شخصية الإمام المرشد مصطفى مشهور في الشعر الإسلامي المعاصر

1921 – 2002م

المولد والنشأة :

ولد الأستاذ مصطفى مشهور في الخامس عشر من شهر أيلول عام  1921، في قرية السعديين التابعة لمركز منيا القمح في محافظة الشرقية بمصر، من أسرة دينية كريمة، معروفة بتدينها، وفضلها، وكرمها، وانتمائها العربي الأصيل، واعتزازها بإسلامها.

دراسته ومراحل تعليمه :

التحق بكتّاب القرية وهو صغير وبقي فيه لمدة عامين ، تعلم فيه مبادئ القراءة والكتابة والحساب، وليحفظ ما يمكنه حفظه من القرآن الكريم، كعادة أهل الريف في مصر، وفي سائر البلاد العربية.

  ثم دخل في المدرسة الابتدائية بمدينة منيا القمح، ثم المدرسة الثانوية بمدينة الزقازيق، عاصمة محافظة الشرقية، ومكث بها عامين دراسيين، الأول والثاني الثانويين، ثم إلى القاهرة حيث أكمل المرحلة الثانوية بمدرسة العباسية الثانوية.. والتحق بكلية العلوم التابعة لجامعة فؤاد الأول (القاهرة الآن)، وانضم إلى شعبة الرياضيات، وتخرج منها حاملاً شهادة البكالوريوس في العلوم سنة 1942م،

وكان متفوقاً في دراسته، وبسبب تفوقه هذا نال مكافأة من الجامعة.

وبعد تخرجه في كلية العلوم، عمل بوظيفة متنبئ جوي في مصلحة الأرصاد الجوية.

في قافلة الإخوان :

نشأ الشيخ مصطفى نشأة دينية في بيئة تعلي من قدر الدين والمتدينين، وصاحبه تدينه هذا إلى حيث ذهب، ويذهب إلى (الزقازيق) وإلى القاهرة ، وسواها، كان يرتاد المساجد يصلي فيها، ويستمع إلى ما يلقى من دروس ومواعظ وبيده مصحفه، يتلو كل يوم ما يشاء الله له من آياته البينات، وذات يوم .

وفيما كان يقرأ القرآن في مسجد الحي الذي يقيم فيه، تعرف إلى شاب متدين يكبره بفرق سنتين، وكان ذلك الشاب من الجماعة ، رآه يوزع بعد الصلاة مجلة تسمى (التعارف)، وسمعه يدعو لدرس في الحي، فحضر، وسمع أحد الإخوان يتحدث عن الإسلام حديثاً أعجبه، ثم أعلن المتحدث أن الأستاذ حسن البنا سيعطي درساً يوم الثلاثاء في منطقة الحلمية، حيث كان يوجد المركز العام لجماعة الإخون المسلمين، ولم يتعب الشاب في إقناع الفتى مصطفى ابن الخمسة عشر خريفاً، بدعوة الإخوان ، فقد صحبه إلى شعبة الحي، ثم إلى المركز العام ليستمع إلى محاضرة لمرشد الإخوان ، الأستاذ حسن البنا.

 فحضر الدرس، وأعجب بحديث البنا رحمه الله أيما إعجاب، وحرص على المداومة عليه، فاستمع الفتى ( مصطفى مشهور) في انبهار إلى الإمام الذي يقطر الشهد من لسانه العف بتقاطر الكلمات المحملة بالحكمة والموعظة الحسنة،  ثم تعرف على بعض الإخوان الذين نظموه في إحدى الأسر الإخوانية عام 1936م، وبايع مسؤول تلك الأسرة على الالتزام بدعوة الإخوان.

ومنذئذ التحم كيانه كله في جسم الجماعة ، فما فارقها لحظة واحدة في عسر ولا في يسر، وحيا فيها بجسمه وروحه، عاش سراءها وضراءها، وكانت روحه تحلق في أجوائها ، وهو يمشي على قدميه في أحياء القاهرة وأريافها، وفي الصعيد والمدارس يدعو إلى الله، فقد كان كتلة من حيوية ونشاط، لفت إليه أنظار القائمين على (الجهاز الخاص) فوضعوا عيونهم عليه، وراقبوه ، واختبروه، ثم لم يلبثوا إلا قليلاً ليضموه إليهم، وليكون من أنشط أعضاء الجهاز سرية وانضباطاً، وتنفيذاً لما يطلب منه تنفيذه.

 جهاده وانضمامه إلى الجهاز الخاص :

وفي أثناء دراسته لازمته فكرة الجهاد ضد الاستعمار الإنجليزي المحتل لأرض مصر وضرورة مقاومته، وكان يرى أن الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة، لذلك كانت دعوته لزملاء الدراسة للانضمام لدعوة الإخوان تبدأ من ضرورة مقاومة المستعمر المحتل، فكانت تجد آذاناً صاغية، خاصة وأن الأمة كانت مشحونة لمقاومة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين.

كان رحمه الله قد تخرج من مصلحة الأرصاد الجوية، حيث عين متنبئاً جوياً، وكان في تلك الفترة عضواً قيادياً في ( النظام الخاص ) الذي يسمونه ( الجهاز السري) لما كان يكتنفه من سرية مطلقة، أنشأه الشيخ حسن البنا - رحمه الله- عام 1940م، من خيرة شباب الإخوان ديناً ، وأخلاقاً وإخلاصاً لفكرة الجهاد، وكان الهدف من إنشائه تدريب الشباب المسلم تدريباً قتالياً عالياً من أجل :

- تحرير الوطن ومقاومة الاحتلال البريطاني في مصر .

- والاستعداد لمواجهة العصابات الصهيونية في فلسطين .

 وقد خاض هذا النظام حرباً هائلة في مصر ضد الإنجليز في القنال خاصة،

وحيث وجد للإنجليز منشآت في بعض منها ، وسجل المجاهدون بطولات خالدة ضد العصابات اليهودية في حرب 1948 ، وأبلوا بلاء حسناً، أشاد بهم قادة الجيش المصري، وقادة عصابات اليهود.

ولولا تآمر المتآمرين على فلسطين وعلى المجاهدين،  لكان لأبناء هذا الجهاز الحيوي دور هائل في إحباط ما يفكر به الإنجليز واليهود وعملاؤهم ولكن المؤامرة كانت لئيمة وخسيسة، وكانت أكبر من أولئك الرجال الذين قدموا أرواحهم ودماءهم فداء لفلسطين والقدس والأقصى، وكانوا ينفقون - أي شباب النظام الخاص - على تنظيمهم السري هذا من جيوبهم الخاصة، وكان مفتي فلسطين الحاج محمد أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا في فلسطين، يقدم لهم بعض المال ليشتروا به السلاح.

وكان الشاب مصطفى مشهور واحداً من رجال ذلك النظام أو التنظيم، يأتمر بأوامر مسؤوليه، ويطيعهم في المنشط والمكره.

وقد حاول المرجفون من مزوري التاريخ تشويه النظام الخاص وتصويره للناس أنه تنظيم إرهابي في محاولة لتشويه سيرة الإخوان، ولكن وقائع التاريخ ستظل تدمغهم بالكذب والافتراء في كل زمان.

