الشيخ أبو بكر محمود غومي : ودوره في الإصلاح والتجديد في نيجيريا

clip_image002_42b86.jpg

(1924 ـ 1992)

هو عالم دين إسلامي.

كان زعيمًا للحركة السلفية في نيجيريا، وشغل منصب قاضي قضاة المنطقة الشمالية بنيجيريا في الفترة من سنة 1962 إلى أن ألغي المنصب سنة 1967، وقام أثناء ذلك بتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية في المنطقة.

كان على علاقة بالزعيم السياسي أحمدو بلو، الذي كان رئيسًا لوزراء المنطقة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. فمن هو ؟؟ وما هي جهوده في الإصلاح الإسلامي ؟؟ وما هو دوره في تفسير القرآن الكريم .

المولد والنشأة :

وُلِد الشيخ أبو بكر محمود جومي سنة ١٣٤٣هـ/١٩٢٤م في قرية جومي بولاية سكوتو (زامفرا حالياً) في نيجيريا .

دراسته ومراحل تعليمه :

ودرس على أبيه القرآن الكريم ومبادئ العربية والفقه، ثم التحق بالدراسة النظامية، وحصل على شهادة المعلمين، وواصل تعليمه بالمدرسة الوطنية للموهوبين في شمال نيجيريا، ثم التحق بمدرسة العلوم العربية (كلية القضاء) في كانو حيث درس اللغة العربية إلى جانب الدراسات الإسلامية لمدّة خمس سنوات.

 وبعد تخرجه سنة ١٣٦٦هـ/١٩٤٧م، حصل على منحة دراسية في معهد التربية في بخت الرضا بالسودان، ونال شهادة الدبلوم العالي في القضاء واللغة العربية.

أعماله :

وبعد عودته إلى نيجيريا أرسلته الحكومةُ الفيدرالية النيجيرية كمسئول عن بعثة الحج إلى السعودية .

إلى جانب ذلك كان الشيخ أبو بكر المستشار والساعد الأيمن للحاج أحمدو بللو (ت 1966م) وشاركه في إنشاء (جماعة نصر الإسلام) أكبر هيئة إسلامية في نيجيريا التي قام من خلالها بجهود كبيرة في الدعوة الإسلامية ومحاربة البدع والخرافات .

ثم أسس بعد ذلك (جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة) حتى أصبح الشيخ أبو بكر جومي زعيم الحركة الإصلاحية المناهضة للصوفية في غرب إفريقيا في القرن العشرين

وكان أول عالم أفريقي أقام جسراً للتواصل بين كتاب الله العظيم واللسان الهوساوي، من خلال جهوده وإنجازه لترجمة معاني القرآن إلى لغة الهوسا السائدة في غرب أفريقيا.

وقد منحه أحمدو بللو وساماً ذهبياً أمام الجماهير تكريماً له.

عمل الشيخ جومى لبعض الوقت في سلك التعليم، ثم التحق بالسلك القضائي. وبعد استقلال نيجيريا، أصبح مساعداً لرئيس القضاء في محكمة الاستئناف الشرعية العليا، ثم رئيساً للقضـاء في الإقليم الشمالي من البلاد.

كما تولَّى منصب المستشار الديني لرئيس وزراء إقليم شمال نيجيريا .

وأصبح مديراً عاماً للشئون الدينية بمجلس الشورى، ورئيساً للهيئة الوطنية لشئون الحج والحجاج، في ذلك الإقليم.

وفي سنة ١٣٩٦هـ/١٩٧٦م، عُيِّن مفتي البلاد الأكبر.

وكان فضيلته عضواً في المجلس الأعلى العالمي لشؤون المساجد .

 وكان عضوا في المجمع الفقهي في مكة .

 وعضواً في مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة

 وعضواً في المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة

وعضواً مؤسساً لرابطة العالم الإسلامي

 وشغل منصباً قيادياً في جماعة أحمدو بللو

 وكان عضواً في مجلس كبار العلماء في نيجيريا

 ورئيس مجلس مركز التعليم التربوي النيجيري.

مؤلفاته :

وبقدر ما جاهد الشيخ جومي من أجل تحرير وطنه جاهد، أيضاً، بقلمه وفكره، فنشر مؤلفات عدَّة في الدعوة وتبيين الحق، كما ترجم معاني القرآن إلى لغة الهوسا، وفسَّر القرآن الكريم في كتاب أسماه :

1-رد الأذهان إلى معاني القرآن.

2- العقيدة الصحيحة بموافقة الشريعة.

 كما كان لـه نشاط كبير من خلال المذيـاع والصحف والمجلات.

 وقد أشرف على ترجمة عدد من الكتب التي ألفها علماء نيجيريون باللغة العربية إلى لغة الهوسا ليستفيد منها أكبر عدد من المسلمين في نيجيريا وغيرها من المجتمعات الأفريقية التي تنتشر وتسود فيها لغة الهوسا مثل النيجر وغانا وتوغو وساحل العاج وتشاد.

تكريم وتقدير :

وقد حصل الشيخ أبو بكر جومي على العديد من الأوسمة والجوائز التقديرية، منها 

1-الدكتوراه الفخرية في كل من جامعة أحمدو بللو في زاريا بشمال نيجيريا

2-وجامعة إبادن بجنوب نيجيريا .

3-ووسام الدرجة العثمانية من رئيس وزراء شمال نيجيريا .

4-ووسام الشرف الأعلى .

5- وجائزة الدولة التقديرية من حكومة نيجيريا الفدرالية .

6- إلى جانب فوزه بجائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام عام

١٤٠٧هـ/١٩٨٧م

وقد مُنِح فضيلة الشيخ أبي بَكر محمُود جُومي الجائزة؛ وذلك للجهود الكبرى التي بذلهَا في العَمل الإسلامي داخل بلاده وخَارجهَا في مجالات الدعوة والتدريس والتربيَّة والقضَاء والإفتَاء. ومن أبرز وجُوه نشَاطه:

جهاده من أجل تحرير وَطنه.

جهوده المتميِّزة لتنظيم المحَاكم وتطبيق الأحكام الشرعيَّة بدقة.

تعاونه مع الزعيم أحمد بلّو في إنشاء مُنظمة جمَاعة نصر الإسلام.

مشَاركته في عدَّة مؤسَّسَات علميَّة ومؤتمرات إسلاميَّة.

جهاده بقلمه في تبيين العقيدة الإسلاميَّة الصحيحَة ومقَاومَة البدع والخرافات. وممَّا قام به في هَذا المجال:

أ) ترجمَة معاني القرآن الكريم إلى لغَة الهوسَا.

ب) تأليف كتاب العقيدة الصّحيحة بموافقَة الشريعَة.

ج) تأليف كتاب ردّ الأذهان إلى معاني القرآن.

ومن أهم الكتب التي تحدثت عن حياته ومواقفه ودوره في تفسير القرآن :

1-الشيخ أبوبكر محمود جومي: حياته مواقفه وآراؤه [ ماجستير]

جاء هذا الكتاب تحت عنوان : الشيخ أبوبكر محمود جومي: حياته مواقفه وآراؤه

والمؤلف هو : (محمد المنصور إبراهيم )

وهو رسالة ماجستير قدمها محمد المنصور إبراهيم إلى قسم الدراسات الإسلامية بجامعة عثمان بن فودي، سكتو ، ونال بها شهادة العالمية العليا (الماجستير) في يونيو عام 2000م.

-تعريف بتفسير ( رد الاذهان إلى معاني القرآن) لرئيس قضاة نيجيريا الشيخ أبو بكر غومي (1924-1992م)

يقول الباحث في مقدمة كتابه الماتع :

( أهداني أحد طلبتي النجباء من نيجيريا هذا التفسير الذي ما إن وقع تحت يدي حتى انكببت عليه بالقراءة المصحوبة بالغرابة والشوق، أما الغرابة فكان منشؤها أن هذا التفسير مليء باللطائف التفسيرية رغم وجازته ومع هذا لم نجد له ذكر بين من يتحدث عن التفاسير الحديثة، وأما الشوق فلرغبتي أن أنقل لأخوتي في هذا الملتقى شيئا من التعريف به وفاء لصاحبه  تعالى:

اسم التفسير: رد الأذهان إلى معاني القرآن

طبع ما يزيد على الخمس طبعات، فالطبعة التي بين يدي هي الخامسة وهذا الذي زادني غرابة أنه لم نعرف عنه من قبل

التفسير جاء في مجلد واحد ويحوي جزأين ألأول إلى سورة الكهف من صفحة (1- 395 ) ، والثاني إلى سورة الناس من صفحة (396- 827) مطبوع بهامش المصحف الشريف.

