السيرة الذاتية للباحث والكاتب الفلسطيني

ولد الاستاذ نعمان عبد الهادي فيصل في حي الشجاعية بمدينة غزة في فلسطين، في السادس من آب/ أغسطس 1976، وفي ذلك يقول الاستاذ نعمان فيصل: (ولدتُ في حي متواضع من أحياء غزة سنة 1976م لأبوين غزيين أنجبا – غيري - ولدين وخمس بنات، ولم أكن من أسرة من تلك الأسر التي أعطتها المواصفات الاجتماعية نوعاً من التميز والاستعلاء، فقد كان والدي مدرساً يعمل في جو من الكفاح والتعب لا مثيل له، وابتدأت دراستي في المدارس الحكومية في غزة، وكنت من المتفوقين في الدراسة، ومنذ صغري أظهرت ميولاً وطنية وسياسية، وقد حرص والدي على تشجيعي على ذلك، وكنت أحياناً أسمع الوالد وهو يذكر لوالدتي كم هو فخور بي، وخصوصاً بأخلاقي وتفوقي وفطنتي، وأنه يتوقع لي مستقبلاً باهراً، وكنت أعف عن الأمور التي يقبل عليها الشبان مثل: النساء واللهو والخمر وما إليها. ومنذ صغري أدركت بفطرتي العارفة أن المطالعة والقراءة هما سبيل المعرفة والثقافة، وكنت أنفق معظم مصروفي في شراء الكتب، إنها نعمة أشكر الله عليها، وقد كانت تستهويني كتب الأدب والشعر والتاريخ، وكنت شديد النهم للقراءة والاطلاع، فنهلت من هذه المناهل، ورويت عن سعة، فقد أنست بالكتب، فجعلتها دعامتي في مصادري لكتبي التي ألفتها، حتى سرت في ركب الباحثين والكتَّاب، وما زلت أجد في مطالعة الكتب والوثائق والمخطوطات مصدراً لا ينضب للمعرفة.

ويقول الاستاذ نعمان فيصل: (كانت لديَّ نزعة جياشة للكفاح الوطني، فأنا ابن فلسطين، ولديَّ من حب الوطن مثل الذي لدى أكثر الفلسطينيين وطنية، انطلاقاً من عاطفة بقيت قوية الأثر في نفسي، وحدث كل ذلك بمشاركات في العمل الوطني الصادق، دون انتماء حركي أو حزبي، وكان دافعي ومحركي فيه هو التعبير عما يجيش في نفسي من رغبة جارفة للتحرر، فأنا عربي بأصلي وبوطني مهما توزعت العروبة بفعل عوامل كثيرة، وبين أمصار وبلدان، ومهما انقسم الوطن العربي الكبير إلى عدة أوطان. وكان همي الدائم هو الوطن، الذي يعيش في وجداني كأنشودة أزلية، أحلم بها، تعشش في شراييني، وأكره الحرب لكثرة ما ذقت من ويلاتها في مدينتي الحبيبة (غزة)، وأنزع إلى السلام، وأحب الموسيقى والنغم الجميل الراقي المؤثر، كونها ترقي النفس، وتبعث فيها الحياة والنشاط والسرور، وكنت، وما زلت، شغوفاً بالجمال، مشاعري جياشة فياضة، شديد العاطفة، لاسيما إذا كان مصدر العاطفة مسألة إنسانية أو قضية وطنية، فلا أستطيع رؤية إنسان يتعذب في هذه الأرض، فسرعان ما أنزعج وأضيق ذرعاً وأنتفض، ويذوب قلبي، وتنهمر دموعي، ويتغير لون وجهي، ومع ذلك كله، فإنني أظل ملتهب العزيمة أتحمل الألم والبلوى، ولا أستسلم مهما توالت العقبات. لم أتعلم السباحة وأنا صغير، ولذا لم أستطع تعلمها وقد كبرت، ولي ولع في لعب الشطرنج، فأصبحت بارعاً فيها).