حياته الزوجية :

تزوج الأستاذ مصطفى مشهور من ابنة عمه ( زبيدة مشهور) والتي فاجأها حين تزوجها بقوله : إنه متزوج فقالت : كيف ذلك ؟ وكان رده عليها : إن زوجته الأولى هي دعوته، وأنت الزوجة الثانية ، فقالت له : وأنا خادمتها . وعاش الزوجان حياة تسودها المودة والرحمة والشورى والتعاون والتآلف والتراحم ومراعاة الشعور .

ورزقهما الله من هذا الزواج المبارك بأربعة أولاد ، وهم : مشهور، وسلوى، ووفاء، وسمية .

قضية سيارة الجيب :

لعل أول تجربة قاسية يمر بها الشاب مصطفى ما أطلق عليه (سيارة الجيب) عام 1948 تلك التي استغرقت جلساتها تسعاً وثمانين جلسة (من عام 1948 – 1951) وتحكي وقائع المحاكمة أن الأستاذ مصطفى مشهور لم يتبرأ مما اتهم به، ولم يطلب العفو من المحكمة، بل إنه أبى أن يطعن في إجراءات الاعتقال لأنه كان على يقين بأنه محق فيما فعل، وإن اعتقلوه، وحاكموه، وحكموا عليه بالسجن ثلاث سنوات بسببه.

والطريف في الأمر، أن رئيس المحكمة المستشار أحمد كامل بك وكيل محكمة استئناف القاهرة ذكر في حيثيات الحكم الذي نطقت به المحكمة التي كان يرأسها ما يلي: وحيث إنه سبق للمحكمة أن استظهرت كيفية نشأة جماعة الإخوان المسلمين، ومسارعة فريق كبير من الشباب إلى الالتحاق بها، والسير على المبادئ التي رسمها منشؤها والتي ترمي إلى تطهير النفوس مما علق أو عساه أن يعلق بها من شوائب، وإنشاء جيل جديد من أفراد مثقفين ثقافة رياضية عالية، مشربة قلوبهم بحب وطنهم، و التضحية في سبيله بالنفس والمال، وقد كان لا بد لمؤسسي هذه الجماعة لكي يصلوا إلى أغراضهم أن يعرضوا أمام الشباب مثلاً أعلى يحتذونه وقد وجدوا هذا المثل في الدين الإسلامي وقواعده التي رسمها القرآن الكريم والتي تصلح لكل زمان و مكان فأثاروا بهذا المثل العواطف التي كانت قد خبت في النفوس وقضوا على الضعف والاستكانة والتردد وهي الأمور التي تلازم – عادة – أفراد شعب محتل مغلوب على أمره، وقام هذا النفر من الشباب ، يدعو إلى التمسك بقواعد الدين ، والسير على تعاليمه، و إحياء أصوله سواء أكان ذلك متصلاً بالعبادات و الروحانيات، أم بأحكام الدنيا.

(ولما وجدوا أن العقبة الوحيدة في سبيل إحياء الوعي القومي في هذه الأمة، هو جيش الاحتلال – الإنجليزي – الذي ظل في هذا البلد قرابة سبعين عاماً، تخللتها طائفة من الوعود بالجلاء .. كما كان بين المحتل وبين فريق من الوطنيين الذين ولوا أمر هذا البلد مباحثات و مفاوضات على أقرائها الأمور، ليخلص الوادي (مصر) لأهله، ولم تنته المفاوضات والمجادلات الكلامية إلى نتيجة طيبة، ثم جاءت مشكلة فلسطين وما صاحبها من ظروف و ملابسات) إلى آخر هذه الحيثيات التي قدمها رئيس المحكمة قبل النطق بالحكم على الشاب مصطفى مشهور مع 27 عضواً من إخوانه البررة في حين حكمت عليه المحكمة الثورية بالسجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة، خلال ثلاثة دقائق فقط، يا للعجب والتفاهة!!

ومن الطريف أن نذكر أن رئيس المحكمة الأستاذ المستشار كان مقدراً لهؤلاء الشباب الذين يحاكمهم، وأعجب بجراءتهم وإخلاصهم، وتفانيهم في سبيل دعوتهم ، الأمر الذي جعله يستقيل من القضاء، وينضم إلى جماعة الإخوان المسلمين ويؤلف كتاباً ، وينشر، ويقول: (كنت أحاكم.. و أصبحت منهم) دعا فيه الشيوخ و الشباب إلى الالتحاق بتنظيم الإخوان الذي أفرز هؤلاء الرجال الذين أقنعوا قاضيهم بحقهم، وبأصالة ما يدعون إليه.

أعماله بعد السجن :

وبعد خروجه من السجن اشتغل الأستاذ مصطفى مشهور بالتجارة ، وأسس مع آخرين ( الشركة الشرقية للتجارة ) إيتكو.

وعندما قامت ثورة يوليو 1952 كان للإخوان دور بارز في حشد التأييد الشعبي.. يقول الأستاذ مصطفى مشهور: كنت ألمس من عبد الناصر اتصاله ببعض الإخوان وتعامله معهم، وكان يبدي هو وزملاؤه تقارباً لا بأس به مع الإخوان، وقبل قيام الثورة استأذن عبد الناصر ومجموعة من الضباط المرشد العام للإخوان المستشار حسن الهضيبي للقيام بالثورة فأذن لهم، ظناً من المرشد أنها ستكون في خدمة الإسلام.

الاعتقال الثاني :

وفي محاكمة لم يستغرق التحقيق فيها إلا ثلاث دقائق حكم عليه بعشر سنوات أشغال شاقة، وبعد الحكم نقلوه إلى ليمان طره،

وبعد سنوات من المعاناة خرج الإخوان من السجون وكلهم تصميم على الاستمرار في العمل والدعوة.. وكانت المشكلة التي قابلت الإخوان، من أين نبدأ كي نمارس دعوتنا من جديد، بعد الذي طرأ على المجتمع المصري من تغيرات خلال غياب الإخوان في السجون، والتأثر بالأفكار الجديدة التي بثها النظام والتي تخالف في جوهرها مبادئ الإسلام القويم.

كان هذا الاعتقال بعد حادث المنشية المفتعل والمفبرك بين جمال عبد الناصر وبين المخابرات الأمريكية وبتدبير منهما.

وبالرغم أن الشاب مصطفى مشهور حينها (1954) كان موظفاً في ( مرسى مطروح) أي كان بعيداً عن مسرح الحادث، وعن القاهرة ، فقد اعتقلوه من مقر عمله، وساقوه إلى السجن الحربي ، سيء الذكر هو ومديره الهالك حمزة البسيوني وضباطه وجلادوه وجلاوزته، وتعرض الشاب مصطفى لأقسى أنواع التعذيب وهو صابر محتسب، لا يسمع الجلادون منه سوى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ثم عرض على محكمة الثورة ، لتحكم عليه بالسجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة، وقد استغرقت هذه المحاكمة المهزلة ثلاث دقائق، كما تقدم.