سأقوم بالتعريف بصاحب التفسير، ويتبع بإذن الله تعالى التعريف بمنهج المفسر، وما تميز به التفسير .

أ‌-               التعريف بصاحب التفسير:

هو أبو بكر محمود جومي يصفه بعضهم بالترجمان الأفريقي للقرآن الكريم؛ ويقال أنه كان -بحق- الجسر الأفريقي الهوساوي إلى عالم كتاب الله العظيم؛ قال عنه الناشر في مقدمة تفسيره: " فريد عصره الداعي إلى سبيل الرشاد، قامع البدع وكل ألوان الشرك رئيس القضاة بشمالية نيجيريا، عضو المجاس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي".

فهو صاحب الترجمة المشهورة لمعاني القرآن الكريم إلى الهوساوية جهوده التي يتكلم بها ما يزيد عن مائة مليون شخص في معظم دول غرب أفريقيا. وهو الذي طبع في مجمع الملك فهد.

ومع شح من ترجم لهذه الشخصية وحرصي على طلب المزيد عن حياته ، فإنني سأعرض لها نقلاً عما وجدته مثبتا في الصفحة الأولى من تفسيره حيث لم تزد على خمسة أسطر، وقد وجدت في بعض المقالات المنشورة على النت من ترجم له بإيجاز: نشر على موقع اسلام أون لاين

ولد الشيخ أبو بكر بن محمود غومي عام 1314هـ الموافق السابع من شهر نوفمبر من العام 1924م، في قرية تسمى "غومي" GUMI، أحد المراكز التابعة لولاية صوكوتو سابقا، والتابعة لولاية زامفرا حاليا.

نشأ الشيخ غومي في حجر والده الذي كان قاضيا وتلقى منه القرآن ومبادئ الدين، وقد تعهده بالعناية وحسن التربية فداوم على اصطحابه إلى مجالس العلم ومنازل العلماء، وكان يتعمد سؤاله في بعض المسائل والقضايا ليتيح له فرصة بناء الثقة والاعتزاز بالنفس، وكان أن ألحقه أبوه بالتعليم الابتدائي بقرية "دوغن داجي" على نهج التعليم الغربي النصراني، ورغم المعارضة الشديدة لهذا التعليم في المجتمع الهوساوي فإن أباه أصر على ذلك رغبة منه في أن يجمع بين التعليم العربي والإنجليزي الجديد، ثم المدرسة الوسطى في صوكوتو وحصل منها على شهادة المعلمين "المرتبة الرابعة".

ونظرا لذكائه الشديد بعد تخرجه التحق بـ"المدرسة الوطنية للطلبة الموهوبين لأبناء شمال نيجيريا"، والتحق بعدها بمدرسة العلوم العربية (كلية القضاء) بكانو، ومنها تعلم العربية والدراسات الإسلامية لمدة خمس سنوات، تخرج فيها عام 1947م، ثم حصل على منحة دراسية في معهد التربية في بخت الرضا بالسودان، ونال شهادة الدبلوم العالي في القضاء الشرعي عام 1955م.

كما تتلمذ الشيخ غومي على أيدي علماء محليين نيجيريين، منهم الشيخ جنيد بن محمد البخاري، وزير صوكوتو السابق، والشيخ ناصر الدين كبرا زعيم الطريقة القادرية في نيجيريا، والشيخ "معلم شيهو يابو"، كما أخذ عن عالم لبناني يدعى "سعدي ياسين" رواية حفص عن عاصم في علم القراءات.

بدأ الشيخ غومي نشاطاته العملية بالعمل في سلك التعليم ثم السلك القضائي، حيث عين قاضيا شرعيا بإحدى المحاكم الشرعية بقرية من القرى التابعة لمدينة صوكوتو عام 1947م، ثم عاد إلى العمل في التدريس في مدرسة العلوم الشرعية بكانو عام 1951م، وبعدها انتقل إلى مدينة مرو للتدريس، ثم عاد مرة ثانية إلى مجال القضاء فعين نائبا لقاضي قضاة الشرعيين لإقليم شمال نيجيريا، ثم تولى منصب قاضي القضاة في شمال نيجيريا بلقب "كبير القضاة" مكث في هذا المنصب منذ مطلع الستينيات إلى منتصف السبعينيات.

كما تولى منصب المستشار الديني لرئيس وزراء إقليم شمال نيجيريا في عهد (الزعيم أحمد بللو)، وعين مديرا عاما لمجلس الشورى للشئون الدينية بإقليم شمال نيجيريا، وترأس الهيئة الوطنية لشئون الحج والحجاج لمنطقة شمال نيجيريا.

إضافة إلى ذلك كانت له عضوية العديد من الهيئات الإسلامية داخل نيجيريا وخارجها، فهو عضو مؤسس لمجلس جماعة نصر الإسلام (أقدم وأكبر هيئة إسلامية في نيجيريا) وكان عضوا بالمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضوا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في نيجيريا، والمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

وحصل الشيخ غومي على العديد من الأوسمة والجوائز التقديرية، منها الدكتوراة الفخرية في كل من جامعة أحمد بللو بزاريا شمال نيجيريا وجامعة إبادن جنوب نيجيريا، ووسام الدرجة العثمانية من دولة رئيس الوزراء لشمال نيجيريا، وجائزة الدولة التقديرية من حكومة نيجيريا الفدرالية، ثم جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1987م من المملكة العربية السعودية.

ب- التعريف بترجمته لمعاني القرآن الكريم :

يشير بعضهم إلى أن ترجمته للقرآن تأتي في مقدمة أعماله وتتسم الترجمة بالإتقان، وروعي فيها مميزات الأسلوب القرآني والقواعد العربية، فلم تكن مجرد ترجمة حرفية ولم يخرج بالتطويل في شرح المعاني عن المقصود، قام بها بمفرده، ثم تعاون معه بالمراجعة نفر من علماء المسلمين المخلصين الناطقين بلغة الهوسا، وممن يجيدون ويتقنون اللغة العربية من علماء قبائل الهوسا في منطقة شمال نيجيريا، وساعد الشيخ غومي أنه كان يجيد إلى جانب اللغتين العربية ولغته الأم الهوسا. الإنجليزية

وقد استغرق عمله في إعداد هذه الترجمة ومراجعتها وطبعها ما يزيد عن سبع سنوات، من شعبان 1391هـ حتى المحرم 1399هـ، وطبعت أربع طبعات، الأولى عام 1979م، والثانية عام 1982م، من طباعة الدار العربية للنشر ببيروت، وقد طبعتا على نفقة الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود، وظهرت الطبعة الثالثة عام 1407هـ والرابعة عام 1414هـ، وقد طبعتا في مجمع الملك فهد بن عبد العزيز لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية.

وقد تم تداول هذه الترجمة بين عموم الشعب الهوساوي في كل من نيجيريا والنيجر وغانا وتوغو وساحل العاج وتشاد وغيرها من المجتمعات الأفريقية التي تنتشر وتسود فيها لغة الهوسا، كما وفرت تلك الترجمة مادة علمية لطلبة العلم والباحثين على السواء، فضلا عن كونها مرجعا للعامة لفهم المعاني القرآنية لنصوص الأحكام والتوجيهات.

يعتبر الشيخ جومي من جدد الدعوة الإصلاحية التي تزعمها الشيخ المفسر عثمان بن فودي التي قامت في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي لنشر الإسلام وحضارته في بلاد الهوسا وغرب أفريقيا؛ كان منطلق دعوته مرتكزا على مجال الإصلاح الديني والتجديد الفكري من خلال تصحيح المفاهيم المغلوطة في الأفكار والممارسات، بالتركيز على مظاهر البدع في العبادات والتجاوزات الأخرى ومع هذا وجد من يتهمه بالتفويض وهو ما رده بعض الكتاب ونفى ذلك عنه بسوق طرف من كلامه وقد قرآت تعليقه على الكلام المنسوب إليه، ومن أحب أن يراجعه فلينظر في كتاب:

استواء الله على العرش بين تسليم السلف وتأويل الخلف / للباحث أبي رملة محمد المنصور إبراهيم (باحث بمركز الدراسات الإسلامية بجامعة عثمان بن فودي) سكتو، نيجيريا موجود عندي ومن رغب نحمله له فهو موجود عندي على صيغة وورد.

