا محنة واحدة، الأولى هي "المصرف الربوي " والثانية هي " الصحافة " وهي أشد خطراً من ذلك.

أما المصرف فقد حرصت أن يكون عملي بعيداً عن حسابات الربا ويكون قاصراً على الأعمال التجارية وحدها، مع خوفي وحذري من الخطر الذي يلحق بي. وكنت حريصاً على نظافة اليد وطهارة التعامل، وبث روح الإيمان فيمن حولنا، وكنا في هذا أشبه بالمضطر الذي لا يغفل عن مصدر الخطر، ويدعو الله أن يحرره منه، فلما جاء العمل الصحفي كان أول أمره إسلامياً خالصاً ثم تحول إلى الصحافة الحزبية والسياسية، وقد كنت حريصاً على ألا تأكلني الصحافة في خضمها الخطير فاقتصرت على صفحات الأدب أول الأمر ثم الصفحات الإسلامية.

وقد امتحنت في العمل الصحفي بمحنة العمل مع الماركسيين، واستطعت بعون الله أن أتجاوز إغراءاتهم، وأن أحصر نفسي في حيز قليل مضحياً بكل أسباب الكسب والترقي، حتى أني أمضيت عشر سنوات كاملة دون أحصل على مكافأة واحدة، وكان عزائي في ذلك عملي الفكري الذي كنت أعده وأتفرغ له.

لقد ولدت في خضم الأحداث فعام مولدي 1917 كان عام وعد بلفور، وفي مطالع الشباب 1924 سقطت الخلافة الإسلامية، ثم كان وصول الماركسيين في مصر إلى السيطرة على الإعلام عام 1962 ثم كانت نكسة 1967 التي ضاعت بها القدس عاملاً خطيراً في ظهور دعوة العودة إلى الله وبوادر الصحوة الإسلامية التي تحتاج إلى الترشيد والتوجيه في الانتقال بالأجيال المسلمة الجديدة إلى الأصالة والرشد الفكري، وكان هذا من أهم مشاغلي.. ولا ريب كانت أخطر الأزمات النفسية التي أصبت بها هي أزمة سيطرة الماركسيين على الصحافة والإعلام والمسرح والثقافة في مصر.. فقد أحدثت لدي حالة من أشد الحالات خطورة، غير أن الله تبارك وتعالى وجهني إلى العمل لإعادة بعث التاريخ الإسلامي على نحو جديد، وتجديد الثقافة الإسلامية ومواجهة التحديات.

ولقد كنت في الحقيقة قد اكتشفت نفسي منذ الثلاثينات عندما رفع الغطاء عن خطة " التغريب " التي يجري العمل بها في البلاد الإسلامية بترجمة كتاب " وجهة الإسلام " للمستشرق جيب، والهدف منه دراسة ما وصل إليه تغريب البلاد الإسلامية " والخطط التي سيتم العمل بها حتى يتم هذا التغريب وواضح أن هذه الخطة كان قد رسمها لويس التاسع بعد هزيمته واعتقاله في المنصورة، فقد دعا إلى ما سماه " حرب الكلمة " بعد هزيمة حرب السيف في الحروب الصليبية، وكان ذلك مبدأ العمل الخطير الذي تم تحت أسماء التبشير والاستشراق والغزو الفكري ومحاولة إثارة الشبهات والسموم حول الإسلام عقيدته وقرآنه ونبيه وتاريخه ولغته، ومنذ ذلك الوقت الباكر توجه قلمي إلى هذا العمل، ومعنى هذا أنني بعون الله قد أمضيت الآن أكثر من أربعين عاماً في الكشف عن هذه الخطط والرد عليها في عديد من الدراسات، التي نشرتها في الصحف أو قدمتها في مؤلفات أو ألقيتها في مؤتمرات عالمية امتدت من إندونيسية إلى الجزائر..