ثم نقل إلى سجن (ليمان طره) ليلقى وإخوانه الآلام من مدير السجن وجلاديه، ثم نقل إلى معتقل (الواحات الخارجية) وهو عبارة عن خيام مفتوحة في الليل والنهار وفي الصيف والشتاء القارس، ومحاطة بالحراس الغلاظ، وبالأسلاك الشائكة. ثم إلى سجن الواحات الشهير، وهو عبارة عن خيام محاطة بالأسلاك الشائكة والحرس، وظروف تأقلم بها رغم شدة حرارتها وبرودتها وكان ذلك سنة 1955م، وقبل انتهاء المدة بستة أشهر نقل إلى أسيوط، فقضى بها المدة المتبقية

وخرج من المعتقل في تشرين الثاني (1964م).

الاعتقال الثالث :

وفي تموز 1965 فوجئ الناس بقرار جديد من جمال عبد الناصر يقضي بإعادة اعتقال كل من كان معتقلاً سابقاً وأفرج عنه، وجاءت عناصر المخابرات لتعتقل مصطفى مشهور ولم يمض على الإفراج سوى بضعة أشهر.

وكان نصيب الرجل من التعذيب شديداً وهو صابر محتسب، ويدعو إخوانه إلى الصبر و الثبات على هذه المحنة التي جاءتهم من موسكو، حيث كان عبد الناصر يزور قبر لينين، ويعلن عن كشف مؤامرة لقلب نظام حكمه بقيادة سيد قطب .. وبقي في السجن حتى هلك عبد الناصر ، وجاء السادات وأمر بالإفراج عن الإخوان المعتقلين من أوائل السبعينات (1971) .. وهكذا أمضى الشاب الكهل الشيخ مصطفى مشهور ست عشرة سنة في معتقلات الطواغيت

استئناف العمل :

ما كاد الشيخ مصطفى يخرج من السجن، حتى بادر إلى الاتصال بالجماعة، ليعيد التنظيم إلى سابق عهده بالحياة والحيوية والنشاط، غير عابئ بما قد يصيبه في سبيل الدعوة التي سكنت قلبه وعقله.

مسؤول طلبة الجامعات :

وكان أستاذنا ( مصطفى مشهور ) يردد دائماً عبارة ( المهم أن نسير في الطريق الصحيح) وقد اختاره الإخوان مسؤولاً لقطاع طلبة الجامعات عام 1974م لما لها من الأهمية، وكانت قدرته مع الأجيال الجديدة باهرة.. وأدت إلى انتشار التيار الإسلامي في الجامعات، وهو ما أحدث تغيراً واسعاً في المجتمع الذي انتشرت فيه الصحوة الإسلامية وانتقالها إلى سائر الشعوب الإسلامية.

وعندما بويع الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله تعالى مرشداً ثالثاً للجماعة ، كان الشيخ مصطفى من أقوى أعوانه، وكان يعمل مع لفيف من الإخوان الكرام لتأسيس التنظيم وتثبيت أركانه عبر مؤسسات تصمد في وجه الأعاصير.

وعن نشاطه وأسلوبه في الدعوة والحوار يقول الأستاذ الفاضل عبد الله الطنطاوي : ((وقد التقيته أول مرة في شباط (1977) في مجلة الدعوة، مع الأستاذ المرشد والأستاذ الشهيد كمال السنانيري رحمه الله رحمة واسعة، وقد لاحظت حضور الأستاذ مصطفى في مناقشة الأمر الذي سافرت إلى القاهرة من أجله، وعندما شكوت الدكتور الملط – رحمه الله – دافع الشيخ مصطفى عن تصرفه، وقال لي: سامحونا إذا وجدتم منا مالا يرضيكم، فظروفنا قاسية، وأمن الأستاذ المرشد على كلامه، وقال الأستاذ السنانيري: هل ترضى أن أكون أنا العبد الفقير وسيطاً بينكم وبين فضيلة الأستاذ المرشد ؟

وبعد الانتهاء مما نحن فيه، استأذنت بالانصراف، فهب الشيخ مصطفى نحوي، واعتذر لي، وهو الكبير وأنا التلميذ الصغير في هذه المدرسة الربانية، وعانقني، وقال: ادعوا لنا أيها الإخوان السوريون فأنتم مظلومون، ودعواتكم مجابة إن شاء الله تعالى.

سائح في سبيل الدعوة :

غادر الشيخ مصطفى مشهور القاهرة إلى الكويت في أيلول (1981)، وبعد مقتل السادات، التقيته مع بعض أعضاء مكتب الإرشاد ، وسمعته يقول: (ليس لنا أي دور في مقتل السادات ، فنحن كما قال المرشد الثاني رحمه الله: دعاة لا قضاه، ونحن لم نستعمل القوة و العنف في حياتنا، وسبيلنا إلى الناس دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ومع ذلك، اعتقلوا منا بضعة آلاف، ونريد رأيك في التصرف المناسب بناء على تجربتك في سورية).

قلت للأستاذ الفاضل ولمن معه من أساتذتي في مكتب الإرشاد: (اصبروا وصابروا، ولا تتورطوا في الصراع مع النظام، مهما كانت الاعتقالات والمضايقات، وسوف يعرف النظام المصري أنكم برءاء من دم السادات ، وسوف يخرج شبابكم من المعتقلات بإذن الله ويستأنفون العمل وبقوة و إخلاص إن شاء الله).

وبعد حوار ونقاش استقر الرأي على التهدئة و الابتعاد عن سائر أساليب الاستفزاز والتصعيد، وكذلك كان.

السفر إلى ألمانيا :

ثم سافر الأستاذ  مصطفى مشهور إلى ألمانيا، إثر اعتقالات في صفوف الإخوان زمن السادات ، واستقر فيها خمس سنوات كانت عملاً دائباً في التخطيط للجماعة بروح متفائلة، وعقل متفتح ونشاط يشد به الهدوء.

دوره في حل المسألة السورية :

يبين الأستاذ عبد الله الطنطاوي دور الإمام مصطفى مشهور في الأزمة السورية ، فيقول : (وقد التقيته في مدينة فرانكفورت عام (1986)، وكان مع بعض أعضاء مكتب الإرشاد ، وشرحت لهم ما سمي حينها بالمسألة السورية، وفيما كنت أشرح لهم ما كلفت بشرحه، قاطعني أحد أعضاء مكتب الإرشاد بحدة، وفاجأني فأسكتني، ولكن أخاً كريماً انبرى لذلك العضو، وكان مما قاله له: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)، و الأخ عبد الله يشرح بأدب إخواني، ولا يجوز لك مقاطعته، وقال بحنان: (تكلم يا أخي، قل كل ما في نفسك، ونحن مصغون لك).

قلت بحزن: لو كنت أعلم أن حضوري وحديثي يزعجان أحداً منكم ما حضرت ولا تحدثت، ولكن الأمر خطير، ونحن مقدمون على انشقاق لا سمح الله، ولذلك حضرت .

قال الشيخ مصطفى: تفضل نحن نستمع إليك.

قلت: الآن مستحيل، فقد فوجئت، وذهلت من موقف رجل كنت و إخواني نقرأ كتبه، ونستفيد منه.