وقد اتخذت دعوة الشيخ الغومي شعار: "إزالة البدع وإقامة السنة"، وكانت مجالس دروسه للدعوة والتدريس تعج بجماهير غفيرة من مختلف شرائح المجتمع، حيث جذبهم أسلوبه المتميز في الإلقاء ومنهجه في شرح المسائل وطرح الأفكار، والتي ظلت تذاع على الهواء عبر إذاعة نيجيريا بكادونا لمدة أكثر من ربع قرن؛ وهو ما جعل لها أكبر الأثر في توسيع قاعدة الانتشار والاستفادة من علمه وثقافته الدعوية، وقد شملت جهوده الدعوية القادة السياسيين وغير المسلمين، فاهتدى عن طريقها عدد كبير من النصارى والوثنيين.

وقد توجت جهوده في هذا المجال بإنشاء منظمة دينية لتنظيم الجهود العلمية والدعوية وتنسيقها في هذا الاتجاه تحت راية "جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة" والتي انتظمت تحت لوائها مئات آلاف من الأتباع والمؤيدين، كما حمل غومي بشدة في دعوته على ظاهرة التقليد الأعمى المنتشرة في أوساط طلبة العلم في نيجيريا ودعا إلى نبذها، وبخاصة بعد أن استشرت الظاهرة

آثاره:

1-   في العقيدة: العقيدة الصحيحة بموافقة الشريعة" باللغة العربية ، ومراتب الإسلام" بالهوسا

2-   في الحديث: "الورد العظيم من الأحاديث والقرآن الكريم"بالعربية

3-   في الفقه: مناسك الحج والعمرة"،

4-   في الأدب كتاب "ديوان غومي" بالعربية.

5-   في الاقتصاد الاسلامي: "قضايا في الاقتصاد والتعامل مع البنوك الربوية

وفي التفسير وهو ما يعنينا إضافة إلى ترجمته لمعاني القرآن الكريم ( هذا التفسير الموسوم ب

رد الأذهان إلى معاني القرآن

وكما خصص جزءا من مؤلفاته للعكوف على ترجمة بعض الكتب العربية إلى لغة الهوسا، لا سيما بعض كتب الشيخ عثمان بن فودي، منها كتاب "نور الألباب في مسائل التوحيد والعقيدة"، وكتاب "أصول الدين في مسائل الاعتقاد"، وكتاب "هداية الطلاب في أهم مسائل الدين"، ومن بين الرسائل الصغيرة التي ترجمها إلى الهوسا كتاب" القاديانية".

وقد أثار كتاباه "رد الأذهان إلى معاني القرآن" في التفسير و"العقيدة الصحيحة بموافقة الشريعة" جدلا واسعا في أواسط العلماء وطلبة العلم، بسبب هجومه السافر على المفسرين في الأول تحت عنوان "تهافت بعض المفسرين" على خلفية إيرادهم واعتمادهم على الإسرائيليات من القصص والروايات، وبسبب رده في كتابه الثاني على الغلاة المبتدعة من المتصوفة؛ فقد انتقد بلهجة شديدة ما في كتاب الفيوضات الربانية من كتب القادرية، وما جاء في كتاب جواهر المعاني من كتب التيجانية، واعترض على الشطحات الصوفية وبعض الأوراد مثل صلاة الفاتح المشهورة بين العلماء في غرب أفريقيا، وشن هجوما عنيفا على مشايخ الطرق الصوفية خاصة من المعاصرين له.

وكتب الأستاذ الدكتور . محمّد الثّاني عُمر مُوسى متحدثاً عن دور أبي بكر غومي في التفسير :

مدخـل:

من العادات القديمة لأهل بلاد «الهوسا» إقامةُ مجالس التّفسير في شهر رمضان لمدارسة كتاب الله تعالى، وتذكير النّاس بربهم، ودعوتهم إلى تدبّر كلام الله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويُرجع بَعضُ المؤرِّخين ظهور هذا العمل إلى عهد أمير «كانو» «علي ياجي» الذي حكم في (1300م)، وذلك عند نزول وفد قبيلة «وَنْغَرا» حَيَّ «مدابو» بقيادة الشيخ عبد الرّحمن الزَّيتي(1).

وهو عمَلٌ حَسَن؛ لما فيه من تحقيق قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان﴾ [البقرة : 185]، والتأسّي برسوله صلى الله عليه وسلم الذي كان جبريل عليه السلام يلقاه في أيّام شهر رمضان ليدارسه القرآن كما ثبت في الصّحيحين(2).

غير أن هذه الظّاهرة الإيمانيّة العلميّة قد أصبحت في الأزمنة الأخيرة يعلوها غبارٌ من الجهل، ويحيط بها سورٌ من الهوى والتّضليل، وهو ما يُنذر بخطرٍ محدِقٍ على إيمان المجتمع واستقامته، إن لم يتداركه الله تعالى بلطفه وفضله.

لقد أصبحت ظاهرةُ مجالس التفسير في رمضان في بلادنا ميداناً رحباً لبثّ السّموم القاتلة، ونشر العقائد الفاسدة، والمذاهب المنحرفة، والأفكار الهدّامة، باسم تفسير كلام الله تعالى، وترجمة معاني القرآن العظيم، ويَتمّ ذلك بجرأةٍ عجيبةٍ، ومجازفةٍ غريبةٍ، فيها كثير من التنطّع في ترجمة الآيات دون أدنى معرفة بأقوال المفسِّرين وعلماء اللّغة، ودون اهتمامٍ بتمييز الرّوايات الصحّيحة من السّقيمة، إضافة إلى الجهل بتأويلات السّلف الصّالح من هذه الأمّة، وتصيُّد تأويلاتٍ فاسدةٍ لبعض المفسّرين والمؤلّفين.

وقد كتب الشيخ أبو بكر محمود جومي (عميد الدعوة السلفية في نيجيريا رحمه الله) قديماً مذكرة بعنوان (تهافت المفسرين)، حذّر فيها من هذا المنزلق الخطير، ونبّه على ما ينشره كثير من المتصدّرين للتفسير من الإسرائيليّات والقصص الواهيات، وفي بعضها نيلٌ من مقام النّبوة، وطعنٌ في رسل ربّ العالمين، فاستاء من هذه المذكرة بعضُ أولئك، وعدّوها نيلاً من كرامتهم، وانتقاصاً لعلمهم، فردَّوها ولم ينتفعوا بما فيها من الحقّ الأبلج الواضح(3).

أصناف المفسّرين في السّاحة الدّعوية النّيجيريّة ومصادر تلقِّيهم لهذ العلم:

لقد أصبحت إقامةُ مجالس التفسير في نيجيريا إحدى وسائل الدّعوة والتّذكير بالله، وتعليم النّاس أحكامَ الدّين، ومعالجة بعض المشكلات الاجتماعيّة، ومناقشة بعض القضايا السياسيّة.

وتظهر هذه المجالسُ بكثرةٍ ملحوظةٍ في أيّام شهر رمضان، بل من الدّعاة والعلماء من لا يتطرّق إلى تفسير القرآن الكريم لعامّة النّاس إلاّ في رمضان، وكان يتصدّى لهذه المهمّة قديماً قلّةٌ من الدّعاة، وعلى الرغم من وجود بعض المتعالمين غيرِ المؤهّلين بينهم؛ فإن الأمر إذ ذاك لم يتّسع اتساعه الآن، ولم يستفحل فسادُه استفحاله الحالي، وقد كان منذ الأيام الأولى يوجد بعضُ أصحاب الاتجاهات المنحرفة يخوضون في تفسير كلام الله حسب أهوائهم، ويأوّلونه وفقاً لأغراضهم الفاسدة، يتبعون كثيراً من غُلاة المتصوّفة، لكن مع ذلك تجدُ أنّ كثيراً من النّاس يتورّعون عن الخوض في هذا الباب، ويخافون القول في كتاب الله بلا علم، فلا يُقدمون على مزاولة هذا العلم بجهلٍ، ولا يتجرؤون على تفسير كلام الله على غير مراده.