نال الأستاذ نعمان فيصل درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة الازهر، وأحرز قصب السبق بين أقرانه، فكان الأول على دفعته، وفي هذا الصدد يقول الاستاذ نعمان فيصل: (كان اختياري لموضوع رسالة الماجستير وهو: (الانقسام الفلسطيني في عهد الانتداب البريطاني، وفي ظل السلطة الوطنية الفلسطينية "دراسة مقارنة") استجابة لضرورة معرفة الفلسطينيين بتداعيات الانقسام في الماضي والحاضر، وأثره على القضية الفلسطينية والمشروع الوطني برمته، إذ كان الانقسام بين حركتي فتح وحماس، الذي اندلع عام 2007م، الأخطر في تاريخ الشعب العربي الفلسطيني؛ لأنه عرض وحدة الأرض لخطر الانقسام والانشطار، وما زلت أردد بأسى وألم أن الفلسطينيين يتحملون نصيباً من مسؤولية الانقسام، وأن ذلك انعكس سلباً على القضية الفلسطينية، التي تاهت لسنوات في وحول الانقسام).

ويحاول كتاب "الانقسام الفلسطيني" لمؤلفه الأستاذ نعمان فيصل تحليل جذور وأسباب الانقسام الفلسطيني من خلال المقارنة بين الانقسام السابق داخل الحركة الوطنية الوليدة آنذاك في عهد الانتداب البريطاني، والذي أخذ طابعاً عائلياً؛ بين عائلتي الحسيني والنشاشيبي، على أرضية الموقف من الانتداب، أو بسبب التنافس على مواقع السلطة والنفوذ. وبين الانقسام الذي حدث في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية، بين حركتي فتح وحماس، والذي أخذ طابعاً سياسياً نتيجة الخلاف بين رؤيتين متناقضتين: إحداهما تمثل مشروعاً وطنياً بقيادة حركة فتح، وأخرى تمثل مشروعاً إسلامياً بقيادة حركة حماس، وكذلك بسبب الموقف من الاحتلال الإسرائيلي وأسلوب التعامل معه.

ويقوم كتاب "الانقسام الفلسطيني" على توصيف وتحليل تداعيات الانقسام الداخلية والخارجية، التي تركت آثاراً سلبية وانعكاسات خطيرة على المشروع الوطني والوضع الفلسطيني بمكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ويقدم الكتاب مقارنة حول أوجه الشبه والاختلاف بين الانقسامين، وكأن التاريخ يعيد نفسه، حيث تتكرر أخطاء ونتائج الانقسام في الحاضر، دون أخذ العبر مما حدث.

وقد خلص كتاب الانقسام الفلسطيني لمؤلفه الأستاذ نعمان فيصل إلى تقديم مجموعة أفكار وتوصيات عملية لبناء نظام سياسي فلسطيني محصن من الانقسام بمشاركة كل القوى والتنظيمات ومؤسسات المجتمع المدني، ومن خلال استعادة قراءة التاريخ خاصة الفترة الزمنية السابقة، بكل تداعياتها بنظرة طموحة للمستقبل، ودعوة الأطراف الفلسطينية كافة إلى ردم هوة الخلاف، وأن تكون المصالحة حقيقية تشمل التصالح في الرؤى والأهداف والإستراتيجيات والمواقف، والاتفاق بين كل الفصائل الفلسطينية والقوى والمؤسسات على برنامج سياسي موحد تلتف حوله هذه القوى مجتمعة لمخاطبة العالم بلسان واحد، ويمكن اعتبار البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد تفعيلها في إطار المصالحة، ووثيقة إعلان الاستقلال عام 1988م، ووثيقة الوفاق الوطني عام 2006م، والقرارات الصادرة، سواء عن المجالس الوطنية أو مبادرة السلام العربية، التي أقرت في قمة بيروت عام 2002م، والتمسك بقرارات الشرعية الدولية التي تدعم الثوابت الفلسطينية، يمكن اعتبارها جميعها أساساً لهذا التوجه، ويمكن القول إن الكتاب قدم ما يمكن اعتباره خارطة طريق، لانتشال الوضع الفلسطيني المبعثر إلى مستقبل أفضل، تكون المصلحة الوطنية العليا هي الهدف النهائي.