ثم استأذنت، ونهضت، فنهض معي الأستاذ الكبير مشهور وجاءوا لاسترضائي وأن أبقى معهم في الشقة. فاعتذرت، وخرجت، ثم كان لقاء اليوم التالي مع الشيخ مصطفى الذي استقبلني بهدوء وحنان، وعانقني، واعتذر مما حصل في اليوم السابق.

لقد بدا لي الشيخ مصطفى ذا رأي حصيف وحازم، ليستمع ويستمع ويستمع ولا يقاطع، ويتكلم بهدوء، وبلسان عفيف، يشاور، ويحاور ، وينصت، ويجادل بالحسنى ومن الصعوبة بمكان أن يتنازل عن رأيه بسهولة.

وفي ألمانيا استطاع و إخوانه أن يرسوا دعائم التنظيم الدولي (التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين فيما بعد) .. كان حركة دائبة، حتى يحس به من يراه أنه المرشد، وأنه هو صاحب الكلمة الفصل في الشئون الاستراتيجية.

العودة إلى الوطن :

وبعد وفاة المرشد الأستاذ التلمساني – رحمه الله تعالى – وبتسوية ما مع المسؤولين في مصر، قادها الأستاذ الكبير صلاح شادي، تغمده الله بفيض رحماته ورضوانه، عاد الشيخ مصطفى إلى القاهرة عام (1986)، وتسلم منصب نائب المرشد العام (كان المرشد الأستاذ محمد حامد أبو النصر – رحمه الله تعالى – وكان الساعد الأيمن والأيسر في ميدان الدعوة، ومعه ثلة طيبة من إخوانه أعضاء مكتب الإرشاد، بل إن بعض المراقبين والمطلعين يعتقدون أنه كان القائد الفعلي للجماعة منذ رحيل المرشد حسن الهضيبي رحمه الله رحمة واسعة عام (1973) وحتى وفاته أي طوال ثلاثة عقود.

وفي الأيام الأخيرة من حياة المرشد الأستاذ أبي النصر الذي كان يرقد على فراش المرض الشديد عرف الإخوان أن مرشدهم يرحل عن هذه الحياة الفانية، فاستبقوا الموت، وانتخبوا الشيخ مصطفى مشهور مرشداً للجماعة، حال وفاة المرشد أبي النصر، وتكتموا على هذا الأمر، إلى ما بعد وفاة المرشد ودفنه في شباط فبراير 1996، عندها أعلن المستشار محمد المأمون الهضيبي نبأ انتخاب الأستاذ مشهور ليكون خير خلف لخير سلف، فتقدم الأخ الأستاذ لا شين أبو شنب وبايع المرشد الجديد، وطلب من الإخوان أن يتقدموا، ويبايعوه، فتقدم عدد كبير من الإخوان وبايعوا الأستاذ مصطفى مشهور مرشداً للجماعة لمدة ست سنوات، ثم جدد انتخابه مرة ثانية في شباط 2002 لمدة ست سنوات أخرى، حسب أنظمة الجماعة .

مصطفى مشهور مرشداً وقائداً :

كان الشيخ مصطفى يحمل أعباء المرشد ومكتب الإرشاد قبل أن يصبح هو المرشد ، فقد كان المرشد الفعلي أيام سلفيه الشيخ أبي النصر، والشيخ عمر التلمساني، وكان يتحمل المسؤولية كاملة عن تلك الفترة، وخاصة بعد أن غادر مصر إلى الكويت فألمانيا، ثم بعد تسوية وضعه، وعودته إلى بلاده.

وعندما تسلم منصب الإرشاد ، تابع مخططه الذي رسمه للجماعة مع أعضاء مكتب الإرشاد، وعمل بجد واجتهاد لتنفيذه، وقد لجأ إلى التحالفات السياسية مع بعض الأحزاب وخاضت الجماعة الانتخابات البرلمانية والنقابية، وحققت نجاحات رائعة.

لقد اتسم عهده بالعقلانية المفرطة في ابتعاده عن أي صدام مع الدولة، مهما بلغت تجاوزات الحكومة والأجهزة الأمنية، وعده بعض المفكرين السياسيين والإعلاميين كالدكتور عبد الوهاب الأفندي، أفضل عهود الحركة، فلم تعد الإخوان حركة هامشية على الساحة السياسية، ولم تدخل في مواجهة شاملة مع الدولة ، ولم تتعرض قياداتها للقتل والإعدام والتشريد والسجن، فقد كان دائماً يرفض الاستدراج إلى المواجهة الشاملة.

إنه سياسي محنك، وداعية حكيم يضبط نفسه ونفوس إخوانه، مع أنه كان في خط المواجهة الأول، منافحاً عن مبادئه وجماعته باليد واللسان والقلم .

لم تشغله السياسية عن الدعوة و التربية، كما لم تبعده الدعوة والتربية عن العمل السياسي، فقد كان يكتب في هذه المجالات كلها، ويصول ويجول في ميادينها بحنكة تدل على تجاربه العميقة في هذه المجالات التي كان يوازن بينها، بحيث لا تغطي إحداها على الأخريات، وإن كان العمل التربوي هو المقدم عنده، لأنه أمضى سنوات مديدة مع طلبة الجامعات ، يربيهم ويغرس غراس الإيمان والتضحية والبذل في نفوسهم، ليكونوا مؤهلين لتسلم العمل المناسب لكل منهم، وليكونوا قادة المستقبل وحملة الراية من بعد.

كان يعتبر تغليب العمل السياسي على العمل الدعوي والتربوي انحرافاً عن مسار الجماعة نحو أهدافها وغاياتها، مع أن العمل الدؤوب لإقامة الدولة التي تحكم بما أنزل الله ، لم يغب عن باله قط.

ويرى الدكتور الأفندي أن الجماعة في عهده صارت المعارضة الأولى في البرلمان المصري ، وقد حققت صموداً عجيباً، بل حققت معجزة الانتصار على محاولات الإفناء والتغييب، ولم تكتف الحركة بالمحافظة على بقائها في ظروف صعبة تمثلت في عداء نشط من قبل الأجهزة و الدولة ، ومن المناخ العالمي، بل تفوقت كذلك على كل منافسيها، بحيث أصبحت الحركة السياسية الأولى في البلاد.

مؤلفاته :

إن من يقرأ كتب ومقالات فضيلة الأستاذ مصطفى مشهور يتوقف أمام فكرة أساسية هي : المضي في طريق الدعوة مهما كانت العقبات، فقد امتزجت هذه الفكرة في شخصه، وتغلغلت في أعماقه حتى لقبه البعض ( بالشارح الأول ) لمبادئ الإخوان.. وقد احتلت فكرة ضبط الدعوة بأصولها ووزنها بميزان مبادئها حيزاً كبيراً في فكره وكتاباته الكثيرة التي تربو على عشرين كتاباً..وأهمها :

1-           فقه الدعوة .

2-           تساؤلات على طريق الدعوة .

3-           مناجاة على طريق الدعوة .

4-           بين القيادة والجندية .

5-           الدعوة الفردية .