ويمكن أن نحصر أصناف المفسّرين في السّاحة الدّعوية والعلميّة في نيجيريا في الآتي:

الصّنف الأول: من لهم معرفةٌ بعلم التّفسير، ولهم بصرٌ بأحكام الدّين، درسوا العلوم الشرعيّة، وعرفوا اللّغة العربيّة، يتحدّثون بها، ويكتبون ما يكتبون بها، ويؤلفون بها، وهؤلاء نزرٌ يسير جداًّ، كان يمثّلهم في الجيل السّابق: الشّيخ أبو بكر محمود جومي، الّذي عُرف بعلمه وورعه وديانته، ودعوته السّلفيّة الإصلاحيّة، قدّم تفسير كتاب الله من أوّله إلى آخره غير مرّة، وأذيع في إذاعة نيجيريا «كدونا» خلال شهر رمضان، ويعاد في بقية أيام السّنة.

اهتمّ الشّيخ أبو بكر محمود جومي بالتّفسير اهتماماً كبيراً، وساءه ما يراه في قومه من القول على الله تعالى بغير علم، وتفسير كلام الله بالهوى والباطل؛ فكتب كتابه (ردّ الأذهان إلى معاني القرآن) باللغة العربيّة، رام بذلك تنقية ما شاب تفسير آياتٍ قرآنيّة كثيرةٍ من تفاسير باطلة، وتأويلات مضلِّلة، وما دخل كُتب التّفاسير من قصصٍ واهية، وإسرائيليات مزيّفة، يقول في مقدمته لتفسيره هذا: «فإنّ كثيراً من القصص الّتي أُدخلت في تفاسير القرآن أَذهلت العقول، فجعلت النّاسَ يقرؤونها للتفكّه بها لا للعمل بما جاء به القرآن من العبر والمواعظ والشرائع، وربما أدّى ذلك إلى [نسبة] ما لا يجوز شرعاً أو عقلاً إلى خيرة خلق الله الأنبياء والملائكة والصّالحين.... »(4).

وقد بنى تفسيره على (تفسير الجلالين)، يكاد يكون كلّه من هذا الكتاب إلاّ من زياداتٍ يسيرةٍ تتعلّق بما يشير إليه من الموضوع الرّئيس للسّور، لخَّصها تلخيصاً بليغاً من كتاب (في ظلال القرآن) لسيّد قطب، وقد نبّه إلى منهجه في آخر تفسيره فقال: «ولم أخالف ألفاظ الإمامين الجليلين: جلال الدّين المحلّي، وعبد الرّحمن السّيوطي إلاّ بما أشار إليه الإمام سليمان بن عمر العجيلي (الشّهير بالجمل) في حاشيته عليهما في كتابه (الفتوحات الإلهيّة بتوضيح تفسير الجلالين للدّقائق الخفيّة)؛ في أكثر المعاني الّتي ملت إليها في هذا الكتاب، ولذلك لم أحتج إلى إسناد أقوالٍ إلى قائليها الأصليِّين مما نقلت منه خوف التّطويل، ولسهولة مراجعة مواقعها في الكتاب المذكور.

واتّبعت سيّد قطب في كتابه (في ظلال القرآن) في الإشارة إلى المواضيع الرّئيسة لدروس السّور، واختصرتُ كلامه بقدر الحاجة ومقتضى المقام، وكثيراً ما انتفعت بنفس ألفاظه في التّفسير بدون التّنبيه على ذلك؛ كما مرّ في (الجمل). ونقلتُ بعض الأحاديث أو الآثار المرويّة من تفسير الإمام إسماعيل بن كثير، ولم أقم بالتّنبيه عليه لقلّة ذلك عندي. ففي آيات الصّفات والأسماء اتبعت العقيدة السلفيّة، وانتفعت في ذلك بكتب شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهاب، وإرشادات الشّيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز؛ جزى الله الجميع عنّي وعن الإسلام خيراً».

ثمّ جاء بعده الشّيخ جعفر محمود آدم - رحمه الله تعالى -، فسار على منهجه في تفسيره، وزاد عليه باعتماد تفاسير أخرى من تفاسير السّلف، وكانت لدراسته في الجامعة الإسلاميّة بالمدينة النبويّة في كلية القرآن الكريم أكبر أثرٍ  في اتجاهه هذا.

وكان منهجُه في التفسير قائماً على ما يأتي:

-  إعداد تفسير الآيات الّتي يريد تدريسها بالاعتماد على بعض كتب التّفاسير: وأهمّها (تفسير القرآن العظيم) للحافظ ابن كثير، و (محاسن التّأويل) لجمال الدّين القاسمي، و (أضواء البيان) للشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطي، و (التّحرير والتّنوير) للشّيخ محمّد الطّاهر بن عاشور، و (الجامع لأحكام القرآن) لأبي عبد الله القرطبي، وكتاب (الصّحيح المسبور من التّفسير بالمأثور) للدكتور حكمت بشير ياسين (أحد مشايخه في الجامعة الإسلامية).

وكان يقدم خلاصةَ ما قرأه من هذه الكُتب في تفسير الآية بإيجازٍ شديدٍ، ممزوجاً بإرشاداتٍ تربويّة وكلماتٍ وعظيَّةٍ تُناسب الحال والمقام، ناظراً في كتاب (ردّ الأذهان إلى معاني القرآن) للقاضي أبي بكر جومي غيرَ مقتصِرٍ عليه.

-  تفسير القرآن بالقرآن: على ضوء ما كتبه الشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطي في كتابه (أضواء البيان)، ورسالته (دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب).

-  تفسير القرآن بالسنّة الصّحيحة، والآثار السّلفيّة: معتمداً في ذلك كتابَ (تفسير القرآن العظيم) للحافظ ابن كثير رحمه الله.

-  السّير في تفسيره على عقيدة سّلف الأمّة: فيُفسِّر آيات الصّفات وفقاً لمنهج أهل السنّة والجماعة، من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تشبيه.

-  تجنّب الإسرائيليّات والحكايات المكذوبة، والقصص الموضوعة: الّتي شابت كثيراً من كتب التّفاسير، وشوّهت من جمال كلام الله تعالى، ولم يسلم من تأثيرها كثيرٌ من المفسّرين.

-  البُعـدُ عن الأحاديث الضّعيفة والموضوعة في بيان أسباب نزول بعض الآيات، وتفسيرها: وكانت عمدتُه في هذا كتاب (الصّحيح المسبور) لشيخه د. حكمت بشير ياسين.

-  بيان بعض وجوه الإعراب للآية من غير إسهابٍ: ويعتمد في ذلك على كتاب (الجامع لأحكام القرآن) وكتاب (التحرير والتنوير) لابن عاشور.

-  تلمّس الواقع، وربط بعض الآيات بالحياة اليوميّة للنّاس: وكلمات وعظيّة وإرشادات خلال تفسير بعض الآيات حيناً بعد حين.

وقد ترك الشيخ رحمه الله أكبر أثرٍ في السّاحة الدّعوية والعلميّة، وانتشر تفسيره المسجّل في الأشرطة المسموعة والمرئيّة، وعلى الأقراص الإلكترونيّة(5)، وصار كثير من الخائضين في هذا المجال يحفظون منه أشياء ثم يخرجون إلى الناس ليقيموا دروساً في التّفسير، ويحوزون الفضل بغير جهدهم، ويتجرؤون على كلام الله تعالى بغير علم.

الصنف الثاني: دخلوا في التفسير من خلال كتاب (تفسير الجلالين)، واقتصروا على ما فيه دون إضافة من غيره، فتفسيرهم يكاد يكون ترجمة حرفيّة لعبارات الجلالين، وهو في بعض الأحيان أقرب إلى كتب (غريب القرآن)؛ من حيث الاقتصار على بيان بعض الألفاظ القرآنيّة دون التّطرق إلى شرح مضامينها وتحليل جُمَلِها.

وهذا الصنف من المفسرين أقل ضرراً من الصنف الذي يخوض في تفسير آيات الله بأهوائه في تأويلها وتحريف معانيها، وأقل نفعاً من الصنف الأول الذين أُعطوا نصيباً من معرفة الكتاب والسنّة، فأفاد منهم قومهم وانتفعوا بعلمهم.

وإذا رأيت واحداً من هذا الصنف وجدته لا يكاد يخرج عن (تفسير الجلالين)، ولا يكاد يقف مع الآيات إلاّ قليلاً، يترجم ألفاظ القرآن ترجمةً حرفية يُفهم منها المقصود في الجملة دون التّعمق فيها، ولا يعرّج على الإشارات النّحوية ولا النّكات البلاغيّة التي ترد عند (تفسير الجلالين).