وقد قدم لكتاب الانقسام الفلسطيني المرحوم فضيلة الشيخ عبد الكريم الكحلوت، مفتى مدينة غزة، وأشاد بعض الكتَّاب أمثال: الأستاذ يحيى رباح، والأستاذ محسن الإفرنجي بالكتاب، كما عكفت الصحافة الفلسطينية والدولية على تغطية الخبر بإسهاب والاهتمام به، ويقع الكتاب في 407 صفحات، وأودع في دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة في جمهورية مصر العربية في حزيران/ يونيه 2012م.

وتابع الأستاذ نعمان فيصل يقول: (أثناء دراستي للماجستير أصدرت كتابي: "صفحات منسية في تاريخ الصحة الفلسطينية" من خلال حوار أجريته مع الدكتور رياض الزعنون، أول وزير صحة فلسطيني في ظل أول حكومة فلسطينية تقام على أرض الوطن، بعد العودة إلى التراب الوطني).

ويقول الأستاذ نعمان فيصل: (كان الغرض من إصدار كتاب "صفحات منسية في تاريخ الصحة الفلسطينية" إلقاء الضوء على أهمية العمل من خلال خطة إستراتيجية، يشارك فيها الخبراء وجمهور المستفيدين، ويرافقها خطة متابعة لتقويم ما أُنجز، وتحديد التعديلات التي اقتضاها التطبيق. لقد قدمت وزارة الصحة، تحت قيادة الدكتور رياض الزعنون، نموذجاً متميزاً بالعمل المشترك معاً كمجموعة واحدة بين جناحي الوطن في قطاع غزة والضفة الفلسطينية دون غلو أو تعصب. وقد استطاعت الوزارة، بفضل القائمين عليها والمنتسبين إليها، أن تؤسس لعشرات المشروعات الحيوية، وأن تحوز ثقة الدول المانحة لما تبديه من جد في العمل، ولعلَّ من المفيد تنمية هذه التجربة، وتعزيز الإيجابيات فيها، وتجاوز السلبيات وصولاً إلى الأفضل دائماً، ونقلها لأي شخص مهتم).

ويقول الأستاذ نعمان فيصل عن دور الدكتور رياض الزعنون: (إنه من الرعيل الأول في كل عمل قومي أو سياسي أو وطني، حمل الراية ردحاً من الزمن في أروع إخلاص، وله مواقف شريفة في شتى الميادين.. أتاحت لي الظروف أن أعرفه عن كثب، وتوطدت أواصر المودة بيننا، فقد جمعتنا فلسطين حباً وانتماءً وتاريخاً، فهو من العقول المتفتحة والنفوس الصافية التي تزخر بحب الخير والعطاء، ولم يعرف في حياته لغواً أو لهواً، إنما استهدف الجد والنفع العظيم، كان دوماً جم التواضع بغير غلو منزوياً عن الأضواء، لا يستهدف إلا إرضاء ربه وضميره، بفضل ما انطوت عليه نفسه من خصال فريدة ومثل راقية، وفي سيرته أمثلة كثيرة على الصدق والوفاء، والحلم والإنصاف، بكل معنى الكلمة والدلالة؛ فوفق للوصول إلى صيت حسن).

وقد اشتمل كتاب (صفحات منسية في تاريخ الصحة الفلسطينية) لمؤلفه الأستاذ نعمان فيصل على أربعة فصول، بالإضافة لملحق الصور، وقد استغرق هذا الجهد سبعة شهور من العمل المتواصل والمضني حتى رأى النور، ويقع الكتاب في 253 صفحة، وأودع لدى وزارة الثقافة الفلسطينية في آذار/ مارس 2011م.