وكان أبرز ما شغله في حياته التوازن بين الدعوة في حركتها العامة، وخاصة على صعيد العمل السياسي، وبين ميدانها الأصيل، وهو ميدان العمل التربوي، كما احتلت فكرة الدولة الإسلامية مكاناً بارزاً في تفكيره وكتبه بمعناها الحضاري الواسع، ورأى أن الدولة بناء ضخم يحتاج إلى أساس عريض وعميق ومتين، وبالتالي يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، على اعتبار أن الأساس هو أشق مراحل البناء.

أما رؤيته للتغيير فيجب أن تكون جذرية ولو طال زمنه، فالإنجاز وحجم التغيير هما الأساس، والدعاة ليسوا مسؤولين عن النتائج بل عن العمل الصحيح، وكان دائماً يردد : ( لا نريد لبنائنا أن يقوم ثم ينهار ).

ومن أهم أفكاره ( إن بناء الذات الإنسانية المسلمة لرجل الدعوة هي أهم وأصعب ميادين البناء، لأن بناء الرجال أشق من بناء المؤسسات ).

ومن وصايا أستاذنا المرحوم :

1.  الإيمان أهم سلاح نتسلح به، يمنحنا قوة الصبر والثبات والاطمئنان أن المستقبل للإسلام، فعلينا أن نصبر، ونثابر حتى يتحقق وعد الله بالنصر إن شاء الله وأن نستبشر دائماً بأن النصر للإسلام.

2.  يجب على الإخوان أن لا ينزعجوا من هذه المحن، بل يعتبرونها شرفاً، فالزمن لا يقاس بعمر الأفراد، بل بعمر الدعوات والأمم، وليس هذا بالكثير على تحقيق هذا الهدف الكبير.

3.  علينا أن نتواصى بالجيل الجديد ونهتم به، ونورثه الدعوة، وندعوه لمواصلة المسيرة بالإيمان، والدعاء، والصبر، والاحتساب، ونهتم بالتربية وبأبناء الإخوان، وهذا مهم جداً في هذه الدعوة، فربما يتحقق على أيديهم النصر بإذن الله، فالأستاذ البنا رحمه الله كان يقول: نريد الفرد المسلم، والبيت المسلم، والمجتمع المسلم، الذي يرفض أن يستقر عليه غير الحكم الإسلامي.. فالصحوة الإسلامية قابلها انهيار الأخلاق في العالم الغربي، وعالم هذا حاله لا بد أن يزول بإذن الله.

فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

والذي يقرأ كتاباته في كتبه وفي الصحافة، يعرف أي جراءة في الحق كانت تعتمل في نفس الرجل، فتتفجر على سنان قلمه، فيكتب ما يكتب في نصاعة بيان، ووضح ، بلا جلجلة ولا غموض.

والذي يطالع رسالته التي بعث بها إلى الرئيس الأمريكي بوش الابن، بعيد انتخابه، يعرف أي رجل هذا الشيخ رأيته آخر مرة عام 1988 وهو يمشي على قدميه فوق أحد الكباري الضخمة في القاهرة ، وكان غاصاً بالسيارات وبشمس القاهرة المحرقة، إنه قائد ولديه الكثير من مقومات القيادة الرصينة الزاهدة معاً.

أخلاقه وسجاياه :

ومما امتاز به إمامنا المشهور رحمه الله أنه صاحب المرشدين السابقين من لدن الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله حتى استلامه منصب المرشد العام، فاكتسب بذلك خبرة عدة مراحل، ولكل مرحلة خبرتها وظروفها، وللسياسات شدتها ولينها، وكيدها وتلوينها، فتعلم من ذلك كله الأناة والمصابرة وسعة الصدر، والقدرة على الاستيعاب، كما فاز بثواب مواصلة الجهود ومشاركة أولئك القادة في الدعوة والتبليغ.

ومن مزاياه الفاضلة التي كان يتحلى بها :

1.  القدرة التربوية، وقد قبس نورها من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عيله وسلم، وقيام الليل، ومصاحبة المرشد الأول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، ذلك أن الأخلاق الكريمة تكسب من حال الرجال، أكثر منها من التلقين والأقوال وفي هذا المعنى يقول ابن عطاء السكندري ( لا تصحب من لم ينفعك حاله ويدلك على الله مقاله ).. وإن جماعتنا تولي التربية الأهمية الأولى، فهي التي تزكي الأنفس، وتهب الخصال الكريمة " والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " [العنكبوت69].. وقد كان مرشدنا قدوة في أحواله، حكيماً في مواعظه وأقواله، أورث كثيراً من ذلك الشيء الكثير تلاميذه وإخوانه وجلساءه، رحمه الله وأجزل مثوبته. 

2.  الصبر: " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " .. وكيف لا يوصف من صبر على مآسي السجون وآلامها قرابة عشرين عاماً !! بنفس راضية مطمئنة، لم تخضع لطاغوت ولم تركع، وقد كان مدراء السجون يعرضون على أهل المعتقل حين زيارته الإفراج عنه مباشرة بمجرد توقيعه على نص للولاء للحاكم الظالم، وكانت عزة الشيخ مصطفى وثباته على مبادئه الربانية كانت تأبى عليه أن يتنازل أو يتراجع، وكان في نبل خصاله قليلاً ما يتحدث عن مآسي السجون والصبر عليها حذراً من التباهي والتفاخر.

3.  التواضع : قال الله تعالى : " واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " [الشعراء21] يشهد كل من عرف الشيخ مصطفى بتواضعه الجم وشدة حيائه، وخفض جناحه لإخوانه، يؤثر إخوانه على نفسه في أسفاره وإقامته، وتلك هي صفات عظماء الرجال وكبار النفوس.

وإذا كانت النفوس كباراً     تعبت في مرادها الأجسام

لقد أكرم الله تعالى شيخنا الجليل بهذه الفضائل الكريمة خلال عمره الدعوي الطويل والتي هي خير ما يجب أن يتحلى بها دعاة الإسلام في كل زمان ومكان .

الحق يقال: إن الشيخ مصطفى مشهور صاحب مدرسة فكرية وسياسية ودعوة تحتاج إلى دراسة دقيقة لاستخلاص أطرها وعناصرها ومقوماتها وما فيها من دروس وعبر، وهذا ما سوف أنهض به إن شاء الله تعالى إن فسح الله في العمر ووهب الصحة والفراغ، ولكنني أدعو إخوانه وأولاده وتلاميذه الأقربين، وطلاب الدراسات العليا، أن يسعوا إلى جمع آثاره، فمقالاته منثورة في عدد من الصحف والمجلات التي قد لا تصل إليها أيدينا هنا خارج مصر .. هذه أمانة نضعها في أعناق محبيه ومحبي دعوته وأبناء جماعته.

الرحيل :

دخلت عليه ابنته في غرفته قبيل العصر فرأته مرتمياً على الأرض في غيبوبة ما لبث أن أفاق منها، وقام ليتوضأ، رجته ابنته أن يشفق على نفسه، ويصلي العصر في البيت، فأبى، وخرج إلى المسجد ، وبعد صلاة العصر أصيب بجلطة دماغية ألقته أرضاً، ليدخل في غيبوبة استمرت سبعة عشر يوماً، منذ التاسع والعشرين من تشرين الأول، وحتى وفاته في الساعة السادسة مساء الخميس التاسع من رمضان المبارك 1423هـ الرابع عشر من تشرين الثاني2002م.

