الشهيد لؤي بيلوني

أخوان شقيقان، ولدا في بيت متدين فطرة، محافظ على أهداب الدين والعفة والأخلاق الكريمة، يسعى رب البيت في صبيحة كل يوم إلى عمله، همه أن يأكل لقمته بالحلال، وأن يغذو أولاده بالحلال، لأن اللقمة الحرام نار، وكل جسد نما من سحت فالنار أولى به.

ولد لؤي في حي الجميلية بحلب عام 1957م، وفي ذلك المحضن تربى ونشأ وترعرع، يذهب إلى المدرسة صباحاً، وإلى محل والده الخياط بعد الدوام ليساعد أباه في عمله، محاولاً كسب رضاه، حتى اكتسب مهنة الخياطة، فحافظ عليها، واستمر يعمل فيها وهو طالب في الجامعة يكسب ما يكسب، ليساعده في دراسته، وليعينه في بناء أسرته فقد تزوج وأنجب كلاً من براء ورامز وليعين والده الشيخ الكبير صاحب الأسرة الكبيرة.

وكان لؤي بهذا مثال الأخ الملتزم الذي يطبق تعاليم الإسلام التي تعلمها في أسرته الإخوانية، براً بالوالدين، وسعياً على الأهل والعيال، وكسباً حلالاً طيباً يكفي به نفسه وأهله.

كان لؤي قد التحق بجماعة الإخوان المسلمين في وقت مبكر وهو في الصف الثاني الإعدادي، وتربى في المدرسة الإخوانية على مبادئ الإسلام وقيم الشجاعة والعفة والكرم فكان شجاع القلب، يتصدى للحزبيين في المدرسة والجامعة بعنف لا يخشى من تقاريرهم وما قد تجره عليه من بلاء الاعتقال والجلد وكان عفيف الجوارح لا يعرف لسانه إلا ذكر الله وطيب القول فما سمع أحد منه يوماً أي كلام فيه رائحة لغيبة أو نميمة أو تجريح، شعاره في ذلك، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت". وكان يعلق على هذا الحديث قائلاً: أنا مؤمن بالله ورسوله ولن أسمح لهذا – ويشير إلى لسانه أن يقول غير الخير وكان لؤي كريماً يجود بما يفضل عن حاجته وحاجة أسرته وله أيادٍ بيض على العديد من إخوانه الفقراء الذين كان يحسبهم الناس أغنياء من التعفف أما لؤي فكان يعرفهم وكان يحسن إليهم في السر، ولولا أحاديث هؤلاء عن كرم لؤي لما عرف أحد هذه الشيمة فيه، لشدة تكتمه عليها.

وعندما نشت الثورة الإسلامية في سورية، ونهض المجاهدون في حلب، وتصدوا للطغيان الأسدي عام 1979م، التحق بهم لؤي، وهو الشاب الطويل القوي البنية، المفتول العضلات، والرياضي المهيب الطلق، الناصع الجبين...

التحق بالمجاهدين، وراح يخيط لهم الأحزمة التي تساعدهم في حمل أسلحتهم وذخائرهم، كما يخيط لهم ما يحتاجون إليه من أنواع اللباس الذي يساعدهم على التمويه...

وكان لؤي قد جعل من بيته في حي الصاخور بحلب، قاعدة للمجاهدين، وجعل من زوجته وطفليه غطاءً لهم.

وفي سحر يوم الاثنين 18/2/1980م وفيما كانت مجموعة المجاهدين تتسحر لصيام يوم الاثنين – فقد كان من عادة المجاهدين المحافظة على سنة صيام أيام الاثنين والخميس من كل أسبوع، قرع الباب بعنف.. وكانت هناك خمسة عناصر من الوحدات الخاصة هم الذين يقرعون الباب.. خرجت الأخت أم براء – زوجة لؤي – تسأل: من الطارق؟ فأجابتها وحوش أشد: تفتيش ..  قالت لهم: لحظة..

وأسرع لؤي يخبر الإخوة السبعة، فنهض الجميع، واستعدوا للقاء الله، ولخوض معركة العقيدة والكرامة مع أعداء العقيدة والكرامة، وألقى الأخ الشيخ موفق سيرجية بالشباب كلمات سريعة قصيرة تشجعهم وتحمسهم – وما كانوا في حاجة إلى مزيد من التشجيع والتحميس – فيما كان الأخ لؤي يهرب زوجته وطفليه – وكان الإخوة الآخرون يأخذون أماكنهم استعداداً للموت في سبيل الله بعد تلقين المجرمين دروساً ترديهم في جهنم..

وفي هذه اللحظات السريعة الحاسمة ألقى الأخ أيمن خطيب رمانة يدوية دفاعية على العناصر الخمسة فأرداهم قتلى، وأتاح لإخوانه أن يسرعوا في أخذ مواقع جديدة لهم فوق الأسطحة وعلى الشارع العام وعندها حضرت قوات كثيفة من عناصر البغي نحو البيت فاشتبك معها الإخوة الثمانية وتمكنوا من الإيقاع بها، وإنزال مقتلة كبيرة بين عناصرها فيما هرب الآخرون وسمع قائد الحملة يطلب النجدة في اللاسلكي لأن مئات الإخوان يقاتلون من سائر الاتجاهات وجاءت النجدات من المطار محمولة على عدة طائرات هليوكبتر، ومن الوحدات الخاصة ومن سائر فروع المخابرات العامة والعسكرية والسياسية وكانت معركة حامية استمرت بضع ساعات، أبلى فيها الإخوة الثمانية أحسن البلاء، وكان بإمكانهم أن يقتلوا المزيد من عناصر السلطة الذين اتخذوا من شرفات البنايات المجاورة والقريبة مواقع لهم، وعلى أسطحتها... ولكن المجاهدين فضلوا عدم استخدام صواريخ الآربي جي حفاظاً على أرواح الإخوة المواطنين الذين احتل المجرمون بيوتهم وبناياتهم..

وانتهت المعركة بمصرع عشرات من قوات البغي، فقد غطت الجثث الشوارع المحيطة بدار لؤي، وكانت دماؤهم تصبغ تلك الشوارع.

واستشهد الإخوة الثمانية، استشهد موفق سيرجيه وأيمن الخطيب ولؤي بيلوني وسامح آلا وفخر الدين زنجير وباسل كسحة وأيمن علوان وهيثم حزيني.

وبكت حلب أبناءها المجاهدين.. بكت شيخها الشاب موفق سيرجيه، بكت مجاهدها الفذ أيمن الخطيب، . وبكت الشاب المجاهد في صمت لؤي بيلوني الذي ما كان يعرف عنه أهله وذووه سوى أنه طالب في الصف الثالث فرع الرياضيات في جامعة حلب، وأنه خياط يكسب رزقه بعرق جبينه، وأنه شاب متدين يحافظ على صلواته وعلى لحيته ويواظب على صوم يومي الاثنين والخميس وسوى أنه زوج صالح لأمراة صالحة، وأب لطفلين برعمين.

وسوم: العدد 706