وشغل الأستاذ نعمان فيصل بمطالعة الأدب والشعر والتاريخ زمناً ليس بالقليل، لإيمانه الراسخ بقيمة تلك العلوم ومكانتها بين سائر العلوم، وما يزال يجد في مطالعة الكتب والوثائق والمخطوطات مصدراً لا ينضب للمعرفة، وفي ذلك يقول الأستاذ نعمان فيصل: (وقد سنحت لي فرصة، أثناء ظروف الانقسام عام 2007م - عندما دعت حكومة السلطة الوطنية برام الله، جراء سيطرة حركة حماس على قطاع غزة - موظفيها إلى التوقف عن العمل تعبيراً عن الرفض للتعامل مع حكومة الأمر الواقع القائمة في غزة إلى إكمال مشواري الأكاديمي، وإصدار مؤلفاتي. لم أتقاعس، ولم أفرح بالجلوس في البيت، لقد وجدت في ذلك محرضاً للعمل، وباعثاً قوياً إلى استثمار وقت الفراغ في أعمال مفيدة سعياً للتطور وتجديد المعلومات، فمن العيب أن يتخاذل المرء وبين يديه أسباب النجاح. فمنذ طفولتي شغلت نفسي بمطالعة التاريخ، لإيماني الراسخ بقيمة هذا العلم وغزارة حوادثه وأهميته ومكانته بين سائر العلوم، وصممت أن أقدم للمكتبة العربية باكورة أعمالي، وهو كتابي (أعلام من جيل الرواد من غزة هاشم منذ أواخر العهد العثماني وحتى القرن العشرين)، حيث كانت الظروف المحيطة بي، والوسائل التي بين يديّ تساعدني على تأليف هذا الكتاب في محاولة لعرض سيرة الشعب الفلسطيني من خلال استعراض سير أبنائه النابغين الذين كانوا شعلة علم وفكر أنارت العقول، وأضاءت الدروب؛ لتخلد فلسطين في ذاكرة التاريخ، ومن هنا كان اختياري لموضوع مؤلفاتي استجابة لضرورة معرفة الفلسطينيين بتاريخ رجالهم الأحرار، ومعرفة مشاركتهم في الحضارة الإنسانية، ومدى ما قدموه إلى العالم من مدنية وحضارة ومعرفة، وقد استغرق هذا العمل سنتين ونصف السنة، وقد فرغت منه في أيلول 2009م. لقد أمدني هذا الكتاب بمصدر من المعارف والمعلومات والعلاقات الطيبة، وقد ترك دوياً هائلاً، فأثنى عليه المثقفون والكتَّاب في فلسطين وخارجها، وعدوه من المراجع الهامة التي يستأنس بها اليوم كل باحث أديب حين يبحث عن الترجمة عن رجال غزة خلال حلقة طويلة (قرنين من الزمن).

وتقديراً لذلك فقد حظي الأستاذ نعمان فيصل على تكريم وزير الثقافة الفلسطيني الدكتور أسامة العيسوي في احتفال مهيب حضره صفوة المجتمع الغزي في نيسان 2010م، وألقى الأستاذ "محمد حامد الجدي" كلمة مؤثرة أشاد فيها بالكتاب وبمؤلفه، بأبلغ العبارات والمعاني. كما ألقى فضيلة الشيخ عبد الكريم الكحلوت مفتي غزة كلمة مؤثرة في الاحتفال أشار فيها إلى أن: (الإسلام كرَّم الأعلام، ورفع من شأنهم)، معتبراً (صدور مثل هذا الكتاب، الذي يرصد سيرة وتاريخ أعلام غزة، إشراقة جديدة لإبراز تاريخ من ضحى من أجل النهوض بفلسطين وشعبها)، ومن الجدير ذكره أن راديو المنار بغزة، وبمبادرة من الصحفي طلال أبو رحمة، وضع برنامجاً بعنوان: (أعلام من الجنوب) مستمداً معلوماته من كتاب (أعلام من جيل الرواد من غزة هاشم)، وخصص حلقة لكل شخصية وردت في هذا الكتاب، تذاع يومياً، واستمر بث البرنامج عاماً كاملاً دون كلل أو ملل.

ولا أدل على ذلك من القصيدة التي استوحاها الشاعر الفلسطيني عمر خليل عمر، من كتاب: (أعلام من جيل الرواد من غزة هاشم) لمؤلفه الأستاذ نعمان فيصل بمناسبة صدوره، حيث رسم صورة شعرية صادقة للكتاب، وأجاد عرض صورته وملامحه إلى حد بعيد، وفيها يقول:

هذا الكتابُ وثيقةٌ وشهادةٌ هو شاهدٌ، ومشاهدٌ، وأمانةٌ تاريخ شعبٍ صامد عَبْرَ المدى حملوا الأمانةَ والرسالةَ كلُّهم أعلامُ غزَّةَ والجنوب، وأهلنا جادوا، وأعطوا، ما توانوا ساعةً فالعِلمُ، والتعليم كان رسالةً كانَ "البشيرُ" و"رامزُ" وصحابُهم كي يقتلوا داءَ الجهالةِ مثلما وشيوخُنا كانوا شموعاً في الدُّجى أما الذين تقحموا ساحَ الوغى أوفَوْا بعهد الله حتى أصبحوا كانوا نجوماً في سماءِ حياتِنا و"الياسرُ العرفاتُ" كانَ وثيقةً هيّا اقرأوا ما خطَّهً كُتّابُنا من يقرأ التاريخَ يشهدُ أننا صانوا عهود الأوفياء لشعبهم هــم سطّـروا تـاريـخ أمـَّتِنا كـما كلُّ العوائلِ والقبائلِ أسوةٌ أما فلسطينُ الحبيبةُ فهي في منا التحيّةُ والسلامُ عليكمُ والله ندعو أن يُسدّدَ خَطوَنا ج   فيه الرّجالُ الشُّمُّ والروّادُ يحكي لنا ما خطَّهُ الأجدادُ لتصونَه الأبناءُ والأحفادُ في كلِّ ساحٍ منهمُ أمجادُ وشيوخُ "بئر السَّبْع" هم مَنْ جادوا وتحمّلوا عِبءَ الهمومَ، وقادوا حتى غَدَوا رُسُلاً لنا أو كادوا و"محمّدٌ" والآخرون تنادوا أرسوا دعائمَ شعبنا، واعتادوا فانداحت الظلماءُ والأحقادُ همْ للجراحِ بلاسمٌ وضمادُ رمزاً لنا بالروح هم قد جادوا "فأبو الجهادِ" و "مدحتٌ" و"زيادُ" وكذا "ياسينُ" و "مصطفى" أندادُ كي تعرفوا كَمْ جادت الأجوادُ شعبٌ أبيٌّ شمسُه الروّادُ في كلِّ ساحٍ، إنهم أطوادُ باهتْ بهم عبر المدى الأحفادُ ومن الجنوبِ إلى الشَّمالِ.. ودادُ قلبِ الجميعِ، وللجميعِ مهادُ يا أيُّها الأعلامُ، والرَوّادُ أنتم لنا: الآباءُ والأجدادُ

وهنا يذكر الأستاذ نعمان فيصل دور القدر، ويقول: (كأنني على موعد معه، فكانت سنة 2010 سنة فرح وبركة، ففيها أنعم الله عليَّ بثلاث نعم، أولها صدور كتابي الأول: "أعلام من جيل الرواد من غزة هاشم"، وهو أول باكورة إنتاجي القلمي، وثانيها رزقني الله بابن أسميته أحمد، وأسأل المولى أن يكتب له العمر المديد، ويمنحه السعادة والتوفيق، وثالثها وفقني الله توفيقاً كبيراً، إذ حججت إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة. والحمد الله رب العالمين على كل نعمه).

يذكر الأستاذ نعمان فيصل موقفاً في لقطة حية محفوظة بين تلافيف الشريط الدماغي الخاصة ببيت العائلة القديم، فيقول: (في صيف عام 1997م شددنا الرحال من بيت جدي القديم، الذي نشأت وعشت فيه واحداً وعشرين ربيعاً، وفيه أيضاً عاش آبائي وأجدادي في جو من الألفة والسعادة حقباً طويلة من الزمن لأكثر من مائتي وخمسين سنة تقريباً في حي قديم من أحياء غزة، يُعرف بحي الشجاعية، ولعلَّ تسميته بهذا الاسم يعود إلى شجاع الدين عثمان الكردي الذي استشهد في غزة سنة 637هـ إبان الهجمة الصليبية).

وتابع فيصل قائلاً: (كانت لهذا البيت قصص في الماضي تظل ذكراها محفورة في الذهن، وأحب أن أسجلها، وخاصة عن فترة اندلاع الانتفاضة العارمة التي بدأت عام 1987م، والتي عمت أرجاء الوطن، واتسمت بالقوة والعنفوان والجلد في مواجهة سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعبيراً عن تحرير النفوس من عوامل الاستكانة والذل والتخاذل، وبث روح التفاؤل والأمل والشعور بالكرامة في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني المنتفض).