شيع جثمانه الطاهر عقب صلاة الجمعة (15/11/2002) من مسجد السيدة رابعة العدوية بمدينة نصر في القاهرة .

صلت عليه جموع غفيرة، أمهم المستشار الشيخ محمد المأمون الهضيبي، ثم حمل جثمانه في صندوق خشبي متواضع وضع في سيارة ميكرو باص، وسار خلفه المشيعون، وكانوا مئات الآلا ف وصل تقرير بعضهم إلى نصف مليون، وقال آخرون: كانوا مليوناً يسيرون في موكب مهيب، يبكون في صمت وحزن وخشوع.

وشارك في التشييع عدد من رؤساء الأحزاب المصرية، وأساتذة الجامعات، والعلماء ، والشخصيات الاعتبارية، وأعضاء مكتب الإرشاد، ونواب الإخوان في البرلمان، وكان حضور الصحافة العالمية كبيراً.

وكان شباب الإخوان يرفعون المصاحف إلى الأعلى من حين خروج الجنازة من المسجد إلى أن ووري في مثواه الأخير، وفي مقابر (الوفاء والأمل) التي تضم جثماني المرشدين السابقين التلمساني وأبي النصر، رحمهم الله رحمة واسعة، وقد استغرقت الجنازة مدة ساعتين من المسجد حتى القبر.

وألقى المستشار الهضيبي كلمة وداع ووفاء على قبر الفقيد الغالي.

وفي المساء تقبل الإخوان العزاء الذي حضره عشرات الآلاف، تحدث الأستاذ مأمون الهضيبي عن مسيرة المرشد الفقيد في ميادين للعمل الدعوي طوال خمسة وستين عاماً، تحدث عن نضاله وعن فترات السجن الطويلة، وما لقي فيها من ألوان العذاب، كما تحدث عن جهوده في إعادة الجماعة إلى الحياة المصرية، وتعاونه مع الأستاذ عمر التلمساني في سبيل ذلك.

حضرت العزاء شخصيات سياسية وفكرية مرموقة ومعروفة، مصرية وعربية، وكان الحضور (الناصري) كثيفاً ولافتاً للأنظار، ونعى رئيس الحزب الناصري الأستاذ (حامد محمود)، المرشد الفقيد بقوله: (رحم الله مرشدنا) وأضاف: (يدرك الحزب الناصري أهمية حركة الإخوان المسلمين في العمل الوطني، وإذا كان الشيخ مصطفى مشهور قد فارقنا، فإن إخوانه يحملون الراية).

أصداء الرحيل :

نعت الصحف المصرية والأردنية والفلسطينية واللبنانية واليمنية والسودانية وسواها، وكثير من الأحزاب والهيئات الفكرية والاجتماعية، المرشد الفقيد، ورثاه العالم الجليل الشيخ حامد البيتاوي، خطيب المسجد الأقصى، ورئيس رابطة علماء فلسطين، وكان مما قاله:

(ها هي مصر، أرض الكنانة، بل الأمة الإسلامية، فقدت علماً من أعلام المسلمين في هذه العصر، فقدت قائداً من قادة الفكر والدعوة والسياسة.. إنه رجل حمل هموم المسلمين و راية الدعوة الإسلامية ، منذ أكثر من ستين عاماً، وتربت على يديه، ومن خلال كتاباته في فقه الدعوة ، أجيال من الدعاة ، وهو خير من كتب في هذا الموضوع الذي تلقاه يافعاً، ومارسه شاباً، وعاشه واقعاً مع الإمام المؤسس: حسن البنا فترة من الزمان تقرب من عشر سنوات قبل أن يلقى البنا ربه شهيداً، فأفاد من ذلك كثيراً .. لقد عاش – مشهور – المسيرة الإسلامية فيما تعرضت له من ابتلاء وتمحيص صبر وثبت، وواصل السير على طريق الدعوة دون انحراف أو تبديل إلى أن لقي الله عز وجل في هذه الأيام المباركة، مرشداً لهذه الدعوة).

رحم الله فقيدنا الغالي، وأسكنه فصيح جناته، مع الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

 المراجــع :

-مجلة المجتمع : عدد/ 1528 / تاريخ( 23/11/2002م) .

-مقالة الأستاذ عبد الله الطنطاوي – موقع على الشبكة .

شخصية الإمام مصطفى مشهور في الشعر الإسلامي المعاصر

ملك حواه سرير :

توفي المرشد العام الخامس الأستاذ مصطفى مشهور يوم الجمعة من رمضان 1423ه / 17 / 11/ 2002م ، وكان الأستاذ الدكتور جابر قميحة واحداً ممن صلوا عليه ، وحضر جنازته قرابة مليون أغلبهم من الشباب . فنظم الشاعر قميحة قصيدة تحت عنوان :( الشهيد على فراشه : مصطفى مشهور ) ، يقول في مستهلها :

ورأيته وهو المسجى ساكناً               في صمته ملكاً حواه سرير

وسألت ُ : مات ؟ فلم يجبني من أسى  أحد وقد علت الوجوه كسور

كررتُ سؤلي : مات حقاً لم أجد         إلا دموعاً في العيون تدور؟

وأعدتُ سؤلي : كيف مات وبسمة     في وجهه الهادي سنا وسرور ؟

نظر الشاعر جابر قميحة في وجه الإمام المسجى على فراش الموت فحسبه ملاكاً نائماً، فراح يسأل من حوله هل مات الإمام ، فلم يجبه أحد، فنظر في وجهوهم وعيونهم المخضلة بالدموع، فعرف الحقيقة، ولكنه يعجب من تلك الابتسامة التي ارتسمت على محياه ، ورأى ذلك الصفاء، وشمّ الروائح الزكية :

وأرى صفاء غامراً في سمته               وعليه من زهر الجنان عطور

والعهد في كل الوجوه إذا قضى        أصحابها فيها الشحوب عطورُ

أيموتُ والأرض السليبة نهبة         والقدسُ في أيدي الكلاب أسيرُ ؟

أيموتُ من أحيا القلوب بشرعة ٍ          فتحتْ بها مدنٌ وعزّ فقيرُ ؟

كيف يموت الإمام قبل أن تكتحل عيناه بتحرير القدس الشريف، وكيف يموت من أحيا قلوب الناس بشريعة الإسلام التي فتحت بها القلوب والبلدان، وراح يتخيل أن الإمام في غيبوبة وربما يفيق عما قليل، ولكن هيهات لقد اغتالته يد المنون، والموت حقّ على كل إنسان لا مفرّ منه :

وهتفت في أمل ٍ جريح ٍ ( ربما )             أخذته فيها غفوةٌ وفتورُ

عما قليل بعدها ويقوم من                 غفو لينتصرَ الهدى والنورُ

وأفقتُ من غيبوبتي مستسلماً              فالموتُ حقٌّ حاسمٌ مقدورُ

والله قدر إذ دعاك بأمره             فأجبت داعي الله يا ( مشهورُ) ؟

إنا إليه راجعون فكلنا                    للموت في ظل الحياة نسيرُ

موكب التشييع :