كانت خطة التغريب التي هي بمثابة التحدي الفكري لشاب في السابعة عشرة هي مفتاح حياتي الفكرية الحقيقي غير أنني لم أصل إلى الفهم الحقيقي لذلك إلا عندما استوعبت مفهوم الإسلام الجامع بكونه ديناً ودولة وعبادة ومنهج حياة، ومن هنا اكتشفت خطورة المؤامرة التي قادها التغريب عن طريق " التبشير والاستشراق الغربي والصهيوني والماركسي " التي ترمي إلى تفريغ الإسلام من محتواه كدعوة عالمية، ومن منهجه لبناء المجتمع، ومن أصالته وذاتيته القادرة على حفظ بيضته، وبناء أجياله على مفهوم الجهاد والمرابطة والإعداد في مواجهة الخطر الخارجي المتربص الذي واجهته القارة الإسلامية منذ فجر الإسلام، والممتد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذه الحقائق لا بد أن نربي عليها أبنائنا وأجيالنا الجديدة، حتى لا تستسلم للتحلل والخضوع لأي قوة مهما كانت..".

وشكر الله للأخ الفاضل إضافته النفسية هذه إذ أمدتنا بما لا ينبغي أن تغفله ترجمة من حياة صاحبها تأثيراً وتأثراً، فليس بالشيء اليسير تلك الفترة المزعجة التي قضاها في جو الصحافة يسيطر على توجيهها عناصر مدخولة لا تقيم للقيم الإسلامية التي نشأ عليها وزناً، وهو جو من الحدة والشدة بحيث لا يتوقع أن يسلم من فاعليته معايش له، ولو تصورنا أن ذلك المعايش أقل حصانة روحية من فتانا ـ الجندي ـ لابتلعه التيار المركز دون أن يجد فرصة للنجاة من قبضته، ولكن شاء الله أن يكون موقفه كموقف الجسم المنيع من هجوم الوباء يتلقاه ميكروباً فيحيله غذاء.. وشيء آخر لا ينفصل من حيث الأثر عن ذلك الجو وهو ما أتاحه له من فرص الاطلاع على خفايا العوامل المؤثرة في كيان المجتمع المصري، ما كان له أن يعلم عنها الكثير لولا وجوده هناك. ومن هنا برزت اهتماماته بتتبع تلك المؤثرات وبخاصة في تضاعيف المؤلفات التي جعلت تغزو رؤوس الجيل العربي عن طريق مؤلفيها من مدرسي الجامعات ودعايات أشياعهم لها ولهم..

وحسبك من ذلك عنايته بآثار أبي كلود ـ الدكتور طه حسين ـ حتى ليكاد يحيط بها جميعاً كتباً ومقالات وخطباً ومحاورات ومحاضرات، وخصائص ومميزات وما إليها.. ولسنا بحاجة إلى تذكير القارئ بأهمية هذا التتبع لآثار رجل لم يُقَدّر لواحد من معاصريه أن يبلغ ما بلغه في تفكير ذلك الجيل، ولم يبلغ كاتب من الغموض ما بلغه من تقديره، حتى أصبح ركيزة المولعين بالتجديد يطوفون حولها، ويقدسون موحياتها، ويذودون عن سمعتها بكل ما أوتوا من بلاغة وقوة، على الرغم من كل البينات الشاهدة عليه..

في كتاب " طه حسين: حياته وفكره في ميزان الإسلام " يحشد الأستاذ الجندي خلاصة مركزة عن نشأة ذلك "العميد" الساحر واعترافاته وأفكاره وتناقضاته وأقوال خصومه وأنصاره، وخلفيات كل هؤلاء وأولئك.. وقد وفق إلى إزالة الستور التي طالما خدعت ولا تزال تخدع الكثيرين من "الدكاترة " والمأخوذين برقى ذلك الساحر الساخر، تلك الستور التي غلف بها كتبه ذات الطابع الإسلامي حتى حجب أغراضه الحقة عن الأعين الكليلة، فاتخذها المخدوعون والمعجبون دليلاً لا يرد على إسلامية كاتبها، فإذا هي ـ كما قدرها العارفون في وقتها ـ سموم مغشاة بالعسل، تريد الإجهاز على مصداقية السيرة النبوية وإثارة الشك في براءة الرعيل الأول من خير أمة أخرجت للناس، وإذا مؤلفها لا يزيد على كونه حرباً دسّت على جماع الإسلام قرآناً ونبياً وسيرة وتاريخاً، لغرض واحد هو بعث الريبة وتكثيفها في كل هذه الحقائق.. وبدافع واحد هو تنفيذ المخطط الذي وضعته اليهودية والصليبية، وقامت على تعهده عن طريق المبشرين والمستشرقين وأذناب هؤلاء وأولئك من أبناء المسلمين.. ويا لها من حرباء لا أقدَر منها على تغيير صبغتها وفق تغير الأحوال، حتى لم تدع حزباً سياسياً دون أن تنضوي إليه فتملأ الصحف بمدحه ثم تتسلل منه إلى خصومه فتدبج الروائع في إطرائه وتعظيمه.. وليس في صدرها ذرة حب أو إخلاص لهؤلاء أو أولئك، وإنما هو الاحتيال للوصول إلى طريقة أنجح لتنفيذ ما هي مكلفة به من قبل أعداء الإسلام..

