محمد محمد حسين

محمد محمد حسين

أحمد الجدع

كانت جامعة بيروت العربية فرعاً عن جامعة الإسكندرية بمصر، وكانت شهاداتها الجامعية تصدر عن جامعة الإسكندرية، ولهذا السبب كان معظم الأساتذة في جامعة بيروت العربية ينتدبون إليها من جامعة الإسكندرية.

وكان من حسن حظ الدارسين في جامعة بيروت العربية، أن عدداً من كبار الأساتذة، وأرفعهم علماً جاءوها من جامعة الإسكندرية، وكان من هؤلاء الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين.

كان هذا الأستاذ الكبير متخصصاً في الأدب الحديث، وله فيه كتابه القيم، "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر "وقد خصص الحديث فيه عن مصر، ووعد بأن يمد هذا البحث إلى بلاد عربية أخرى، ولم يصلني خبر بأنه فعل ذلك.

كنت قد سجلت للدراسة في جامعة بيروت العربية في العام الدراسي 1966-1967م وأنهيت الدراسة فيها عام 1970م ولا بُد لي أن أنبه هنا أن دراستي فيها كانت بالانتساب، أدرس في منزلي مقرراتها وأتقدم في رحابها  في مدينة بيروت لامتحاناتها، وكان كثير ممن لا تسعفهم أوقاتهم ولا أعمالهم بالالتحاق بالجامعة انتظاماً قد استفادوا من هذا النظام، وكان لجامعة بيروت العربية فضلٌَ كبير في إتاحة الفرصة للدراسات الجامعية لأعداد هائلة من العرب وبخاصة أبناء فلسطين الذين شتتوا بعد النكبة في أقطار العرب عاملين على إعالة ذويهم الذين فقدوا كل شيء باستيلاء اليهود على وطنهم بالذي فيه!

وفي السنة النهائية بالجامعة حظيت بالأستاذ محمد محمد حسين أستاذ الأدب الحديث ، وقد تقرر أن يكون كتابه " الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" مقرر مادة الأدب الحديث في السنة الرابعة من الدراسة وهي سنة التخرج.

قرأت الكتاب كاملاً في طبعته الثانية، وكان له أثر بالغ في دراستي للأدب المعاصر، وقد عرفني على أعداد كبيرة من أدباء مصر واتجاهاتهم:أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، أحمد محرم، محمد عبد المطلب،مصطفى صادق الرافعي، أحمد الكاشف ، هذا فضلاً عن عدد من علماء مصر وباحثيهم وعن  السياسيين من أبناء مصر وممن حكمها، وذلك كله في سياق البحث القيم.

وقد عثرت على الطبعة الأولى من الكتاب، وقرأتها، وتبين لي أن المؤلف قد حذف منها البحوث الخاصة بالإخوان المسلمين،وذلك في تقديري، راجع إلى الحملة الظالمة والمبيتة ضد هذه الجماعة التي كان لها أثرها الكبير في إحياء الصورة النقية للإسلام،وفي اعتقادي أن المهمة الأولى للانقلاب في مصر عام 1952 كانت إحباط الجهود التي بذلتها هذه الجماعة لإحياء النزعة الإسلامية بمصر والعالم العربي وذلك لخطرها الشديد على الاستعمار القائم آنذاك والقادم من أمريكا مندفعاً للحلول محل الاستعمار الانجليزي بمصر وسائر البلاد العربية والإسلامية، والاستعمار الفرنسي كذلك، ذلك لأن أمريكا كانت هي المنتصر الحقيقي في الحرب العالمية الثانية، وكانت لا تستطيع أن تحكم سيطرتها على المسلمين إلا إذا نحت جانباً كل الجهود الواعية العاملة على إحياء النهضة الإسلامية وكانت جماعة الإخوان هي الأكثر نجاحاً في هذا المضمار.

إذن حذف المؤلف هذه الإشارات إلى جماعة الإخوان المسلمين خوفاً من سطوة الهجوم الدامي على هذه الجماعة، وعندما أردت أن أجيب على أسئلة الامتحان النهائي ترددت في ذكر أثر جماعة الإخوان في النهضة الإسلامية والعربية إذ كان السؤال  يقتضي ذلك ، ولكني حزمت أمري وشرحت هذا الأثر، ويبدو أن ذلك راق للأستاذ المؤلف فمنحني درجة متقدمة.

الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين من مواليد 1921م في مدينة سوهاج بمصر، وحصل على الشهادات الجامعية الثلاث من  كلية الآداب بالجامعة بالجامعة المصرية  آنذاك (القاهرة حاليا) ودرَّسّ في جامعة الإسكندرية وجامعة بيروت العربية والجامعة الليبية، ورأس قسم الأدب في جامعة الأمام محمد بن مسعود الإسلامية إلى أن توفي عام 1983م.

له، بالإضافة إلى كتابه العظيم "الاتجاهات الوطنية" المتنبي والقرامطة، تحقيق ديوان الأعشى الكبير، حصوننا مهددة من داخلها، وغيرها.

أسأل الله أن يبارك لأستاذنا في حسناته ، وأن يكثر من أمثاله.