ويشير جابر قميحة إلى عظمة ذلك الموكب المهيب الذي شيّع الإمام، فمن أين جاءت هذه السيول البشرية، ولا سيما أن نشاط الجماعة محظور في مصر، ولكن ليس الأمر بمستغرب فيد الله جمعت القلوب والأرواح قبل الأجساد والأشباح :

في جمعة الأحزان ماذا ؟ ما أرى ؟        سيلاً من البشر الطهور يمورُ

عجباً !! ولكن كيف كيف تجمعوا      عجباً !! وإن نشاطهم محظورُ ؟

لا تعجبوا فالله جمع جنده                   والخطر محظور هنا مقهورُ

والظالمُ الباغي ضلال سعيه                    وعليه دائرة البوار تدورُ

هذي الجحافلُ في الظلام منارة           عجباً أيحظر في الظلام النورُ ؟

وقد رفع الشباب المشارك في موكب التشييع المصاحف، فبدت كالأقمار تنير في الظلام :

رفعوا المصاحف في الجنازة قربة            فتكاد في أيدي الشباب تنيرُ

ورأيت منهم ألف ألف موحدٍ          من جند طه يقودهم ( مشهورُ)

أمير القلوب :

لقد قاد الإمام مصطفى مشهور شباب الإسلام بالحب الذي تغلغل في القلوب، فالحب فنّ في قيادة الأمم، وليس كبير القوم من يحمل الحقد :

عجباً أفي الموت الصموت تقودهم         مثل الحياة وجهدهم مبرور

بالحب يا مشهور أنت تقودهم         وبذاكَ عشتَ على القلوب أميرُ

والحبُّ في فنّ القيادة جامعٌ               والحقدُ في كلّ الأمور يضيرُ

وتبدو العاطفة الصادقة نازعة في حين إلى الضنِّ بمرثيه أن يُقبرَ في الأرض إذ محله قلوب المحبين ، والدكتور إذ ذاك ـ في ظني ـ يعبر عن ذاته قبل أن يعبر عن إحساسات الآخر .. ذاك ما نلقاه في رثائه للمرشد الخامس الحاج " مصطفى مشهور " إذ يقول :

بالحب قاموا غسلوكَ بدمعهم         ولأنتَ بالدمع الطهور جديرُ

ولو استطاعوا كان قبرك فيهم         وحوتكَ منهم أضلعٌ وصدورُ

حملوكَ فوق أكفهم ورؤوسهم           والنعشُ من فرح يكاد يطيرُ

الجثة في الأرض والروح في السماء :

إذا كان الحزن قد عمَّ أهل مصر، فإن أبواب السماء تفتحت ابتهاجاً بالقادم الكريم، فهنيئاً للإمام سحر الجنان ونعيمها وقصورها وثمارها، وهنيئاً له بلقاء الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه الأبرار :

إن كان في أرض الكنانة مأتمٌ          فهناكَ في عليا السماء بشيرُ

يلقاكَ في سحرٍ الجنان نعيمها              وقصورها وثمارها والحورُ

لكن رضوان الإله سنامها                   فرضاؤه للمؤمنين النورُ

يلقاك في عليا الجنان محمدٌ                يغشاه نورٌ ساطعٌ وعبيرُ

وصحابة عاشوا الجهادَ فدينهم       بجهادهم ودمائهم منصورُ

يلقاكَ سعد والحسينُ وجعفرٌ      في كلّ عصرٍ ذكرهم مذكورُ

ويحمّل الإمامَ رسالة إلى أولئك الأطهار، ويطلب منه أن يخبرهم بأننا معشر َ الإخوان في أحرّ الأشواق إلى لقاء الأحبة محمداً وصحبه، فلقد رسم مصطفى مشهور الطريق للأجيال، فالله هو الغاية، والرسول هو القدوة، والقرآن دستور الحياة، والجهاد سبيلنا :

إن تلقهم بلغهم أنا على           درب الشريعة والجهاد نسيرُ

وتركتَ جيلاً شيبه وشبابه              عزماً يحارُ أمامه التفكيرُ

الله غايتهم ونور قلوبهم               وهمو لشرعته فدًى ونصيرُ

تخذوا كتابَ الله دستوراً فلا              يعلوه قانون ولا دستورُ

جعلوا الجهادَ سبيلهم فتقدموا        ودماؤهم في النازلات مهورُ

عند المطامع لا تراهم إنما             عنــــــــــــــــــــــــد النوازل إنهم لكثيرُ

نعمَ الشبابُ شبابُ محمدٍ، عميةً عن الباطل أعينهم، بطيئةً عن الظلم أرجلهم، رهبان في الليل، فرسان في النهار، يكثرون عند الفزع ، ويقلّون عند الطمع :

يا سيدي ما قلت غير قلائل       أمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــا الذي أغفــــــــلته فغزيرُ

مهما ذكرتُ محاسناً ومآثراً          فالشـــــــــــــــــعر قــــــــــد تنتابه التقصيرُ

يكفيكَ في التاريخ أنكَ مرشدٌ      يكفيكَ أنك مصطفى مشهورُ

قائد الغرباء :

رحل الإمام مصطفى مشهور الذي عاش غربة الإسلام في وطنه، وقاد الحركة الإسلامية في وسط العواصف الهوجاء، وكان كالقابض على الجمر، أحبه الإخوان لصبره وثباته، وصموده في مواجهة النازلات ، وها هو الشاعر السوري شريف قاسم يكتب قصيدة في رثاء إمام الغرباء الذين بشرهم رسول الله بقوله : طوبى للغرباء ..الذين يصلحون ما أفسد الناس :

أيها الراحل الكريم رويداً         فحواليك للوداع رواءُ

عتب الأمة الجريحة أدمى      مقلتيها وللقلوب نداءُ

في يديك لمجدها خير نهج      حاربته الجهالة الجهلاءُ

أنتم الخيرة التي لا تمارى        في علاها وأنتم الغرباءُ

أخلاق مصطفى مشهور :

كتب الشاعر الإسلامي (محمد عبد الله بن الشيباني/ نواكشوط) قصيدة رثى فيها الإمام مصطفى مشهور، وأشاد فيها بسجاياه وأخلاقه الحميدة، فقال :

وفوق عوالي الخطوب عبرت لفجر قد أسفر للملهمين

نظرت إلى أمة غـالها، مع الجهل، مبتدعات السنين

وإخلادها لأراضي الخنوع  وتنكيبها عن صراط مبين

ومزقها كيد أعدائها           ومستكبر تلها  للجبين

وأحرق آمالها في النهوض     وأعلا أكابرها المجرمين

فكنتم لآمالها المنقذين وللحــــــــــــــــــق والعز حصنا حصين

وبين ظلال سيوف الطغاة   وإرهاب كفر وفكر مشين

صرخت بها في وجوه الطغاة  لن ننحني لن نهي لن نلين

بأنشودة العز لا لن نموت      والله أكبر  لن نستكين

بإســــــــــــــــــــــلامنا وبقرءاننا نشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــق الطريق لعز مكين