وأنا حين أشير إلى مضمون هذا الكتاب القيم، الذي جمع في صفحاته المئتين والخمسين ما لا غنى لباحث عن معرفته من حياة طه حسين، فقدم له بذلك خدمة تغنيه عن مراجعة العشرات بل المئات من الكتب والصحف، ولا أنسى أن أضم إليه كتابه الآخر الذي لا يزال تحت الطبع بعنوان " محاكمات طه حسين " وبهذا أو ذاك تنقطع حجة كل من يتصدى للدفاع عن أبي كلود من أصحاب النوايا الصالحة.. أما أولئك المواطئون له في أهدافه بل أهداف مصطنعيه الهدامة فليس لهم عندنا وعند الأستاذ الجندي سوى أن ندعو لهم بالهداية إلى التي هي أقوم...

والآن ونحن في صدد التقييم لمميزات هذا المفكر الإسلامي يحسن بنا أن نختم هذه الصفحات ببعض النماذج من إنتاجه لنرى إلى أي مدى تتراءى خصائصه الأسلوبية والفكرية والمنهجية من خلاله وليكن هذا الأنموذج مما تقع عليه اليد دون بحث ولا استقصاء ولا انتقاء.

يقول الأستاذ الجندي في مقاله له نشرتها مجلة الدعوة الصادرة بالرياض في العدد 889 تحت عنوان " خطران ":

" عملان خطيران قذف بهما التغريب في وجه الأمة الإسلامية فأفقدها قوة التماسك بإزاء ذاتيتها الخاصة المتميزة: القانون الوضعي في وجه الشريعة الإسلامية، ومبدأ القوميات في وجه الوحدة الإسلامية، وقد ولدت القومية في أحضان الإرساليات التبشيرية، واتخذت وسيلة لهدم الخلافة، وليس كذلك العروبة التي لجأ إليها العرب بعد سقوط الخلافة، وكانت في تقديرهم حلقة تالية للوحدة الإسلامية بعد الوطنية والإقليمية التي فرضها تمزيق العالم الإسلامي، وصولاً إلى الوحدة الإسلامية مرة أخرى، ولكن العروبة بمفهومها الإسلامي وانتمائها الأصيل كان مكروهاً عند التغريب الذي حاول أن يطرح مفهوم القومية بالمفهوم الغربي، وهو يعني الانسلاخ عن الإسلام تحت شعارات ومسميات شتى، وبأساليب وأفكار ترمي إلى هدم التراث والأصول التي قام البناء الاجتماعي، وتهدف إلى الفصل بين العرب والمسلمين وبين العروبة والإسلام، وإقامة حاجز من الحقد والكراهية بدلاً من بناء جسر للأخوة الإسلامية بين العرب والأمم التي تقول لا إله إلا الله ، ولقد تساءل كثير من الباحثين المخلصين، لماذا ركز الفكر الغربي على مفهوم القوميات والإقليميات في البلاد الإسلامية ؟. وكانت الإجابة واضحة: إنها من أجل إسقاط الجامعة الإسلامية، ومن أجل إقامة القومية اليهودية، وفي نفس الوقت للدعوة إلى إنشاء دولة علمانية للقضاء على الذاتية الإسلامية الخاصة التي شكلها الإسلام، ومن أجل صهر وحدة المسلمين الفكرية في أتون الأممية العالمية.

وقد أدى ذلك التركيز الخطير على الإقليمية والقومية إلى بعثرة وحدة الأمة الإسلامية إلى سبعين جنسية معزولة عن الأخرى ومحبوسة وراء أسوار، وعروبة مقطوعة عن الإسلام فكراً وعن المسلمين جغرافياً.. وحاولت الدعوة إلى القومية أن تصبغ كل شيء بلونها كأنها أيديولوجية مستقلة حتى بالنسبة للقيم العامة، التربية العربية، القانون العربي، المجتمع العربي..

