أسرة الشهيد وجيه علواني

مهما حاول التاريخ أن يفقد الذاكرة أو يدعي ذلك فلن ينسى أبداً ذلك الشهيد الذي هو بحق أبو الشهداء وجد الشهداء..

إنه سليل البيت النبوي الطاهر الذي شهدت حماة مولده، وبالتحديد في حي العليليات عام 1911م بقرب مرقد جده الإمام الكبير الشيخ علوان وهو أحد أعلام المسلمين المعروفين وصاحب مدرسة فلسفية صوفية وأحد العلماء المجددين في عصره وله تلاميذ في شتى بقاع المسلمين وذراري في بلاد متعددة وقد توفي عام 936م من الهجرة النبوية الشريفة وقد نبغ في ذريته كثير من العلماء في حماة وغيرها.

وله في حماة زاوية يرقد فيها ومسجد كبير آخر بقربه يحمل اسمه..

إنها أسرة علمية تقية تلك التي نشأ فيها الحاج وجيه العلواني..

لقد مارس التجارة في سوق الطويل مع أعمال تجارية أخرى وتجارة الأغنام في البادية وهي مهنة كثير من عوائل حماة ولم يشغله ذلك قط عن المواظبة على دروس العالم محمد الحامد رحمه الله وحديثنا عن الأسرة الشهيدة يبدأ بزوجته أم إبراهيم علواني – من مواليد عام 1922م وقد رزقه الله منها عدداً من الأبناء الذين أبلوا بلاءً حسناً في مواقع الجهاد فقد كتب على هذه الاسرة الكريمة أن تدخل المحنة في وقت مبكر من حكم الطاغية حافظ أسد إذ اعتقل ولده الشهيد مهدي العلواني في منتصف تشرين الثاني عام 1972م وهو ابن السادسة عشرة من عمره ثم أفرج عنه في شباط عام 1973م. وفي الخامس والعشرين من أيلول عام 1975م اتجهت مخابرات أسد إلى الجامعة حيث كان المجاهد زكريا أحد أبناء الحاج وجيه العلواني يؤدي امتحانه في كلية الطب البيطري في حماة.

ضابط المخابرات: أنت زكريا علواني

زكريا: نعم.

- مَعْنَاتها أنت المطلوب.. امش معنا

- أنا؟... لوين؟

- لا تخاف.. بس خمس دقائق وبترجع..

- لكن أنا في الفحص..

- كما عنا في فحص يلا.

وما إن قاموا باعتقال زكريا وخرجت السيارة من الجامعة واتجهت نحو شارع العلمين حتى كان ما كان.

- صوت طلقات رصاص.

جندي: سيدي النقيب.. الرصاص علينا مثل زخ المطر.

الضابط اتركوا السيارة واهربوا

وتركوا السيارة تهوي في شارع العلمين وفروا في اتجاه الأزقة واستطاع إخوة زكريا إنقاذ أخيهم من أيدي الطغاة.

وبعد شهرين فقط أي في السابع والعشرين من تشرين الثاني من عام 1975م أرسل المجرم محمد غرة رئيس مخابرات أمن الدولة في حماة قوة عسكرية أطلقت النار على المجاهد غزوان وجيه العلواني قرب بيته في شارع بدر الدين الحامد حيث استشهد على الفور وكان شجاعاً مقداماً لا يعرف الخوف إلى قلبه سبيلاً..

وعندما رأى إخوة غزوان ما صنع المجرمون بأخيهم كان لا بد أن يصنعوا شيئاً فقاموا بإلقاء بعض القنابل التي كانت بحوزتهم تجاه الأنذال، ثم ابتعدوا عن أنظارهم لأنهم يريدون قتلهم كما صنعوا بأخيهم.

حقاً إن الله يملي للظالم ويمهل ولا يهمل.

ويشهد على ذلك يوم التاسع من شباط من عام 1976م الذي لقى فيه المجرم محمد غرة رئيس مخابرات أمن الدولة في حماة مصرعه بما كسبت يداه، غير أن عصابة الإجرام داهمت منزل الحاج وجيه وأصبحت العائلة كلها مطلوبة للاعتقال بما فيهم الوالد الشيخ الكبير الحاج وجيه العلواني.

ولم يكن لها علاقة بحادث الاغتيال غير أن عصابة الإجرام لا يعوزها مبرر للقهر والإرهاب ففي اليوم التالي أي في العاشر من شباط عام 1976م، وضعت هذه العصابة يدها على منزل الحاج وجيه وصادرت أملاكه كما اعتقلت شقيقه وأودعته السجن بالإضافة إلى صهره المسن المقيم في دمشق والذي لا علاقة له بشيء من قريب أو بعيد كما اعتقلت العشرات من رجال آل العلواني وحتى النساء.

- وَقْعُ أقدام منتظمة السير.

جندي: أمرك سيدي

الضابط: روح لعند مرت وجيه العلواني وجِيبَا لهون قلها بدنا نرجعلكن بيتكن مشان تستلمو.

الجندي: أمرك سيدي

كانت هذه حيلة لاستدراج المرأة العجوز من أجل اعتقالها الذي دام حوالي عام ونصف كما قام الطغاة باعتقال يحيى العلواني أحد أبناء الحاج وجيه وهو رجل بسيط للغاية، وفي خريف عام 1978م اعتقلوا الشهيد مهدي وجيه العلواني وابن أخته الشهيد خالد العلواني في دمشق وأخاه الشهيد عمر العلواني.

والأعجب من ذلك أن التلفزيون الأسدي أجرى لقاء أواخر حزيران من عام 1978م مع الشهيد مهدي وجيه العلواني كان فيه مثار إعجاب جميع أبناء الشعب السوري حيث افتتن الجمهور بشجاعته وإقدامه وهو في قفص الاعتقال.

وبالطبع لم يتحمل نظام القهر والخيانة هذه المواقف وأثرها على الشعب السوري فأقدم على إعدام قافلة من الشهداء منهم عمر وجيه العلواني، مهدي وجيه العلواني وابن أختهما خالد محمد العلواني.

وفي صيف عام 1979م أطلقت السلطات سراح الحاجة أم إبراهيم بعد إعدام ولديها وحفيدها وكانت قد التقت بهم أثناء اعتقالهم، وفي كانون أول عام 1981م استشهد الشاب رائد محمد العلواني في حماة لدى تفجير قاعدة الشهيد هاني العلواني رحمة الله عليهم أجمعين.

نعود إلى الشهيد أبي الشهداء وجد الشهداء فبعد الأحداث الدامية التي وقعت في آذار من عام 1980م وصل وفد المسؤولين من دمشق إلى حماة وطالبه الجمهور برفع الطلب عن الحاج وجيه فاستجابت السلطات لطلبهم.

وفي شباط من عام 1982م قامت القوات العسكرية أثناء احتلال مدينة حماة بإخراج الحاج وجيه العلواني من بيته وأطلقوا عليه النار دون مراعاة لسنه. بقي أن نعرف أن أقرباءه عثروا على جثته في الدكان بعد تسعة أيام وكأنه قد استشهد الآن.

رحم الله الشهيد أبا الشهداء وجد الشهداء.

وصدق الله العظيم..

"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون".

وسوم: العدد 707