الصّنف الثّالث: هم من دخلوا مجال التفسير من بوابة (تفسير الجلالين), وزادوا عليه ما في حاشية الصّاوي على الجلالين(6)، فتجد الواحدَ من أولئك المفسِّرين؛ كلّما جاء إلى آيةٍ للصّاوي حاشية عليها؛ وقف عندها وقرأ عليه قارئٌ من الحاشية المذكورة، وهو يترجم للنّاس، وغالباً ما تكون قصصاً واهيةً, وأحاديث موضوعةً، وأسباب نزول لا تصحّ، وبعضها فيها نيلٌ من كرامة الأنبياء، ومع ذلك لا يتنبّه هذا المفسر لها ولا يقف عندها موقف الناقد.

وهذا النمط من المفسّرين يكثر في الصّوفية ولا سيّما غلاتهم، ويتّخذون هذا الكتاب سلّماً للنّيل من عقيدة أهل السنّة، ونشر أباطيلهم، ودعوة النّاس إلى التّصوف الغالي، ويكثر هذا الصنف من المفسّرين في أتباع الشّيخ إبراهيم نياس السّنغالي.

الصّنف الرّابع: من اعتمدوا على (تفسير الجلالين) وجعلوه أصلاً، إلاّ أنهم يترجمون كلمات القرآن ترجمةً غامضةً لا يكاد السّامع يفهم منهم شيئاً سوى ألفاظ بلغة «الهوسا» تخرج من حناجرهم، يتغنون بها، ولا يقفون لتدبّر الآيات أو تأمّل المواقف، وإذا وقفوا فإنها وقفة هجوم على عقيدة أهل السنّة والجماعة، ودعوةٍ إلى التّصوف المقيت, ومن عجائب هؤلاء أنهم يُنهون تفسير القرآن كاملاً في ثلاثين يوماً في شهر رمضان لكلّ عام، أي بمعدلّ ترجمة جزءٍ كامل في كل يوم في حدود ساعتين من الزّمن!

الصنف الخامس: من لا يسترشد بكتاب، ولا يعتمد في تفسيره على أصل، بل يقول ما تملي عليه نفسه الأمّارة بالسّوء، يضرب الآيات بعضها ببعض ليخرج بمعان في تفسير كلام الله تعالى لم يقل بها أحدٌ من العلماء، ولا سطّرها يراعُ أحد من الكتّاب، غايتُه الدّعوة إلى طريقته الباطلة بتحميل كلام الله ما لا يحتمله، وتحريف الكلم عن مواضعه، ومع ذلك تراه يتفاخر بأنّه لا يعتمد كتاباً ولا ينظر في أصلٍ، ولا يدري أنّه بذلك ينادي على نفسه بالجهل، وعدم اعتماده على الكتاب هو اللاّئق بحاله؛ إذ كيف يجد كلّ تخبّطاته وأفكاره المنحرفة في كتابٍ؟!

ويمثّل هذا النّمط الشّيخ طاهر عثمان بوشي، الشّيخ المتصوّف الباطني، الذي لا يألو جهداً في الدعوة إلى العقائد الباطنية، يفسّر القرآن حسب هواه، ويفاخر بأنه لا يعتمد أصلاً، ولا ينظر في كتاب، مع أنّ هذا قصور ونقص؛ إذ لا تكاد تسمعه ينقل أقوال المفسرين في الآية، ولا يذكر تفسير الصحابة والتابعين؛ فكل أولئك يخالفهم في نهجه وطريقته.

وعلى منواله يسير القصّاصون الذين يقيمون مجالس التفسير في الأسواق والأماكن العامة، غالبهم (قرآنيّون) لا يؤمنون بأيّ كتاب إلاّ القرآن، ويترجمون القرآن ترجمةً خاطئة.

شدَّةُ تَخوّف السّلف من تفسير كلام اللّه بغير علم:

كان كثيرٌ من السّلف الصَّالح من الصحابة والتابعين يَهابون الخوض في تفسير كلام الله، ويُعظِّمون القولَ فيه خشيةَ القول على الله بلا علمٍ، عن ابن أبي مُلَيْكَة قال: «إن ابن عباس سُـئل عن آية لو سُـئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها»(7)، وأخرج الطبري في تفسيره بسندٍ صحيح عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طَلْق بن حبيب إلى جُنْدُب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن, فقال: «أحرِّج عليك إن كنت مسلماً إلا ما قمتَ عني. أو قال: أن تجالسني»(8).

وقال الليث، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: «إنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن»(9)، وقال شعبة، عن عمرو بن مُرَّة، قال: «سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا»(10)، وأخرج ابن جرير الطّبري بسندٍ صحيح عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال: « لقد أدركتُ فقهاء المدينة وإنهم ليُعظِّمون القولَ في التّفسير، منهم سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيّب، ونافع»(11)، وقال يزيد بن أبي يزيد: «كنا نسأل سعيد بن المسيّب عن الحلال والحرام - وكان أعلمَ النّاس -، فإذا سألناه عن تفسير آيةٍ من القرآن سكتَ كأن لم يَسمع»(12)، وعن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: أنه كان إذا سُـئل عن تفسير آية من القرآن، قال: «إنا لا نقول في القرآن شيئًا»(13)، وقال هشام بن عروة بن الزبير: «ما سمعت أبي يتأوّل آيةً من كتاب الله قطّ»(14)، وهؤلاء كلّهم من كبار تابعي أهل المدينة، ومن الفقهاء السّبعة الذين اجتمعت الأمّة على تقدّمهم وإمامتهم.

وأمّا أهل الكوفة، فقد أسند إليهم إبراهيم بن يزيد النّخعي قوله: «كان أصحابنا - يعني علماء الكوفة - يتّقون التّفسير ويَهابونه»(15)، وعن محمد بن سيرين قال سألت عَبِيدة السّلماني عن تفسير آيةٍ؛ قال: «اتّق الله، وعليك بالسَّداد وبالصواب، ذهب الذين كانوا يَعلمون فيما أُنزل القرآن»(16)، وهذا عبد الملك بن قريب الأصمعي (ت 216هـ) - إمام في اللغة العربية - يَسلك مسالك الحذر، ويتوقّى تبيينَ معنى لفظةٍ وردت في القرآن الكريم(17).

وهذا ابن مجاهد يقول: قال رجل لأبي: أنت الذي تُفسِّر القرآن برأيك؟ فبكى أبي، ثم قال: «إني إذن لجريء، لقد حملتُ التفسير عن بضعة عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم».

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله معلقاً على هذه الآثار ومبيناً جهتها: «فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف، محمولة على تحرّجهم من الكلام في التفسير بما لا علم لهم فيه، فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فلا حرج عليه؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد؛ فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به، فكذلك يجب القول فيما سُـئل عنه، مما يعلمه، لقوله تعالى: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَه﴾ [آل عمران : 187]، ولما جاء في الحديث الذي جاء من طرق: «من سُـئل عن علم فكتمه؛ أُلجم يوم القيامة بلجام من نار»... »(18).

من أدوات المفسِّـر:

ولعظيم خطر هذا الباب، وجلالة موقعه من العلوم الشرعيَّة؛ لم يسمح العلماء لكل واحدٍ أن يتصدَّر لمعالجته، ويتصدّى للخوض فيه، بل نصبوا لذلك أدواتٍ لا بدّ من استكمالها، وشروطاً يجب استيفاؤُها.

ومن أهم هذ الشروط:

1 -   العلم بتفسير القرآن بالقرآن.

2 -  معرفةُ الرِّوايات الصَّحيحة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير: فقد فسّر النبي عليه الصلاة والسلام كثيراً من الآيات القرآنية بأقوالِه وأفعاله، واعتنى بها المحدِّثون، وذخرت بها كُتبهم، فهي أولى ما يُفسَّر به كلام الله؛ إذ تبيينه منوطٌ به صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل : 44].

3 -  معرفةُ أقوال الصحابة وتفاسير التّابعين وأتباعهم: فالصّحابة رضي الله عنهم أعلم النّاس بكلام الله تعالى بعد رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم قد لازموا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حضراً وسفراً، سِلْماً وحرباً، وسألوه عن معاني بعض الآيات، وشهدوا مواقع التّنزيل، ووقفوا على أسبابه، ومعرفة السبب مما يُورث العلم التّام بالمسبّب، كما تميّزوا بنقاء اللّغة وصفاء الفهم والمعتقد.

والتّابعون - وإن كانوا دون الصحابة في ذلك - إلاّ أنّهم أدرى بالتّفسير ممن بعدهم؛ لقرب عصرهم من مشكاة النّبوة، وسلامة لغتهم العربيّة، وتمكنهم من ناصية العلوم الشرعيّة، مع صحّة المعتقد، والبعد عن البدع والأهواء.