حتى في دراسات التاريخ.. فهناك الفقه المصري والفقه الشامي والفقه العراقي، وهناك في التراث إقليمية وقومية، دور مصر في النحو ودور الشام في الصرف ودور العراق في البلاغة، وتراوحت القضايا بين الإقليمية والعروبة، وأخذ كل قطر يفخر بنفسه، وكلها دعوات حول الأجناس والدماء والعناصر، وفصل اللغة عن الإسلام كفصل التاريخ عن الإسلام، والهدف هو إخفات صوت الإسلام بالادعاء أن التاريخ عربي، والحضارة عربية، والثقافة عربية، والجامعة عربية، باستهداف التركيز على القوميات الضيقة، وإعلاء التاريخ القديم الذي أهدره الإسلام، وقال المؤرخون: بأن هناك انقطاعاً حضارياً بين الإسلام وما قبله، فظهرت دعوات الفرعونية والفينيقية والقول بأن العربية لغة العرب وحدهم، وتمصير القانون والأدب واللغة، أو مغربته والإشادة بالمؤرخين الوطنيين وحدهم في كل قطر على حدة، وإعادة تفسير التاريخ الإسلامي على أنه تاريخ مناطق وأقاليم وأنه تاريخ قومي، والبحث عن سبيل لوضع صيغة القومية العازلة فيه منذ أولى عصوره، وقبل أن تعرف كلمة القومية أو مدلولها، قال أحدهم: (العروبة دين عبر القوميين، لأنها وجدت قبل الإسلام وقبل المسيحية في هذه الحياة الدنيا، وإن كان لكل نبوته المقدسة فإن القومية العربية هي نبوة هذا العصر في محفلها العربي، وأن الوحدة العربية تنزل من قلوب العرب أينما كانوا منزل وحدة الله من قلوب قوم مؤمنين) وهذا الكلام يعني إقامة القومية كدين ينافس الإسلام، وقد تعالت هذه الصيحات ثم انهارت وليس لها إلا بقايا قليلة لا بد أن تنهار.

لقد تعالت صيحة القومية بين اليهود لتفسح مجالاً للصهيونية ولتحقيق البقاء لإسرائيل، وقد أقيمت جهود سنوات طويلة لبناء القومية العربية الوافدة، ولكنها فشلت لأنها عارضت الفطرة والعقل والعلم وتراث أربعة عشر قرناً من الإيمان بالله . نعم إن العالم الإسلامي المركب من أجناس شتى يقدر للعرب دورهم الرائد في حمل رسالة الإسلام إلى العالمين، ويقدس لغتهم لأنه بها نزل القرآن، ويعلم أن العرب دماغ الإسلام وقلبه ما دام القرآن عربياً والنبي عربياً، ولكن هذا لا يعطي العرب امتيازاً خاصاً يجعلهم جنساً فوق الأجناس.

والمعتقد أن مرحلة القومية العربية التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية قد انطوت، وأن المسلمين والعرب اليوم يواجهون مرحلة أخرى تختلف عن المراحل السابقة، وهي مرحلة التماس مفهوم إسلامي لإقامة المجتمع الرباني، وآية ذلك ما قاله المستشرقون الغربيون أنفسهم وفي مقدمتهم " ويلفرد كايتول شميث " حيث قال إن تاريخ الشرق الأدنى الحديث يدل على أن القومية المجردة ليست القاعدة الملائمة للنهوض والبناء، وما لم يكن المثل الأعلى إسلامياً على وجه من الوجوه لن تثمر الجهود البتة، وفي هذا المعنى ما قاله " جارودي " من أن كل حركات الجهاد الوطنية والقومية التي قامت من أجل تحرير البلاد الإسلامية، كانت في الأصل إسلامية الجذور. ولقد استخدمت كل الوسائل السياسية لإعلاء شأن القومية ولكن المجتمع الإسلامي لم يقبلها على هذه الصورة الوافدة التي دعا إليها " ساطع الحصري " وغيره، والتي استمدها من مفهوم القومية التركية في البلقان وغيره، وسيظل المسلمون قادرين على الأصالة وعلى رفض كل المذاهب والأيدلوجيات الوافدة، وسيجعلون مفهومهم في العروبة الأصل المستمد من الإسلام والقائم على الوحدة والإخاء الإنساني وعلى التجميع دون التفريق، وعلى الالتقاء الجامع لكل المسلمين، هو الأساس الحقيقي. ومن هنا كانت قضية القومية إحدى التحديات التي حاولت تحطيم الكيان الإسلامي ".