ويقول الاستاذ نعمان فيصل: (كان بيتنا يقع على ناصية الشارع – شارع بغداد – وهي ساحة للمواجهات الدائمة مع جيش الاحتلال، وكان سلاح المنتفضين وقتئذ (الحجارة)، ومن هنا سميت بانتفاضة الحجارة، وفي ذلك الوقت كان المقاومون الفلسطينيون أيضاً يشعلون إطارات السيارات على قارعة الطريق كتعبير عن حالة الرفض التي سادت ضد المحتل الإسرائيلي، وكان رد فعل جيش الاحتلال على نضال شعبنا هذا عدة طرق مخيفة من العقوبة الجماعية، أذكر منها: في إحدى ليالي الانتفاضة العصيبة أجبر جيش الاحتلال الإسرائيلي والدي أن ينزل إلى الشارع بعد منتصف الليل، وأن يطفئ الاطارات المشتعلة، وأن يحملها، ويضعها في بيتنا، واضطر أن يفعل ذلك حتى حرّقت يداه، وظل يعاني من إثر ذلك الحرق لعدة سنوات، ومن وسائل العقوبات التي كان يمارسها هذا المحتل أن يأمر الصغار والكبار من أبناء الحي بأن يخرجوا من بيوتهم في ظلام الليل الدامس لكنس الشوارع وتنظيفها لساعات طويلة، وقد تعرضت لمثل هذا العقاب وأنا صبي يافع، وكان من وسائله أيضاً رمي القنابل الصوتية المرعبة على شرفة بيتنا المطلة على الشارع بينما نكون نحن هانئين بالمنام اللذيذ، فتقض مضاجعنا، ونستيقظ على صوتها مرعوبين وكأنها زلزال أو انفجار هائل هز منطقتنا، ناهيك عن المداهمات الليلية، وحجز بطاقات الهوية وجمعنا وتسميرنا على الحائط، وغير ذلك من وسائل العقاب غير المألوفة، واستمر هذا الحال حتى عودة السلطة الوطنية الفلسطينية لأرض الوطن. وهكذا، كانت ليالي الانتفاضة من أشد الليالي قسوة علينا).

وأما عن زيارة الاستاذ نعمان فيصل إلى باريس عاصمة فرنسا ومشاهداته فيقول: (ولا بدَّ من الإشارة إلى ظاهرة إيجابية شاهدتها، ونالت إعجابي، وطبعت في ذهني، وتركت أثراً عميقاً في نفسي أثناء تجولي في باريس وضواحيها، عندما كنت أهبط (المترو) الذي ينقل كل سكان باريس تحت الأرض، وهي إقبال الشباب الفرنسي على القراءة بكل نهم ونشاط، وكأنهم يلتهمون الكتاب التهاماً، وقد رأيت ذلك خلال إقامتي القصيرة فيها، فالوقت عندهم ثمين، ويستثمرون كل لحظة منه، وقد انتابني الشعور بالحسرة والأسي لما آل إليه حال الشباب وجيل اليوم في فلسطين، وفي عالمنا العربي لعدم اهتمامه بالقراءة وعزوفه عن الكتاب. وهكذا، فإن جيل اليوم يختلف عن جيل الأمس الذي كان يقدس الكتاب، ويعتبره هوية وطنية لكل إنسان متمثلاً قول أبي الطيب المتنبي شيخ شعراء العربية، الذي أشاد بالكتاب ومجده، واعتبره خير جليس، وخير أنيس، حيث قال في قصيدة له قبل أكثر من ألف عام:

أعز مكان في الدنا سرج سابح   وخير جليس في الزمان كتاب

كتب الأستاذ نعمان فيصل مئات المقالات، وله أربعة مؤلفات منشورة هي:

1-    أعلام من جيل الرواد من غزة هاشم منذ أواخر العهد العثماني وحتى القرن العشرين، غزة 2010م.

2-    صفحات منسية في تاريخ الصحة الفلسطينية: حوار مع الدكتور رياض الزعنون أول وزير صحة فلسطيني، غزة 2011م.

3-    الانقسام الفلسطيني في عهد الانتداب البريطاني وفي ظل السلطة الوطنية الفلسطينية (دراسة مقارنة)، غزة 2012م.

4-    ظلال السنين في غزة هاشم.

وسوم: العدد 659