4 -  معرفةُ كلام العرب: فقد نزل القرآن بلسانٍ عربي مبين: ﴿إنّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياَّ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف : 2]، وكلّ من يتصدّر لتفسير كلام الله فلا بدّ له من تمام العلم بألفاظه العربية، وأساليبه البيانيّة؛ من علم الإعراب، والاشتقاق، والتّصريف، والبلاغة، وكيفية النّطق بالقراءات؛ ليتمكّن من ترجيح الرّاجح من الوجوه المحتملة في تفسير آياته.

وقد حذّر العلماء كلَّ من يتصدّى للتفسير وهو جاهل بلغة العرب، من ذلك قول مجاهد بن جبر التّابعي المفسِّر الجليل: «لا يحل لأحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلّم في كتاب الله إذا لم يكن عالماً بلغات العرب»(19)، وقال مالك بن أنس رحمه الله: «لا أوتى برجلٍ غيرِ عالِمٍ بلغة العرب يفسِّر كتابَ الله إلا جعلتُه نكالاً»(20).

5 -  معرفةُ النّاسخ والمنسوخ: ليتبيّن له المحكَم من غيره، ومعرفة أسباب النّزول؛ لفهم تفسير الآيةِ على وجهها، يقول أبو عبد الرّحمن السّلَمي: انتهى عليّ بن أبي طالب إلى رجلٍ يقصّ، فقال: «أعلِمتَ الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا. قال: هلكتَ وأهلكتَ»(21).

6 -  مطالعةُ تفاسير أهل العلم، والدّراية الكاملة بمناهجهم في التّفسير: فذلك مهمٌّ جداًّ لكلِّ متَصدِّرٍ لتفسير كلام الله في زماننا، وهذا شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله يقول: « ربما طالعتُ على الآية الواحدةِ نحوَ مائةِ تفسير، ثم أسأل الله الفهمَ، وأقول: يا معلِّم آدم وإبراهيمَ عَلِّمْني»(22).

وكتب التّفسير كثيرةٌ جداًّ، والمطبوعُ منها يَربو على مائةِ كتاب، ما عدا المخطوط، والمفقود، وقد تنوعَّت مناهجُ أصحابها تبعاً لتنوُّع اختصاصاتهم العلميّة، واتجاهاتهم العقديّة والمذهبيّة، منها ما هو من جنس تفاسير السّلف، يُعنى بالرّوايات المسنَدة وغيرها، ومنها ما هو من جنس تفاسير أهل البدع والأهواء، يذكر مؤلِّفوها ما أُشرِبُوا من الأهواء والمعتقدات المنحرفة، ومنها ما ملأه مصنِّفُه بالأباطيل والحكايات المكذوبة، والإسرائيليات والأحاديث الضّعفية والمنكرة والموضوعة، ولا بد للمعتني بالتفسير من القدرة على التمييز بين ما هو حق وما هو باطل.

ظاهرةُ الخوض في التّفسير في هذه البـلاد:

قد فشا بهذه البلاد في الآونة الآخيرة قيام كثيرٍ من الدّعاة وغير الدّعاة بتفسير كتاب الله بين العامّة، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك، دون أدنى شعورٍ بالحَرَج أو التخوّف، وأكثرُهم غير مؤهِّلين لذلك، بل منهم من لا يستطيع أن يُقيم جملةً عربيةً صحيحةً، وهو جاهل تماماً بسائر العلوم الشرعيّة، مع ذلك تجده يخوض في تفسير كتاب الله تعالى دون أدنى تأنيبٍ للضّمير، أو استحضار لعظمة كلام الرّب جلّ وعلا.

عواملُ انتشار هذه الظّاهرة:

هناك عواملُ وأسبابٌ أدَّت إلى انتشار هذه الظّاهرة وتفاقُمِها، من ذلك:

-  ضعفُ الوازع الدّيني لدى كثيرٍ من الدّعاة: ولو أنهم خافوا الله تعالى واتَّقوه لعلموا أن كلامَ الله جدير بالتبجيل والتّعظيم، وحري بهم تنزيهه عن العبث والخوض فيه بلا علمٍ، لكنّهم لم يشعروا بذلك؛ لموت ضمائرهم، وتسلّط الشيطان عليهم.

-  رفعُ العلم وكثرة الجهل: فإنّ ذلك مما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونصّ عليه من جملة أشراط السّاعة، ولا شكّ أنّ من آثاره السّلبية، كما جاء في الحديث، أن يتّخذَ النّاسُ رؤوساً جُهَّالاً فيتكلّمون في العلم فيضلّون ويضلّون، فلما خَلت السّاحة عن العلماء العارفين الّذين يبينون الحق للناس، ويكشفون سوءاتِ المتجرئين على القول في كتاب الله دون علم، نُصحاً للأمَّة وتحذيراً منهم؛ وجد أولئك المتعالِمون مجالاً لنشر أباطيلهم وتسويق بضائعهم المزيَّفة من غير نكير.

-  حب الظّهـور والشّهرة: وقديماً قيل: (حُبّ الظُّهور يَقْصم الظّهور)، وهذا حَمَل كثيراً منهم على ارتقاء هذا المرتَقى الصَّعب، فلم يَرضوا لأنفسهم بالوقوف عند أقدارهم؛ حتى سوّلت لهم أنفسُهم أن يتظاهروا بما ليس عندهم، وأحبّوا أن يُحمدوا بما لم يَفعلوا، لتنحني لهم الرّؤوس إجلالاً، وتعلوَ الأصواتُ أمامهم تكبيراً، فاختاروا رضا النّاس بسخط الله، فلم يتورّع أحد منهم أن يتكلّم فيما قد توقّف فيه فحولُ العلماء، ولم يخَف أن يخوض في كتاب الله بغير علم ما دام أنّ فعله هذا يجلب له الشّهرة بين النّاس، والله تعالى يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين﴾ [القصص : 83]، وإذا تمكّن داءُ الشّهرة من النّفس أفقدها الصّدق مع الله تعالى، كما قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: «ما صَدَق اللهَ عبدٌ أحبّ الشّهرة»(23).

ومن لحقتْه هذه الآفةُ - مع إخلاصه - وهو لا يَشعُر بها؛ تَبصَّر بالتّذكير، وأقلع عن العيب بعد التّحذير، يقول الحافظ الذّهبي رحمه الله: «علامةُ المخلِصِ الّذي قد يحبّ شُهرةً ولا يشعر بها؛ أنَّه إذا عُوتِب في ذلك لا يَحْرَدُ [أي: لا يغضب]، ولا يُبَرِّئُ نَفْسَه، بل يَعترف، ويقول: رحم الله مَن أهدى إلَيَّ عُيوبي. ولا يَكُون مُعجباً بنفسِه لا يَشْعُر بعيوبها، بل لا يشعر أنّه لا يَشعر؛ فإنّ هذا داءٌ مُزْمِنٌ»(24).

-  التَّكسُّب بالعلم الزَّائِف: وذلك لما رأى بعضُ من لا يتَّقي الله أنّ إقامةَ مجلسٍ في التفسير في شهر الجود شهر رمضان مصدرٌ مُهمٌّ لجمع الأموال، والحصولِ على الصَّدقات والزَّكوات، وما تجود به أيدي المضَّطرين إلى الدَّعَوات؛ سعى سعياً حثيثاً إلى اقتحام العَقَبات، وجدَّ بعضُهم في التنقّل بين البلاد، أملاً بالكثير يوم الحصاد، فرضي أن يبيعَ دينَه وتقواه بِعَرضٍ من الدّنيا قليلٍ، ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلاَّ مَتَاعُ الْغُرورِ﴾ [آل عمران: 185].

-  ظنّ كثير من الخائضين في التفسير أنهم يكفيهم الاطلاع على بعض ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللّغات المحليّة: والوقوف على ترجمةِ الآيات الّتي يُلقون تفسيرها على النّاس، ثم يخرجون عليهم ليشرحوا تلك الآيات، ويعلقوا عليها من عند أنفسهم، ويرون أنهم بهذا الفعل يحسنون صنعاً، ويحسبون أنهم مهتدون!