على سنة المصطفى لن نحيد شاهت بها أوجه المرجفين

عجبت لعشرين عاما دهت لتبلو فيـــــــــــــــــــك علا المؤمنين

فعلمتها بثبات الجنان بين الغيـــــــــــــــــــــــــــــــاهب عز السجين

وسرت بها آية في الثبات        سيراً على ملة المرسلين

وكنت معلم جيل الهدى   وليث العقيدة حامي العرين

و"قائده القدوة "المستقيم    و"زاد الطريق" لدنيا ودين

وودعت مليار باك يحن        وبكية غرقت في الأنين

بكيتُ فيك"مشهور" تضحية وعطفاً ولطفاً وخلقاً رزين

وروض حنان يفيض يغيض     دمع اليتيم وكرب الحزين

بكت فيك قائدها المستنير      ومرشدها والقوي الأمين

وهذي دموع الجموع تنيب       إلى ربها وبدمع سخين

ليدخلك الله في الصالحين        ويقبلك الله في المتــقين

تداعب روحك بين الجنان      نسائم ما بين حور وعين

بما كنت غيظ قلوب اليهود  وحربا على الطغمة المفسدين

ونورا لإخوانك العاملين          وعزا لإخوانك المسلمين

مات المجاهد :

ويقول أحد الشعراء في رثائه تحت عنوان: (( مات المجاهد )) :

مات المجاهد في الصلاة ولم يـزل        جـــرح الـعـقـيـدة نــازفــا مـفـتـوحـا قــد غــاب عـنـا مـودعـاً مـثـل الأول     قـد تـرك فـي مقـل العيـون قروحـا مـشـهـور صـدقــا انـــا كـنــا نـحـبـه      فالوجـه مـن فـرط الإيمـان صبـوحـا والقـول عـذب مـن شريـعـة أحـمـد    بالحـق رغـم الظلـم كــان صـدوحـا إنـــا عـلــى رغـــم الـبـعـاد نـشـيــع          جـثـمــان طــهــر لـــــلإلاه وروحـــــا

مـثـواك فــي الجـنـات نـسـأل ربـنـا         وجـزيـت عـنـا فــي الـعـلاء مـريـحـا

ويحمله رسالة ليوصلها إلى رسول الله، ويخبره بأن باب الجهاد ما زال مفتوحاً، وأننا ماضون فيه إلى نهاية الطريق، وانقضاء الأجل :

مشهـور إن تلقـى النبـي فقـل لـه       عـهــد الـجـهـاد قـائـمـاً مـسـمـوحـا ماضـون فـي روح العقيـدة نرتجـي      ضـوع الجنـان مـن الرحيـم نضـوحـا مـاضـون فــي عــزم وذي أعمـالـنـا          قـــول الـرســول مبـيـنـا وفـصـيـحـا لــم نـرهـف السـمـع لـغـيـر كتـابـنـا         ورسـولـنــا وكـفـيـنـا ذا التـلـمـيـحـا مـشـهـور يـأجـرنـا الآلــــه بـفـقــدك         خـيـرا ويشـفـي بالـصـدور قـروحــا

سلم لنا على صحب أحمد اوصهـم     دعـاءهـم تـحــت الـعــروش ربـيـحـا

منارة الجهاد :

لقد كان – رحمه الله – منارة للجهاد الإسلامي المعاصر، ولا ينكر هذه الحقيقة إلا جحود معاند :

إنــا فـقـدنـا فـــي الـرحـيـل مـنــارة         كــم كـنـت فيـهـا بالجـهـاد صـريـحـا أودعت روحـك فـي الكتـاب بفكـرة       ففهمـنـا مــن نـهـج الالــه شـروحـا

قد شد ثقـل النائبـات علـى النهـى     فـثـوى لـطـول الفـاجـعـات جـريـحـا

وصور جثمان الإمام وقد غسلته دموع الإخوان، الذين راحوا يتسابقون في حمل النعش سيراً على الأقدام :

لو جف ماء الغسـل تجـري دموعنـا        فاغـتـسـل مـنـهـا طـيـبـات وريــحــا هــذا الشـبـاب أتــاك يحـمـل خـفـه           فـتــراه كالـطـيـر المـعـنـى ذبـيـحــا مـن كـل صــوب كالمـلائـك سنـحـة       طهـر كسـى بنـت المـعـز مسـوحـا يـأتـيـك يـسـكـب دمــعــه ودعــــاءه             فـتـرى بأعيـنـه الـــدم المسـفـوحـا يـأتـيـك يـلـقـف رايـــة قـــد صنـتـهـا           ويـجــدد الـعـهـد لـيـبـنـي صــروحــا

مـشـهـور إنـــا نحـتـسـبـك بــزمــرة             شرت النفوس لمن يسوي الروحـا

ويطلب من الراحل أن يسلم على الإمام حسن البنا، ويبشره بأن البناء الذي أقامه ما زال صامداً يقاوم الأعاصير :

سـلـم عـلـى الـبـنـا وبـشــر قـلـبـه              أن الـبـنــاء يــكــاد يـكــســر ريــحـــا سيـتـم ربــي مــا بـنـى مــن ديـنـه             فـضـلا يعـانـق فــي الـبـلاد مديـحـا يــارب فاقـبـل فــي اخيـنـا عـزاءنــا           واغـسـل لـنــار الـحــزن والتبـريـحـا واغـسـلــه بـالـبــرد ونــــور قــبـــره              أسكنه في جـوف الجنـان فسيحـا واغمـره مـن نــور النـبـي وصحـبـه             وأريــــه نــــور الــوجــه والـتـرويـحـا بـــارك خلـيـفـتـه وبــــارك سـعـيــه             وارزقـه جهـدا فـي الجهـاد منـوحـا وأعذه حتـى مـن وسـاوس نفسـه           وأحــطــه تـوفـيـقـا وزده وضــوحـــا حتى نرى الشرع يحكم في الورى          ويـضــوع عـــدلا صـادقــا منـضـوحـا هـــذا هـــو الـعــز إن رمـنــا الــعــلا            ورغبنا فـي أعلـى الجنـان طموحـا

وأخيراً :

إن شعراء الدعوة الإسلامية ما يزالون يعانون من التقصير في مديح الأئمة، أليس من العار أن يمدح الطاغية حافظ الأسد مديحاً يفوق جميع الخلفاء والملوك والأئمة القدماء والمعاصرين، أليس من العار والشنار أن نبحث الأيام والشهور عن شعر قيل عن الإمام حسن الهضيبي، وعمر التلمساني، ومصطفى مشهور، وجمال الدين الأفغاني، فلا نجد إلا النزر اليسير، و ها نحن بعد بحث شاق، وتنقيب في الكتب والمجلات ودواوين الشعر الإسلامي لا نجد في مديح الإمام بديع الزمان النورسي – مجدد الإسلام في تركيا- أي قصيدة، فشمروا يا شعراء الإسلام عن ساعد الجِدّ، وابروا أقلامكم، وسددوا ، وقاربوا، وسدّوا الثغرة، فإن قلم التاريخ لا يرحم .

وسوم: العدد 652