فمن خلال المقالة الصغيرة التي نقلناها لك كاملة، دون تنقيب ولا مفاضلة ولا سابق علم بها، تتضح لعينيك ملامح هذا المفكر الإسلامي مميزة بارزة بكل خصائصها.. فهو يحدثنا عن جانب من الغزو الفكري والنفسي يمثل في الواقع اثنين من أهم الأخطار التي تثيرها حركة التغريب.

فالقوانين الوضعية التي فرضها الاستعمار لتكون البديل لشريعة الله ، قد أحدثت ثغرة هائلة في حصن المجتمع الإسلامي، إذ جرته بالقسر إلى الاحتكام لغير المبادئ التي ميز الله بها أمة القرآن، وما هي سوى خطوة بعد خطوة حتى ألفت هذا الانحراف، وجاء حكامها الجدد من تلاميذ ذلك الاستعمار، فكانوا به أشد تشبثاً من الذين فرضوه، وكان لذلك التحول آثاره البعيدة في تغيير الصبغة الربانية الخاصة بأهل الإسلام. والويل لكل من يتصدى للمطالبة بالتحرر من تلك القوانين الهدامة، لأن أمامه ألوان البلاء التي بعضها ولعل أهونها الموت..

وليس من باب الصدف أن يرافق قوانين الجاهلية ذيوع الدعوة إلى الاتحاد القومي، الذي بدأ على أساس الجنسية العربية، ثم ما لبث أن تحول إلى أنواع من الروابط الفرعية، فرعونية وفينيقية وإقليمية فقطرية، ومن ثم إلى فرق محلية تبعث موات العصبيات البلدية والقبلية في تقاليع من " الفولكلور " والعادات التي عفّى عليها الإسلام...

وهكذا تلاقى الخطران القانوني والعصبي على تفكيك وحدة العالم الإسلامي، ليسهل القضاء على طاقاته كلاً على حدة، ولينفسخ المجال أمام القومية اليهودية، التي ما كان لها أن تقوم لو بقي للعالم الإسلامي، ـ وفي قلبه الشعوب العربية ـ تماسكه الذي فرضه الإسلام منذ حدد الله هويته بقوله الحكيم في القرآن العظيم [ إنما المؤمنون إخوة ]..

ومن هنا انطلقت سيول الأفكار الهدامة على ديار الإسلام، وزاد طغيانها إلقاء المسلمين أفلاذ أكبادهم إلى أيدي الصليبية والصهيونية والماركسية تصنع منها الركائز التي تدعم حضورها في صميم وجودهم.

وسرعان ما تفجرت هذه الألغام مولدة ما لا حصر له من الشعارات المعمقة للفرقة، والمتناولة لكل شيء من حياة المسلمين، حتى لتضع لكل إقليم من عالم الإسلام، بل من الأقطار العربية نفسها، مصطلحاتها الخاصة المتمايزة، في التعليم والقانون والتاريخ والتربية، وما إلى ذلك من شئون لا غاية لها في النهايات البعيدة سوى القضاء التام على وشائج القربى في عالم الإسلام...

ويلاحظ القارئ أن الأستاذ الجندي لا يلقي الكلام على عواهنه، بل يقدم أفكاره واستنباطاته في إطار من الوقائع المنظورة، ومؤيدة بشهادات المنصفين من المستشرقين الذين هدوا إلى الحقيقة المحررة.. فنشعر أنه موضوعي الرؤية، وأنه على اتصال بحركة الفكر العالمي..

وما أشك أن هذه الخاصة الواعية الواسعة هي التي دعت المفكر الإسلامي المغربي الأستاذ عبد الله كنون إلى ترشيح الأستاذ أنور الجندي لجائزة الملك فيصل الإسلامية.

ولعمري إنه لحقيق بهذه الجائزة التي وضعت لتكريم الفكر الإسلامي المجاهد لإعلاء كلمة الله.