ولا ريب أنّ هذا غَلط كبير، ومَزْلَق خطير، فإنّ تلك الترجمات لا تكفي لإخراج مفسِّر لكتاب الله، لأمورٍ منها:

-  أنّ كثيراً من تلك التّرجمات إنما هي في معظمها ترجمات حرفيّة لا تكاد تُجلِّي معاني الآيات كما ينبغي، بل أحياناً تشوبها أخطاء فادحة لا ينتبه لها إلاّ من أوتي حظاًّ من العلم.

-  أنّ شروط المفسِّر وأدواتِه، ليست محصورةً في فهم الألفاظ القرآنيّة فحسب، بل يُشترط فيه تفهّم مراد الله تعالى من تلك الألفاظ، ولا يمكن الكشف عن مراده إلاّ من خلال السنّة النبويّة الصّحيحة، وأقوال السلف، والأئمّة المفسرين، كما سبق التّنصيص على ذلك في جملة الشروط. وأمّا التّرجمات الموجودة فالغرض منها نقلُ معاني نصوص القرآن الكريم من لغته العربيّة إلى لغاتٍ أخرى، ليتسنّى لمن لا يُتقن اللّغة العربيّة أن يفهم ولو شيئاً يسيراً مما في هذا الكتاب العزيز.

-  أنّ هناك فرقاً كبيراً بين التّرجمة والتّفسير، والمجالس المنتشرة إنما هي في التّفسير، وليست لمجرّد نقل التّرجمات الحرفيّة. والأغاليط الفادحة، والآثار السيّئة الّتي نتحدّث عنها أكثر ما تَحْدُثُ من جِهة التّفسير والشّرح، لا من جِهة ترجمة الألفاظ.

-  فسادُ السّياسيِّين: فالسّياسة قد أصبحت في يومنا هذا رمزاً للكذب والرّياء، ودثاراً للفساد والانحلال؛ حتى صارت كلمةُ السّياسة كأنها مرادفةٌ لهذه المعاني ولغيرها من سوءات الحياة(25)، ولما رأى السّاسةُ أنّ الدّين عامل قويّ في التّحكّم  بشعور العامّة، وجرّهم إلى حزبٍ سياسيّ معيَّن، أو شخصيّة معيَّنة؛ رَكبوا هذه الموضةَ، وحاولوا إظهارَ أنفسهم بصفة المناصرين للدّين، العاملين في نشره، وكان شهر رمضان سوقاً رائجةً لهم لإظهار هذا الكذب في صورة الصّدق، والسّياسة الخبيثة في لباس الدّين الطّاهر، فانطلق كلّ واحدٍ منهم يختار من أولئك المتمشيخين من كان يستعمله في الدّعاء له للوصول إلى كرسيّ الفساد، ومَنصّة الرّشوة والظلم، بل أحياناً يكون المتمَشْيِخ من المشعوذِين الضّالين، فيشتري له ساعات البثِّ في إذاعةٍ أو أكثر لنشر الفوضى والعقائد المنحرفة باسم التّفسير، فيبوء بإثمه وإثم من ضلّ بسببه.

-  ضعفُ المستوى العلميّ لدى أكثر النّاس: وغياب المعايير الصّحيحة لديهم لتقويم الدعاة، فتوهّموا أن كلَّ إنسان عليم اللّسان، فصيحِ المقال، آخَّاذٍ بمشاعر النّاس إن تكلّم، جَهْوَرِيِّ الصّوت إذا خَطَب؛ أنّه من أولي العلم والأبصار، فالتفّوا حولَه ورفعوه إلى مصافّ العلماء، فاغترّ بذلك وجاهر بالأقوال الباطلة، ولم يتورَّع عن الخوض في التفسير دون علم.

من الآثار السـيّئة لظاهرة الخوض في التفسير دون علم:

وقد تولَّد من هذه الظّاهرة آثارٌ سلبيّة، تُنذر بخرابِ سوق العلم، وتُهدِّد مستقبل الإسلام في البلاد بالفساد والبدع، فمن آثارها السيّئة:

-  نشرُ الكذب والقول على الله بلا علمٍ: وهو محرَّم شرعاً بنصِّ القرآن، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم والْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأن تُشْرِكُوا بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف : 33]، وجعل الله تعالى القولَ عليه بلا علم من اتّباع خطواتِ الشّيطان، قال تعالى: ﴿... ولا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إنّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين (168) إنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة : 168 - 169]. كما نهى عنه في قوله: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لك بِهِ عِلمٌ إنّ السَّمْعَ والْبَصْرَ وَالْفُؤادَ كُلّ أُولَئِكَ كَان عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء : 36].

-  إسقاطُ هيبةِ التفسير من النّفوس: فإذا كان تفسير القرآن الكريم لا يخضع عند هؤلاء لمنهج، ولا يَتبع ضابطاً أو قاعدة؛ فإنّ ذلك يجرّئ الناس على الخوض في بيان مراد الله دون علم ولا هدى ولا كتاب منير.

-  «مَدّ المخالفة وامتدادُ رُواقِها: وانتشارُها في الاعتقاد والأقوالِ والأعمال، فإنّ الأهواء إذا كانت في متناوَلِ كلِّ لاقطٍ؛ آلت بالأمّة إلى أَسْرِها بأغلالٍ ما أنزل الله بها من سُلطان.

-  فُشُوُّ الشّبهة، ومداخلَتُها للاعتقاد الحقِّ: وتَلَعُبُّها بالقُلوب كَتَلَعُّب الأفعال بالأسماء، وبالتّالي تحريكُ العقيدة الحقَّة عن مكانها بعد ثباتها، فيضعف الاعتقاد السَّلِيم ويضعف سلطانه»(26).

-  هجرانُ كثيرٍ من هؤلاء الخائضين تَعلّم هذا العلم بأصوله: والإعراض عن مجالسَةِ العلماء العارفين بقواعده، لاعتقادهم أنّ الخوضَ فيه أمرٌ سهلٌ لا يتطلَّب عناءَ التّعلم ولا يحتاج إلى مشقّة البحث, وهذا الظنّ مع وضوح فَساده مخالفٌ لهدي علماء سلف هذه الأمّة الذين عنوا بالبحث عن معاني القرآن الكريم عناية فائقة النظير، ويصوِّر ذلك ما يأتي:

عن عُبيد بن حنين أنّه سمع ابنَ عَبّاس رضي الله عنهما يحدِّث أنّه قال: «مَكثتُ سنةً أُريد أن أسأل عُمرَ بن الخطّاب عن آيةٍ فما أستطيع أن أسألَه هيبةً له, حَتَّى خَرَج حاجاًّ فخرجتُ معه، فَلَمَّا رجعتُ، وكنَّا ببعض الطّريق عَدَل إلى الأرَاكِ لحاجةٍ له، قال: فَوقفتُ له حتى فرَغَ، فقلت: يَا أمير المؤمنين، من اللَّتان تَظاهرتَا على النّبي صلى الله عليه وسلم مِن أزواجِه؟ فقالَ: تلك حَفْصَةُ وعَائِشَةُ»(27).

وعن الشّعبي قال: «رحل مَسروقٌ في آيةٍ إلى البصرة، فسأل عن الّذي يفسِّرها وأُخبر أنّه بالشّام، فقدم الكوفَة فتجهّز ثم خرج إلى الشّام، حتى سأل عنها»(28)، وعن عبد الله بن بريدة، عن رجل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنِّي أعلم إذا سافرتُ أربعين ليلةً أعربتُ آيةً من كتاب الله لفعلتُ»(29), وقال عكرمة في قوله عز وجل: ﴿وَمَنْ يَخْرُج مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إلى الله وَرَسُولِهِ﴾ : «طلبتُ اسمَ هذا الرّجل الّذي خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسولِه أربعَ عشرة سنةً حتى وجدتُّه»(30).

وهذه النصوص وأمثالها دليل على اهتمام السّلف بطلب علم التفسير، وتعلّمه من ذويه مهما كلّفهم ذلك من صُعوبةٍ وعَناء, قال شيخ الاسلام ابن تيمية: «من فسر القرآن أو الحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله، ملحد في آيات الله، محرف للكلم عن مواضعه، وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام»(31).

-  تعميقُ الفرقة بين الأمّة الإسلاميّة، وتمزيقُ وِحدتها بإحداث أقوالٍ فاسدة: ونشرِ الْفَوْضَى باسم العلم، مما يؤدّي إلى وُجود مقالاتٍ بدعيةٍ جديدةٍ تضاف إلى رَصيد ما تُعانيه الأمّة من المقالات المنحرفة القديمة.

وسائل محـاربة هذه الظاهرة:

تَكمُن وسائلُ محاربة هذه الظّاهرة، وإزالتها أو التّقليل منها، فيما يأتي:

-  إقامةُ الدّورات والملتقيات والنّدوات العلميَّة: والتي تتناول الحديثَ عن التّفسير وأصولِه، والمؤلَّفات فيه، وخُطورتِه، وأدواتِ المفسِّر وشروطه، يقوم بتنفيذها علماءُ أو طلاّب علمٍ متخصِّصون في هذا المجال عارفون بخفاياه وغوامضه؛ يُدعى لحضورها كل الدعاة العاملين، وتُبثّ عبر وسائل الأعلام المرئيّة والمسموعة، ليعلم من لا يَعلم أنّ هذا العلم ليس سهلَ المرتقى، بحيث يَدخله من شاء كما يشاء.

-  مَزيد الاهتمام والعناية بفنّ التّفسير ومتعلّقاته: وذلك بتخصيص حلقاتٍ علميَّةٍ في هذا الفنّ الجليل؛ كي يتخرّج جيلٌ من الدّارسين عارفٌ بكتاب الله تعالى، ومرادِ الرّبّ سبحانه وتعالى، حتّى يقوموا بحاجة الأمّة إلى تَفهيمها كتابَ ربِّها جلّ وعلا، ويسدّوا الطّريق أمَامَ الخائضين، ولا يكتفي العلماء بدروس التّفسير العامّة، إذ إنّ سبيلَ ذلك توعية العامّة أكثر من تحقيق مسائل التفسير ودقائقه، والتي لا يعقلها إلا النابهون من طلبة العلم الشّرعي.

-  نشرُ الوعي بين النّاس، وتحذيرهم من السّماع إلى كلِّ متحدِّث باسم العلم: إحياءً لمنهج المتقدِّمين: (لا تأخذ العلم إلاّ عمّن تعرف)، و (نبذ أحاديث المجاهيل الّذين لم يشهد لهم بالعلم والمعرفة)، وخصوصاً في أيام شهر رمضان المبارك.

-  توعية السِّياسين والمسؤولين وأصحاب المال، وتذكيرهم بالله تعالى، وإعلامهم بخطورة الإعانة على نشر الفساد والكذب بين الناس: وأنّ من فعل هذا بآء بإثمه وإثم من عمل به إلى يوم القيامة، وتوجيههم إلى تسخير قُدراتهم الماليّة والسياسيّة في خدمة برامج دينيّة أخرى تنفع المسلمين، ويُكتب لهم الأجر عند الله تعالى.

-  شراءُ ساعاتِ البثِّ لبعض الدّعاة البارزين في مجال تفسير القرآن الكريم: وتَخَيّر أوقات البثِّ المناسبة؛ ليعلمَ النّاس الفرقَ بين بَلَجِ الحقَّ وَلجاجَة الباطل، بين نور العلم، وبين ظُلمات الجهل؛ ففَضيلةَ الشّيء تُعرَف بضدّه، كما في الكلام السّائر:

الضّدّ يُظْهِر حُسْنَه الضِّدّ    وَبِضِدّها تَتَميّزُ الأشياءُ

أخطاء وعثرات :

هذا ولا يخلو عبد من عباد الله من أخطاء يقع فيها ، وهفوات فلكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة ، ومن أخطاء هذا الشيخ الفاضل قولة بوفاة المسيح عليه السلام وقد قدم له النصيحة مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن باز وهذه هي :

نصيحة لمن اعتقد بوفاة المسيح وعدم نزوله في آخر الزمان :

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 332)

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إِلى فضيلة الأخ الشيخ: أبو بكر محمود جومي رئيس القضاة سابقًا في شمال نيجيريا وعضو رابطة العالم الإِسلامي بمكة المكرمة . وفقه الله

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فقد اطلعت على كتابكم حول وفاة المسيح عيسى ابن مريم، وتقريركم: عدم نزوله في آخر الزمان، وعنوانه: ( حل النزاع في مسألة نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام )، ويقع في ثلاثين صفحة من القطع الصغير.

واستغربت ذلك كثيرًا؛ لمخالفته للأحاديث الصحيحة المتواترة في نزوله آخر الزمان، ولا يوجد في الكتاب الكريم ما يخالف ذلك.

فالواجب عليك الرجوع عن هذا القول، والتوبة إِلى الله من ذلك، ومتابعة أهل السنة في إِثبات نزوله عليه السلام آخر الزمان، ومن خالفهم فقد شذّ وخالف الحق.

ومثلكم يقتدى به، فالواجب عليكم الرجوع إِلى الصواب، ولا عيب في ذلك؛ فإِن الرجوع إِلى الحق وعدم التمادي في الخطأ هو الطريق الحق، وهو مسلك العلماء قديمًا وحديثًا.

وأنصحكم بمراجعة كتب الحديث في ذلك، وتفسير ابن جرير والبغوي وابن كثير ، ففيها الكفاية والمقنع لطالب الحق.

وفقنا الله وإِياكم لما يرضيه، وأعاذنا الله وإِياكم وسائر المسلمين من مضلات الفتن، ومن نزغات الشياطين، إِنه جواد كريم، كما أسأله سبحانه لكم التوفيق والإِعانة على كل خير، إِنه سميع قريب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وفاته :

وتوفي الشيخ أبو بكر محمود غومي – رحمه الله تعالى – عام 1413ه/ الموافق 1992م إثر تعرضه لسكتة دماغية، بعد مشوار علمي وفكري حافل بالبذل والعطاء،  رحمه الله رحمة واسعة.

المراجع والهوامش:

(*) مدينة كانو – نيجيريا - حرسها الله -.

(1) انظر: حياة الشيخ علي الكوماسي، ص 361.

(2) البخاري، رقم 1803، ومسلم، رقم 6149 ، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(3) انظر: الإسلام اليوم وغداً في نيجيريا، لآدم الألوري، ص 85.

(4) مقدمة ردّ الأذهان.

(5) وقد بدأ العمل على تفريغه وطبعه بمركز الشّيخ جعفر محمود آدم العلمي، وقد طبع منه (جزء تبارك) بإشراف بعض العلماء، وسورة البقرة، قيد الطّبع، وسيصدر تباعاً إن شاء الله تعالى.

(6) الصّاوي: هو أحمد بن محمد الصّاوي المصري الخلوتي المالكي (ت 1241هـ)، وهو متصوّف غارقٌ في التصوف حتى النخاع، وله في حاشيته هذه آراءٌ زائغة، وتأويلاتٌ باطلة، وكلامٌ سيءٌ في أهل السنّة والجماعة.

(7) تفسير الطبري, رقم 98، قال ابن كثير: إسناده صحيح. وهو كما قال.

(8) تفسير الطبري، رقم 99.

(9) تفسير الطبري، رقم 95، وإسناده صحيح.

(10) المصنف، لابن أبي شيبة، (5 / 11)، بسندٍ صحيح.

(11) تفسير الطبري، (1 / 39).

(12) الطبري، (1 / 86).

(13) تفسير الطبريي، رقم (93، 94)، طبقات ابن سعد، (5 / 135).

(14) فضائل القرآن، لأبي عبيد، ص 229.

(15) المصدر السّابق.

(16) الزهد، لابن المبارك، رقم 205.

(17) الكامل، للمبرد، (2 / 928).

(18) مقدمة تفسير القرآن العظيم، ص 131، والحديث رواه الترمذي، رقم 2649، وأبو داود، رقم 3658.

(19) الإتقان، (2 / 468) .

(20) شعب الإيمان، (5 / 232).

(21) الناسخ والمنسوخ، للنحاس، (1 / 410).

(22) العقود الدرية، ص 42، وانظر: مجموع الفتاوى، (6 / 394).

(23) التاريخ الكبير، للبخاري، (4 / 363).

(24) سير أعلام النبلاء، (7 / 393).

(25) انظر: النظرات، للمنفلوطي، ص (56 – 57).

(26) الرد على المخالف، بكر أبو زيد، ص (79 – 80).

(27) البخاري، رقم 4913، ومسلم، رقم 1479.

(28) التعديل والتجريح، (2 / 747).

(29) الإتقان، للسيوطي، (2 / 465). ومعنى الإعراب: البيان والتّفسير.

(30) تفسير القرطبي، (1 / 26).

(31) الفتاوى، (13 / 243).

(32) - جائزة الملك فيصل العالمية في خمسة وعشرين عاما، ص 74- 75.

(33)- موقع إسلام أون لاين.

وسوم: العدد 660